استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 201
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
(الجزء التاسع )
المناهج الدراسية: اعداد للقرن ال21
على ضوء المقال السابق عن فلسفة التعليم في السودان، علينا ان نبني الكثير من المفاهيم الجديدة التي تضمنتها ثورة دسيمبر 2018 من شعارات.

علينا ان ننزل هذه الشعارات التي تنادي (بالحرية والسلام والعادلة والمدنية والديموقراطية ) ان تكون هي الموجهات الاساسية التي يجب ان نضمنها مناهج تعليمنا في كل المراحل حتي تكون اهداف راسخة ومسجلة في ذاكرة الشعب. وفي هذا السياق علينا ان نعيد التفكير في جدوى الخطط والرؤيا التي عاشها الشعب طيلة ال30 عاما الماضية فلم تفرز في النهاية الى الى اطلاق مارد متوحش يسكن في اعماق الانسان السوداني ويعمل الآن في تدمير واغتيال تاريخ الامة وجغرافيتها وثقافتها ولا يرده أو يوقفه الا العمل الثوري الذي كانت مظاهراته المليونية دليل الجماهير في الرغبة في التغيير. وفي الاسطر التالية سنتاول بعض هموم التعليم كروشتة علاج للخروج من هذه الازمة ان شاء الله غانمين:
- الرؤية: نحتاج إلى تصميم رؤية واضحة للتعليم تتضمن الأهداف اعلاها لترسيخ مبادئ (الحرية والسلام والعدالة والحرية والديموقراطية والمدنية) لتكون هي المصباح الذي نسيرعلى ضوئه نحو المستقبل.
- الرسالة: الرسالة هي ان تصير الاهداف اعلاه حقائق على ارض الواقع وجزء من التركيبة النفسيىة والعضوية والمعنوية للانسان السوداني الجديد المتطلع الى ان يعيش وقائع القرن ال21 مستمتعا بمنتجاته كمسهتلك وصانع لاحداثه ضمن المنظومة الانسانية التي نشاركها هموم الارض والتاريخ الحديث.
- الأهداف: نحتاج الى مصفوفة من الاهداف التربوية التي تحقق الروية التي طرحناها في تلك الشعارات وتضمن هذه الاهداف التربوية والتعليمية في مناهجنا الحديثة. هذه المصفوفة من الاهداف تصف جميع الاهداف المرجوة على جميع المستويات بطريقة علمية. مع استصحاب مفهوم الجودة وإدارة الجودة في التعليم وهي من المفاهيم الغائبة عن تعليمنا وفي العديد من جوانب حياتنا الأخرى. فنحن نحتاج إلى أهداف واضحة قابلة للتحقيق وقابلة للقياس. نحتاج إلى خطط وطنية تعليمية واضحة يكون لها تأثير مباشر وفوري على حياة المواطن السوداني بعد هذه المعاناة التي كتبت عليه بسبب هذه الحرب اللعينة.
- ينبغي أن يكون الهدف النهائي لتعليم وتدريب المواطنين هو القدرة على التفكير والعمل بمهارة وفعالية. نحتاج إلى قوة عاملة ذات عقول ناقدة وكفاءة لإنجاز المهام. فأن تكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أووثنياً هذه ليست اهداف بل هي غايات؛ ولكن في داخل هذه السياقات الدينية والفكرية علينا ان نصبح مواطنين جيدين، حريصين على تنفيذ الواجبات في المقام الأول والمطالبة بالحقوق الكاملة في المقام الثاني، بالإضافة إلى الالتزام بالحرية دون إيذاء الآخرين او التغول على حدودهم وحقوقهم. ولتحقيق هذه الخطط، يود الباحث أن يضع مقترحات كخارطة طريق تتعلق بالمنهج والمقررات الدراسية تتضمن التالية:
1. وضع الرؤية والرسالة لوزارة التربية والتعليم.
2. وصف الاهداف التربوية بوضع مصفوفة اهداف لتحسين جودة التعليم على جميع المستويات. وهذا يتم بتكوين لجان على مستوى عالي من التخصص والمهنية.
3. تطوير مناهج تعليمية تعتمد على أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية.
4. توفير البنية التحتية اللازمة لدعم عملية التعليم والتعلم.
5. تدريب وتأهيل المعلمين والمدربين بما يتوافق مع متطلبات العصر.
6. عزيز ثقافة الابتكار والبحث العلمي بين الطلاب والمعلمين.
7. . توفير فرص التعليم المتساوية للجميع دون تمييز في ظل الدولة المدنية الحديثة والقوانين التي تكفل الحقوق والواجبات
8. . تعزيز التعليم العالي والبحث العلمي لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
9. تعزيز الشراكة والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتعزيز الجهود التعليمية.
• تصميم المناهج والمقررات الدراسية:
المنهج (Curriculum) هو مخطط للفلسفة العامة للتعليم في بلد معين، بينما المقررات الدراسية (Syllabus) تهتم بتفاصيل المواد التعليمية التي يتم تدريسها في الفصل الدراسي، ويتم تضمينها في الكتاب المدرسي للطالب (Textbook) مع ملحقاته من كتب النشاط والدليل المعملي وكتاب المرشد Teacher’s Book - Teacher’s Guide - Teacher’s Manual) الذي يستخدمه المدرس في تبسيط خطط الدرس وتسهيله للفهم. وهذه سنفرد لها حيزا في مقالاتنا القادمة ان شاء الله. ويحوي المنهج مواضيع مختلفة وتخصصات مختلفة تهدف إلى تحقيق المخرجات التعليمية المنشودة.
المنهج الدراسي بهذا الفهم هو جرعة تعليمية تعطى في الوقت المناسب وللعمر المناسب، لتحقيق التغيير المرغوب في الدارسين. يمكن أن تكون هذه الجرعة قاتلة في بعض الأحيان إذا تجاوزت كميتها، ومضرة ايضاً إذا كانت أقل من ذلك. فمصممو المناهج هم المهندسون المؤهلون لبرمجة الأفراد من خلال هذه الجرعات المحددة بعناية. ومما يؤسف فان معظم المناهج التي يُدرسها طلابنا في مدارسنا اليوم تدور حول تاريخ العلوم - بمعلومات قديمة لا تتماشى مع التعليم الحديث وقصور في فهم دور العلوم الاجتماعية والانسانية أيضاً في تكوين الفرد وكان ذلك بسبب الطريقة التي يتم بها تصميم وتصنيع المناهج في بلادنا.
فلسنوات عديدة؛ كانت هناك لجان (مقيمة) في بخت الرضا وغيرها من المؤسسات تتعامل مع صناعة الكتب المدرسية بطريقة (تقليدية). وربما سنتطرق الى دور بخت الرضا في هذا الموضوع في مقال لاحق -
في بلدان كثيرة يتم اختيار الكتاب المدرسي بطريقتين:
- الاولي عن طريق شراء الكتاب مباشرة من الناشر بالمكتبات المتخصصة في النشر الاكاديمي.
- الطريقة الثانية. يتم التعامل مع المناهج على أساس (عروض أو مناقصات)، حيث تعلن وزارة التربية والتعليم أو مديرية التعليم إلى الكتّاب والمؤلفين المتخصصين في تصميم المناهج وتأليف الكتب المدرسية والناشرين؛ للتنافس للتاليف في موضوع معين وفقًا لتوجيهات إدارة التعليم لتحقيق الأهداف التعليمية على المستوى المحلي.
- وباستخدام هذا الآلية، يمكننا الحصول على مئات المشاريع المنهجية المؤلفة بشكل جيد لاختيار الأفضل من بينها، ويمكننا تقديم مقترحات لجمع المشاريع المتجانسة في كتاب واحد بموافقة مؤلفين اثنين أو أكثر، برؤى مشتركة تلبي متطلبات واحتياجات الدارسين.
- ونحن نعلم ان عمل اللجان يقتل الابداع، اذ يجعل الفريق المكلف بكتابة المنهج غالبًا ما ينتج أعمال متشظية غير مترابطة في الشكل والمضمون إلى حد كبير، حيث يفكر أولئك المختصون عن العمل بطرق فردية ويسلكون اتجاهات مختلفة نظراً لاختلاف وطبيعة الإنسان ومزاجه الشخصي. وهذا يؤكد لنا أن الكثير من الطهاة دائماً يفسد الطبخة. ويحدث الاختلاف في اهمية وترتيب وكمية المادة المطلوبة حسب الرؤية الشخصية لكل عضو في اللجنة، مما يصعب معه التوازن في تحيق عمل متجانس.
- أما العمل في صناعة أو كتابة المنهج بطريقة فردية يمكّن مؤلف المنهج من الرؤية الشامة لترتيب واهمية المواضيع. ثم يأتي دور اللجان لتقوم بالفرز واقتراح بالحذف أو الدمج لكتابين لمؤلفين أو أكثر.
• عناصر ضرورية في صناعة الكتاب المدرسي
الاتجاهات الحديثة في تصميم المناهج والكتب المدرسية تعكس الاحتياجات المتطورة لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم، وذلك بفعل التطورات في التكنولوجيا والتغيرات في القيم الاجتماعية، والتحولات في النهج التربوي. في هذا الحيز سنتناول بعض العناصر الضروية التي تساعد في صناعة المناهج والكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم.
- دمج التكنولوجيا: مع انتشار الأدوات والموارد الرقمية، تقوم تصاميم المناهج والكتب المدرسية الحديثة بدمج التكنولوجيا بشكل متزايد في عملية التعلم. ويشمل ذلك استخدام عناصر الوسائط المتعددة مثل الفيديوهات والمحاكاة التفاعلية والتقييم عبر الإنترنت لتعزيز الانخراط والفهم.
- التعلم الشخصي: مع الاعتراف بأنماط وتفضيلات اساليب التعلم المتنوعة للطلاب، تهدف تصاميم المناهج الحديثة إلى استيعاب الاحتياجات الفردية من خلال مسارات التعلم الشخصية. وقد يشمل ذلك استخدام منصات التعلم التكيفي التي تُصمم المحتوى استنادًا إلى نقاط قوة وضعف الطلاب وتقدمهم.
- التعلم القائم على المشاريع: بعيدًا عن التلقين التقليدي، تؤكد العديد من تصاميم المناهج الحديثة الآن على النهج القائم على المشاريع. حيث يشارك الطلاب في مشاريع عملية ومتعددة التخصصات تعزز التفكير النقدي والتعاون ومهارات حل المشكلات بينما يتعاملون مع تحديات العالم الحقيقي.
- التعلم القائم على التجارب: من خلال تشجيع الفضول والاستكشاف، يعتبر التعلم القائم على التجربة اتجاهًا شائعًا آخر في تصاميم المناهج. حيث يقوم المعلمون بتسهيل العمل والتجارب، مما يمكّن الطلاب من طرح الأسئلة وصياغة الافتراضات واكتشاف الإجابات من خلال التطبيق.
- تعليم المواطنة العالمية: وكرد فعل على التواصل والتفاعل المتزايد في العالم، غالبًا ما تتضمن تصاميم المناهج الحديثة عناصر من تعليم المواطنة العالمية. ويتضمن ذلك تنمية وعي الطلاب بالقضايا العالمية مثل قضايا البيئة، وتعزيز الفهم الثقافي، وتعزيز التعاطف والتضامن مع المجتمعات المتنوعة في جميع أنحاء العالم.
- تعليم STEMوهواختصارل((Science Technology Engineering Math ويركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وتعتبر العديد من تصاميم المناهج تطوير المهارات ذات الصلة بسوق العمل في القرن الحادي والعشرين أمراً مهماً. ويتضمن ذلك دمج مفاهيم STEM عبر مواد مختلفة وتوفير فرص للتجربة العملية وحل المشكلات.
- التربية ذات الصلة بالثقافة: بالاعتراف بأهمية التدريس الذي يتضمن المؤشرات الثقافية للامة، اذ تسعى تصاميم المناهج الحديثة لدمج منظورات وتجارب متنوعة في المنهج الدراسي. ويتضمن ذلك اختيار الكتب المدرسية والمواد التعليمية التي تعكس الخلفيات الثقافية والهويات للطلاب، وتعزيز الشمولية والعدالة في التعليم.
- تعليم الاستدامة: بالتعامل مع تحديات البيئة لتعكس الاحتياجات المتطورة لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم، وذلك بفعل التطورات في التكنولوجيا والتغيرات في القيم الاجتماعية، والتحولات في النهج التربوي.
وباختصارتعكس الاتجاهات الحديثة في تصاميم المناهج والكتب المدرسية تحولاّ نحو منهج يركز على المتعلم، معززبالتكنولوجيا، ويستجيب للتطورات في مجال التعليم بشكل خاص والثقافة بصورة عامة. ومن خلال اعتماد هذه الاتجاهات، يمكن للمعلمين خلق تجارب تعليم جذابة وملائمة وشاملة تسعد الطلاب وتعدهم للنجاح بثقافة القرن الحادي والعشرين.

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی جمیع أنحاء العالم القائم على التعلیم فی نحتاج إلى علینا ان من خلال من ذلک

إقرأ أيضاً:

قصر النظر الاقتصادي يهدد طموحات إيطاليا في مجموعة السبع

ماريانا مازوكاتو -

جيوفاني تاجلياني -

خلال الفترة من الثالث عشر إلى الخامس عشر من يونيو، ستستضيف إيطاليا قمة مجموعة السبع الخمسين في فاسانو. قبيل الاجتماع، أعلنت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني عن خطة تنمية طموحة تركز على إفريقيا ووجهت الدعوة إلى قادة عِـدّة دول أفريقية والاتحاد الأفريقي للحضور ــ وهذا أكبر عدد من الممثلين من القارة في قمة مجموعة السبع منذ عام 2017.

كشفت ميلوني عن مبادرة أفريقيا، المعروفة باسم خطة ماتي، في قمة إيطاليا-أفريقيا في وقت سابق من هذا العام. تهدف المبادرة إلى إنشاء شراكات تنمية دولية تركز على الطاقة والنمو والهجرة. تحمل الخطة اسم إنريكو ماتي، مؤسس شركة النفط الإيطالية العملاقة Eni. في خمسينيات القرن الماضي، كسر ماتي احتكار شركات النفط الكبرى ــ المعروفة باسم «seven sisters» ــ من خلال تقديم اتفاقيات شراكة أكثر ملاءمة للبلدان النامية. سمحت هذه الاتفاقيات للاقتصادات النامية في كثير من الأحيان بالاحتفاظ بنسبة 75% من الأرباح، على عكس الشروط الأقل إنصافا التي تفرضها شركات النفط العملاقة المهيمنة. نظر ماتي أيضا إلى المؤسسات المملوكة للدولة باعتبارها مكونا أساسيا لاستراتيجيات التنمية الوطنية واعتبر ريادة الأعمال الشخصية واجبا عاما. اضطلعت شركة Eni وغيرها من الشركات المملوكة للدولة بدور محوري في السياسة الصناعية والمعجزة الاقتصادية التي اجترحتها إيطاليا بعد الحرب، فعززت الروابط مع مراحل الإنتاج السابقة الكثيفة الاستخدام لرأس المال وأرست الأسس لعدد كبير من الصناعات في إيطاليا في الوقت الحاضر.

من عجيب المفارقات أن شركة Eni أصبحت الآن جزءا من خطة الخصخصة بقيمة 20 مليار يورو (21 مليار دولار أمريكي) التي أقرتها ميلوني، والتي تتضمن بيع أسهم شركات مملوكة للدولة لخفض الديون العامة. وبحسب التقارير الواردة، تشمل الخطة مؤسسات مالية مثل Poste وMPS، وقد تمتد إلى خدمات عامة أساسية، مثل الشركة المشغلة للسكك الحديدية الوطنية Ferrovie dello Stato وشركة مراقبة الحركة الجوية ENAV. الواقع أن برنامج الخصخصة الذي أقرته ميلوني عبارة عن مزيج مضلل من النظريات العتيقة والسياسات الفاشلة. إذ يستند الأساس المنطقي الاقتصادي لخفض الديون العامة من خلال فرض قواعد مالية صارمة إلى نظرة مضللة قصيرة الأمد للموارد المالية الحكومية تتغافل عن الأثر الطويل الأمد الذي يخلفه الاستثمار العام الموجه نحو المهمة على الاقتصاد الكلي، وخاصة قدرته على حشد رأس المال الخاص وتحفيز النمو الاقتصادي.

وتاريخ إيطاليا الاقتصادي ذاته مثال على ذلك. فقد انخفض كل من الاستثمار الخاص والعام بين عامي 2009 و2016، ولم يبدأ في الارتفاع إلا بعد زيادة الاستثمار العام في عام 2019. تدعم دراسة حديثة شملت 21 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الرأي، فتجد أن زيادة الاستثمار العام تجذب رأس المال الخاص.

بررت الحكومة الإيطالية عمليات البيع المقترحة بادعائها أن الدولة ستحتفظ بالسيطرة على معظم الشركات المخصصة جزئيا ــ باستثناء MPS ــ وأن حصص الدولة المخفضة في Eni و Poste ستخضع لعمليات إعادة شراء الأسهم الأخيرة. لكن هذه السياسة القصيرة النظر تتسبب في تفاقم الاتجاه إلى إضفاء الطابع المالي على الاقتصاد وتبدد الأرباح المباشرة وغير المباشرة التي قد تنشأ من زيادة ملكية الدولة للشركات الرابحة. برغم أن نسبة رسملة سوق الأسهم إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا أقل من نظيرتيها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإنها الآن تضاعفت من نحو 20% خلال الفترة من 1960 إلى 1990 لتقترب من 40% خلال الفترة من 1990 إلى 2020. تدلل خطة ميلوني للخصخصة على تركيز إيطاليا على الأجل القصير، وانعدام الهدف، وغياب أي استراتيجية صناعية جادة. إن الشركات المملوكة للدولة الجيدة الإدارة قادرة على تعزيز التنمية الاقتصادية وخلق الامتدادات التكنولوجية، والتكامل القطاعي، واقتصادات الحجم والنطاق الكبيرين. علاوة على ذلك، تستطيع الشركات المملوكة للدولة توفير رأس المال الصبور وتعزيز القدرات التكنولوجية في البلاد، سواء بشكل مستقل أو من خلال سلاسل توريد هذه القدرات.

على سبيل المثال، بوسع الحكومة الإيطالية الاستفادة من خبرات شركة Industria Italiana Autobus في إنتاج الحافلات الكهربائية لمعالجة الحاجة الملحة للنقل العام البلدي المستدام. قد ينطوي ذلك على مشتريات عامة كبيرة ويمكن دمجه في استراتيجية صناعية خضراء تدفع النمو الاقتصادي في حين تتصدى للتحديات الوطنية، مثل تلوث الهواء الشديد في وادي بو. من المؤكد أن الشركات المملوكة للدولة الإيطالية لم تكن دائما تُـفضي إلى التغيير التحويلي. الواقع أن مسارها التاريخي يعكس المشاق الاقتصادية التي واجهتها إيطاليا. على سبيل المثال، أثرت أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي على شركات إنتاج الصلب المملوكة للدولة، حيث أدت الكفاءات التكنولوجية وتحولات الطلب إلى جعل عدد كبير من الوظائف زائدة عن الحاجة. وفي حين أثبت تسريح العمال كونه ممارسة سامة سياسيا، أسفرت المنافسة الشديدة على الأسعار عن خسائر فادحة ونقص في الميزانية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الدعم من جانب الدولة. وهذا بدوره أفضى إلى النفوذ المفرط من جانب الحكومة وأشعل شرارة الدعوات المنادية بالخصخصة. في تسعينيات القرن الماضي، بدأت إيطاليا أكبر برنامج للخصخصة في أوروبا القارية، فعملت على تفكيك قسم كبير من عمودها الفقري الصناعي بدلا من تعزيز الإبداع والابتكار. على سبيل المثال، بينما خصصت مجموعة الاتصالات السلكية واللاسلكية STET 2% من إيراداتها لمشاريع البحث والتطوير بين عامي 1994 و1996، فإن حساباتنا تبين أن خليفتها، بعد تخصيصها تحت مسمى Telecom Italia، أنفقت نحو 0.4% على البحث والتطوير بين عامي 2000 و2002. أما الشركات شبه العامة التي نجت، مثل Eni، فإنها كانت تفتقر غالبا إلى الاستراتيجية الصناعية الموجه نحو المهمة التي تشمل قطاعات الحكومة كافة.

تعكس هذه الاتجاهات التحديات الأوسع التي تواجه الاقتصاد الإيطالي: قصر النظر السياسي والإداري، والافتقار إلى الاتجاه، وعدم كفاية الاستثمار العام والخاص في البحث والتطوير، وقصور تكوين رأس المال البشري. أفضت إصلاحات سوق العمل في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي إلى ظروف عمل محفوفة بالمخاطر، الأمر الذي أدى إلى تثبيط الاستثمار الطويل الأجل في المهارات والتدريب وتقليص الإنتاجية. كانت إدارة الشركات الإيطالية الكبرى، الخاصة والعامة، قصيرة النظر بشكل خاص، حيث عمل الساسة والمسؤولون التنفيذيون على تفكيك قدرات قَـيّـمة وبيع قسم كبير من الصناعة المتقدمة في إيطاليا لشركات أجنبية. تمثل خطة ميلوني المعيبة للخصخصة اتجاها عالميا أعرض. ورغم أن صندوق النقد الدولي أدرك أن التقشف لا يقلل من نسب الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي ويلحق الضرر بالنمو، فإن صناع السياسات الأوروبيين لا يزالون يتشبثون بالقواعد المالية القديمة التي تدفع الحكومات إلى بيع الأصول الصناعية لخفض الديون العامة. الواقع أن هذا النهج، بدلا من تعزيز الاستراتيجيات الصناعية المستدامة، لا يوفر سوى الإغاثة في الأمد القصير.

مع انخراط الشركات المملوكة للدولة بشكل متزايد في عمليات إعادة شراء الأسهم، بلغ الطابع التمويلي مستويات غير مسبوقة، وغالبا على حساب الاستثمار الإنتاجي. وبينما يستمر القطاع المالي في الاستثمار في ذاته في المقام الأول، فإن الشركات غير المالية تنفق مبالغ أكبر على عمليات إعادة شراء الأسهم ودفعات الأرباح مقارنة بإنفاقها على رأس المال البشري، والمعدات، ومشاريع البحث والتطوير. وعلى الرغم من محاولة ميلوني تقديم رؤية مبتكرة للتنمية، فإن احتضان حكومتها لنظريات عتيقة ينتج سياسات فاشلة تعرض للخطر أجندة مجموعة السبع الاقتصادية والشراكة مع أفريقيا. بدلا من تعزيز اقتصاد أكثر اخضرارا وشمولا يدفعه الاستثمار والإبداع، تبنت ميلوني ذات النهج القصير النظر المسؤول عن كثير من مشكلات إيطاليا. على الرغم من الاستعانة بعلامة مميزة، فشلت حكومة ميلوني في الارتقاء إلى إرث ماتي من الملكية العامة والتعاون الدولي. لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه إيطاليا، يتعين على صناع السياسات أن يفوا بوعودهم وأن يتبنوا استراتيجية صناعية متطلعة إلى المستقبل حقا.

ماريانا مازوكاتو أستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في جامعة كوليدج لندن.

جيوفاني تاجلياني باحث في معهد UCL للابتكار والغرض العام.

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • قصر النظر الاقتصادي يهدد طموحات إيطاليا في مجموعة السبع
  • ضبط 99 حالة غش منذ بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة المنيا
  • الكشف عن موعد بدء دوام المدارس الخاصة في الأردن للعام 2024 -2025
  • جامعة عين شمس تستقبل وفدا من وزراء التعليم الأفارقة
  • "تعليمية البريمي" تكمل استعدادات بدء امتحانات دبلوم التعليم العام
  • رضا حجازي: الثورة التكنولوجية المتسارعة تساهم في تعليم الطلاب بطرق مختلفة
  • "القاصد" يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بنوعية المنوفية ويتابع تطوير البرنامج المميز لذوي الاحتياجات الخاصة
  • نهاية العام الدراسي غداً.. وعودة المعلمين 7 صفر
  • عاجل | نهاية العام الدراسي غداً.. وعودة المعلمين 7 صفر
  • ختام العام الدراسي الحالي غداً.. العام الجديد في 14 صفر