زيارة تحمل رسائل أبعد من البروتوكول
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
#زيارة تحمل رسائل #أبعد من #البروتوكول… الملك في غرفة صناعة الأردن
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
تأتي زيارة جلالة الملك لغرفة صناعة الأردن في توقيت لا يمكن اعتباره حدثًا عابرًا أو جولة بروتوكولية، بل خطوة تحمل معاني سياسية واقتصادية عميقة، وتفتح نافذة لاستشراف شكل العلاقة الجديدة بين الدولة والقطاع الإنتاجي.
فالزيارة في جوهرها ليست إلا إشارة واضحة إلى أن الدولة بدأت ترى في الصناعة شريكًا استراتيجيًا لا مجرد مصدر ضرائب أو وظائف. الصناعة هنا ليست مباني أو خطوط إنتاج، بل قدرة وطنية على إنتاج القيمة، وتعزيز ميزان المدفوعات، وخلق فرص عمل ذات أثر طويل. وحين يختار الملك أن يذهب إلى غرفة الصناعة، فهو يرسل رسالة بأن مركز القرار لم يعد محصورًا في الوزارات، بل يمتد إلى الشركاء الحقيقيين في الميدان، حيث تتحول المعامل والمصانع إلى منصات للابتكار، والريادة الصناعية، ونمو الصادرات.
مقالات ذات صلة زيادة الرواتب ليست شعبوية… بل دفاع عن الدولة والمجتمع 2025/12/08أما توقيت الزيارة فله دلالة مضاعفة. فالعالم يدخل مرحلة إعادة تشكيل سلاسل الإمداد بعد الجائحة، وتتحرك دول كثيرة نحو استعادة صناعاتها أو تأمين منتجاتها استراتيجيًا، بينما ما يزال الأردن يعتمد على الواردات في قطاعات رئيسية. ومن هنا، فإن الصناعة الوطنية ليست مجرد خيار اقتصادي، بل سند سيادي يقلل الكلف، ويرفع القدرة التشغيلية، ويخلق استقرارًا اقتصاديًا طويل المدى. فالزيارة تقول ضمنًا إن الصناعة يمكن أن تكون جزءًا من أمن الدولة الاقتصادي، وأنها تمتلك قدرة على امتصاص الصدمات، إذا ما حصلت على الدعم الفني والتشريعي والتمويلي المناسب.
ولعل الرسالة الأبرز في الزيارة تتعلق بالعلاقة الجديدة بين التعليم والصناعة. فالأردن يخرج آلاف الخريجين سنويًا، لكن هذا الخزان البشري لا يلتقي دائمًا مع احتياجات المصنع أو متطلبات خطوط الإنتاج. وهنا يمكن قراءة الزيارة كدعوة لربط التعليم المهني والتقني بالقطاع الصناعي، وتحويل الجامعات ومراكز التدريب إلى منصات لإنتاج الكفاءات لا لمنح الشهادات فقط. فالمصنع الذي يملك التدريب يحتاج سنوات أقل للوصول إلى الجاهزية التشغيلية، ويقلل نسب البطالة، ويخلق وظائف ذات قابلية للنمو.
كما وتفتح الزيارة بابًا أوسع لتشريعات جديدة تخفف الكلفة على المستثمر الصناعي، وتعزز الصادرات، وتقدم مسارات تمويل مستدامة. فالصناعة لا تكبر فقط بقرارات نوايا، بل بسياسات جمركية مرنة، وحوافز للابتكار، وتجمعات صناعية متخصصة تستقطب الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتتيح لها دخول أسواق جديدة دون أعباء بيروقراطية. وهذا يعني أن العلاقة بين الحكومة والصناعة يجب أن تتحول من علاقة رقابة إلى علاقة تصميم، بحيث يكون القطاع الخاص شريكًا في بناء التشريع لا متلقيًا له فقط.
ويمكن النظر إلى الزيارة باعتبارها اختبارًا عمليًا للحكومة ومؤسساتها؛ كيف سيتحرك مجلس الوزراء والمؤسسات الاقتصادية لتحويل الرسائل الملكية إلى خطط قابلة للتنفيذ؟ وهل ستتحول الغرفة إلى منصة تفكير صناعي تقدّم توصيات، وتفتح أسواقًا، وتبني تحالفات مع الجامعات ومراكز البحث، وتضع خريطة طريق للصناعات القابلة للنمو والصادرات ذات القيمة؟ أم سنكتفي بمشهد اللقاء دون هندسة السياسات لما بعده؟
إن الأردن يمتلك فرصًا صناعية يمكن البناء عليها كالصناعات الدوائية، والهندسية، والغذائية، والبلاستيكية، والمعدنية. ومع وجود مناطق صناعية جيدة البنية، وتاريخ من الانفتاح التجاري، يمكن للبلاد أن تستعيد بوصلتها الصناعية إذا ما توحدت الرؤى بين الحكومة والغرف والمؤسسات المالية. فالزيارة تأتي لتعزيز ثقافة الشراكة، وتخفيف الفجوة بين القرار والتنفيذ، وتحويل الصناعة إلى محرك نمو لا إلى قطاع ينتظر الدعم.
بهذا المعنى، فإن زيارة الملك لغرفة الصناعة ليست حدثًا إعلاميًا، بل بداية مرحلة اقتصادية تتطلب أن يصبح القطاع الإنتاجي شريكًا كاملًا في تصور المستقبل. فالدول التي تنجح هي تلك التي تكتشف أن الصناعة ليست مجرد قطاع، بل أسلوب تفكير، وقدرة على تحويل الإنسان والآلة والمعرفة إلى قيمة، وإلى وظيفة، وإلى سوق تصدير، وإلى اقتصاد أقل هشاشة وأكثر سيادة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: أبعد البروتوكول
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يفتح جسر الملك حسين مع الأردن بعد إغلاق دام 3 شهور
أعلن الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، إعادة فتح جسر الملك حسين على الحدود الأردنية ـ الفلسطينية، غدا الأربعاء، أمام مرور البضائع إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد إغلاق دام نحو 3 أشهر.
وأغلقت تل أبيب الجسر أمام مرور البضائع في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي أي قبل نحو ثلاثة شهور، بعد عملية إطلاق نار أدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين.
وقال مصدر أمني إسرائيلي، في تعميم نقلته وسائل إعلام عبرية بينها هيئة البث الرسمية: "خلال الأسابيع الأخيرة، أُجريت التعديلات الأمنية اللازمة على معبر اللنبي (جسر الملك حسين) على الجانبين الإسرائيلي والأردني".
وأضاف المصدر، دون تسميته: "كما شُددت إجراءات التفتيش والتقييم الأمني للسائقين الأردنيين ومحتويات الشاحنات، وكُلفت قوات أمنية مُختصة بتأمين المعبر".
وتابع: "بناءً على ذلك، وتنفيذا لاتفاقيات وتوجيهات القيادة السياسية، سيتاح ابتداء من الغد (الأربعاء) نقل البضائع والمساعدات من الأردن إلى منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وقطاع غزة عبر معبر اللنبي".
وأشار المصدر الإسرائيلي إلى أن جميع الشاحنات التي ستنقل إلى قطاع غزة ستكون تحت حراسة أمنية مُشددة بعد فحص أمني شامل.
والاثنين، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لفتح معبر الملك حسين، لمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وكان الأمر أثير خلال اجتماع عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكتبه بالقدس الغربية، مع الممثل الأمريكي لدى الأمم المتحدة مايك والتز.
وقالت بعثة واشنطن في الأمم المتحدة في تصريح مكتوب وصلت نسخة منه للأناضول، الاثنين: "رحّب السفير والتز بتعاون إسرائيل في توسيع المعابر الحدودية، بما في ذلك معبر جسر اللنبي–الملك حسين، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وشدّد على أهمية استمرار التعاون لمعالجة قضايا الاستقرار الإقليمي".
وقالت هآرتس: "أُغلق معبر اللنبي، الواقع بين الأردن والضفة الغربية، أمام نقل المساعدات في نهاية سبتمبر/ أيلول، بعد أن نفّذ سائق شاحنة مساعدات أردني هجوما على المعبر أسفر عن مقتل جنديين".
وأضافت: "منذ ذلك الحين، مارست الولايات المتحدة والأردن ضغوطا كبيرة على إسرائيل لإعادة فتح المعبر، وقد بلغ هذا الضغط ذروته في اجتماع يوم الاثنين".