عربي21:
2025-12-11@11:50:24 GMT

هل تنتصر غزة هذه المرة أيضا؟

تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT

غزة المدينة القديمة بقدم التاريخ والتي لم تنعم بالراحة منذ لحظة وجودها على تلك الأرض.. ومنذ خط التاريخ اسمها عندما أنشأها الكنعانيون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ومن وقتها هي عرضة للاستعمار والمستعمرين المختلفين، وكأنه كُتب على أهلها منذ أولى لحظات ميلادها المقاومة. فعبر تاريخ غزة الطويل وأهلها يقاومون كل محتل يأتيهم فيخرج وتبقى غزة وأهلها.



وأجمل مَن وصف غزة كان المؤرخ المقدسي عارف العارف في كتابه "تاريخ غزة" حيث قال:

"غزة ليست وليدة عصرٍ من العصور، وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة كلها.. لم يبق فاتح ولا غازٍ، إلا ونازَلته، فإمّا يكون قد صرعها، أو تكون هي قد صرعتْه".

ولكن ما يحدث الآن في غزة فاق في بشاعته ما مر عليها مجمّعا منذ نشأتها، حيث كانت تقاوم في كل مرة محتلا واحدا مهما كانت قوته، أما الآن فغزة تقاوم العالم كله غربه وشرقه، كافره ومسلمه، وكأنهم اتفقوا على التخلص من معنى الحرية والكرامة المرفوعة دائما بتلك البقعة الصغيرة بالحجم الكبيرة بالأفعال.

في زماننا هذا تحالف الأخوة مع الأعداء، كما فعل الثوران الأحمر والأسود عندما اتفقا مع الأسد لقتل أخيهما الأبيض، ولم يدركا حينها أنهما وضعا نفسيهما على قائمة طعامه بانتظار دورهما بالافتراس إلا حين فرَغ من أكل أخيهما فقال آخرهم: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.

هذا تماما ما يحدث معنا منذ قرون، لكننا نتناسى وما فلسطين إلا تذكرة بالأندلس حين تخلينا عنها فصرنا فريسة كل يوم تؤكل منا قطعة حتى تقلصنا لما يسمى بالوطن العربي، وصمودنا حتى الآن ككتلة واحدة ليس لشيء سوى لأن هناك رقعة جغرافية متماسكة تجمعنا جبرا ولكن للأسف قلوبنا شتى.

استطاع الغرب تقسيمنا وتقزيمنا ونحن رضينا، لذا فالعار عارنا، والجريمة جريمتنا وليست جريمة الغرب الذي استطاع أن يستفيد لصالح شعوبه من خلال عملاء زرعهم في أراضينا فسامونا سوء العذاب، ولكن العار الأكبر أننا صرنا كشعوب أشبه بحكامنا؛ بخنوعنا وصمتنا وخذلاننا لبعضنا البعض.

فبعد فشل سايكس بيكو في تفتيت رقعة الوطن العربي بشكل شعبي بعد تفتيتها جغرافيا، أتوا لنا بكيان سرطاني تمت زراعته في قلب الوطن العربي ليقسمه قسمين: آسيوي وأفريقي، وبدأ بمد جذوره من خلال عملائه الذين أجلسهم على عروش دولنا فيُصمتهم بمجرد التلويح بكراسي عروشهم حتى صار الكيان هو من يحكم الوطن العربي كله عدا غزة.

غزة مُحاصرة لأكثر من عقد من الزمن بدبابات وأسلحة العدو الصهيوني من جانب؛ ومن جانب آخر حصار أشد وطأة من دول الجوار أو كما يطلق عليهم دول الطوق، وهو بالفعل طوق من فولاذ استخدمه الصهاينة لخنق "الثور الأبيض" آخر المقاومين له، والذي إذا سمحنا بأكله أُكلنا جميعا من بعده وحالنا سيؤول لحاله، وهو ما يحدث الآن.

لكن السؤال هنا: كيف وصل بنا الحال أن جعلوا منا مشاركين في تلك الجريمة فتحولنا جميعنا للثور الأسود ونحن نعلم خاتمة القصة؟

منذ أيام أعلنت إسرائيل أنه لن تكون هناك عملية عسكرية برفح إلا بتنسيق مع الجانب المصري.. والآن يقوم الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية في رفح لقتل مَن تبقى من أهل غزة؛ في إبادة جماعية تحت سمع وبصر العالم.

وهذا يعني أن النظام المصري وافق على العملية، وما كان يعلنه من الرفض وتحريك قوات على الحدود إنما هي مسرحية لذر الرماد بعيون المصريين ليس أكثر، فلا يفتحون أعينهم إلا وتكون الكارثة قد وقعت بالفعل على رأس أهل غزة والمصريين معا، ونكون أمام خيار واحد وضعه السيسي والكيان الإسرائيلي لنختاره بإرادتنا المجبرة المقهورة، وهو فتح المعبر لهروب أهل غزة من الإبادة الجماعية.

نحن أصبحنا شركاء ليس في جريمة واحدة، بل في جريمتين وهما:

- جريمة التهجير بصمتنا العاجز المتخاذل.

- وجريمة السكوت عن أرضنا التي يبيعها السيسي ويتنازل عنها كيفما شاء ولمن يشاء.

تذكروا جيدا أن اليهود بدأوا احتلال فلسطين بالسيطرة على أرضها باحتلال عسكري دعمته وأيدته القوى العظمى حينها (بريطانيا) وأُمهر بوعد بلفور.. ونحن الآن في مصر يتم احتلالنا احتلالا من نوع آخر، احتلالا اقتصاديا، فيستولون على أرضنا باسم الاستثمار. وجميعنا نعلم أن الإمارات ما هي إلا برڤان تختفي خلفه الصهيونية، كما فعلت من قبل في منازل القدس القديمة.. والآن تعاد القصة مرة أخرى حرف.. حرف مع تغير المكان فبدل القدس صارت مصر كلها، وسيُمهر هذا الاحتلال باسم صفقة القرن برعاية أمريكا.

ولكن يمكن لكل هذا أن يتوقف ومصر هي الوحيدة القادرة على ذلك كما تم من قبل في 2012، عندما أرسل الرئيس محمد مرسي المساعدات مع وفد بقيادة رئيس الوزراء فاضطرت إسرائيل لوقف إطلاق النار فورا.

إسرائيل لا تعرف سوى صوت القوة في 2012، وهو الصوت الذي اسمعهم إياه د. مرسي الذي كان يتحدث باسم 100 مليون مصري. وعلى النظام المصري الآن إذا أراد وقف القتل والتهجير والحفاظ على الأرضي المصرية أن يتبع خطوات مرسي رغم كرههم له ولكن تجربته أثبتت نجاحها.

لن أقول أنقذوا غزة، بل أقول أنقذوا أنفسكم في غزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة حصار المصري الاحتلال مصر غزة الاحتلال حصار مجازر مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

مفاجأة زلزلتني: من «العالم العربي» إلى «الملفات».. (1- 3)

 

 

 

د. مجدي العفيفي

 

كيف تحوّلنا من أُمَّة إلى حدود؟

(1)

حدث أن جلستُ ذات يوم مع رجل كان يحمل على كتفيه ثقل دولةٍ تعدّ من أقدم الديمقراطيات الغربية، ومن أشرس القوى العسكرية في العالم: وزير الدفاع الفرنسي في الثمانينيات.

حوار طويل دار بيننا، تجوّلنا فيه بين خرائط التاريخ وموازين الجغرافيا وإيقاعات القوة والنفوذ..

كان ذلك وانا أعيش في سلطنة عُمان، وكنت مراسلًا صحفيًا لعشر صحف ومجلات عربية وأجنبية في عنفوان الشباب والصحافة، في ضياء عملي التأسيسي المشارك في الإعلام العُماني ابداعا وانتاجا وصناعة وصياغة..

كنت أتحدّث مع ذلك الرجل «الغربي» بعفوية «العربي» الذي تربّى على لغة المجد والقصائد، على الأغاني الوطنية والصور المثالية المكتنزة بالأساطير.

فسألته.. بتوقٍ صحفي أكثر مما هو سؤال واقعي:

كيف ترون العالم العربي؟

هذه قلب العروبة النابض.. وهذه لؤلؤة الخليج.. وتلك بوابة العرب الشرقية.. وهذه سلة الغذاء العربي. وتلك أم الحضارة.. وهذه أصل العرب.. و..و..و..

توقعت أن يبتسم.. أن يوافق.. أن يدير حديثًا دبلوماسيًا.

لكنّه قلب الطاولة بكلمة واحدة زلزلت وجداني، وهدمت ألف نشيد كنت أحمله في صدري:

«ما هذه الألقاب»؟ نحن لا نعرف شيئًا اسمه «عالم عربي» نحن نتعامل مع (ملفات): الملف المصري، الملف السوري، الملف السعودي... وهكذا.

(2)

توقفت الكلمات داخلي.

كانت اللحظة كافية لأفهم أن الفجوة ليست في السياسة فقط، بل في الوعي.

الفجوة ليست في القوة، بل في إدراك القوة.

نحن نحب أن نسمي أنفسنا: أمة.. لكن الآخر لا يرانا كذلك.

نحن نغني: "بلاد العرب أوطاني".. بينما هو يضع كل دولة منا في سطر منفصل، جدول منفصل، خريطة نفوذ منفصلة، و"أجندة" لا تشبه الأخرى.

نحن نتماهى مع صورة رومانسية.. وهو يتعامل مع واقع استراتيجي صارخ.

نحن نحلم.. وهو يخطط.

نحن ننفعل.. وهو يحسب.

(3)

قلت في نفسي: أيّ مأساة هذه؟ من المسؤول عن تحويل الأمة التي امتدت من طنجة إلى بغداد إلى مجرد أوراق في درج موظف عسكري في دولة أجنبية؟

الصدمة ليست في أنه قال ذلك.. الصدمة في أنه كان صادقًا.

نحن من صنعنا هذه الحقيقة.. بتواطؤٍ ناعم، بتفككٍ طوعي، بنظام عربي يشبه "عمارة" قديمة كل شقة فيها تضع لنفسها بابًا حديديًا مضادًا للسرقة.. ليس خوفًا من الأجنبي.. بل من الجيران.

لقد نجحنا بامتياز: أن نحيا معًا.. لكن منفصلين.

أن نتحدث لغة واحدة.. لكن دون وعي واحد.. أن نحمل تاريخًا واحدا.. لكن دون مصير واحد.

الغرب لا يصنع لنا صورتنا.. نحن من قدمنا له الصورة جاهزة على طبق من ضعف.

حين انقسمنا.. قالوا: ملفات.

حين تحاربنا.. قالوا: ملفات.

حين جعلنا كل قُطر "أُمة" بذاته.. قالوا: ملفات.

فالسياسة ليست شعارات.. السياسة سجلات ومصالح وتوازن قوى، والقوة لا تُقاس بعدد الخطب.. بل بمدى حضورك على طاولة القرار.

(4)

لكن ما الذي جعلني أكتب هذا الآن؟

لأننا في هذه اللحظة التاريخية، في هذا الزمن الذي تتفكك فيه الخرائط ويتغير شكل العالم، نكرر الخطأ نفسه:

نصفق للألقاب.. نتمسّك بالروايات.. نرسم صورًا لا يسكنها إنسان.. نقول: واقع عربي واحد، بينما الحقيقة: ألف واقع.. نقول: مصير مشترك.. بينما المصير أصبح مزادات نفوذ.

نقول: تاريخ واحد...والتاريخ يُعاد كتابته كل يوم على يد غيرنا.

المسألة ليست يأسًا، وليست «نوستالجيا» (حنين) واستعادة فارغة للماضي؛ بل هي شهادة على لحظة وعي: لن تُحلّ قضايانا ما دُمنا نُعامل أنفسنا كجزرٍ معزولة.

ولن يحترمنا العالم إذا لم نعد نرى أنفسنا كأمّة أولًا.

القضية ليست سياسية فقط، بل ثقافية:

حين نُربّي جيلًا على أن "الوطن" هو فقط الحدود الجغرافية التي ولد فيها.. سنخسر!

حين ننسى أن اللغة ليست مجرد حروف، بل جسد يفكر.. سنخسر!

حين نسمح لليأس أن يتحول إلى نظام تفكير.. سنخسر!

الأمة ليست شعارًا.. الأمة خيار.. الأمة مشروع.. الأمة مسؤولية.

لم يكن الوزير الأوروبي يتحدث بكُرهٍ أو احتقار، كان يتحدث بمنطق الدول، ولم يكن يطرح رؤية صدامية (shock value) بقدر ما كان مُتفحصًا للواقع (reality check).

لقد أراد أن يقول لي، دون أن يقول: «من لا يتوحَّد.. يُدار».

ومن لا يعرف نفسه.. سيُعرّفه الآخر.

ومن لا يصنع تاريخه.. سيُكتب تاريخه عليه.

واليوم.. ربما نحتاج لتلك الصفعة ذاتها.. لنهدم الصورة القديمة كي نصنع صورةً جديدة، صورة لا تُبنى على الحنين.. بل على الإرادة.

فالسؤال الحقيقي ليس: كيف يروننا؟ بل: كيف نريد أن نكون؟

والأخطر من ذلك: هل نملك الشجاعة أن نتوقف عن الغناء.. لنبدأ العمل؟ لأن الأمم لا تُعرَّف بالأغاني.. بل تُعرَّف بما تفرضه على طاولة العالم.

(5)

اختراع القُطريات..

إذا أردنا فهم كيف خرجنا من صورة «الأمة» إلى حالة «الملفات»، فيجب أن نعود إلى اللحظة التي تغيّر فيها شكل الوعي العربي نفسه.. فالأمة ليست جغرافيا، وليست حتى تاريخًا؛ الأمة تخيّلٌ جماعي. وما يُكسر أولًا في الأمم هو المخيّلة المشتركة.

أولا: عندما قسّمونا.. فلم نمانع؛ فبعد الحرب العالمية الأولى، وبتحديدٍ أدقّ بعد إسقاط الامبراطورية العثمانية، لم يسأل الغرب العرب: «إلى أين تريدون أن تذهبوا بمستقبلكم؟» بل طرح سؤالًا آخر تمامًا: «كيف نُقسّمكم؟». ثم جلس البريطاني والفرنسي حول خريطة لا تعرف الشعب ولا اللغة ولا الذاكرة ولا القبيلة ولا الحضارة… خطّوا حدودًا باردة بقلم رصاص، ثم مرّروا فوقها قلم حبر، فأصبحت دولًا.

ولأول مرة منذ 14 قرنًا، أصبح العربي ينتمي إلى دولة قبل أن ينتمي إلى الأمة.. صار المصري «مصريًا قبل أن يكون عربيًا» واللبناني «لبنانيًا قبل أن يكون عربيًا» والعراقي «عراقيًا قبل أن يكون عربيًا»، ولم يكن ذلك صدفة.. كان مشروعًا كاملًا.

ولهذه السردية المؤلمة بقية!!

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • المخا تنتصر لمينائها.. تظاهرة جماهيرية تبارك اتفاق التطوير وتدعو لبدء العمل
  • الكحل العربي على قائمة اليونسكو… توثيق لجماليات التراث العراقي
  • مدبولي: من حق المواطن أن ينتقد ولكن ليس حقه الترويج لأكاذيب
  • جيرارد: صلاح أخطأ ولكن ليفربول مازال بحاجة له
  • مفاجأة زلزلتني: من «العالم العربي» إلى «الملفات».. (1- 3)
  • استجابة من محافظة الجيزة.. ولكن!
  • منافقون.. ولكن ظرفاء!
  • سموتريتش عن قانون عقوبة إعدام الأسرى: إذا كان بيننا خونة فهذا ينطبق عليهم أيضا
  • مفتي الجمهورية: مواجهة الفكر الإلحادي والمتطرف تتم بالفكر أيضا
  • بن غفير: بالإمكان تنفيذ الإعدام بكرسي كهربائي أو بحقنة مخدرة أيضا