الخليل- قال خبير فلسطيني في القانون الدولي للجزيرة نت إن "قرار محكمة العدل الدولية يضع الفلسطينيين أمام استحقاقات مهمة وجهود مضاعفة خلال المرحلة المقبلة أولها مراقبة الأداء الإسرائيلي خلال الشهر المقبل، والبدء في حشد رأي عام دولي لفرض عقوبات على الاحتلال".

وأصدرت محكمة العدل الدولية، الجمعة، قرارها بقبول نظر الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، معلنة فرض "تدابير مؤقتة" على إسرائيل لمنع الإبادة جماعية، من بينها الامتناع عن القتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة وضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري.

وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس منير نسيبة، إن "ما كان مطلوبا، ولم يصدر من المحكمة هو طلب وقف الاحتلال عملياته العسكرية في قطاع غزة، لكن مضمون القرار يصل لنفس النتيجة".

وأضاف أن جهدا مضاعفا ينتظر الفلسطينيين على المستوى الدولي والمنظمات الأممية لإيصال القرار وتحديد المطلوب من الدول تجاه الاحتلال.

ووفق الخبير الفلسطيني، فإن مساءلة إسرائيل عن جرائمها لن تتوقف، حتى لو توقف إطلاق النار، أو فتح مسار سياسي، بل حتى لو قامت دولة فلسطينية.

وفيما يلي نص الحوار:

بداية، ما الذي كان يرجوه الفلسطينيون من محكمة العدل الدولية ولم يتضمنه القرار؟

ما كان مطلوبا هو أن تصدر المحكمة، بلغة صريحة وواضحة، طلبا للاحتلال بوقف عملياته العسكرية في قطاع غزة، المحكمة لم تأخذ بهذه اللغة، لكن مع ذلك فإن القرار يصل إلى نفس النتيجة بشكل أو بآخر، فكيف يمكن وقف عمليات الإبادة الجماعية ووقف التحريض على الإبادة الجماعية بدون وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية؟

فقد أمرت المحكمة بوقف الإبادة الجماعية، وفتح الممرات والخدمات الإنسانية بشكل كامل، وألا يدمر الاحتلال الأدلة، وأن يتوقف عن التحريض على الإبادة الجماعية، جميع هذه الأمور لن يتمكن الاحتلال من الالتزام بها بدون وقف إطلاق النار.

وبما أن جنوب أفريقيا طلبت وقف الإبادة الجماعية، فقد أمرت المحكمة بوقف الإبادة الجماعية والامتناع عنها والمعاقبة عليها، وحتى المعاقبة على من يحرض عليها.

ماذا يتوجب على إسرائيل بعد صدور القرار؟

الآن حسب قرار المحكمة يجب أن يبدأ المدعي العام الإسرائيلي بتوجيه لوائح اتهام إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوزير يوآف غالانت ومجرمين آخرين متورطين بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وإذا التزم الاحتلال الإسرائيلي بما أمرت به المحكمة، فإنه فعلا سيمتنع عن الاستمرار في الحرب.

رغم عدم صدور قرار بوقف الحـ.ـرب.. ردود فعل إسرائيلية مفاجئة على قرار محكمة العدل الدولية#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/HviREXFNZU

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 26, 2024

بعد قرار المحكمة جدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش دعوته إلى تهجير سكان غزة، في حين تعهد نتنياهو باستمرار الحرب، كيف سيؤثر ذلك على مجريات المحكمة؟

من يتحدث عن طرد سكان قطاع غزة أو استمرار الحرب؛ يريد الاستمرار في الإبادة الجماعية، وبالتالي هم يديرون ظهورهم للمحكمة، وهذا يعني أن علينا الآن البدء في تحليل ومراقبة تصرفاتهم بناء على قرارات المحكمة حتى نتجهز للتقرير الذي سيصدر عن الاحتلال الإسرائيلي بعد شهر من اليوم، والذي سيدعي فيه أنه التزم بقرارات المحكمة، أما ما سيثبت فيه -إذا استمر بهذا النهج- فهو أنهم استمروا في ارتكاب الإبادة الجماعية بشكل كامل، وهذا سيعرضهم للمزيد من المساءلة والملاحقة.

هل تستطيع إسرائيل تجاهل أوامر المحكمة برفع تقرير حول الإجراءات الاحترازية التي طلبتها خلال شهر؟

إسرائيل تستطيع أن تفعل أي شيء، لكنها ملزمة قانونا أن ترفع تقريرها للمحكمة. أما إذا قررت أن تمتنع عن القيام بواجبها وأمر المحكمة فإنها تكون قد أهملت طلبا آخر من طلبات المحكمة.

لكن أعتقد أنها ستحاول أن تفسر أوامر المحكمة بشكل يريحها، وأنها تلتزم بأوامر المحكمة، مع أنها فعليا ستستمر في سياسة الإنكار والقول إنها لم ترتكب جرائم في الماضي ولا بعد القرار، هم ليسوا جاهزين في هذه اللحظة للالتزام بأوامر المحكمة كما يتطلب القانون.

على العالم ان يجبر اسرائيل على وقف حربها في الاراضي الفلسطينية فورا لانها السبيل الوحيد لوقف استمرار القتل والتدمير والتهجير .

— حسين الشيخ Hussein AlSheikh (@HusseinSheikhpl) January 26, 2024

قال مسؤولون فلسطينيون إنهم كانوا يأملون بصدور قرار بوقف إطلاق النار، هل كان على المحكمة أن تتخذ قرارا بوقف إطلاق النار؟

جنوب أفريقيا لم تطلب من المحكمة وقف إطلاق النار، بل طلبت أن توقف إسرائيل العمليات العسكرية في قطاع غزة.

وقف إطلاق النار يعني التزام الجانبين به، والمحكمة لا تستطيع أن تصدر قرارات تلزم فصائل المقاومة؛ لأنها ليست دولة.

وللعلم، فإن مجموعة من الحقوقيين -وأنا منهم- طلبت من فصائل المقاومة أن تعلن أنه في حال أمرت المحكمة الاحتلال بوقف عملياته العسكرية، وحصل وقف لإطلاق النار من جانب الاحتلال، فإنها ستلتزم بوقف إطلاق النار، مع أن المحكمة لم تكن لتأمرها بذلك، والهدف أن تسحب الذرائع حتى من المحكمة نفسها.

لكنها قررت في نهاية المطاف التركيز على الموضوع الرئيس؛ وهو موضوع الإبادة الجماعية، وما ذهبت إليه المحكمة هي ذاتها رغبة جنوب أفريقيا، التي تريد وقف الإبادة وحقن الدم الفلسطيني، والسماح للناس بالعودة إلى الحياة بشكل طبيعي في بلادهم، وعدم تهجيرهم، هذا ما تريده جنوب أفريقيا.

في الخلاصة القرار جيد ويمكن البناء عليه كثيرا، ولن يبنى عليه إلا من خلال نضال دبلوماسي كبير في أروقة الأمم المتحدة، وخصوصا الجمعية العامة التي في جعبتها كثير لتقديمه، أكثر مما تعودنا.

الآن بما أن قرار المحكمة صدر، ويتوقع أن الاحتلال سينتهكه ولن يستجيب له، على الاحتلال أن يعلم أن حصاره الطويل لقطاع غزة يقترب من نهايته وأنه لن يستطيع في المستقبل أن يفلت من العالم، ويستمر في منع الدواء والشراب والماء والكهرباء عن القطاع المحاصر.

الآن وضعت جنوب أفريقيا الاحتلال تحت عدسات المحكمة الدولية، وهذه البداية فقط، وستستمر لسنوات عديدة تعرض فيها كثيرا من الأدلة حول جرائم الاحتلال في قطاع غزة، وتصل المحكمة لكثير من النتائج التي ستؤثر على استقرار هذا الاحتلال، ولن يستطيع أن يستمر في الإبادة الجماعية والاحتلال والفصل العنصري.

أعلم أن الناس محبطون من القانون الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي المختلفة، لكن ما مررنا به بالأمس ليس ما نمر به غدا بإذن الله. هذا ليس تفاؤلا أعمى إنما سببه أن إسرائيل أسرفت في الإجرام بشكل لا يمكنها إخفاؤه، ثم إننا ذهبنا لمحكمة قرارها إلزامي وليس استشاريا أو مجرد توصيات وتقارير وتشكيل لجان، هذا اليوم يوم تاريخي.

هل من أي دور أو تدخل أميركي محتمل ربما يفرغ القرار من مضمونه؟

الولايات المتحدة ليست إلها، هي دولة معها قوة وقدرة كبيرة على الظلم وعلى الحشد، لكن قدراتها محدودة في نهاية المطاف. صحيح أنها تستخدم الفيتو لتحصن إسرائيل من عقوبات بمجلس الأمن وتستطيع دعمها بالأسلحة ومليارات الدولارات لارتكاب الجرائم، لكنها لا تستطيع منع كل الدول أن تعاقب الاحتلال وهذا ما نريده.

نريد جمعية عامة تقرر عقوبات يلتزم بها جزء من دول العالم، ثم نوسع هذه الدائرة كما في تجربة جنوب أفريقيا في طريقها للتخلص من العنصرية التي كانت مدعومة من قوى العالم وعلى رأسها أميركا وأوروبا.

ماذا على فلسطين أن تفعل بعد القرار، سواء سياسيا أو قانونيا؟

المطلوب فورا متابعة حثيثة للإجراءات الاحترازية وتوثيق النشاط الإسرائيلي ومدى تجاوبه مع هذه الأوامر، وهذه مهمة أساسها تكامل الفلسطينيين كنظام سياسي ومنظمات أهلية، مطلوب منهم أن يوثقوا ويكتبوا تقاريرهم.

وهناك دور مهم وأساسي لمنظمة التحرير والسلطة والسفراء؛ كلٌّ في دولته، وخاصة في المنظمات الدولية في نيويورك الذين عليهم حشد مختلف الدول لقرار قوي من الجمعية العامة للأمم المتحدة تحدد فيه عقوبات على الاحتلال وليست توصيات.

وماذا على الفلسطينيين أن يطلبوا من الجمعية العامة؟

على المسؤولين الفلسطينيين أن يحددوا المطلوب، فمثلا: هل هو وقف العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي؟ هل هو وقف نشاطات دولة الاحتلال في كل مؤسسات الأمم المتحدة؟ هل هو محاصرة الاحتلال بعدم السماح لسفنه بالرسو في أي ميناء بالعالم وعدم الطيران في أجواء الدول؟

هناك دول أعلنت بالفعل أنها ستلتزم بقرارات المحكمة مثل بلجيكا وكندا وأيرلندا، وسنجد أصدقاء في العالم يساندوننا، نحن نتحدث عن قضية غليظة في القانون الدولي؛ هي جريمة الإبادة الجماعية.

 

إلى أي مدى يمكن أن تستفيد الحراكات الشعبية والاتحادات والنقابات من القرار في تعزيز دعوات المقاطعة؟

العمل المدني، والذي تعد حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، جزءا منه، يمثل أغلب منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، ويستطيع أن يقنع العالم بشكل أقوى مع صدور قرار محكمة العدل الدولية، ويساعد أكثر في توصيل الرسالة لكل العالم بأن الإبادة يجب أن تتوقف، وأن الاحتلال يجب أن يعاقب حتى يحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان.

لو افترضنا أن إطلاق النار توقف، أو أن مسارا سياسيا فتح خلال الشهور المقبلة، فهل سيؤثر ذلك على مجريات المحكمة؟

إذا توقفت الحرب وفتحت ممرات، ودخلت المساعدات الإنسانية فنحن في مكان ممتاز من حيث الإجراءات الاحترازية، لكن تبقى القضية أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية ويجب أن تتحمل المسؤولية عن فعل ماض وانتهاكها اتفاقية دولية وإلحاقها ضررا كبيرا بالشعب الفلسطيني يجب أن تدفع ثمنه وألا يذهب دم الناس هدرا. وحتى لو جرت مفاوضات، وقامت الدولة الفلسطينية، فإن ذلك لن يؤثر في مجريات المحكمة.

 هل من إضافة أخيرة؟

أدعو أهلنا للتفاؤل الذي يرافقه العمل، إذا تشاءمنا أكثر من اللازم فهذا استسلام قد يؤدي إلى الفشل، لكن التفاؤل الذي يأتي يرافقه العمل الدؤوب، والتفكير والتخطيط للمراحل المقبلة ضروري.

علينا أن نعرف ماذا نطلب ونخطط للقضية وماذا على الاحتلال أن يفعل حتى ينتهي من هذه الجرائم؟ وما الأشياء التي عليه يجتثها لتفكيك عنصريته؟ علينا أن نجهز أنفسنا جيدا للمرحلة المقبلة، معركة القرار النهائي، فبعد سنوات ستجيب المحكمة عن السؤال هل ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية؟ أتخيل أن الإجابة ستكون: نعم. بعد ذلك ما النتائج المترتبة على هذا؟ هل هي تعويضات أو جبر ضرر أم اعتذار أم ضمانات بعدم التكرار الذي يشكل تغيير المنظومة العسكرية؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة وقف إطلاق النار القانون الدولی على الاحتلال جنوب أفریقیا وقف الإبادة فی قطاع غزة یجب أن حتى لو

إقرأ أيضاً:

مؤامرة «الخروج بدون عودة» تفضح إسرائيل.. جهات رسمية تشارك في تفريغ مناطق فلسطينية استراتيچية من سكانها

علمتِ «الأسبوع» من مصادر فلسطينية متطابقة أن «هناك أكثر من جهة إسرائيلية تعمل على ملف التهجير الناعم لمجموعات فلسطينية من قطاع غزة من دون أوراق ثبوتية أو رسمية». وشددتِ المصادر أن «هذا الملف الخطير جزء من مخطط تهجير أهالي القطاع وحرمانهم من حقوقهم التاريخية المشروعة، من دون أي ضمانات بالعودة إلى غزة مجددًا»، مع تأكيدات بأن «عائلات القطاع لا تتعاون مع الاحتلال في هذا الشأن رغم القتل والتدمير والتشريد والنزوح».

وقبل أشهر قليلة، حاولت عواصم وقوى إقليمية ودولية معادية، تشويه صورة مصر، عبر ترويج أكاذيب عن تورط شركة محلية في إخراج فلسطينيين من قطاع غزة بـ«مقابل مالي»، واستثمرتِ الجهات المعادية ملايين الدولارات في ترويج الحملة الإعلامية المشبوهة، التي استهدفتِ الإساءة إلى الجهود الشاملة التي تبذلها الدولة المصرية لدعم الشعب الفلسطيني، خاصة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

تبددتِ المزاعم الواهية حاليًّا بعدما كشفت حقائق دامغة عن تورط جهات إسرائيلية مباشرة (تتقاطع مع حكومة بنيامين نتنياهو وجيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية) في عمليات تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ليس فقط إلى كينيا وجنوب إفريقيا، بل وإلى دول آسيوية وأوروبية، عبر التحايل على المؤسسات الدولية وعلى الفلسطينيين أنفسهم، بالمخالفة لكل القوانين الخاصة بحماية اللاجئين وحقوق الإنسان.

اعتراف إسرائيلي

جدد تمسك إسرائيل بفتح معبر رفح باتجاه واحد فقط (خروج بدون عودة)، الأدوارَ المشبوهة لمؤسسات الاحتلال (الرسمية وغير الرسمية)، في التهجير القسري، ووفق تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الأسبوع»، غادر خلال الشهور الأخيرة ما بين 40 و70 ألف فلسطيني غزة عبر هذه الآلية المشبوهة، نتيجة السيطرة الإسرائيلية على الحركة والموارد، ما يؤكد الاستراتيچية الإسرائيلية لتغيير الواقع الديموغرافي دون موافقة دولية.

السياسات الإسرائيلية أدت إلى اضطرار آلاف العائلات للعيش في ظروف مؤقتة وغير مستقرة في الداخل الفلسطيني. الأطفال والنساء وكبار السن يعانون من فقدان الخدمات الأساسية، صعوبة الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وضغوط نفسية مستمرة، بينما تبقى أراضيهم وممتلكاتهم مُعرَّضةً للمصادرة أو التدمير، ما يزيد من حجم المعاناة الإنسانية ويعكس قسوة الإجراءات الإسرائيلية.

التهجير الجزئي بدون تصاريح رسمية يعزز أهداف الاحتلال في التحكم بالديموغرافيا وإضعاف الروابط المجتمعية الفلسطينية، فيما يتحمل المجتمع الدولي مسئوليةً عاجلةً لمتابعة أوضاع هؤلاء اللاجئين وحمايتهم، في حين تواصل إسرائيل تنفيذ سياسة التهجير تحت ستار الإجراءات الإدارية، ما يضاعف المخاطر القانونية والسياسية والإنسانية على المدى الطويل ويعكس ضعف الرقابة الدولية.

بدأتِ العمليات المشبوهة في نوفمبر الماضي عبر مغادرة أكثر من 300 فلسطيني من خلال معبر كرم أبوسالم تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، الذي لم يوثقِ الخروج بختم رسمي في جوازات السفر، ما شكَّل ثغرةً قانونيةً وأمنيةً أثرت على وصولهم للدول الأخرى، قبل أن تفضح جنوب إفريقيا الممارسات التآمرية الإسرائيلية التى ترفض منح المغادرين لفلسطين الوثائق الرسمية التي تحمي حقوقهم.

مطار «رامون»

نُقل الفلسطينيون بعد عبور المعبر بحافلات إلى مطار رامون في عملية لوجستية مكثفة اعتمدت على تنسيق مباشر بين وحدات الجيش والإدارات المدنية. إدارة المسارات الأمنية بدت محكمةً، لكن العملية كشفت تجاوزات واضحةً للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بخروج المدنيين، ما يثير أسئلة حول الإطار القانوني الذي تستند إليه إسرائيل.

إقلاع الطائرات إلى دول ترانزيت (من بينها كينيا) قبل الوصول إلى وجهتها النهائية، يركز على مسارات جوية بعيدة عن الرقابة الدولية. هذا الاختيار منح إسرائيل قدرةً على إدارة العملية بشكل شبه مستقل، مع تقليل فرص التدقيق في إجراءات النقل، ما يزيد الغموض المحيط بالتعامل مع الركاب والشروط التي فُرضت عليهم خلال الرحلة.

وكشف مصدر أمني فلسطينيّ رفيعَ المستوى عن سر اختيار مطار رامون، فأشار إلى موقعه الجنوبي المعزول الذي يوفر خصوصية عالية للرحلات الاستثنائية، مع سهولة الربط البري من كرم أبوسالم تحت الإشراف العسكري. هذا الموقع يحد من التدخل الإعلامي والرقابي، ويمنح جيش الاحتلال مساحةً لإدارة الحركة دون المرور بالمطارات المركزية التي تخضع لمتابعة أكبر، ما يخدم خطط النقل الإسرائيلية.

ويستوعب المطار رحلات مستأجرة خاصة مثل رحلات «Global Airways» دون دمجها في الجدول التجاري، ما يسمح بتحكم كامل في حركة الركاب والإجراءات الأمنية. الرحلات السابقة إلى جوهانسبرج ووجهات آسيوية تعزز تقييم السلطات الإسرائيلية للمطار كمنصة مناسبة لعمليات النقل والتهجير، مع تقليل المخاطر اللوجستية وتوسيع هامش المناورة.

التهجير بـ«مقابل»

اضطر عشرات الفلسطينيين في غزة لدفع مبالغ مالية كبيرة لمجموعة تقدم مخرجًا من القطاع، سعيًا للحفاظ على حياتهم بعد القصف المتواصل وفقدان المنازل. الرحلة لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل محاولة لتأمين سلامة العائلات في ظل ظروف معيشية مزرية وزيادة الضغط النفسي على السكان، خصوصًا الأطفال وكبار السن.

بدأتِ الرحلة بالتنقل عبر الحافلات داخل غزة وصولًا إلى المعابر الخاضعة لسيطرة الاحتلال، قبل نقلهم جوًّا إلى دول ثالثة. استخدام محطات متعددة قبل الوصول النهائي يعكس التعقيدات الإدارية والسياسية، ويُبرز التحديات اللوجستية الناتجة عن القيود الصارمة على التنقل، ما يحوِّل أي محاولة للهروب من الصراع إلى عملية محفوفة بالمخاطر والمعوقات.

اعتمد البعض على منظمات لتسهيل الرحيل، مع التواصل عبر الإنترنت للحصول على التصاريح الأمنية وجوازات السفر. وصول الفلسطينيين إلى جنوب إفريقيا بعد رحلة طويلة عبر كينيا شكَّل فرصةً للبقاء، لكنه لا يمحو مآسيهم السابقة. الذكريات المؤلمة من القصف وفقدان الأهل والممتلكات تظل تلاحقهم، ما يعكس مأساة شعب يعيش تحت الاحتلال دون أفق واضح للعودة.

تسهيلات «تحايلية»

تعتمد إسرائيل على فتح معبر رفح أو معابر محددة لفترات قصيرة تحت ذريعة التسهيلات الإنسانية، بينما تتحكم بالكامل في اتجاه الحركة. هذا الأسلوب يسمح بتهجير مجموعات مختارة دون حق العودة، ويحوِّل المعابر إلى أدوات ضغط وترهيب، ويمنح عمليات التهجير إطارًا يبدو قانونيًّا رغم مخالفته حقوق اللاجئين وتقويضه الحماية الدولية.

تستخدم إدارة «كوجات» أساليب انتقائية لتحديد الفئات المستهدفة، خصوصًا أصحاب المنازل الواقعة في مناطق فلسطينية استراتيچية أو مَن يملكون حضورًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا. هذا الانتقاء يجعل التهجير محدودَ العدد لكنه مؤثر ديموغرافيًّا، إذ يركز على تفريغ مساحات محددة دون إثارة الانتباه إلى المشروع الأوسع. وتعمل الآلية بدقة تخدم أهداف السيطرة وإعادة تشكيل المجال السكاني.

يعتمد الاحتلال على ضغوط إدارية وقوانين مقيدة لدفع الفلسطينيين نحو مغادرة قسرية تُعرض كخيار فردي. التهديد بالهدم وحرمان السكان من التصاريح والخدمات الأساسية يضع الفلسطيني أمام احتمال واحد.هذه الضغوط تُظهر التهجير كخطوة «طوعية»، بينما يظل الهدف تفريغ مناطق معينة من سكانها الأصليين، وفق تخطيط ممنهج يدمج الأمن والإدارة.

تتم عمليات التهجير عبر تنسيق محدود مع مؤسسات دولية يمنح العملية مظهرًا من الشرعية دون رقابة فعلية. هذا الإطار يُخفي التوجه الإسرائيلي نحو تغيير البنية السكانية في غزة تدريجيًّا. التهجير الجزئي الذي يشمل عشرات الآلاف يخلق واقعًا جديدًا على الأرض، مع استمرار تقديمه كإجراء مدني أو إنساني يخدم أهدافًا سياسية بعيدة المدى.

«كوجات» المتآمرة

زعمت إدارة تنسيق النشاطات الحكومية الإسرائيلي «كوجات»، المسئولة عن الشئون المدنية في غزة، أن الفلسطينيين غادروا بعد حصولهم على موافقات من دولة ثالثة وتأشيرات صالحة، مع تفويض بالهبوط في جنوب إفريقيا، بينما تبين أنهم لم يحصلوا على أي من التصاريح المطلوبة، ما دفع السلطات للتحقيق في القضية وإبراز ثغرات قانونية كبيرة.

«كوجات» ليست إدارة مدنية تقليدية كما يروج الاحتلال، في ظل تورطها المباشر في عمليات تهجير الفلسطينيين بالتوازي مع الجيش والاستخبارات. تحت إشراف حكومة نتنياهو، تنسق الإدارة مع الأجهزة الأمنية لضمان تنفيذ خطط تهجير ممنهجة، ما يُظهر الوجه المدني لسياسات الاحتلال، حيث تُستغل الإدارات الرسمية كواجهة لإخفاء عمليات نقل السكان القسري وإفراغ مناطق استراتيچية من الفلسطينيين.

توظف «كوجات» القوانين واللوائح الإسرائيلية لصالح تنفيذ التهجير، مستغلةً غياب الرقابة الدولية، وتحايلت على الحقوق الأساسية في التنقل والسكن. تشمل أنشطتها تنظيم النقل إلى وجهات مثل كينيا وجنوب إفريقيا بعيدًا عن أي رقابة، مع إخفاء الحقائق عن اللاجئين أنفسهم، ما يثبت أنها جزء لا يتجزأ من آلة التهجير الإسرائيلي.

تكشف هذه العمليات الدورَ المشبوه للإدارة المدنية كذراع لتنفيذ السياسات الاستعمارية، ما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة لتوثيق الانتهاكات ومساءلة الاحتلال قانونيًّا وسياسيًّا. التغطية الإدارية المزيفة تخفي الواقع القسري للتهجير، وتؤكد أن «كوجات» تجاوزت مهامها اليومية لتصبح أداةً تنفيذيةً لسياسة تهجير ممنهجة تخالف القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين الأساسية.

أدوار استخباراتية

تلعب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دورًا مباشرًا في إعداد عمليات مغادرة الفلسطينيين بدون عودة، تعتمد على شبكات محلية ودولية لجمع معلومات دقيقة تشمل الأسماء والمواقع والخلفيات العائلية والسياسية. تستخدم تلك البيانات لوضع أولويات التهجير وتوقيته، بهدف التأثير على أكبر عدد من السكان بأقل قدر من الاعتراض الدولي. هذه المنهجية تمنح الاحتلال قدرةً على التنفيذ الهادئ لعمليات واسعة دون ضجيج سياسي.

تنسق أجهزة الاستخبارات مع «كوجات» والإدارات المدنية الإسرائيلية لتسهيل النقل وإصدار التفويضات. هذا الدمج بين الأمن والإدارة يحوِّل التهجير إلى إجراءات تبدو منظمة، مع أنها تهدف إلى إفراغ مناطق استراتيچية من سكانها الأصليين. وتتابع الأجهزة أي اعتراض محتمل، وتغيّر المسارات أو الجداول وفق تقييمات لحظية لضمان استمرار العملية دون تعطيل.

تدير هذه الأجهزة كذلك التغطية الإعلامية والدبلوماسية، وتعرض عملية المغادرة كتحرك طوعي أو إنساني لتخفيف الانتقاد الدولي. هذا الإطار يخدم حماية الاحتلال من المساءلة، ويؤكد وجود استراتيچية استخباراتية متكاملة تجمع بين الأمن والإدارة المدنية والدبلوماسية لتثبيت سياسة التهجير وإعادة تشكيل الواقع السكاني في غزة.

تضييع الحقوق

الفلسطينيون الذين غادروا غزة عبر عمليات تهجير مشبوهة يواجهون فقدانًا شبهَ كامل لحق العودة، إذ لم يتم توثيق خروجهم رسميًّا. هذا الوضع يحرمهم من المطالبة بحقهم في العودة إلى منازلهم أو أراضيهم، ويحوِّلهم إلى لاجئين بلا ضمانات قانونية، مُعرَّضين لانتهاكات مستمرة لحقوقهم الأساسية وحياتهم المدنية.

غياب الأختام والتصاريح الرسمية الصادرة عن السلطات الإسرائيلية خلق ثغرةً قانونيةَ كبيرةً، تجعل هؤلاء الفلسطينيين عُرضةً لمشكلات قانونية عند دخول دول أخرى. النقص في التوثيق يزيد من هشاشة أوضاعهم، ويضعهم في موقف دفاعي مستمر، ويحد من قدرتهم على المطالبة بحقوقهم أو العودة إلى منازلهم، ويضاعف معاناتهم الإنسانية.

هذا الحرمان من الوثائق الرسمية يحرمهم من الحماية القانونية التي توفرها اتفاقية اللاجئين لعام 1951، بما في ذلك الحماية من الإعادة القسرية وحق الحصول على الخدمات الأساسية والعمل والتنقل. اللاجئون الفلسطينيون يصبحون عُرضةً للترحيل أو رفض الدخول في أي دولة، ما يزيد من هشاشة حياتهم ومستقبلهم غير المستقر في المنافي.

التهجير إلى دول بعيدة مثل كينيا وجنوب إفريقيا يعمّق التحديات الاقتصادية والاجتماعية، إذ يفتقر المغادرون إلى شبكات دعم محلية ويضطرون للعمل في ظروف غير مستقرة. فقدان الهوية القانونية يزيد من صعوبة الحصول على سكن ورعاية صحية وتعليم، ويترك آثارًا نفسية عميقة، ما يعكس سياسة الاحتلال في تغيير البنية السكانية وفرض الضغوط على حقوق الفلسطينيين.

كينيا.. جنوب إفريقيا

بادرت وزارة الداخلية في جنوب إفريقيا بسحب التأشيرات من الفلسطينيين الذين دخلوا أراضيها عبر المخطط الإسرائيلي، على خلفية التحقيقات التي أجرتها هياكل الاستخبارات الوطنية والمشاورات داخل مجموعة الأمن، التى تأكد لها تعمّد الإساءة المستمرة لإعفاء التأشيرة لمدة 90 يومًا لحاملي جوازات السفر الفلسطينية العادية من قِبل جهات إسرائيلية مرتبطة بجهود «الهجرة الطوعية» لسكان قطاع غزة.

جاء ذلك بعدما حققتِ الجهات الأمنية في رحلة مستأجرة هبطت في مطار «أور تامبو»، الدولي، بمدينة جوهانسبرج، وعلى متنها أكثر من 150 فلسطينيًّا يفتقرون إلى الوثائق الأساسية. احتُجز الركاب نحو 12 ساعة أثناء مقابلات الهجرة، قبل السماح لهم بدخول البلاد لمدة 90 يومًا لأسباب إنسانية، ما كشف عن ثغرات في المعلومات والمسئوليات الرسمية.

أما كينيا فكانت محطة ترانزيت قصيرة، دون تصريحات رسمية، لكن تقارير محلية أشارت إلى شبكات وسطاء لهم علاقات بسياسيين كينيين يسهِّلون النقل. هذه الطبقة الموازية تعمل خارج السيطرة الحكومية المباشرة، ما يعكس وجود آليات تنظيمية غير رسمية تتحكم في حركة الواصلين من مناطق النزاع، بعيدًا عن التدقيق السياسي الدولي المباشر.

اختيار كينيا كنقطة ترانزيت يعكس رغبة إسرائيل في نقل الفلسطينيين بعيدًا عن الرقابة، مستغلةً البنية التحتية اللوجستية لإدارة توقفهم القصير، ما يمنع اعتراضات ويقلل احتمالات العودة المباشرة. هذه الطريقة تجعل التهجير يبدو كتحرك لوجستي عابر، بينما يحمل تداعيات استراتيچية لإبعاد السكان عن مجتمعهم الأصلي وإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في غزة.

الوصول إلى جنوب إفريقيا كوجهة نهائية يوضح الاستراتيچية الإسرائيلية في نقل الفلسطينيين بعيدًا عن محيطهم الطبيعي، مستفيدةً من تفاهمات دبلوماسية واتفاقيات تعاون تمنح العملية غطاءً قانونيًّا وإداريًّا. نموذج «ترانزيت كينيا- جنوب إفريقيا» يقدم العملية إعلاميًّا كإجلاء إنساني، لكنه يترك آثارًا قانونية وإنسانية عميقة على الهوية وحقوق العودة المستقبلية.

حراك إقليمي

وأعربت دول عربية وإسلامية (بينها: مصر، السعودية، باكستان، إندونيسيا، الإمارات، تركيا، الأردن، وقطر)، عن قلقها العميق من التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح باتجاه واحد لإخراج سكان غزة، وتجاوزَ التحرك مجرد التعبير الدبلوماسي، ليعكس بدء تنسيق سياسي أوسع يهدف لوقف أي خطوات أحادية ومفاجئة قد تؤثر على استقرار القطاع.

ركز البيان المشترك على ضرورة الالتزام الكامل بفتح معبر رفح في الاتجاهين، دون أي تغيير أحادي يعرقل الإغاثة ويمنح إسرائيل قدرةً على التلاعب السكاني، وتنفيذ الاستحقاقات المتفق عليها دون تأجيل، ورفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، والتمسك بخطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لضبط سلوك الأطراف على الأرض، وتسريع إعادة الإعمار، داعمةً عودة السلطة الفلسطينية لتولي مسئولياتها داخل غزة.

اقرأ أيضاًتقارير عبرية: تل أبيب ترفض مهلة عامين لنزع سلاح حماس

نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية ويصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بالصعبة

دبلوماسي فلسطيني سابق: ترامب مصمم على المرحلة الثانية رغم العراقيل وملف الضفة لا يزال محل جدل دولي

مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجي: إسرائيل تلوّح بورقة المياه للضغط على الأردن
  • ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟
  • خروقات لا تتوقف: الاحتلال يقصف منزلاً مأهولاً غرب دير البلح
  • مليار دولار لمنع قيام دولة فلسطينية..لماذا يخطط سموتريتش؟
  • ارتفاع عدد شهداء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة إلى 70 ألفا و365 شهيدا
  • مؤامرة «الخروج بدون عودة» تفضح إسرائيل.. جهات رسمية تشارك في تفريغ مناطق فلسطينية استراتيچية من سكانها
  • آخر الأوضاع بالقطاع| طيران الاحتلال يقصف المناطق الغربية لرفح الفلسطينية.. نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية
  • وزير خارجية النرويج للجزيرة: الحكومة في غزة يجب أن تكون فلسطينية بالكامل
  • خبير قانوني:بعد حسم الطعون الانتخابية المحكمة الاتحادية ستصادق فوراً على النتائج الانتخابية
  • حماس تعلن الاستعداد لتسليم سلاحها إذا انتهى الاحتلال وقامت دولة فلسطينية