حرب الدولار – اليوان.. معركة سياسية تحدد من يهيمن على الاقتصاد العالمي
تاريخ النشر: 20th, July 2023 GMT
لأكثر من قرن، سهّل الدولار تدفّق الأموال والسلع حول العالم سواء لشراء أو بيع النفط. وعادةً ما يتم تسعير سندات الدول المصدرة للديون الحكومية بالدولار الأميركي.
وعلى مدى أجيال، كان الدولار الملاذ الآمن للمستثمرين عندما تنهار الأسواق. وبدت أهميته جلية عندما عزلت الولايات المتحدة روسيا فعليًا عن النظام المالي العالمي بفرض عقوبات عليها خلال السنة الماضية.
وفي مقال نشره موقع "بيزنس إنسايدر"(Businessinsider) الأميركي، قال الكاتب فيل روزن إنه حسب ما يتم تداوله فإن عهد الدولار باعتباره الأداة المالية المفضلة في العالم ربما أوشك على الانتهاء.
وبناء على دوافع سياسية واقتصادية، أشارت العديد من الدول -على غرار إسرائيل وفرنسا وروسيا والصين- إلى أنها تتطلع إلى البدء في إجراء مزيد من المبادلات بعملة أخرى غير الدولار، حيث بدأت البنوك المركزية الابتعاد تدريجيا عن الدولار، باستحواذ عملات مثل اليوان الصيني والين الياباني واليورو الأوروبي على حصة متزايدة من الاحتياطيات العالمية.
وحسب بعض الخبراء الماليين، فإن هذه السيناريوهات المتشائمة مبالغ فيها، ولكن هناك أسبابا حقيقية تقف وراء هذه النظرية.
فقد تراجعت النسبة المئوية للمعاملات المالية بالدولار خلال العقود القليلة الماضية، وانخفضت النسبة المئوية لاحتياطيات البلدان النقدية بالدولار. ولكن هذه التحولات، رغم أهميتها، لا تعني أن هيمنة الدولار ستنتهي في أي وقت قريب.
ونقل الكاتب عن الأستاذ المالي بجامعة ستانفورد، تشينزي شو، أنه لا يوجد حتى الآن بديل قابل للتطبيق للعملة الأميركية، وتساءل "ما العملة التي ستعتمدها تلك البلدان بدلا من الدولار؟".
على مدى السنوات 102 الماضية، تربّعت الولايات المتحدة على عرش العملات، حيث سمحت طبيعة العولمة الاقتصادية باكتساب الدولار مكانةً أقوى من العملات الاحتياطية السابقة.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقارب 60% من الاحتياطيات الدولية محتفظ بها في أصول مقوّمة بالدولار، وتظهر بيانات بنك التسويات الدولية أن الدولار مُستخدم في حوالي 88% من جميع المعاملات التجارية الدولية.
وذكر الكاتب أن أفضل اختبار لمعرفة مدى التأثير الذي تتمتع به هذه العملة الاحتياطية هو النظر إلى ما يحدث أثناء الأزمات المالية. وعلى مدى القرن الماضي، يلجأ المستثمرون دائمًا إلى الأصول التي يمكن تحويلها إلى الدولار.
وحسب غريغوري برو، المحلل بشركة الاستشارات "أوراسيا غروب" (Eurasia Group) فإن دولا مثل الصين تفعل ما في وسعها "لتتحدى هيمنة الولايات المتحدة" ولكن حتى يحين الوقت لن يفقد الدولار مكانته في أي وقت قريب.
وحسب ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة "هورايزن إس إل جي كابيتال"(Horizons SLG Capital) فإن حصة الاحتياطيات العالمية المحتفظ بها بالدولار شهدت انخفاضا حادا عام 2022، حيث تآكلت بما يقارب 10 أضعاف متوسّط الوتيرة السنوية في العقدين الماضيين.
وحسب جين، فإن الشهية لاستخدام الدولار قد تراجعت مؤخرًا، وبعد 15 سنة من التراجع التدريجي، شهدنا هبوطا حادا العام الماضي.
وذكر الكاتب أنه عندما جمّدت الولايات المتحدة مئات المليارات من احتياطيات موسكو بالدولار، أدركت الدول الأخرى بأنه يمكن استخدام الدولار سلاحا، لذلك تفكر بعض الدول الأخرى في "احتضان العملة المحلية في حال انتهى بها المطاف في مكان روسيا، حيث أصبحت جميع أصول الدولار غير قابلة للاستخدام".
وبذلت الصين جهودا متضافرة للترويج لعملتها "اليوان" للتجارة الدولية كوسيلة لحماية نفسها خلال فترة التوترات الجيوسياسية المتزايدة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن اليوان يشكل أقل 3% من عملات الاحتياطيات العالمية، ولكنه شهد أسرع معدل نمو لأي عملة منذ عام 2016.
وقد أشارت دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) إلى أنها تريد إطلاق عملة مشتركة لمنافسة الدولار مباشرة. وقال الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في أبريل/ نيسان الماضي "أسأل نفسي كل ليلة لماذا يتعين على جميع البلدان أن تبني تجارتها على الدولار. لماذا لا يمكننا استخدام عملاتنا الخاصة في التجارة؟".
تراجع وتوقعات
أخبر كل من ألكسندر وايز وجان لويز الخبيرين الإستراتيجيين في بنك "جي بي مورغان" (JPMorgan) العملاء أنهم يتوقعون فقط تراجعا هامشيا للدولار خلال العقد المقبل.
وإذا تراجع وضع الدولار بعد ذلك، فمن المحتمل أن تشهد الأصول الأميركية ضربة -بما في ذلك انخفاض الأسهم، وارتفاع عائدات السندات، وارتفاع سعر الواردات. وقال وايز ولويز إن التهديد الأكبر يكمن في تضرر المكانة الجيوسياسية للولايات المتحدة.
وكتب الخبيران الإستراتيجيان في يونيو/حزيران أنه "من المحتمل أن يكون لخفض الدولرة في حد ذاته تأثير ضئيل على النمو والتضخم، لكن الأحداث السلبية -التي يمكن أن تحفز إزالة الدولرة- من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم كليهما".
وإذا كانت العملة الاحتياطية تتعلق بالثقة، فإن أي تحول بعيدا عن الدولار سيشير إلى تآكل الثقة في الحكومة والاقتصاد والنظام المالي لدى الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن الأحداث التي من شأنها أن تسبب هذا التراجع في الثقة، ستكون لها آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع. وقد يؤدي التخلف عن سداد الديون المدفوع سياسيا أو سحب الاستثمارات المفاجئ من الأصول الأميركية لتآكل هذه الثقة.
ووفقا لفريق "جي بي مورغان" فإن المسار الأكثر ترجيحا للمضي قدما هو التخلص الجزئي من الدولرة الذي يحدث على مدى عدة عقود، مع كون اليوان هو المرشح الأكثر احتمالا لخفض حصة الدولار في التجارة والاحتياطيات.
ولكن التحول إلى اليوان سيأتي مع مجموعة من الإصدارات الجديدة، بدءا من قواعد الصين حول النقد وصولا إلى المشاكل الاقتصادية الخاصة بالبلاد.
وحتى تنتهي الدولرة، يجب أن يتحقق مخزون كبير جدا من الديون الآمنة منخفضة المخاطر المدعومة بعملة أخرى، وقد قال الأستاذ المالي بجامعة ستانفورد إن هذا سيتطلب على الأرجح تحقق سيناريو أزمة حيث يتخلص الجميع من دولاراتهم دفعة واحدة. ومرة أخرى، فإن احتمال حدوث ذلك يظل ضئيلا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة على مدى
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر من الانتصارات التجارية الأخيرة
يرى موقع "بلومبيرغ" أن الاتفاقات التجارية الأخيرة التي أبرمتها إدارة البيت الأبيض مع الاتحاد الأوروبي واليابان قد تأتي بنتائج عكسية وتصبح الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من سياسة الرسوم الجمركية.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن البيت الأبيض يتفاخر باتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي، بعد اتفاق مماثل مع اليابان، باعتباره انتصارًا كبيرا.
الخاسر الأكبر
ويفرض الاتفاقان رسومًا جمركية بنسبة 15 بالمائة على معظم الصادرات إلى الولايات المتحدة، إلى جانب شروط أخرى، ما يبدو وكأنه خطوة لإنهاء خطر الحرب التجارية المفتوحة وتجديد التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة، وهو ما تفاعلت معه الأسواق المالية بشكل إيجابي.
لكن الموقع يعتبر أنه لا يوجد ما يستحق الإشادة، لأن الاتفاقين يشكلان خسارة لجميع الأطراف، وأفضل ما يمكن أن يتحقق هو أن تنتقل الإدارة الأمريكية إلى أولويات أخرى قبل أن تتسبب في مزيد من الأضرار.
من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن الادعاء بأن الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الاتفاقين هو ادعاء باطل، وفقا للموقع. فالرسوم الجمركية ما هي إلا ضرائب، وسرعان ما سيدفع المستهلكون الأمريكيون معظم الزيادة في التكاليف، إن لم يكن كلها.
ولا تكمن المشكلة فقط في أن الواردات ستصبح أكثر تكلفة، بل إن المنتجين الأمريكيين للسلع المنافسة سيتعرضون لضغط أقل من حيث المنافسة والابتكار، مما سيدفعهم أيضًا لرفع الأسعار. وبمرور الوقت، ستؤدي هذه العوامل إلى تراجع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة، وسيكون الخاسر الأكبر من الرسوم الجمركية هو غالبًا البلد الذي فرضها.
تصاعد التوترات
يرى البعض أنه يمكن التعامل مع تكاليف الرسوم على المدى الطويل، طالما أن الاتفاقيات تضع حدًا للنزاعات التجارية.
وقد شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أبرمت الاتفاق مع الولايات المتحدة نهاية الأسبوع، على هذه النقطة لتبرير خضوع الاتحاد الأوروبي للمطالب الأمريكية، مؤكدة أن الاتفاق وسيلة لاستعادة الاستقرار والتوقعات الواضحة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأشار الموقع إلى أن كلا الاتفاقين، شأنهما شأن الصفقة التي أُبرمت سابقا مع المملكة المتحدة، يُنظر إليهما على أنهما اتفاقيات إطارية أكثر من كونهما صفقات نهائية.
وتنص الاتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منح بعض السلع الأوروبية إعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية، لكنها لم تحدد بعد ما هي هذه السلع.
وحسب الموقع، يشعر المواطنون في أوروبا واليابان بأن حكوماتهم قد استسلمت أمام الضغوط الأمريكية، مما يزيد احتمالات عدم الاستقرار وتصاعد موجات المعارضة السياسية.
وأضاف الموقع أنه حتى في حال إبرام هذه الاتفاقيات، ستظل هناك نزاعات قائمة لا تقتصر على التجارة فقط، وقد تواصل واشنطن استخدام الرسوم العقابية أو التهديدات الأمنية كأدوات ضغط، بما يعني أن الاستقرار الذي تتحدث عنه فون دير لاين سيكون وهميا.
وختم الموقع محذرا من أن شعور الإدارة الأمريكية بأن الاتفاقات التجارية الأخيرة دليل على قدرتها على فرض كلمتها بدلًا من بناء شراكات حقيقية، يهدد بتصاعد التوتر عالميا وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الاستراتيجية الحالية.