التلقيح الاصطناعي.. هل ينقذ وحيد القرن الأبيض من الانقراض؟
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
في محمية "أول بيجيتا" وسط كينيا، ووسط حراسة أمنية مشددة على مدار الساعة، تعيش آخر أنثيين من وحيد القرن الأبيض الشمالي، هما "ناجين" البالغة من العمر 34 عاماً، وابنتها "فاتو" البالغة 24 عاما، وذلك بعد نفوق آخر ذكورها "سودان" في 19 مارس/آذار 2018، عندما قُتل بطريقة رحيمة بسبب المضاعفات المرتبطة بعمره البالغ 45 عاما.
وحظي "سودان" بتغطية إعلامية واسعة وسط مخاوف من أن يؤدي فقدانه فعليا إلى انقراض السلالة بأكملها إذا لم تنجح عمليات التخصيب الاصطناعي لإحدى الأنثيين.
ومع تعذر تخصيبهما طبيعياً بسبب تقدمهما بالعمر، يأمل الباحثون في نجاح عمليات التخصيب الاصطناعي بعد الاحتفاظ بشيء من المواد الوراثية للذكر الأخير سودان والد "ناجين".
الانقراض.. كيف يحدث؟يشير مصطلح "الانقراض" إلى الاختفاء الكامل لنوع أو مجموعة من الكائنات الحيّة عن وجه الأرض. وعلى الرغم من أن الانقراض عملية طبيعية تكرر حدوثها عبر تاريخ الأرض، فإن معدلات الانقراض الحالية باتت أعلى بكثير بسبب الأنشطة البشرية المختلفة التي أدت إلى فقدان الموائل وتدهورها، نتيجة إزالة الغابات وتوسع الزراعة وتمدد المناطق الحضرية وتطوير البنى التحتية للمدن وتلويث المياه والهواء والتربة.
كما تؤدي التغيرات السريعة في أنماط المناخ العالمي بسبب الأنشطة البشرية والعمليات الصناعية، إلى تغيير النظم البيئية بشكل أسرع مما تستطيع الأنواع التكيّف معه، وبالتالي يسرّع انقراضها.
ويؤدي الصيد الجائر أيضاً والإفراط في استغلال الموارد، إلى استنزاف أعداد الكائنات الحية وانقراضها في نهاية المطاف، حيث تُقتل الأنواع بمعدل أسرع من قدرتها على التكاثر، وهو ما يؤدي إلى انخفاض تعدادها حتى اختفائها بالكامل.
أين ذهبت وحيد القرن الأبيض الشمالي؟أدت سنوات من الصيد الجائر والحرب الأهلية على نطاق واسع في المناطق التي ينتشر فيها وحيد القرن الأبيض الشمالي شمال غرب أوغندا وجنوب تشاد وجنوب غرب السودان والجزء الشرقي من جمهورية أفريقيا الوسطى وشمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى القضاء على معظم أفراد هذا النوع وتهديده بالانقراض.
وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 2009، نجحت جهود دولية في إرسال أربعة من آخر سبع حيوانات وحيد القرن الأبيض الشمالي المتبقية في العالم إلى محمية أول بيجيتا، وهم الأنثيان ناجين وفاتو والذكران سودان وسوني، وكانوا جميعا يعيشون في حديقة حيوان دفور كرالوف بجمهورية التشيك، حيث فشلت جميع محاولات التكاثر السابقة، وكان الأمل أن يساعد المناخ والأراضي العشبية الغنية في كينيا -وهي الموطن الأصلي لهذه الحيوانات- في توفير ظروف تكاثر أكثر ملاءمة.
وعلى الرغم من حدوث عدة حالات تزاوج، لم تولد أية عجول جديدة لوحيد القرن الأبيض الشمالي، وفقدت المحمية في عام 2014 الذكر سوني بشكل مفاجئ، وبنهاية 2015 لم يتبق على سطح الكوكب سوى ثلاثة هي ناجين وفاتو وسودان، قبل فقدان الأخير عام 2018.
قد تجد ناجين وفاتو رفاقاً وأزواجاً لهن قريباً، إن لم يكن في محمية أول بيجيتا، ففي معهد لايبنيز لأبحاث حدائق الحيوان والحياة البرية في برلين بألمانيا، حيث أعلن المعهد نجاح أول تجربة زرع جنين لوحيد قرن خُصب في المختبر في رحم أنثى بالغة. ويقول الباحثون إن عملية الزرع هذه لن تكون الأخيرة، وإذا أثبتت الأساليب التي استخدموها لتحقيق هذا الإنجاز الإنجابي نجاعتها، فإننا قد نشاهد وحيد القرن الأبيض الشمالي في المحميات وربما في البراري مجدداً.
وأجريت تجارب التخصيب الاصطناعي هذه على وحيد القرن الأبيض الجنوبي، وهو النوع الأقرب إلى وحيد القرن الأبيض الشمالي، إذ قامت مجموعة من الباحثين والأطباء البيطريين في مشروع "بيو ريسكسو" -وهو اتحاد دولي من العلماء والمدافعين عن البيئة- في سبتمبر الفائت، بقيادة معهد لايبنيز الألماني، بنقل جنينين مخصبين اصطناعيا من وحيد القرن الأبيض الجنوبي إلى "كورا"، وهي أنثى وحيد القرن الأبيض الجنوبي التي اختيرت أماً بديلة في محمية أول بيجيتا بكينيا.
واستخرجت البويضات المستخدمة في تطوير الأجنة من أنثى وحيد القرن الأبيض الجنوبي التي تعيش في حديقة حيوان بايري دايزا في بلجيكا، أما الحيوانات المنوية فجاءت من ذكر أبيض جنوبي من حديقة حيوان سالزبورغ في هيلبرون بالنمسا، وأجريت عملية تخصيب البويضات مخبرياً عن طريق حقن الحيوانات المنوية داخل السيتوبلازما وتطويرها في مختبرات أفانتيا في مدينة كريمونا الإيطالية. وقام الباحثون في كينيا بنقل جنينين لزيادة فرصة تحقيق نتيجة ناجحة.
لكن وبعد 70 يوماً من الحمل، ماتت الأم البديلة بعد إصابتها بعدوى بكتيرية، ومات معها الجنين المستزرع في رحمها، وكشف تشريح الجثة أن الجنين الذكر الذي يبلغ طوله 6.5 سم كان يتطور بشكل جيد وكان لديه فرصة بنسبة 95٪ أن يولد حيا.
ورغم نفوق الجنين والأم البديلة، فإن التجربة أظهرت أن هذه التقنية ناجحة، وأن الحمل القابل للحياة من خلال التلقيح الاصطناعي لوحيد القرن أمر ممكن، وتبقى الخطوة التالية الآن هي تجربة ذلك باستخدام أجنة وحيد القرن الأبيض الشمالي.
هل من فرصة للإنقاذ؟لا يزال مستقبل عمليات التخصيب الاصطناعي ونقل الأجنة لوحيد القرن الأبيض الشمالي غامضاً وغير مؤكد. لكن يأمل العلماء ونشطاء البيئة في أن يجد هذا النوع فرصة مثل التي وجدها أقرب أقربائه الأبيض الجنوبي، والذي كان على وشك الانقراض قبل قرن من الزمان عندما انخفضت أعداده إلى أقل من 20 رأسا، وبفضل الجهود العالمية تعافى عدد وحيد القرن الأبيض الجنوبي بشكل مذهل ليصل إلى عشرات الآلاف.
وعلى الرغم من أن جهود المساعدة لإنقاذ وحيد القرن الأبيض الشمالي جاءت متأخرة، فإن دعاة الحفاظ على البيئة لن يفقدوا الأمل حتى استنفاد كل السبل.
وقام العلماء بالفعل بتكوين العديد من أجنة وحيد القرن الأبيض الشمالي، ولا يوجد سوى 30 من هذه الأجنة الثمينة مخزنة في النيتروجين السائل بألمانيا وإيطاليا، وهي أجنة مخصبة باستخدام البويضات المأخوذة من فاتو الأنثى الأصغر سناً في كينيا، والحيوانات المنوية التي جُمعت من بعض ذكور وحيد القرن الأبيض الشمالي قبل نفوقها.
ويأمل الباحثون في زرع الأجنة خلال الأشهر المقبلة، بهدف ولادة عجل صغير بوجود إناث وحيد القرن الأبيض الشمالي على قيد الحياة.
ويدرك الباحثون أن زيادة أعداد الحيوانات المهددة بالانقراض من خلال التلقيح الاصطناعي لن ينقذ هذا النوع، إذ لا ينتج عنها تنوّع جيني وأحيائي كافٍ لإنشاء مجتمع قابل للحياة، لذا فهم يعملون في الوقت نفسه على تقنيات أكثر فعالية، حيث يحاولون استنساخ حيوانات منوية وبويضات لوحيد القرن من الخلايا الجذعية لمواصلة إنتاج الأجنة.
وتعتمد الجدوى الجينية والديمغرافية لمجموعات وحيد القرن البرية الجديدة على وجود ما لا يقل عن 20 حيواناً مؤسساً متنوعاً. لذا لا يزال أمامنا طريق طويلة جداً لنقطعها قبل أن نكون على يقين بإمكانية استعادة قطعان وحيد القرن الأبيض الشمالي وإعادتها إلى البرية يوماً ما.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أخطاء ارتكبتها إسرائيل بقصف الضاحية الجنوبيّة
أرسلت إسرائيل ليل الخميس الماضي، عبر قصف الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، رسالة إلى "حزب الله" مفادها أنّه ممنوع عليه إعادة التسلّح واسترجاع قوّته، كذلك، مارست ضغطاً جديداً بالنار على الدولة اللبنانيّة للإسراع بنزع سلاح "المُقاومة".وتعتقد إسرائيل أنّ الغارات العنيفة غير المسبوقة على الضاحيّة الجنوبيّة منذ 27 تشرين الثاني الماضي، قد تُساهم في تسليم "حزب الله" لسلاحه، لكنّها عبر تعريض إتّفاق وقف إطلاق النار للخطر، عبر خروقاتها المتكرّرة وغير المبرّرة، تُهدّد بإشعال الحرب من جديد، وبتمسّك "حزب الله" أكثر بسلاحه للدفاع عن لبنان، إنّ أقدمت تل أبيب على أيّ عملٍ عسكريّ.
كما أنّ العدوّ الإسرائيليّ ارتكب خطأً بعدم السماح للجيش بدخول الأبنيّة التي أشار إليها في الضاحية الجنوبيّة، وقلّل من أهميّة وفعاليّة لجنة مُراقبة وقف إطلاق النار في منع الإعتداءات على لبنان.
ويقول محللون عسكريّون في هذا السياق، إنّه لو صحّ بالفعل أنّ الأبنيّة المُستهدفة كانت تحتوي على مسيّرات، بحسب ما ادّعت إسرائيل، فإنّ رفض الأخيرة دخول عناصر الجيش إلى داخل الوحدات التي تمّ إستهدافها، الهدف منه أوّلاً تدمير هذه الأسلحة والتخلّص منها نهائياً، وثانيّاً، منع أيّ جهة في لبنان أكان "حزب الله" أمّ المؤسسة العسكريّة بالحصول عليها، كيّ لا تُهدّد في المستقبل أمن تل أبيب، وهذا الأمر حدث ولا يزال في سوريا، عبر قصف مستودعات ومعدات وآليات وطائرات، كانت بحوزة نظام بشار الأسد.
وأيضاً، من شأن أيّ إستهداف أو خرقٍ لاتّفاقيّة وقف إطلاق النار، أنّ يزيد "حزب الله" تمسكا بموضوع سلاحه وبمبدأ "المقاومة"، ويُفشل عهد رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون عبر عدم تحقيق وعده بحصر السلاح بيدّ الدولة. ويُوضح المحللون العسكريّون أنّ رئيسيّ الجمهوريّة والحكومة يأملان في نجاح الجهود الديبلوماسيّة في فرض انسحاب العدوّ من الأراضي المحتلّة في الجنوب، إضافة إلى وقف أيّ شكلٍ من الإعتداءات على السيادة اللبنانيّة، وترسيم الحدود البريّة، كيّ يقتنع أخيراً "الحزب" بأنّ الهدف من تمسّكه بسلاحه سيكون غير مبرّر وفي غير محلّه. ويُتابعون أنّ أعمال إسرائيل العدوانيّة تُعرقل مساعي لبنان الرسميّ في حصر السلاح، مقابل تشدّد "حزب الله" أكثر في عدم التخلّي عن قوّته، في ظلّ إستمرار الحكومة الإسرائيليّة في خرق التفاهمات المُعلن عنها في 27 تشرين الثاني 2024.
ويلفت المحللون إلى أنّ إسرائيل لا تُريد أنّ تكون القوّات المسلّحة في لبنان قويّة، بينما "حزب الله" لم يحصل حتّى الآن على ضمانات للتخلّي عن سلاحه. ويُضيفون أنّ "الحزب" احترم بنود إتّفاق وقف إطلاق النار، وتسلّم الجيش وفق ما أعلن رئيس الحكومة نواف سلام أغلبيّة المواقع العسكريّة في جنوب لبنان، وبات يُسيطر على الوضع الأمنيّ هناك، وخصوصاً بعد التضييق على حركة "حماس" ومنعها من إستخدام الأراضي اللبنانيّة لشنّ الهجمات على المستوطنات الإسرائيليّة دعماً لغزة. غير أنّ تل أبيب لا تزال تضرب المساعي الرسميّة في لبنان الهادفة إلى بسط الدولة لسيادتها، الأمر الذي يزيد مناصري وعناصر "حزب الله" إيماناً بعقيدتهم القائمة على "المقاومة".
المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة الجيش الإسرائيلي يهدد بقصف عدد من المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت Lebanon 24 الجيش الإسرائيلي يهدد بقصف عدد من المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت