في فجر يوم مشحون بالتوترات، نفّذت الولايات المتحدة الأمريكية هجوما استهدف منشآت نووية إيرانية استراتيجية في فوردو ونطنز وأصفهان. لم تكن هذه العملية مجرد ضربة عسكرية اعتيادية، بل إعلان صريح عن دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التصعيد الشامل، تُعيد رسم موازين القوى وتُظهر هشاشة الخطوط الحمراء التي طالما اعتُبرت ثوابت في اللعبة الإقليمية.



كسر استراتيجي للردع التقليدي: قرار أمريكي فردي في توقيت حرج

الضربة الأمريكية، التي نفذت في توقيت مفاجئ خلال عطلة الأسواق المالية، تشير إلى اتخاذ قرار سياسي منفرد على أعلى المستويات في واشنطن، وربما بعيدا عن المشاورات التقليدية مع المؤسسة العسكرية. وقد وصف بعض المحللين هذا القرار بأنه جاء في سياق استعراض عضلات على حساب التوازن الإقليمي، مع تجاهل التقديرات التحذيرية من انزلاق لا يمكن السيطرة عليه.

تجدر الإشارة إلى أن المنشآت المستهدفة في إيران تُعد من الأعمدة الأساسية لبرنامجها النووي، وتُشير تقديرات استخبارية إلى أنها تحتوي على مئات أجهزة الطرد المركزي عالية التقنية التي تُسرّع إنتاج المواد النووية، وهو ما جعل الضربة تبدو محاولة لقطع الطريق على إيران نحو السلاح النووي.

يواجه البيت الأبيض أزمة داخلية بين حماسة ترامب لفرض وقائع جديدة على الأرض، وتوجس البنتاغون من تداعيات توسيع الصراع. هجوم كهذا -وصفه بعض الخبراء بـ"غير المحسوب"- يضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي مع خطر انزلاق غير مرغوب فيه نحو مواجهة طويلة الأمد
الرد الإيراني: دقة استثنائية واحترافية عسكرية

رد إيران على الهجوم لم يكن مجرد رد فعل عاطفي أو ناري، بل كان تعبيرا عن استراتيجية مدروسة بعناية عالية. أطلقت إيران حوالي 30 صاروخا باليستيا ضمن "الموجة العشرين" من عملية "الوعد الصادق 3"، استهدفت خلالها مطار اللد، ومراكز الأبحاث البيولوجية، وقواعد عسكرية أساسية داخل الأراضي المحتلة.

الأمر اللافت هو أن بعض هذه الصواريخ اخترقت منظومة "القبة الحديدية" الدفاعية الإسرائيلية، وسبق صافرات الإنذار، ما يعكس تفوقا تكنولوجيا واضحا في القدرات الإيرانية، وهو أمر قد يعيد حسابات تل أبيب، التي اعتقدت لسنوات أن دفاعاتها الجوية غير قابلة للاختراق.

وفقا لتقارير أولية، أصيب ما لا يقل عن 15 شخصا بينهم في حالة حرجة، في حين تعرضت منشآت حيوية لأضرار كبيرة، رغم محاولات الرقابة العسكرية الإسرائيلية تعتيما على حجم الخسائر.

إسرائيل بين القلق الداخلي وتقييم الواقع الجديد

في تل أبيب، يقف الجمهور والقيادة الأمنية في مواجهة حقائق مرّة. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي طالما اعتبرت نفسها صاحبة المبادرة، وراعية الردع في المنطقة، وجدت نفسها في موقف دفاعي حرج، مع اعترافات داخلية بأن الضربة الأمريكية "أنقذت إسرائيل من مهمة شبه مستحيلة" كانت تتمثل في استهداف منشأة فوردو النووية الواقعة تحت الأرض.

هذه الاعترافات تُظهر هشاشة النظام الأمني الإسرائيلي، وتعكس ضعفا في الاستعدادات والتقييم الاستخباري تجاه التهديد الإيراني الجديد. كما أن استنفاد "بنك الأهداف" الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية بحسب الإعلام العبري يجعلها الآن في موقف التبعية والرد بدلا من المبادرة.

إيران.. بين الحنكة الاستراتيجية والصبر القانوني

حافظت إيران على خطاب دبلوماسي قانوني، حيث أكدت أن الرد قادم لكن "ليس انفعاليا"، مؤكدة أن المنشآت المستهدفة كانت "مفرغة من المواد النووية الخطرة"، ما يوحي بأن طهران كانت متوقعة للضربة، واستعدت لها بحذر متزن.

إضافة إلى ذلك، وجهت إيران تهديدا ضمنيا للولايات المتحدة بأن "كل مواطن أمريكي في منطقة الشرق الأوسط بات هدفا مشروعا"، في مؤشر واضح على رفع مستوى التصعيد في خطابها السياسي، مع محاولة للحفاظ على شرعية الرد على الساحة الدولية.

واشنطن بين التصعيد السياسي والتردد العسكري

يواجه البيت الأبيض أزمة داخلية بين حماسة ترامب لفرض وقائع جديدة على الأرض، وتوجس البنتاغون من تداعيات توسيع الصراع. هجوم كهذا -وصفه بعض الخبراء بـ"غير المحسوب"- يضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي مع خطر انزلاق غير مرغوب فيه نحو مواجهة طويلة الأمد، لا تخدم مصالحها.

كما أن توقيت الضربة خلال عطلة الأسواق يشير إلى محاولة تفادي اضطرابات اقتصادية، إلا أن الرد الإيراني السريع قد يعيد إشعال التوترات ويزيد من حجم المخاطر الاقتصادية الإقليمية والدولية.

السيناريوهات المستقبلية: تلاقي جبهات متعددة وتحولات إقليمية

في ضوء هذه التطورات، من المتوقع أن تتجه المنطقة نحو حرب استنزاف متعددة الجبهات تشمل:

- لبنان: حيث يحتفظ حزب الله بترسانة من الصواريخ والقذائف الدقيقة التي يمكنها تغيير قواعد الاشتباك.

- العراق: مع الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، التي أصبحت جاهزة للرد في حال تصعيد إضافي.

- غزة: التي قد تفتح جبهة جنوبية مفاجئة في ظل حالة الاستقطاب المتصاعدة.

هذا السيناريو قد يشمل عمليات سرية، واغتيالات، وهجمات سيبرانية، ومواجهات غير مباشرة، ما يطيل أمد الأزمة ويصعب التنبؤ بنتائجها.

تحولات عميقة في ميزان القوى الإقليمي
يواجه البيت الأبيض أزمة داخلية بين حماسة ترامب لفرض وقائع جديدة على الأرض، وتوجس البنتاغون من تداعيات توسيع الصراع. هجوم كهذا -وصفه بعض الخبراء بـ"غير المحسوب"- يضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي مع خطر انزلاق غير مرغوب فيه نحو مواجهة طويلة الأمد
الضربة الأمريكية والرد الإيراني يكشفان عن انهيار "الردع النفسي" الذي سيطر على الشرق الأوسط لعقود، وتأكيد قدرة إيران على توجيه ضربات مباشرة داخل العمق الإسرائيلي، وهو ما يغيّر قواعد اللعبة الأمنية بشكل جذري.

كما أن إسرائيل تبدو اليوم أكثر رهبة من قدرة إيران على فرض نفسها كقوة إقليمية قادرة على الردع الاستراتيجي، بينما الولايات المتحدة تدخل في مأزق يصعب فيه المحافظة على استراتيجيات السيطرة التقليدية.

خاتمة: مواجهة لا هوادة فيها على مفترق طرق

الشرق الأوسط اليوم يقف على حافة تحولات غير مسبوقة، حيث لن تكون النزاعات مقتصرة على أطراف محلية أو إقليمية، بل دخلت في صراع دولي مباشر. الخيارات محدودة: إما طريق ضبط تصعيد جماعي وحذر، أو الانزلاق نحو مواجهة إقليمية شاملة تهدد استقرار المنطقة لعقود.

في ظل غياب خطوط حمراء ثابتة، وتفوق تقني عسكري إيراني جديد، يمكن القول إن القادم قد يكون أشد ضراوة وأعمق تداعيات، مع انعكاسات عالمية لا تخفى على أحد.

بيانات وأرقام داعمة (للتوثيق)

- وفق تقديرات استخباراتية، تمتلك إيران أكثر من 300 جهاز طرد مركزي متطور في منشآت نووية متعددة.

- أطلقت إيران خلال الرد الأخير 30 صاروخا باليستيا بدقة تفوق 85 في المئة في الإصابة المباشرة لأهدافها.

- تكاليف الأضرار المادية داخل إسرائيل تقدر مبدئيا بمئات الملايين من الدولارات، مع أضرار نفسية كبيرة في المجتمع المدني.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء نووية إيرانية الإسرائيلية حرب إيران إسرائيل امريكا نووي حرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضربة الأمریکیة الولایات المتحدة نحو مواجهة إیران على فی مأزق

إقرأ أيضاً:

ماذا نعلم عن الرقيب الذي أطلق النار على خمسة جنود في قاعدة فورت ستيوارت الأمريكية؟

(CNN)-- اعتُقل رقيب على رأس هدمته بالجيش الأمريكي، الأربعاء، للاشتباه في إطلاقه النار في مكان عمله بقاعدة فورت ستيوارت العسكرية المترامية الأطراف في جورجيا، ما أدى إلى إصابة خمسة من زملائه، وفقًا للسلطات. 

وأفاد العميد جون لوباس، القائد العام للفرقة الثالثة للمشاة، بأن المشتبه به، الرقيب كورنيليوس سامينتريو رادفورد، البالغ من العمر 28 عامًا، تمكن جنود قريبون من السيطرة عليه بعد أن بدأ بإطلاق النار من مسدس شخصي، مُصيبًا زملاءه، مضيفا في مؤتمر صحفي، الأربعاء، أن حالة الجنود الخمسة مستقرة، ولم تُعرف دوافع رادفورد بعد.

خلاف مع زميل عمل

وفقًا لمسؤول إنفاذ قانون مُطلع على القضية، اختلف رادفورد مع أحد ضحايا إطلاق النار، الثلاثاء، لحق بزميله إلى منطقة صيانة وأطلق النار عليه في صدره قبل أن يُطلق النار على أربعة آخرين، ولم يتضح سبب الخلاف.

وقال لوباس إن جنودًا آخرين "منعوا وقوع المزيد من الإصابات" من خلال التصدي لرادفورد قبل أن تعتقله الشرطة، مضيفا: "قام الجنود في المنطقة التي شهدت إطلاق النار على الفور ودون تردد بالتصدي للجندي، وسيطروا عليه. سمح ذلك لسلطات إنفاذ القانون باحتجازه".

وصرح والد المشتبه به، إيدي رادفورد، لصحيفة نيويورك تايمز بأنه لم يلاحظ أي سلوك غير عادي من ابنه مؤخرًا، ولا يعرف الدافع وراء إطلاق النار، وأن ابنه اشتكى للعائلة من العنصرية في فورت ستيوارت وكان يسعى لنقله، وفقًا للصحيفة التي لم تنشر أي تفاصيل.

اعتقال سابق بتهمة القيادة تحت تأثير الكحول

صرح الجيش الأمريكي بأن رادفورد، وهو من مواليد جاكسونفيل بولاية فلوريدا، انضم إلى الجيش عام 2018 كأخصائي لوجستي آلي، وتم تعيينه في فريق اللواء القتالي الثاني. وشمل دوره التعامل مع الإمدادات وعمليات المستودعات.

وقال لوباس إن رادفورد لم يُنشر في منطقة قتال، ولم يُسجل أي حوادث سلوكية معروفة في سجله العسكري. ومع ذلك، أقر الجنرال بأن رادفورد قد أُلقي القبض عليه بتهمة القيادة تحت تأثير الكحول في مايو/ أيار، وهو اعتقال لم تكن قيادته على علم به قبل إطلاق النار. 

وأضاف لوباس إن اعتقاله بتهمة القيادة تحت تأثير الكحول "لم يكن معروفًا لسلسلة قيادته حتى وقوع الحادث، وبدأنا في البحث في قواعد بيانات إنفاذ القانون"، وأُطلق سراح رادفورد بكفالة في قضية القيادة تحت تأثير الكحول، وفقًا لسجلات المحكمة الإلكترونية لمقاطعة ليبرتي بولاية جورجيا، وكان من المقرر أن يُستدعى للمحاكمة في 20 أغسطس/ آب.

مسدس شخصي استُخدم في إطلاق النار

صرح لوباس بأن رادفورد استخدم مسدسًا شخصيًا - وليس سلاحًا عسكريًا - في إطلاق النار، ووفقًا لمسؤول إنفاذ قانون مُطلع على القضية، فإن السلاح الناري هو مسدس غلوك عيار 9 ملم اشتراه المشتبه به من فلوريدا في مايو، وأضاف المسؤول أنه عُثر على المسدس في موقع الحادث مع العديد من أغلفة الرصاص.

ولا تزال السلطات غير متأكدة من كيفية تسلل رادفورد عبر الحراسة المشددة للقاعدة قبل تنفيذه عملية إطلاق النار في مكان عمله.

وأشار لوباس: "لدينا حراس مسلحون ومعدات حماية عند بواباتنا. سيتعين علينا تحديد كيفية تمكنه من إدخال مسدس إلى مكان عمله".

وعادةً ما تُحظر اللوائح العسكرية حمل الأسلحة النارية الشخصية داخل القاعدة.

مقالات مشابهة

  • أول تعليق من كريم الدبيس على استبعاده مع مواجهة الزمالك.. ماذا قال؟
  • قبل مواجهة سيراميكا كليوباترا .. ماذا يفعل الزمالك تحت قيادة محمود البنا
  • اعترفت بقتل 11 زوجا لها خلال مسيرتها الزوجية وعقدت على 18 زوجا بالمتعة.. الإيرانية كلثوم أكبري الزوجة الحنونة التي هزت إيران
  • ترامب: مليارات الدولارات تتدفق إلى الولايات المتحدة الأمريكية
  • ماذا نعلم عن الرقيب الذي أطلق النار على خمسة جنود في قاعدة فورت ستيوارت الأمريكية؟
  • إيران تعلن دعمها لحزب الله في مواجهة نزع السلاح
  • ترامب: «إذا حاولت إيران استعادة قدرتها النووية فأمريكا ستعود»
  • إيران تدعم حزب الله في مواجهة خطة تجريده من سلاحه
  • في مواجهة محتملة .. ترامب يهدد بضربة عسكرية جديدة لإيران حال مواصلة برنامجها النووي
  • إيران تدعم قرارات حزب الله في مواجهة خطة الحكومة اللبنانية لنزع السلاح