ختام مهرجان الشارقة للشعر العربي
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
البوابة - يواصل مهرجان الشارقة للشعر العربي فعاليات دورته العشرين، حيث احتضن قصر الثقافة بالشارقة الأمسية الشعرية الخامسة مساء السبت 13 يناير 2024، والتي أحياها الشعراء: يوسف الكمالي من سلطنة عمان، آمدو علي من النيجر، أحمد المفتاح من قطر، معين الكلدي من اليمن، جبريل آدم حبريل من تشاد، خالد عبد الودود من موريتانيا، و سمية دويفي من الجزائر، وقدمهم الشاعر والإعلامي عمر أبو الهيجاء.
حضر الأمسية عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، ومحمد القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية، والشاعر محمد البريكى مدير بيت الشعر، وضيوف المهرجان وجمهور من الشعراء والمثقفين والمتابعين للفعاليات الثقافية.
تنوعت قصائد الشعراء وتناولت مواضيع متعددة تجلّت في الوطن والوجدانيات والحب والقضايا الإنسانية، وفي تقديمه للأمسية تحدث الشاعر والإعلامي عمر أبو الهيجاء عن أهمية الشارقة كعاصمة للثقافة والشعر يحج إليها المثقفون من مختلف البلاد. و أشار إلى أهمية مبادرات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في دعم الثقافة العربية ورعاية الفعاليات في العديد من البلاد.
استهل القراءات الشاعر العماني يوسف الكمالي الذي سافر على أجنحة القصيدة نحو فضاءات تناول فيها هموم الذات والإنسان حيث قال في قراءته:
على شَعرِها البنّيّ تسدِلُ شالَها
لتحجبَ عن لَونِ المشيبِ عيالَها
وتُسفرُ عن قلبٍ يفيض طفولةً
وعن دعواتٍ.. قدّس الله حالَها
حبيبةُ.. من كانتْ مزارًا مُقدّسًا
إليه قلوبُ الناس شدّتْ رِحالَها
حبيبةُ.. هل نال المسمّى من اسمهِ
نصيبًا كما نال الهوى حينَ نالَها؟
ثم قرأ الشاعر آمدو علي من النيجر، مجموعة من القصائد التي اتسمت باللغة العالية والشاعرية الرقيقة، وقد تفاعل معها الجمهور بالتصفيق، نختار من أبياته:
ليلان مَرّا بالقصيدة.. كلّما
هَمّا بها اغتَرفت مِن المشكاةِ
ماذا يُكنّ العزفُ للآتين من
لهف الرّباب وخيبة السّنواتِ؟
ولِمَ العروجُ إلى السّماء مؤجّلٌ؟
والأرض ساهيةٌ عن المِرقاةِ؟
يا شعرُ يا كلَّ الذين تغرّبوا
في اسمي وشبّوا النّارّ في مأساتي
أما الشاعر القطري أحمد المفتاح فقد قرأ مجموعة من القصائد التي عبرت عن مكنونات ذاته، وقد افتتحها بأبيات وجهها للشارقة وأهلها، ثم واصل قراءاته التي تنوعت في العشق والحياة والحكمة، من أبياته:
يا مهجة الروح يا أطياف عاشقةٍ
ويا غناءً تلاقى عند ألحاني
يا منية البوح يا أصوات ملهمةٍ
ويا نداء الهوى في عزّ أشجاني
أنت الملاذ الذي قد كان أوهنني
أنت الصباح الذي أرعاه، يرعاني
وأنت عشق النهار، الليل أرّقني
وأنت صوت الصدى ألقاه يلقاني
الشاعر معين الكلدي من اليمن، أنشد قصائد اتّسمت بلغة عالية وبناء محكم، حيث قرأ في قصيدته "بوصلات الخوف":
كما يثرثر صنبورٌ إذا نضحا
والماء يشرح معنى أنه اتضحا
كما مراياك ..لا تخفي ارتباكك أو ..
تنسيك كهلا وتبدي حاضرا شبحا
كرملة ..ترسم النسمات رحلتها
وتنتهي قبل أن تستشعر الفرحا
تمضي التجاعيد فوق الخد أحجية
تحدّث العمر ما أضحى وكم برحا
تمضي الأغاني ..بلا لحن سوى وتر
يهتز من همهمات الليل ..فانجرحا
ومن دولة تشاد جاء الشاعر جبريل آدم جبريل الذي قرأ قصائد سافر من خلالها عبر الذاكرة والتأمل في جوانب الحياة وأصالة الكلمة والموسيقا الشعرية، مرسلاً تحية محبة وإجلال إلى الشارقة.
نختار من قصيدته "درويش على خيوط الأمل":
لَاحَ الضَّبَابُ وَعَيْنُ الشَّمْسِ تَنْغَلِقُ
وَرَقْصَةُ الْغَيْمِ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا الْوَرَقُ
يَكَادُ يَنْدَى لِأَنَّ الْمَاءَ أَوْعَدَهُ
أَنْ يَحْتَوِيْهِ وَلَكِنْ ضَلَّهُ الشَّفَقُ
نُبُوءَةُ الضَّوْءِ وَالْأَرْجَاء مُظْلِمَةٌ
وَفِي الْخَفَاءِ رَسُولُ الْوَرْدِ يَنْعَتِقُ
وَلَوَّحَتْ لِدَمِ الْأَشْجَانِ سَاحِرَةٌ
بِكَفِّهَا الْمَوْتُ وَالْآمَالُ تَخْتَنِقُ
تُصَافِحُ الرِّيحَ تُعْطِيهَا أَسَاوِرَهَا
لِتَجْرِفَ الْحُبَّ وَالْأَوْجَاعُ تَسْتَبِقُ
الشاعر الموريتاني خالد عبد الودود الذي ينشد للحياة ويحاور خزائن القلب الملأى بالمشاعر الكثيرة، فق تنقّل عبر إيقاعات القصيدة ومرايا لغته الثرية بالصور الرقيقة والتعابير الرصينة، فبعد توجيهه التحية للشارقة وحاكمها وثقافتها، قرأ قصائد عبّرت عن تجربة شعريّة غنيّة، واختار أيضاً أن يضيف على الأمسية عطراً من المديح النبوي فقال في قصيدته "معارج الكلمات":
طه .. تبدو المفردتُ حَيــارَى
لَمّا لَبستُ من الضياءِ .. إِزَارَا
أحْرمتُ من ميقاتِ قلبي ناسكا
وخلعتُ طِمرَ النفسِ والأوزارَا
وهزَزْتُ جذعَ الحرفِ ألتَمِسُ الذّرَى
فاسّاقطَتْ رُطَبُ المديحِ .. عَذارَى
فَطفِقْتُ أخصِفُ مِنْ خمائلِ أَحرُفِي
كَيْ أُشعِلَ الجُمَلَ الّندِيَة .. نَــارَا
مَا الأبْجَدِيّــةُ كُلّها .. إلاّ يَـــد ٌ
تَمْـتَدُّ نَحوَكَ كَيْ تَنــال َ..سِوَارَا
ثمّ اختتم القراءات الشاعرة الجزائرية سمية دويفي، التي حلّقت بقصائدها نحو فضاءات تليق بشاعريتها ولغتها، وقد أشادت أيضاً بالشارقة وأهلها وحاكمها مثمّنةً الأيادي البيضاء والرعاية الكريمة التي يشمل بها صاحب السمو حاكم الشارقة الشعراء العرب، وقرأت مجموعة من القصائد القصيرة بأداءٍ عالٍ وشعرية متقنة، نختار منها:
أشرعتُ قلبي كان صمتًا شاردا
ليلا يلوذ بضوئي المذبوح
أنصت قليلا كل حزن ضج بي
هو أنت لما صرتَ صوت جروحي
هذا النزيف الماء أوجهك التي
أبدا حجبت لكي يراك وضوحي
وجعُ السؤالِ مؤبّدٌ كالليلِ بي:
ماذا اقترفتُ لكي تَحِلَّ بروحي؟
المصدر: الخليج
اقرأ أيضاً:
صدور « المكحلة واليشمك ومسرحيات أخرى » لإبراهيم الحسيني
انطلاق فعاليات القمة الثقافية أبوظبي من 3 إلى 5 مارس
المصدر: البوابة
كلمات دلالية: الشارقة مهرجان الشارقة للشعر حاكم الشارقة
إقرأ أيضاً:
من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراء
كان بين شاعري العراق الكبيرين جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي خلاف كبير وخصومة شديدة، ويردّ بعض الرواة هذا الخلاف إلى اعتداد الزهاوي بشعره وتعاليه على شعراء العراق الآخرين، وليس أدلّ على ذلك من قول الزهاوي في حضور الرصافي:
وللشعر في بغداد روحٌ جديدةٌ
وللشعر أعباءٌ أقومُ بها وحدي
وفي منتصف العشرينيات من القرن الماضي، يحدث أن يأتي لزيارة بغداد، وللإقامة فيها فترة من الوقت، المجاهد العربي التونسي عبد العزيز الثعالبي، وما إن يحطّ في الفندق الملكي حتى يتوافد للترحيب به معظم أدباء العراق.
أخذ أدباء العراق يعدّون العدّة لإقامة حفل تكريم للشيخ الثعالبي، وكان لا بد من مشاركة شعراء العراق الكبار في ذلك الحفل.
ويروي الأستاذ عبد الرزاق الهلالي قصة طريفة مرتبطة بحفل التكريم، وبطلاها الشاعران الكبيران الرصافي والزهاوي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي: ترجمة الشعر إبداع يهزم الآلةlist 2 of 2قصص "جبل الجليد" تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخساراتend of listومختصر القصة أن اللجنة التي قامت على وضع برنامج الحفل ذهبت إلى الرصافي وطلبت منه أن يُسهم في تكريم الزائر المجاهد بقصيدة من عنده، فوافق، ولكنه سأل أعضاء اللجنة: هل فاتحتم الزهاوي بهذا الموضوع؟ فقالوا: لا، ولكننا سوف نفاتحه.
وهنا يقول الرصافي بروحٍ أدبية عالية:
سيسألكم الزهاوي إن كنتم فاتحتموني في الأمر أم لا، وإذا عرف أنكم قد فاتحتموني بالموضوع، فإنه سوف يردّ طلبكم ويعتذر عن المشاركة في تكريم الثعالبي… ولهذا أقول لكم: قولوا إنكم لم تفاتحوني… بل اكتفوا به وحده… وعند ذلك سيفرح وسيلبّي طلبكم.
وهنا يقول أحد الأعضاء القائمين على الحفل مستغربا: ولكن ماذا سنكتب في برنامج الحفل؟ هل نشطب اسمك يا أستاذ؟
فيُجيب الرصافي بروحٍ أدبية عالية، وبتواضع جمّ يحتوي على إنكار الذات من أجل المصلحة العامة: ليكن برنامج الحفل خاليا من اسمي.
وبعد أن يُلقي الزهاوي قصيدته، يُعلن عريف الحفل عن مشاركتي بهذه المناسبة.
إعلانويؤكّد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي حدوث ذلك يوم الاحتفال، حيث ظل اسم الرصافي غير وارد في البرنامج، وما إن ألقى الزهاوي قصيدته قائلا:
وقفتُ وحيدًا بالعزيز أرحِّبُ
فأنشدُ للتكريم شعرًا فأطرِبُ
حتى وقف عريف الحفل قائلًا بلهجة كان قد اتُّفِق عليها:
والآن يتقدّم الشاعر معروف الرصافي الذي أبى إلا أن يشارك في تكريم الثعالبي، فيُلقي قصيدة بهذه المناسبة.
وهنا وقف معروف الرصافي منشدا:
أتونسُ إنّ في بغداد قومًا
ترفُّ قلوبهم لك بالودادِ
وما إن بدأ الرصافي بإلقاء قصيدته حتى نهض الزهاوي عن كرسيه منزعجا، وخرج غاضبا غضبا شديدا!
نبل الأدب الشعريوقفتُ طويلا عند هذه القصة الطريفة التي تدل بوضوح على تسامح الرصافي وإيثاره وتواضعه، فيوافق على شطب اسمه من برنامج الحفل، بل على عدم كتابة اسمه أصلا، وذلك لغايتين نبيلتين في نفسه: أولاهما إنجاح حفل التكريم للمجاهد الكبير الذي يحلّ ضيفا على بغداد، وثانيتهما حرصه على مشاركة زميله الزهاوي رغم ما بينهما من جفوة وخصومة، حتى لو أدى هذا الحرص إلى عدم ذكر اسم الرصافي في منهج الاحتفال.
استوقفني هذا الموقف الرائع من الرصافي لأقول في نفسي:
ليت أدباءنا وشعراءنا على طول العالم العربي وعرضه يأخذون درسا من معروف الرصافي، فيتخلّون عن حساسيتهم المفرطة، وتدابرهم العجيب، ومنازعاتهم الشللية، والأيديولوجية الضيقة الأفق.
ليتهم يأخذون درسًا ليجربوا التحلّي بالإيمان، بالتواضع وإنكار الذات في سبيل إثراء الحركة الأدبية والإعلاء من شأنها، فيتنافسون بروح أدبية عالية على رفدها بشتى الأصوات والتجارب والإبداعات، وبخاصة على صعيد الشعر، إذ لا داعي إلى التزاحم على إمارة شعر وهمية، لا وجود لها الآن إلا في خيال شاعر مُصاب بالاستعلاء النرجسي، بعد أن انقطعت بين طموحه وغروره تلك الشعرة الدقيقة المُسمّاة بشعرة معاوية!
ما أحوجنا إلى أن نأخذ الدرس من موقف شاعرنا الرصافي، تاركين الزهاوي يخرج من صدور بعض الشعراء المعاصرين منزعجا وغاضبا.
أما الذين يُصرّون -وهم مُغرمون بالنجومية- على الاعتداد المتزايد، والادعاء الذاتي بحمل أعباء الشعر العربي، متمثّلين بقول الزهاوي:
وللشعر أعباءٌ أقومُ بها وحدي
فهؤلاء نقول لهم: لا تُبالغوا في تلميع أسمائكم تلميعا دعائيا.. فالذهب لا يُلغي دور المعادن الأخرى وأهميتها، ثم لا تنسوا المثل القائل: "ليس كل ما يلمع ذهبا".
نخلص من هذه الواقعة الثقافية إلى ضرورة تواضع الشعراء، وضرورة احترام الشاعر لمكان زميله ومكانته، فلا أحد منهما يُلغي تجربة الآخر، فلكلّ شاعر تجربته وشهرته وجمهوره.
قد تتولّد الغيرة لدى شاعر من شاعر آخر لما يلقى من حفاوة واهتمام، ولكن هذه الغيرة لا تصل إلى المعاداة أو مقاطعة الواحد منهما للآخر.
وهذا يُذكّرنا بموقف شاعر النيل حافظ إبراهيم من مبايعة الشعراء لزميله أحمد شوقي على إمارة الشعر العربي، لينال لقب "أمير الشعراء"، حيث في البداية تخلّف حافظ إبراهيم عن الحضور، معتقدًا أنه أحقّ باللقب من شوقي، فهو شاعر الشعب، وشوقي -في نظره- شاعر القصر.
إعلانولكن حافظ إبراهيم، حين شعر بإجماع الشعراء المجتمعين في القاهرة على مبايعة شوقي، راجع نفسه، وتذكّر المودة التي تجمعه بزميله أحمد شوقي، فسارع إلى الذهاب ليشارك في المبايعة، ويلقي قصيدة صادقة ورائعة، يُعلن قبلها عن المبايعة، قال فيها مخاطبا شوقي:
أميرَ القوافي قد أتيتُ مبايعًا
وهي وفودُ الشوقِ قد بايعتْ معي
رغم التنافس الخفي أو الظاهر بين الشاعرين شوقي وحافظ على صعيد الوصول إلى القصيدة الأقوى والأجمل، لم يكن هذا التنافس يؤدي إلى استعلاء أحدهما على الآخر كما حدث بين الرصافي والزهاوي، بل إن الود بينهما كان يقود إلى الممازحات الشعرية التي تأتي ثقيلة في بعض الأحيان، من دون أن تؤدي إلى خصومة، كما كان يحدث بين جرير والفرزدق في معارضاتهما الهجائية في العصر الأموي.
فهذا حافظ إبراهيم يهجو أحمد شوقي ممازحا:
يقولونَ إن الشوقَ نارٌ ولوعةٌ
فما بالُ شوقي أصبحَ اليومَ باردًا
فيردّ عليه أحمد شوقي هاجيا ومداعبا:
وحمَّلتُ إنسانًا وكلبًا أمانةً
فضيَّعها الإنسانُ والكلبُ حافظُ
ومع هذا، فإن أحمد شوقي لا يتردّد في رثاء زميله حافظ إبراهيم عند رحيله، بقصيدة مطلعها:
قد كنتُ أُؤثِرُ أن تقولَ رثائي
يا مُنصفَ الموتى من الأحياءِ