اليمن ومخاطر ما بعد العدوان على غزة
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
لم يكن الأمل بتأسيس مرحلة جديدة من السلام والاستقرار في اليمن ضعيفا كما هو اليوم، ونحن نشاهد جماعة الحوثي؛ الطرف الأبرز في الصراع على الساحة اليمنية، تختط مسارَ صراعٍ موازيا؛ بأجندة جديدة وأعداء جدد من العيار الثقيل، أبرزهم الولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم الدول الغربية.
يبدو الجانب الأهم في العملية السياسية؛ المتمثل في السلطة الشرعية، محطما على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومرتهنا بشكل لا يصدق لإرادة دولتي التحالف المنحل، على نحو ما كشفت عنه عملية تعيين رئيس جديد للحكومة، هو الدكتور أحمد عوض بن مبارك.
فقد لعبت السعودية وحدها الدور الأبرز في ترجيح كفة بن مبارك، مع الإبقاء على بقية الوزراء بقرارات تعيينهم السابقة، خشية الذهاب إلى فشل مستدام يُبقي الشرعية بدون حكومة متفق عليها، بعد أن أظهر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، نيته في الاستئثار بحكومة يستخدمها في تعطيل الدولة وتكريس مشروع الانفصال.
بقدر ما يمثل عدم تعافي السلطة الشرعية ومعسكرها مؤشرا على تضاؤل فرص الذهاب إلى سلام في اليمن، فإن الانعكاسات الأسوأ على عملية السلام المتعثرة؛ التي ترعاها الأمم المتحدة، تأتي من النشاط العسكري للحوثيين في البحر الأحمر، لا لكونه عملا أخلاقيا يتصل بأقدس قضايا أمتنا، ولكن لمخاوف من ارتدادات هذا النشاط على الداخل اليمني
وبقدر ما يمثل عدم تعافي السلطة الشرعية ومعسكرها مؤشرا على تضاؤل فرص الذهاب إلى سلام في اليمن، فإن الانعكاسات الأسوأ على عملية السلام المتعثرة؛ التي ترعاها الأمم المتحدة، تأتي من النشاط العسكري للحوثيين في البحر الأحمر، لا لكونه عملا أخلاقيا يتصل بأقدس قضايا أمتنا، ولكن لمخاوف من ارتدادات هذا النشاط على الداخل اليمني.
فالحوثيون-كما يرى أغلبُ اليمنيين المهتمين بالشأن العام- يخفون هدفا واضحا من وراء نشاطهم العسكري في البحر الأحمر. إذ يتجهون نحو تأسيس حقائق جديدة على الأرض، مبنية على نفوذهم الراهن المستمد من المواجهة العسكرية الغامضة التفاصيل؛ مع الولايات المتحدة وبريطانيا، مما ينذر بأن تصبح الأطراف اليمنية، بفعل تلك المواجهة، مجرد فواعل هامشية، تماما كالحالة اللبنانية، وهذه وصفة لوضع أكثر من 30 مليون إنسان في دوامة لا تنتهي من الصراع والدماء.
المتحدث باسم جماعة الحوثي، ورئيس فريقها التفاوضي، محمد عبد السلام فليتة، في أحدث تصريحات أدلى بها لجريدة الشرق الأوسط السعودية، أكد أن نشاط جماعته العسكري في البحر الأحمر منفصل تماما عن التطورات المرتبطة بالتسوية في اليمن، في رسالة طمأنة من الجماعة للجانب السعودي الذي نأى بنفسه عن الضربات الأمريكية غير المؤثرة لصواريخ الحوثيين. وعزز ادعاءاته بما اعتبره تقدما في التفاهمات مع السعودية والتي جرت قبل ثلاثة أشهر.
لكن فليته تجنب الإقرار برغبة جماعته في الذهاب إلى بحث الاستحقاقات السياسية لعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وتمسك بأولوية الملف الإنساني، الذي يراه قضية تخص جانبين؛ أحدهما جماعته، والآخر هو السعودية.
هذه القناعة المعبرة عن رغبة الحوثيين في التملص من جوهر العملية السياسية؛ ترافقت مع بقاء الموقف الحوثي على حاله من الدور السعودي في هذه العملية، أي رؤيته للرياض بأنها طرفٌ مقابل في الحوار، كما هي في الحرب، وليست راعية له؛ على الرغم من محاولة الصحيفة تمرير هذا الأمر عبر مداخلة لخبير سعودي في ذات التقرير الذي نشرته الجريدة.
النفاق في هذه المرحلة هو العقيدة الجيوسياسية المهيمنة على المقاربات الأمريكية والبريطانية والإقليمية في اليمن، التي منحت الحوثيين دورا كبيرا على الساحة اليمنية، بما يدفع إلى الاعتقاد بأن الضربات الأمريكية البريطانية الحالية ضد الحوثيين إنما هدفها ترويض ذلك الدور، وليس إنهاءه.
فلم تبرهن تلك الضربات، في ظل الحياد السعودي، على أن الحوثيين قد تحولوا إلى عدو يتعرض لتهديد وجودي؛ كالذي طال في 2014 الفاعلين السياسيين الوطنيين، المؤمنين بالعقد الاجتماعي الجديد الذي نتج عن حوار استغرق العالم 2013.
ترغب السعودية بالتأكيد على عدم التماهي مع الموقف العسكري الأمريكي في البحر الأحمر، حتى لا تعطي انطباعا بأنها لا تبدي الحساسية المفترضة تجاه العدوان الإسرائيلي الغاشم، وعملية الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية
فقد مزّق الحوثيون مسودة الدستور الديمقراطي، وفرضوا خيار الحرب تحت حماية الطائرات الأمريكية بدون طيار، مستفيدين أيضا من أموال الثورة العربية المضادة للربيع العربي، ومن الإمدادات الهائلة من الأسلحة الإيرانية التي حصلوا عليها؛ تحت أنظار البحرية الأمريكية والغربية، بل خرجوا من الحرب المخادعة للتحالف المنحل بمكاسب وامتيازات كبيرة؛ حوّلت اليمن إلى إحدى منصات المناورة الإقليمية التي تستخدمها إيران لتعزيز نفوذها العالمي، بأيسر الكُلف.
ترغب السعودية بالتأكيد على عدم التماهي مع الموقف العسكري الأمريكي في البحر الأحمر، حتى لا تعطي انطباعا بأنها لا تبدي الحساسية المفترضة تجاه العدوان الإسرائيلي الغاشم، وعملية الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.
لكن هذا الأمر إن لم يقابله تحركٌ حقيقي من جانب الرياض للتعاطي مع سيناريو مع بعد الحرب على غزة، والذي يسرق الحوثيون والجماعات المسلحة الشيعية التابعة لإيران جزءا مهما من عائدها الأخلاقي؛ فإن إيران ستحقق أهدافها كاملة في المنطقة، وستُدخل اليمن مرحلة سيئة من الصراع الذي لن يتوقف عند حدودها بالتأكيد.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن السعودية الحوثيين الإيرانية غزة إيران السعودية غزة اليمن الحوثيين مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی البحر الأحمر الذهاب إلى فی الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمن نموذج ناصع في مواجهة أطماع التوسع الاستعماري
عمير:الجبهة اليمنية وصراع الصمود ضد الهيمنة الضبيبي:صنعاء والضاحية.. وفاءٌ مؤصل وعهدٌ أبدي لا يسقطه التقادم التبعي:اليمن وصمود الأُمَّــة في مواجهة العدوان
اليمن نموذج ناصع نكس كل رايات المستكبرين على امتداد الأرض اليمنية وسيظل يمن الإيمان والحكمة والجهاد سندا للأشقاء في فلسطين ولبنان.. اليمن نموج حي نكس كل رايات المستكبرين على أمتداد الأرض اليمنية حتى تحرير الأرض العربية من التواجد العسكري الاستعماري وتطهير مسرى الرسول الكريم ..
الثورة / أمين رزق
البداية مع الأخ / رهيب التبعي الذي تحدث قائلا: في قلب الجزيرة العربية، يقف اليمن اليوم نموذجًا حيًّا للصمود والتحدي، حَيثُ تواجه الجبهة الوطنية مشروعًا توسعيًّا يفرضه تحالف واسع يضم السعوديّة والإمارات، مدعومًا من أمريكا وكَيان الاحتلال، مع المنافقين الذين عملوا على نشر الفرقة وتقويض الإرادَة الوطنية ومع كُـلّ هذه الضغوط، ظل الشعب اليمني ثابتًا، يثبت يومًا بعد يوم أن القوة الحقيقية لا تُقاس بالسلاح أَو المال، بل بالإيمان العميق بالقضية، وبالتمسك بالحق الوطني والديني في مواجهة كُـلّ محاولات الهيمنة.
لقد أثبت اليمنيون أن الصمود يمكن أن يكون استراتيجية ناجحة عندما يتحد الناس حول مشروع واضح وهدف سامٍ وفي قلب هذا الصمود، يقف السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله، الذي أسّس قيادة مبنية على رؤية واضحة ودروس مستمدة من القرآن الكريم، تربط بين الصمود والإيمان، وتحوِّل المعاناة إلى طاقة دافعة للعمل والوعي فقد أكّـد منذ البداية أن مواجهة العدوان ليست معركة على السلطة أَو النفوذ، بل هي صراع للحفاظ على سيادة اليمن وحماية كرامة شعبه، وأن أي نصر حقيقي يبدأ بالوعي الجماعي وبالثقة في النفس قبل أية حسابات ميدانية.
وقد أثبتت السنوات أن هذه الرؤية كانت حجر الأَسَاس في بناء جبهة وطنية متماسكة، قادرة على مواجهة أصعب التحديات ومع تزامن احتفال الشعب اليمني بعيد الجلاء الذي شهد طرد آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، يواصل الشعب اليمني اليوم نضاله المُستمرّ ضد الاحتلال السعوديّ والإماراتي والأمريكي، ولن يهدأ حتى استكمال تحرير الجمهورية اليمنية من هذا الاحتلال، وتحقيق أهداف الثورة اليمنية التي انطلقت في 21 سبتمبر 2014 ضد الوصاية الأمريكية والسعوديّة والإماراتية والصهيونية وأدواتهم العميلة في اليمن وفي هذا السياق، يحتفل الشعب اليمني اليوم أَيْـضًا بذكرى ثورة 30 نوفمبر، ليجسد رابطًا بين الماضي الوطني العريق والحاضر المقاوم، مؤكّـدًا أن إرادَة الشعب اليمني لم تنكسر وأن الكرامة الوطنية أسمى من كُـلّ محاولات الهيمنة لم يكن العدوان على اليمن مُجَـرّد حرب تقليدية، بل حملة شاملة استهدفت تفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية، ومحاولة إخضاع الإرادَة الوطنية، وتمويل صراعات داخلية عبر أدوات محلية وخارجية ولكن قدرة القيادة اليمنية على قراءة المشهد بوعي، وتحويل الضغوط إلى أدوات تعزيز للوحدة الداخلية، أكسبت الجبهة صلابة غير متوقعة، وجعلت أي محاولة لكسر إرادتها أشبه بمحاولة هدم جبل صخر وهنا يظهر بوضوح الفرق بين قوة الموارد المادية وقوة الإرادَة الحقيقية، حَيثُ أثبت اليمنيون أن الإيمان بالقضية والالتزام بالحق يكسبان الأُمَّــة عزيمة لا يمكن لأي حصار أَو تهديد أن يضعفها.
كما أن اليمنيين لم ينسوا دورهم في دعم الشعوب المظلومة، فقد كانت مواقفهم تجاه فلسطين نموذجًا للتلاحم بين الواجب الإنساني والقيم الوطنية، فقد وقفت الجبهة اليمنية إلى جانب المظلومين في غزة ولبنان وغيرها، مردّدة صوت الحق في وجه الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، مؤكّـدين أن التضحية ليست خيارًا، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية تتجاوز الحدود.
وهكذا أصبح اليمن رمزًا للمقاومة الحرة، وأضحى نموذجًا في المنطقة على أن الشعوب لا تُهزم عندما تكون على حق، مهما عظمت القوى التي تحاول استلاب إرادتها وما يميز التجربة اليمنية اليوم هو أن القيادة لم تكتفِ بمواجهة الخارج، بل نجحت في تعزيز الوعي الداخلي، وتوحيد المجتمع حول مشروع مشترك يحمي الوطن ويصون القيم، ويحوِّل الصراع من معركة عسكرية إلى مشروع ثقافي وسياسي شامل فالجبهة اليمنية، بقيادة السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله، استطاعت أن تبني استراتيجية متكاملة تجمع بين القوة، الوعي، والإيمان، وتثبت أن الأُمَّــة التي تؤمن بقضيتها لا يمكن أن تنكسر مهما اجتمع عليها الأعداء وفي خضم هذا الصراع الطويل، يظل الدرس اليمني حاضرًا لكل الشعوب الحرة:
إن الانتصار الحقيقي يبدأ بإيمان الناس بحقهم، وبقيادة صادقة تعرف طبيعة المعركة، وتربط بين الأرض والسماء، والميدان بالقيم ولذلك فَــإنَّ اليمن اليوم ليس مُجَـرّد صمود، بل رسالة واضحة للعالم بأن الجبهة التي تؤمن بقيمتها وبإرادَة شعبها، وتتمسك بالحق، قادرة على مواجهة أي تحالف من القوى الظالمة، وأن الاستسلام ليس خيارًا أبدًا للشعب الذي يعرف قدره ويثق بقيادته
وفي نفس السياق يقول الأخ / أحمد الضبيبي إن في لحظة تاريخية فارقة، حَيثُ تتهاوى أبنيةُ التبعية تحت وطأة الخِذلان المريع، وتتعالى صيحاتُ الاستكبار الكوني لتحيل خارطة الأُمَّــة إلى حطام، تبرز ظاهرة قدسية تكسر حاجز الصمت والتخاذل إنها فكرة، وعقيدة، وخط دفاع أخير يُعرَف بـ”محور المقاومة” لم يعد الأمر مُجَـرّد تجمع عسكري أَو تكتل سياسي عابر؛ بل هو اندماج قدري، بين إرادات صلبة، تتجلى فيه أواصر لا ترهبها طائرات العدوّ الأمريكي والصهيوني ولا تذيبها رمال النسيان.
إن ما يربط صنعاء العصية بضاحية بيروت المقاومة ليس مُجَـرّد تنسيق جغرافي، بل هو قسم علوي مهيب، محفور بأبجدية الدم المنجز لقد كانت المقاومة الإسلامية، سيف الأُمَّــة وغمد عزتها، أول من أدركت ببصيرتها الثاقبة أن العدوان على اليمن والمأساة اليمنية لم تكن حدثًا منعزلًا، بل هي محور استئصال واختبار مصير يستهدف قلب المحور الاستراتيجي وكسر العمود الفقري للمقاومة، مدركة أن العدوان لم يكن على الجغرافيا اليمنية وحسب، بل على شريان العقيدة الواحدة منذ اليوم الأول للعدوان الغاشم على اليمن، انبثق صوت سيد شهداء الأُمَّــة والإنسانية، السيد الأسمى حسن نصر الله -رضوان الله عليه-، مدويًا كالجلجلة، لا يخطئه صمت المتخاذلين ولم تكن خطاباته مُجَـرّد بيان سياسي، بل كانت مظلة سيادة وصيحة حق نافذة، نسفت أوهام شرعية العدوان المزعومة وكشفت عري المشروع التآمري وفضحت زيف ادِّعاءاته، مصنفة إياه نكسة أخلاقية وتاريخية بامتيَاز، هذا الموقف شكّل درعًا إعلاميًّا ومعنويًّا حمى الصمودَ اليمني من الانهيار في عصف التضليل الدولي.
إن ارتقاءَ الترسانة اليمانية الباسلة، من الصواريخ الباليستية وفوق الصوتية إلى المسيرات الكاسرة للهيمنة، التي باتت تخرق عمق دول العدوان وتخنقُ كَيان الاحتلال الصهيوني في البحر الأحمر والعربي، هو ثمرة جهادية مشتركة تعلن ميلاد مفهوم جديد للأمن الإقليمي تحت سلطة الإرادَة الجماعية للمقاومة، إن الموقف اليمني اليوم تجاه حزب الله في لبنان، في غمرة المعركة الوجودية، ليس وليد استجابة ظرفية، بل هو وفاء مؤصل لأهل الوفاء، وفرض عين قدري ووفاء سرمدي لفضل لا يُمحى، ودين كرامة مستحق ومؤبد لا يسقطه التقادم لأهل العزة الذين لم يتزلزلوا حين ارتعشت الأقدام، واعتراف بفضل سابق حفرته المقاومة بأظافرها الفولاذية في جسد المعركة اليمنية القدسية الموقف اليمني اليوم، بإعلانه الصارم واللا متناهى، بأن أي عدوان على لبنان وحزب الله سيجد اليمن بكامل قوته في قلب المعركة، هو تأكيد لدين الكرامة والوفاء المنقوش في ذاكرة الأحرار وعهد الشرف الذي لا يسقط بالتقادم، وأن اليمن لا ينصر أخاه وحسب، بل يشاركه المصير والفتح، فبينَ صمود اليمن الشامخ ووعي لبنان الثابت، تُعاد صياغة المعايير ليشرق فجرُ السيادة الحقيقية كطود أشم لا تبلغه سهام التخاذل هذا الميثاق هو إعلان بليغ يعيد تشكيل وجه التاريخ بمطرقة الحق، ويرسم خطًا أحمر جديدًا للعزة لا يمكن تجاوزه، مؤكّـدًا أن تجزئة المصير هي استحالة عقائدية في قاموس الأحرار هذه الملحمة اليمنية بصمودها الأُسطوري هي دليل دامغ على أن عقيدة المقاومة لا تعرف الجغرافيا، بل تتحد في وجه الاستكبار الكوني وهذا التلاحم يرسل برقية مشفرة إلى كُـلّ من يراهن على تجزئة المحور وعزله، لن يُفرد أي جزء من محورنا بالاستئصال، فالعدوان على طرف هو عدوان على الكل إن النصرَ الحقيقي لليمن وهزيمة المعتدين فيه، هو الذي يعيد للأُمَّـة مجدها وعنوانها الأقدس، وهو الطريق الذي يمر حتمًا بفك قيد المسجد الأقصى وقد علمنا موقف حزب الله أن المبادئ تُصان بالتضحية لا بالمساومة، وأن الأخوة الإيمانية تتجلى في أصعب الظروف وأخطر الثغور.
أما الأخ /شاهر أحمد عمير فيقول :إنَّ جبهةً معها الله لا تنكسر ولو كان ضدَّها الوجود كلُّه، وهذه الحقيقة تتجلى اليوم في المشهد اليمني بكل وضوح، حَيثُ يقف الشعب اليمني في جبهة متماسكة تقودها إرادَة الإيمان والوعي، ويقودها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله بثباتٍ ورؤيةٍ استراتيجية جعلت من هذه الجبهة رقمًا صعبًا في معادلات المنطقة فالمعركة التي يخوضها اليمن ليست معركة حدود أَو نفوذ فحسب، بل معركة وجو في مواجهة مشروع واسع تتشارك فيه أمريكا وكَيان الاحتلال والسعوديّة والإمارات، ومعهم المنافقون الذين باعوا مواقفهم وتحولوا إلى أدوات في آلة الهيمنة الخارجية.. لقد حاولت هذه القوى أن تكسر إرادَة اليمنيين عبر الحرب الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، لكنَّ كُـلّ تلك المحاولات اصطدمت بجدار الوعي الشعبي الذي أدرك أنَّ الهجمة ليست على طرفٍ سياسي أَو جغرافي، بل على هُوية اليمن واستقلال قراره وهنا يبرز دور القيادة التي نجحت في تحويل الحصار إلى فرصة للاعتماد على الذات، وتحويل الاستهداف إلى سببٍ إضافي لتعزيز وحدة الجبهة الوطنية في مواجهة العدوان ويمكن القول إنَّ الجبهة اليمنية اليوم تشكِّل حالة نادرة في المنطقة من حَيثُ قدرتها على الجمع بين الصمود الشعبي والقيادة الواعية والرؤية الواضحة لطبيعة الصراع، فالسعوديّة والإمارات، رغم ثرواتهما الضخمة ودعم واشنطن وتل أبيب لهما، لم تستطيعا تحقيق أهدافهما، بل تحوَّلتا إلى طرف مأزوم يسعى إلى الخروج من الحرب بأقل الخسائر الممكنة أما أمريكا وكَيان الاحتلال فقد وجدا في اليمن قوَّة ترفض الخضوع، وتستطيع أن تغيِّر موازين الصراع في البحر الأحمر والممرات الدولية رغم كُـلّ الضغوط.
إن ما يميز الجبهة اليمنية هو أنها لا تقاتل بالوكالة عن أحد، ولا تنفِّذ مشاريع خارجية، بل تدافع عن سيادتها وكرامة شعبها ولهذا استطاعت أن تفضح مشروع التطبيع الإقليمي، وأن تكشف حقيقة المتواطئين الذين يبرّرون العدوان ويهاجمون المقاومة اليمنية إعلاميًّا وسياسيًّا خدمةً للمحتلّ الصهيوني والأمريكي وفي الوقت نفسه، فَــإنَّ هذه الجبهة أثبتت أنَّ القوة ليست في حجم الترسانة العسكرية، بل في روح الصمود والإيمان بعدالة القضية ويأتي ذكر السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي هنا؛ باعتبَاره حجر الزاوية في هذا الصمود، فقد استطاع بخطابه الواعي وقراءته العميقة للمشهد أن يحافظ على اتّجاه البوصلة نحو العدوّ الحقيقي، وأن يجنِّب اليمن الانزلاق إلى الصراعات الداخلية التي حاولت أطراف العدوان إشعالها منذ اليوم الأول، كما نجح في تعزيز مفهوم الجبهة الجامعة التي تضم كُـلّ من يؤمن بأن اليمن لا يجب أن يكون تابعًا ولا ساحة نفوذ للمحتلّإن صمود الجبهة اليمنية اليوم ليس إنجازا عسكريًّا فحسب، بل هو إنجاز سياسي وأخلاقي يعيد الاعتبار لفكرة التحرّر الوطني في زمنٍ حاولت فيه القوى الكبرى أن تفرض منطق الاستسلام على الشعوب ومع استمرار اليمن في الدفاع عن قضيته، ومع تزايد الوعي الشعبي في مواجهة التضليل الإعلامي، بات واضحًا أنَّ مشروع الهيمنة يواجه مأزقًا حقيقيًّا، وأن الجبهة اليمنية أصبحت نموذجًا يُدرَّس في الإرادَة والقدرة على تحويل المعاناة إلى قوة وهكذا، فَــإنَّ الجبهة اليمنية في صراعها الواسع ضد السعوديّة والإمارات وأمريكا وكَيان الاحتلال ومن دار في فلكهم من المنافقين، تقدم اليوم درسًا في أن الشعوب الحرة، مهما كانت الظروف، تستطيع أن تصنع مستقبلها عندما تمتلك القيادة الواعية والإرادَة الصلبة والوعي الجمعي بأن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع.