ما هي الضّوابط في تحديد رواتب الموظفين في الجماعات والجمعيّات والمؤسّسات العامّة؟
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
إنّ التعامل الحذر مع المال العام الذي يشبه في توصيفه أموال اليتامى في خطورة التعدي عليه؛ يفرض وضع ضوابط واضحة تسيرُ عليها الجهة التي تقوم بتحديد الرّواتب للموظفين بحيث لا يقع أيّ نوع من التعدّي على المال العام أو يلحق أيّ حيفٍ أو جورٌ بالموظفين.
ضابط العدل
إنّ الضّابط المركزيّ في تحديد رواتب الموظفين والعاملين الذين يتقاضون رواتبهم من "المال العام" هو العدل، ومن التّعريفات الجميلة للعدل ما قاله الجاحظ في كتاب "تهذيب الأخلاق" المنسوب له: "هو استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير".
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمرُ الدّنيا بعدلٍ قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة".
الضّابط المركزيّ في تحديد رواتب الموظفين والعاملين الذين يتقاضون رواتبهم من "المال العام" هو العدل
كما يقولُ في موضعٍ آخر: "وأمورُ النّاس تستقيم في الدّنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظّلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إنّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدّنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظّلم والإسلام".
أمّا ابن القيّم فيجلّي الفرق بين السّياسة العادلة والسياسة الظالمة في التّعامل وذلك في كتابه "الطرق الحكميّة" فيقول: "ومن له ذوقٌ في الشّريعة، واطّلاع على كمالها، وتضمّنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنَّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمّنته من المصالح، تبين له أنَّ السّياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنَّ من أحاط علما بمقاصدها، ووضعها موضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة.
فإنَّ السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشّريعة تحرّمها، وسياسة عادلة تخرج الحقَّ من الظّالم الفاجر، فهي من الشّريعة علمها من علمها، وجهلها من جهلها".
وقد جاء التّحذير للمسؤولين عن العمّال والموظفين من مغبّة الظلم في تعاملهم مع هؤلاء الموظفين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ الذي يقول في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ما من أميرِ عشرةٍ، إلَّا وهو يُؤْتَى بِهِ يومَ القيامَةِ مغْلُولا، حتى يَفُكَّهُ العدلُ، أوْ يوبِقَهُ الجورُ".
وكذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده بسندٍ صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ليس مِن والي أُمَّةٍ، قَلَّتْ أو كَثُرَتْ، لا يَعدِلُ فيها، إلَّا كَبَّه اللهُ على وَجهِه في النَّارِ".
وفي هذين الحديثين تحذير شديدٌ من الوقوع في الظلم؛ ظلم الموظفين والعمال من قبل المسؤول عنهم، ومن أبشع صور الظلم ظلم النّاس في أرزاقهم واستحقاقاتهم الماليّة.
وهنا يكون المسؤول بين نوعين من التّحذير عليه أن يوازن بينهما؛ التّحذير من تضييع المال العام وإنفاقه في غير مواضعه، والتّحذير من ظلم الموظّفين وبخسهم حقوقهم.
فهؤلاء الموظفون تجري رواتبهم من خزينة المال العام الذي كان يعبّر عنه في كتب الفقهاء الأقدمين بلفظ "بيت المال"، ومن ذلك ما قاله أبو يوسف في كتابه لهارون الرشيد "وكلّ رجلٍ تصيّرُه في عمل المسلمين فأجره عليه من بيت مالهم".
ويقول الشّوكاني في "السّيل الجرّار المتدفّق على حدائق الأزهار": "ثبتَ ثبوتا لا شكّ فيه ولا شبهة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كان يجعل لمن عمل عملا يرجع إلى مصالح المسلمين رزقا".
والعدل في العطاء أن يكون الرّاتب على قدر الكفاية ومراعاة حال الموظف الاجتماعيّة والأسريّة والبيئة الاقتصاديّة التي يعيش فيها. قال ابن جماعة في "تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام": "ويفرض السُّلْطَان لكل وَاحِد من الْأُمَرَاء والأجناد من الْعَطاء أَو الاقطاع قدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كِفَايَته اللائقة بِحَالهِ، ومروءته، ومنزلته فِي الزَّوْجَات، والاولاد، والخدم، وَالدَّوَاب من مُؤنَة كسْوَة ومسكن، وخيل، وَسلَاح، وحاجة سفر، ويراعى فِي ذَلِك الزَّمَان وَالْمَكَان، والرخص، والغلاء، وَعَادَة الْبَلَد فِي المطاعم والملابس الشَّرْعِيَّة، فيكفيه بذلك المؤونات كلهَا".
فالرّواتب تُعطى للموظفين بناء على معيار الاستحقاق العادل القائم على حاجة الموظف وكفايته، والعمل الذي يقوم به، فلا يجوز أن يكون راتبه أعلى ممّا يستحقّه مقابل عمله وتوصيفه الوظيفيّ، ولا يجوز التّقتير عليه بإعطائه أقلّ ممّا يستحقّ تحت أيّة ذريعةٍ ما دام يقوم بعمله على الوجه المطلوب منه
فالرّواتب تُعطى للموظفين بناء على معيار الاستحقاق العادل القائم على حاجة الموظف وكفايته، والعمل الذي يقوم به، فلا يجوز أن يكون راتبه أعلى ممّا يستحقّه مقابل عمله وتوصيفه الوظيفيّ، ولا يجوز التّقتير عليه بإعطائه أقلّ ممّا يستحقّ تحت أيّة ذريعةٍ ما دام يقوم بعمله على الوجه المطلوب منه.
وأمّا إعطاء موظف ما راتبا أكثر ممّا يستحقّه من باب المحاباة أو الاسترضاء أو بسبب صحبةٍ أو قرابةٍ أو بسبب انتمائه إلى التيّار الفكريّ أو الجماعة التي ينتمي لها رئيس العمل؛ فهو نوعٌ من الظّلم في العطاء وهو خيانةٌ للأمانة ومحرّمٌ لا يجوز بحال.
قال ابن تيمية في "السّياسة الشرعيّة في إصلاح الرّاعي والرّعيّة": "لا يجوز للإمام أن يعطي أحدا ما لا يستحقّه لهوى نفسه من قرابةٍ بينهما أو مودّةٍ أو نحو ذلك".
بين التّسوية في الرّواتب والمفاضلة بين الموظّفين فيها
العدل في تقدير الرّواتب لا يعني التّسوية في المقادير أبدا، بل يعني التّسوية في دفع حاجاتهم وتحقيق كفاياتِهم، وهذه الحاجات تختلف باختلاف طبيعة وظائفهم ومراتبهم الوظيفيّة.
فهناك فرقٌ بين من كانت مسؤوليّته وعمله يفرض عليه نفقات معيّنة وبين من لا يكلّف إلّا نفسه، كما أنّ هناك فرقا بين من عنده من يعولهم من زوجة وأولاد وبين الأعزب الذي لا تجب عليه نفقة أحد غير نفسه.
يقول العزّ بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام": "العدل تقدير النّفقات بالحاجات مع تفاوتها عدل وتسوية، من جهة أنه سوى بين المنفق عليهم في دفع حاجاتهم لا في مقادير ما وصل إليهم لأن دفع الحاجات هو المقصود الأعظم في النّفقات وغيرها من أموال المصالح".
وقال الشّافعي في "الأم": "فإذا اجتهد الوالي ففرّقه في جميع من سمّى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه وإن فضل بعضهم على بعض في العطاء؛ فذلك تسوية إذا كان ما يعطى كلّ واحد منهم سدّ خلّته".
وهذا يفرض على الجهة المتخصّصة بتقدير رواتب الموظفين أن تدرس أحوال الموظفين من حيث الاحتياجات المتعلقة بأشخاصهم وعائلاتهم وأعداد أبنائهم ومن تجب عليهم نفقتهم من غير الأولاد، وكذلك دراسة البيئة التي يتمّ فيها العمل وما تفرضه من احتياجات ماليّة على المقيم فيها، على وفق العرف العام للطّبقة المتوسّطة دون النّظر لأهل الثّراء والتّرف والطبقة المخمليّة فيها، أو النّظر إلى الطّبقات المسحوقة المظلومة في تقدير الرّواتب.
قال الماوردي في "الأحكام السلطانيّة": "وأمَّا تقدير العطاء فمعتبر بالكفاية حتى يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة، والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه؛ أحدها: عدد من يعوله من الذّراري والمماليك، والثاني: عدد ما يرتبطه من الخيل والظهر، والثالث: الموضع الذي يحلّه في الغلاء والرخص، فيقدَّر كفايته في نفقته وكسوته لعامه كلّه، فيكون هذا المقدر في عطائه، ثم تعرض حاله في كل عام، فإن زادت رواتبه الماسَّة زيد، وإن نقصت نقص".
وقال الشّافعيّ في "الأم": "ويختلف مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان، وحالات الناس فيها، فإن المؤونة في بعض البلدان أثقل منها في بعض".
هذا يفرض على الجهة صاحبة الاختصاص في تحديد الرّواتب الدّراسة المستفيضة لطبيعة عمل الشخص، واحتياجه وكفايته ضمن البيئة التي يعيش فيها وأحوال أسرته التي ينفق عليها، وفي هذا تحقيق للعدل ورعاية للمال العام، وعلى الرّئيس أو المسؤول متابعة هذه الأمور بنفسه
وهذا التّفاضل في الرّواتب بناء على المرتبة الوظيفيّة والوضع الاجتماعي والوضع الاقتصاديّ للبيئة محلّ العمل كان معمولا به في عصور الإسلام الأولى.
فمن التّفاضل بناء على الوضع العائلي ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن عوف بن مالك "أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا أتاهُ الفَيءُ قسمَهُ في يومِهِ، فأعطى الآهِلَ حظَّينِ، وأعطى العزَبَ حظّا".
ومن التّفاضل بناء على طبيعة العمل ما أخرجه البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" قَسَمَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، ولِلرَّاجِلِ سَهْما. قالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقالَ: إذَا كانَ مع الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أسْهُمٍ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ".
إذن فإنّ هذا يفرض على الجهة صاحبة الاختصاص في تحديد الرّواتب الدّراسة المستفيضة لطبيعة عمل الشخص، واحتياجه وكفايته ضمن البيئة التي يعيش فيها وأحوال أسرته التي ينفق عليها، وفي هذا تحقيق للعدل ورعاية للمال العام، وعلى الرّئيس أو المسؤول متابعة هذه الأمور بنفسه فإنّه المسؤول الأوّل بين يدي الله تعالى عن ذلك.
twitter.com/muhammadkhm
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المال العام العدل رواتب رواتب الاسلام العدل جمعيات المال العام مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رسول الله صلى الله علیه وسل م ى الله علیه وسل م رواتب الموظفین المال العام ا یستحق ه فی تحدید بناء على لا یجوز ه وسل م ة التی من الت
إقرأ أيضاً:
هل من صلى ركعتي الشروق يجب عليه صلاة الضحى؟.. انتبه لـ7 حقائق
لعل ما يطرح استفهام هل من صلى الشروق يجب عليه صلاة الضحى أيضًا؟، هم أولئك الحريصون على اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والذين يدركون فضل صلاة الشروق وصلاة الضحى العظيم، والذي أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - باغتنامها، ومن ثم يبحث كثيرون عن حقيقة هل من صلى الشروق يجب عليه صلاة الضحى أيضًا أم أنها تكفي عنها ؟، باعتباره أحد تلك الأمور التي يختلط فيها الأمر على كثير من الناس، فكلتيهما تعدان من الوصايا النبوية الثلاث، التي حث عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وصلاة الشروق كما صلاة الضحى من النّوافل التي قد لا يعرف الكثيرون عدة أمور عنها منها هل من صلى الشروق يجب عليه صلاة الضحى أيضًا أم أنها تكفي عنها ؟.
قالت دار الإفتاء المصرية، في مسألة هل من صلى الشروق يجب عليه صلاة الضحى ؟، إن صلاة الشروق هي نفسها صلاة الضحى، ولكنها تُسمّى صلاة الشّروق إن صُلّيَتْ بعد شروق الشّمس وارتفاعها قدرَ رمحٍ، وتسمى بصلاة الضّحى إن كانت بعد ذلك الوقت.
وأضافت“ الإفتاء” في إجابتها عن سؤال : ( هل من صلى الشروق يجب عليه أن يؤدي صلاة الضحى أيضًا أم أنها تكفي عنها ؟)، أنها تسمى أيضًا: صلاة الأوابين هي صلاة تؤدى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وقيل بعد مضي ربع النهار، وصلاة الشروق أحد أنواع صلاة النفل وحكمها أنها سنة مؤكدة عند الجمهور، خلافًا للقول بأنها مندوبه في مذهب أبي حنيفة، وأقلها ركعتان، وأوسطها أربع ركعات، وأفضلها ثمان ركعات، وأكثرها اثنتي عشرة ركعة.
ونبهت إلى أن صلاة الشروق قد سُمّيت بصلاة الإشراق والضحى بسبب وقت صلاتها، كما سُميّت بصلاة الأوابين، والأوابون هم التّوابون، وقد جاء في الصّحيح من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى».
وأفاد الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الصلاة تنقسم إلى فرائض ونوافل، والفرائض هي الـ5 صلوات المكتوبة لقوله صلى الله عليه وسلم ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة)).
وأوضح " ممدوح" ، أنه بالنسبة للنوافل إن فعلها الإنسان أثاب عليهما وإذا لم يفعلهم لم يكن عليه شيء، كما أن النوافل درجات فهناك من يكون أثوب من الآخر، وصلاة الضحى من النوافل والسنن المؤكدات التى كان يواظب عليها النبي ولن يتركها النبي فى حضر أو سفر مثل الوتر وسنة الصبح وسنة الجمعة.
وأشار إلى أن الحكمة من هذه الصلاة جاءت فى الحديث الشريف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يُصْبِحُ عَلى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحدِكُمْ صَدَقةٌ: فكُلُّ تَسْبِيحةٍ صدقَةٌ، وكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرةٍ صدقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمعْرُوفِ صَدقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنكَرِ صدقَةٌ. وَيُجْزِيءُ مِنْ ذلكَ ركْعتَانِ يَرْكَعُهُما منَ الضُّحَى)) والسلامى هى مفاصل الجسد.
ولفت إلى أن صلاة ركعتي الضحى تدل على شكر النعم المتعددة المختلفة، فمن صلى ركعتي الضحى يكون أثنى شكر يومه وليلته.
الفرق بين صلاة الشروق وصلاة الضحىورد في الفرق بين صلاة الشروق وصلاة الضحى أن صلاة الضحى هي نفسها صلاة الشروق ، ولكنها تُسمّى صلاة الشّروق إن صُلّيَتْ بعد شروق الشّمس وارتفاعها قدرَ رمحٍ، وتسمى بصلاة الضّحى إن كانت بعد ذلك الوقت، وتسمى أيضًا: صلاة الأوابين هي صلاة تؤدى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وقيل بعد مضي ربع النهار، وصلاة الضحى أحد أنواع صلاة النفل وحكمها أنها سنة مؤكدة عند الجمهور، خلافًا للقول بأنها مندوبه في مذهب أبي حنيفة، وأقلها ركعتان، وأوسطها أربع ركعات، وأفضلها ثمان ركعات، وأكثرها اثنتي عشرة ركعة.
وجاء الفرق بين صلاة الشروق وصلاة الضحى، ومن حيث كونهما من النوافل فلا فرق بين صلاة الشروق وصلاة الضّحى فقد داوم عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وحثّ عليها الصّحابة –رضوان الله تعالى عنهم-، فقد رُوي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قوله: «أوصاني خليلي بثلاثٍ: بِصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ ، وألا أنامُ إلَّا علَى وِترٍ، وسُبحةِ الضُّحَى في السَّفرِ والحضَرِ»، وقد ورد في صلاة الضّحى أسماء أُخرى، منها: صَلاة الإشرَاق.
ويمكن تمييز الفرق بين صلاة الشروق وصلاة الضحى بأن صلاة الضحى قد سُمّيت بصلاة الإشراق بسبب وقت صلاتها، كما سُميّت بصلاة الأوابين، والأوابون هم التّوابون، وقد جاء في الصّحيح من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى».
ورد الفرق بين صلاة الشروق وصلاة الضحى، في حديث النبي: "من صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثم قعد يَذكُرُ اللهَ عزّ وجل حتى تطلعَ الشمسُ، ثمّ صلى ركعتين؛ كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ قال: قال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: تامَّةٍ تامَّةٍ" إذن هنا يكمن الفرق بين صلاة الشروق وصلاة الضحى فهي كصلاة الضحى لكن الفرق، الشروق: أن تصلي الفجر في جماعة وتظل في مجلسك تذكر الله حتى تطلع الشمس ثمّ تصلي ركعتا الشروق، وهي أفضل من أن تصلي الضحى حين يشتدّ وقوف الشمس.
صلاة الشروققال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه لا توجد صلاة تسمى صلاة الشروق فهى صلاة الضحى التى نصليها بعد شروق الشمس بثلث ساعة.
وأوضح "عثمان " أنه إذا كان شروق الشمس يكون على الساعة 6 صباحا فإنه في الساعة السادسة والثلث يمكن أداء صلاة الشروق سواء ركعتان أو أربعة وقال بعض العلماء أن عدد ركعات صلاة الضحى يصل إلى 12 ركعة، وأقلهم ركعتين.
وأضاف الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن صلاة الضحى من السنن المؤكدة التي حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ووقت صلاة الضحى يبدأ من بعد طلوع الشمس بثلث ساعة، ووقت السماح لصلاة الضحى يكون حتى قبل أذان الظهر بـ 5 دقائق.
ونبه إلى أن عدد ركعات صلاة الضحى، أقلها ركعتان وأكثرها 8 ركعات، وقيل 12 ركعة، ويجوز صلاة الضحى لو قبل صلاة الظهر بربع ساعة أو نصف ساعة، أما لو كانت قبل الظهر بـ5 دقائق فلا يجوز لأنه من الأوقات التي يكره فيها الصلاة، منوهًا بأن صلاة الشروق وصلاة الضحى هما صلاة واحدة، التي تكون زكاة عن عافية البدن وسلامة الأعضاء.
حكم صلاة الضحىورد أن صلاة الضحى نافلةٌ مستحبّةٌ، وهذا ما اتّفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة: الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة، واستدلوا على قولهم بما رواه الصحابي أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى).
فضل صلاة الشروق وصلاة الضحى1- من صلى صلاة الضحى في أول وقتها بعد شروق الشمس فله مثل ثواب الحاج والمُعتمر.
2-تُجْزِئُ عن الصّدقة المطلوبة عن كل مفصل من مفاصل جسم الإنسان الثّلاث مئة وستّين في كل يوم يُصْبِح فيه العبد.
3-تقوم صلاة الضحى مقام التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير.
4-صلاة الضحى بها يتقرّب العبد إلى الله سبحانه، ويفوز بمحبته عز وجل، باعتبارها من النوافل، كما جاء في الحديث القدسي: «مَنْ عادَى لي وليًّا فقَد بارَزني بالمحارَبةِ، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افتَرضتُه عليْهِ، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمَعُ بِهِ وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ ويدَهُ الَّتي يبطِشُ بها ورجلَهُ الَّتي يمشي بها، فبي يسمَعُ وبي يُبصِرُ وبي يبطِشُ وبي يسعى، ولئن سألني لأعطينَّهُ، ولئنِ استعاذني لأعيذنَّهُ، وما تردَّدتُ عَن شيءٍ أنا فاعلُهُ تردُّدي عن قَبض نفسِ عَبدي المؤمنِ يَكرَهُ الموتَ وأكرَهُ مَساءتَهُ، ولابد لَهُ منْه».
5- ومن فضل صلاة الضحى جلب الرزق والبركة فيه .
6- كفالة الله لمن صلاها أربع ركعات بأن يكفيه نهاره من المؤنة وغيرها: عن أبي ذر رضى الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -تبارك وتعالى-: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره".
7- من النوافل التي حرص عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
8- صلاة الضحى غنيمة عظيمة: هي من الصلوات التي يغنم المُصلّي بها الكثير من الغنائم، وذلك لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة».
9-الدعاء بعدها مستجاب، حيث إن الدعاء بعد الصلوات مستجاب.
10- عظمة أدائها تأتي أيضاً من تعظيم الله -تعالى- لشأنها والقسم بها في سورة الشَّمس، حيث قال -سبحانه-: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، وكذلك تسميته -سبحانه وتعالى- لسورةٍ باسمها في القرآن، وقسمه بها في أوَّل آياتها، قال -تعالى-: (وَالضُّحَىٰ).
11- الاقتداء والتأسّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمداومة على ما داوم عليه من السُّنن.
12- سببٌ لمغفرة الذنوب والسّيئات.
عدد ركعات صلاة الضحىأجمع العلماء على أنّ أقلّ صلاة الضّحى ركعتان، أمّا أكثرها فقد اختلفوا فيه؛ فقال بعضهم أكثرها ثمانية، وقال آخرون أكثرها اثنتا عشرة ركعة، وقال فريق لا حدّ لأكثرها، وفيما يأتي بيان ذلك:
1-ذهب المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أنّ أقلّ صلاة الضّحى ركعتان وأكملها ثمانية، لما رُوِي من حديث أم هانىء - رضي الله عنها-: «أنَّهُ لَمَّا كانَ عَامُ الفَتْحِ أتَتْ رَسولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- وهو بأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عليه فَاطِمَةُ ثُمَّ أخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ به، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى»؛ فإن زاد على ذلك عامداً عالماً بنيّة الضّحى لم ينعقد ما زاد على الثّمان، فإن كان ناسياً أو جاهلاً انعقد نَفلاً مُطلقاً عند الشافعيّة، والحنابلة.
2-ذهب الحنفيّة إلى أنّ أكثرها ستّة عشر ركعة وأما إذا زاد على ذلك؛ فإمّا أن يكون قد نواها كلّها بتسليمةٍ واحدةٍ، وفي هذه الحالة يُجزّئ ما صلّاه بنيّة الضّحى وينعقد الزّائد نفلاً مُطلقاً، إلا أنّه يُكره له أن يُصلّي في نفل النّهار زيادةً على أربع ركعات بتسليمةٍ واحدةٍ، وإمّا أن يُصلّيها مُفصّلةً اثنتين اثنتين، أو أربعاً، وفي هذه الحالة لا كراهة في الزّائد مُطلقاً.
3- ذهب أبو جعفر الطبريّ والمليميّ والرويانيّ من الشافعيّة وغيرهم إلى أنّه لا حدّ لأكثرها، وقال العراقيّ في شرح الترمذيّ: "لم أرَ عن أحدٍ من الصّحابة والتّابعين أنّه حصرها في اثنتي عشرة ركعة"، وذهب إليه السيوطي كذلك، وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنّه سُئِل: "هل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُصلّونها؟ فقال: نعم، كان منهم من يُصلّي ركعتين، ومنهم من يُصلّي أربعاً، ومنهم من يمدّ إلى نصف النّهار"، وعن إبراهيم النخعيّ أنّ رجلاً سأل الأسود بن يزيد: "كم أُصلّي الضّحى؟ قال: كما شئت".