تمخّضت جبال الصهيونية هذه المرة، فلم تلد لا فأرا ولا برغوثا، باستثناء النجاسة والنذالة، في صورة “جيش”، لعب دور الغول لسبعة عقود، قبل أن تحوّله شهور الحرب، إلى مجرد “وسخ” تاريخي، لا بد وأن يرمى في أقرب الآجال، إلى مزبلة التاريخ، كما رميت جيوش المغول والنازية والفاشية.
لم يترك الجيش الإسرائيلي موبقة من موبقات اللؤم، إلا وآتاها في قطاع غزة، فقد شهد أهل فلسطين على أن جنود الجيش المرتزق يقتلون الرضع والحوامل والمسنين، وأظهرت الصور والفيديوهات إبادته للعائلات الآمنة وتدميره للمساجد ودور العجزة والمقابر والمستشفيات، وشهد اليهود أنفسهم بأنه ارتكب السرقة، ونقل الأعضاء البشرية والاغتصاب، فكان جديرا بلقب أوسخ جيش عرفته البشرية.
كنا نقول في زمن سابق إن الخطابة هي مرض زعماء العرب، فكانت خطب القذافي الطويلة تستنزف من مواطنيه ساعات، وكلمة حافظ الأسد ترهق الجمل والعَروض، وكنا نتهمهم بأنهم “يُرعدون ولا يُمطرون ويعلكون جلود البلاغة علكا ولا يهضمون”، على حدّ تعبير الشاعر نزار قباني، ولا يكادون يقولون كلمة حق واحدة، ولكننا وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة لُعابية جديدة، هي في كل الأحوال أعراض موت صهيوني بطيء.
فلا يكاد يمرّ يوم، بل ساعة، من دون أن يقول نتانياهو وبيني غانتس وغالنت وبن غفير، في طوفان لعاب أغرق الحقيقة وأبعد الصهاينة مسافات ضوئية عن تحقيق أدنى انتصار في حربهم، أو وضع طوبة واحدة من “دولتهم”.
يقولون دائما إن القوة تُصنع من الضعف، فلا يمكن للقويّ التمتع بجاهه إلا إذا أحيط بضعاف القوم، وهكذا عيّش الجيش الإسرائيلي نفسه بانتصارات، ما كانت لتُنجز لولا كمٍّ رهيب من الخيانة والخنوع والخذلان، وما إن هبّ عليه طوفان الشرفاء، حتى عاد إلى طبعه المعجون بكروموزومات الخبث والجُبن.
مهما كانت النتيجة النهائية لهذه الحرب، التي تزوَّد فيها الجيش الصهيوني بكل ما بلغته التكنولوجيات الحربية من سلاح، ومن دعم سياسي واقتصادي من كبار العالم ومن أذيالهم في المنطقة، فإننا سنتذكر دائما تلك الصور القذرة لجنودٍ يهربون وهم مدججون بالأسلحة الحديثة أمام رجال مقاومة يُكبّرون ويطلبون النصر والشهادة معا، وسنتذكر هذه السيناريوهوت الهزلية التي يرويها الصهاينة عن انتصارات وهمية على حساب فصائل مقاومة، أبان فيها كل رجل منهم، بأنه بمليون رجل من هؤلاء المرتزقة، مع طلب الصفح من المقاومة على هذه المقارنة.
لو عمّرت هذه الحرب بضع ساعات أو بضعة أيام، لما اكتشفنا حقيقة هذا الجيش، الذي كانت له الجرأة ليصف نفسه بأنه لا يُقهر، ولقلنا حينها إنه قام بعملية جراحية خاطفة ليستأصل من يصفهم بـ”الأورام”، ولكن الحرب امتدَّت إلى عُمر طويل. وما شككنا فيه صار يقينا، ومن دون أن نبحث عن الحقيقة صارت هي تطاردنا، فالجيش الإسرائيلي يخاطبنا في كل لحظة، ويقدِّم لنا نفسه بنذالته ونجاسته وهشاشته وضعفه الذي هو أوهن من بيت العنكبوت.
(الشروق الجزائرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
سؤال المنتصر والمهزوم في الحرب السريعة بين إيران والكيان
لا يمكن الإجابة على السؤال سوى بالعودة إلى الأهداف التي أعلنها من أطلق الحرب، وتاليا من تبنّاه وقدّم له الدعم الكامل.
العنوان الأبرز تمثّل في القدرات النووية، لكن الحقيقة أن الحرب لم تكن محصورة في العنوان المذكور، بل تشمل برنامج الصواريخ والمسيّرات، وتشمل تغيير الموقف من "الكيان"، وهي قضايا لخّصها الراعي الأمريكي بـ"الاستسلام غير المشروط"، وطبعا على شاكلة ألمانيا واليابان، وصولا إلى الحديث المباشر عن تغيير النظام نفسه.
لا نعرف الكثير، ولا حتى ترامب نفسه، عما تمّ تدميره من القدرات النووية، وهذا الصباح ذكّرت الصحافة الإسرائيلية بمنشأة سرية غامضة تبدو أكثر أهمية وأكثر تحصينا من "فوردو" على "بُعد بضعة كيلومترات جنوب نطنز".
ولنفترض أن الكثير من تلك القدرات قد تم تدميره، بجانب قتل عدد كبير من العلماء، فالذي لا شكّ فيه أن إعادة التأهيل إذا توفّرت النيّة ستكون مُتاحة، أما بقية القضايا فلم يتغيّر عليها شيء، إللهم إلا إذا أسفرت المفاوضات القادمة عن "مقايضة سياسية طوعية". مقايضة لا يمكن وضعها في مربّع "الاستسلام" المعروف في الحروب.
من يعرف ترامب ويقرأ المشهد جيّدا، يدرك أن "الكائن" النرجسي المتقلّب هو من فرض وقف إطلاق النار على نتنياهو، وقد حضر في وعيه بالطبع (بجانب نوبل للسلام)، ذلك الرفض الواضح في صفوف حزبه لتدخّله في الحرب، وفي الشارع الأمريكي بشكل عام، بجانب استنزاف للمال الذي يَعبُده.
خُذوا هذا التقييم من أحد أشهر الباحثين في الشؤون الإيرانية (بني سباتي)، وهو بالمناسبة إيراني الأصل.
غرّد هذا الصباح، كما نقلت "معاريف" قائلا:
"وقف إطلاق النار في خضمّ هجمات على إسرائيل وسقوط قتلى (يقصد هجمات آخر اللحظات قبل حلول موعد إطلاق النار)، قرار غير منطقيّ ارتدّ علينا (..) ستخرج إيران من هذا الموقف أقوى".
كل ذلك لا ينفي حجم الضرر الذي أصاب إيران، والذي ربما يذكّر بعبثية الفكرة النووية من أساسها (أن تشيد مشروعا بعشرات المليارات يعرف أهل العلم بالسياسة أنه سيُواجَه بالرفض الدولي، فتُعرّض بلدك لعقوبات بأضعافها، ثم تفاوض عليه لرفع تلك العقوبات)، وهو ضرر شمل القادة والعلماء، مع كُلفة مالية عالية، لكننا نتحدّث عن دولة كبيرة، بإمكانات ضخمة، يمكنها تعويض المفقود. وهنا لا ينبغي أن ننسى الأضرار البشرية والمادّية في الطرف الآخر، معطوفة على ضرب للهيْبة وإذلال (من طرف بعيد) لم يحدث لـ"الكيان" من قبل.
قلنا من قبل إن أحلام نتنياهو بـ"تغيير الشرق الأوسط" بعد تصفية القضية الفلسطينية لن تتحوّل إلى حقائق بأي حال، لكن النتيجة الحالية (بقاء النظام ولو في وضع أضعف)، سيكون أفضل من الاستسلام وقبول دور "الشاه"، وطبعا على نحو يحوّله إلى أداة لدفع الوضع العربي الرسمي نحو ركوع (وتطبيع) أسوأ من الذي يتورّط فيه راهنا، بدليل عجزه حتى عن إطعام أشقاء له يتضوّرون جوعا في الجوار.
أما التهويلات السابقة عن ابتلاع إيران للمنطقة، والتي كانت تُهين السنّة (الذين هُم الأمّة التي تحتضن الجميع، ولم يعتبروا أنفسهم طائفة في أيّ مرحلة)، فقد انتهت صلاحيتها عمليا بعد عموم التطوّرات الأخيرة، وسيُعيد النظام الإيراني نفسه النظر في فكرة التمدّد، بما يفتح أفقا للتعايش مع العرب وتركيا، وربما التفاهم على التصدّي لمشروع صهْينة المنطقة وتكريس ضعفها وشرذمتها وتبعيتها.
نكرّر: إنه "الطوفان" الذي ضرب "الكيان"، وكتب بداية النهاية للمشروع الصهيوني برمّته، في طبعته "الكيانية"، وفي سطوته أقليّته "الخارجية".. "طوفان" سيواصل الضرب على رؤوسهم، ولن ينسوه، حتى النهاية التي يعرفونها ونعرفها حقّ المعرفة.