يواجه الوسط السياسي الغربي أزمة واضحة في التعامل مع تطورات الأزمة في الشرق الأوسط رغم دعوات قادته إلى الدبلوماسية وضبط النفس، تظل مواقفهم مترددة، وغالبًا ما يتجنبون الاعتراف بالأسباب الحقيقية للصراع.

ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتبة نسرين مالك، قالت فيه إنه منذ بدء الحرب على غزة، اتسمت الديناميكية المحددة بغضب وذعر وقلق غير مسبوقين من الجمهور، يدور حول وسط سياسي هادئ بشكل مخيف، وإن رد الفعل الضعيف من الأحزاب الليبرالية السائدة لا ينسجم تماما مع خطورة اللحظة.



وأضافت مالك أنه مع انضمام الولايات المتحدة إلى "إسرائيل" في مهاجمة إيران، وتوجه الشرق الأوسط نحو تفكك كارثي، فإن جمودهم أصبح أكثر إرباكا من أي وقت مضى، وإنهم مجرد ركاب في حرب تل أبيب، إما مستسلمون للعواقب أو غير راغبين في جوهرهم حتى في التشكيك في حكمتها.

وتابعت الكاتبة أنه بينما يصرخ الواقع في وجه السياسيين في جميع أنحاء الغرب، فإنهم يخلطون الأوراق ويعيدون تسخين الخطاب القديم، كل ذلك في حين يذعنون لـ"إسرائيل" والبيت الأبيض اللذين فقدا صوابهما منذ فترة طويلة.


وأشارت إلى أنه في وقت يشهد مخاطر جيوسياسية شديدة، يقدم الوسط نفسه على أنه الطرف الحكيم في هذه المشاجرة، ويدعو إلى الهدوء والدبلوماسية، لكنه عاجز تماما عن معالجة السبب الجذري أو تحديه، ويخشى البعض حتى تسميته.

وأضافت أن "إسرائيل" اختفت من المشهد، ولم يتبق سوى أزمة مؤسفة وإيران تهدد، حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى خفض التصعيد، ولكنه أشار إلى التصعيد نفسه الذي يرغب في تجنبه - أي تدخل الولايات المتحدة - باعتباره تخفيفا لـ"التهديد الخطير" الذي تشكله إيران، في الوقت الذي يعزز فيه القوات البريطانية في الشرق الأوسط.

قالت مالك إن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أكدت على أهمية الدبلوماسية مع الحرص على التأكيد على أن إيران هي "المصدر الرئيسي" لعدم الاستقرار في المنطقة، كما بدا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وكأنه يعيش في عالم الواقع، محذرا من الفوضى الحتمية التي قد تنجم عن تغيير النظام في إيران وتكرار أخطاء الماضي.

وتابعت قائلة "لكن بحلول يوم الأحد، انضمت فرنسا إلى الجوقة الداعية إلى خفض التصعيد وضبط النفس بعبارات عامة غامضة، وأكدت المعارضة الحازمة للبرنامج النووي الإيراني".

وأكملت كاتبة المقال أن الحرب مع إيران خبر سيئ للغاية، وتُقدم عددا من السيناريوهات المُزعزعة للاستقرار بشكل كبير: تغيير النظام دون خطة لليوم التالي، مما يترك كادرا كبيرا من القوات العسكرية والأمنية المسلحة في وضع حرج، وحشد القوات العسكرية الغربية في المنطقة التي قد تصبح أهدافا ونقاط اشتعال، أو ببساطة حرب استنزاف طويلة الأمد من شأنها أن تُسيطر على المنطقة وتفتح جرحا كبيرا مُتقيحا من الغضب والعسكرة. إنها أيضا - وهذا أمر اعتدنا عليه في هجمات إسرائيل - تقتل مئات الأبرياء ناهيك عن كونها، قبل كل شيء، غير قانونية، نظرا لمخاطرها القائمة.

وأضافت أن معظم القادة الغربيين ما زالوا يتعاملون معها على أنها مجرد فصل آخر من فصول حقائق العالم المؤسفة، ولكنها ثابتة في نهاية المطاف، ويجب التعامل معها. وهنا تكمن الحفرة العميقة في قلب الاستجابة لإسرائيل على مدار العام والنصف الماضيين - وسط شاغر. ترامب هو ترامب. لا أحد يتوقع منه ردا متماسكا وشجاعا ومستقرا تجاه إسرائيل، ولكن المشكلة تسبقه: مؤسسة سياسية من حماة الاستقرار، الذين يبدون ليبراليين وموثوقين، يفتقرون إلى بوصلة أخلاقية، ولا يكترثون للمعايير التي يدّعون باستمرار التمسك بها، تحت إدارتها، انتُهك القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان مرارا وتكرارا في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والآن إيران. كان ردها هو الابتعاد عن طريق إسرائيل في أحسن الأحوال، وتسليحها وتوفير غطاء دبلوماسي لها في أسوأ الأحوال.


وتابعت أن إدارة جو بايدن حددت النبرة، وتبعتها الحكومات الأوروبية. وتمسكت مجتمعة بالوضع الراهن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل، وبذلك، حطمت الأعراف القانونية والأخلاقية التي منحتها أي قدر من النزاهة أو السلطة.

ومع ذلك، ما زالوا يواصلون عملهم وسط الحطام، تبدو تصريحاتهم حول أهمية الدبلوماسية وكأنها أصداء من حقبة مضت منذ زمن طويل - حقبة سبقت إبادة جماعية بثت مباشرة هدمت أي مظهر من مظاهر نظام متماسك للقانون الدولي، وما كشفته اللحظة الراهنة هو مجموعة من الأنظمة غير مؤهلة أساسا للأزمات، صالحة فقط للإدارة؛ مجموعة من السياسيين الذين لا يتمثل دورهم في إعادة التفكير في الطريقة التي تسير بها الأمور أو تحديها، بل ببساطة في توجيه الحركة الجيوسياسية.

وأضافت الكاتبة "مهمتهم هي في الواقع تحقيق الاستقرار، ولكن فقط بمعنى تثبيت نظام عالمي من الافتراضات والتسلسلات الهرمية الفاشلة. ليس الأمر جعل العالم مكانا أفضل، بل إضفاء غطاء من المصداقية على سبب ضرورة أن نعيش في هذا العالم الأسوأ".

وتابعت أنه لا ينبغي الخلط بين هذا وبين "البراغماتية". البراغماتية تعني انعدام الموقف أو المصلحة الشخصية. ما يُخفيه خطاب الانخراط المُتردد هو أنه مُستند إلى معتقدات لا تُحددها القيم، بل التفوق القَبلي. إيران دولة، في نظر المؤسسة الليبرالية، لا تتمتع بسيادة كاملة أبدا لأنها انحرفت عن المصالح الغربية، وليس لها حق الرد عند تعرضها للهجوم (بل في الواقع، يجب عليها التحلي بضبط النفس عند التعرض له). ليس لشعبها الحق في توقع دراسة متأنية لمستقبلها، أو حتى لمستقبل المنطقة بأكملها. أما إسرائيل، من ناحية أخرى، فهي دولة ذات سيادة عظمى، وليست مُذنبة أبدا.

واعتبرت أن "هذا الموقف الافتراضي عارٍ تماما في نفاقه، جاهل ومحدود الأفق في نظرته للعالم، واضح في استخفافه بالحياة البشرية، لدرجة أنه يُمثل تآكلا هائلا في تعقيد الخطاب السياسي، وانحدارا جديدا في ازدراء الجمهور. لا يمكن الدفاع عن دعم إسرائيل إلا بإشارات سطحية ومخالفة للمنطق إلى حقها في الدفاع عن نفسها حتى لو كانت المعتدي، وإلى "تهديد إيران للعالم الحر".

واردفت لكن هل هذا هو العالم الحر نفسه الذي دعم الهجمات الأحادية على أربع مناطق في الشرق الأوسط من قِبل إسرائيل، الدولة التي زعيمها مطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية؟ في هذه المرحلة، يُمثل العالم الحر نفسه التهديد الأكبر، الذي سيضحي بكل شيء لضمان عدم السماح بمرور أي تحد لسلطته.


واختتمت مالك قائلة إن النتيجة النهائية هي أن هؤلاء القادة ليسوا متخلّين عن مسؤولياتهم فحسب، بل إنهم غير ممثلين، وغير قادرين وغير راغبين حتى في صنع الموافقة بعد الآن. لقد ترسخت العدمية المتسارعة. تتلاشى التفويضات مع ابتعاد الحكومات والأحزاب السياسية الوسطية أكثر فأكثر عن الجمهور، الذي يُعلن في أوروبا عن مستوى دعم منخفض تاريخيا لإسرائيل. في الولايات المتحدة (بما في ذلك مؤيدو ترامب)، تُعارض الأغلبية التورط في حرب مع إيران. وهكذا تتسع الفجوة بين السياسة المنفصلة والواقع الدموي أكثر فأكثر. إن مديري الهيمنة الغربية يندفعون نحو الفراغ، ويأخذوننا جميعا معهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الشرق الأوسط نسرين مالك الشرق الأوسط دول الغرب نسرين مالك صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

صحفي يهودي: مشروع إسرائيل الكبرى هدفه محو الشرق الأوسط

قال الصحفي اليهودي المقيم في ألمانيا مارتن جاك إن الهجمات التي تنفذها إسرائيل في المنطقة غالبا ما تكون غير شرعية، وحذر من أن مشروع إسرائيل الكبرى يهدف إلى محو منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع جاك، تناول فيها سياسات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأسلوبها في خلق الفوضى، بالإضافة إلى اتساع نطاق التهديدات الإسرائيلية في المنطقة.

مخطط توسعي

وفي معرض تعليقه على الهجمات الإسرائيلية على عدة دول بالمنطقة، قال جاك إن ما يجري لا يمكن وصفه بأنه دفاع مشروع، بل لا يمكن حتى تسميته بهجوم وقائي، إنه "ببساطة تدمير واستئصال وقائي، يهدف إلى محو المنطقة (الشرق الأوسط) بأكملها ومنع أي إمكانية للرد أو الدفاع" وفق قوله.

وترتكب إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشنت حربا واسعة على لبنان بين سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024، فيما قصفت عددا من المواقع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي، وتواصل تنفيذ هجمات على اليمن، وبدأت مؤخرا عدوانا على إيران.

وأكد جاك أن ممارسات إسرائيل تزرع مشاعر العداء تجاه إسرائيل، حتى وإن لم تكن معادية لليهود أنفسهم.

وعبر عن اعتقاده بأن نتنياهو وتحالفه واليمين المتطرف في إسرائيل يسعون لتوسيع الأراضي الإسرائيلية.

وأضاف "لأكون صريحًا، فإن هذا المخطط يتجاوز حتى التصورات الدينية التقليدية لما يسمى بإسرائيل الكبرى".

الإفلات من العقاب

وشبّه جاك ما تقوم به إسرائيل في الشرق الأوسط بالنهج الذي اتبعته روسيا في عدد من البلدان، قائلا: عندما تنظر إلى ما حدث في غزة وجنوب لبنان، فإن المشاهد تذكّر بما جرى في مدينة غروزني خلال الحرب الشيشانية الثانية، أو ما ارتكبه الروس في حلب بعد تدخلهم إلى جانب نظام الأسد، (..) ما نشهده الآن هو إستراتيجية تدمير شاملة على النمط الروسي.

إعلان

وقال إنّ تمكّن الإسرائيليين من التجول بحرية في أماكن مختلفة في وضح النهار، وإبراز قوتهم أثناء ارتكابهم مجازر بحق آلاف الأطفال والنساء وكبار السن، دون أن يعترضهم أحد، يُظهر أنهم يمتلكون قوة مطلقة لا رادع لها.

وشدد على أن هذه الحالة تمثل عرضًا فجًا لواقع الإفلات من العقاب.

مركز قوة

وأوضح جاك أن إسرائيل لم تعد تسعى فقط إلى تحقيق ما ورد في التوراة من حدود إسرائيل الكبرى، بل تجاوزت ذلك إلى ما هو أبعد.

وقال إن الهدف اليوم هو بناء إسرائيل كمركز قوة مشابه للولايات المتحدة، من حيث القدرات العملياتية والنفوذ السياسي، مشيرا إلى أن ما نشهده اليوم (العدوان الإسرائيلي في المنطقة) هو ما رأيناه لعقود في أفغانستان، والعراق، وأميركا اللاتينية.

وأكد أن هذه القوة تمارس عملها بلا أي احترام للقانون الدولي، أو للأسس القانونية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية.

قومية توسعية متطرفة

وتطرق جاك إلى الدور الذي يلعبه يمينيون متطرفون بالحكومة الإسرائيلية مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، قائلًا: هؤلاء لا يخفون نيتهم بشأن مشروع إسرائيل الكبرى، بل يصرّحون بها علنا.

وقال إن نتنياهو يضع مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار، وهو بحاجة إلى إنقاذ نفسه، كما يوجد في ائتلافه الحالي، أشخاص ينادون منذ زمن طويل بإقامة إسرائيل الكبرى.

وأشار إلى أنهم لا يتحدثون فقط عن جنوب لبنان، بل عن أجزاء من سوريا ومصر أيضا، وهم في الواقع يشكلون جزءًا من الحكومة الإسرائيلية ويتولون مواقع صنع القرار.

شكل من الجنون

وحذّر جاك من خطورة مجموعة من السياسيين في إسرائيل ترى أنه من المشروع مهاجمة كل ما تعتبره تهديدا، مشيرا إلى أن هناك حديثًا متزايدًا هذه الأيام في إسرائيل عن أن الدور نصف النهائي سيكون مع إيران، أما النهائي فمع تركيا.

وقال إن هذه المجموعة مستعدة لإثارة الحروب حتى في الأماكن التي تعتبرها مجرد احتمال لخطر أو ثغرة أمنية، وهي في غاية التطرف والتهور، مؤكدا أن ما يُمارس باسم التوسع الإسرائيلي، لا يمت بصلة لليهودية.

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي: مواجهة الشرق الأوسط خلقت مشكلة كبيرة لأوكرانيا
  • لافروف: لا دليل على أن إيران كانت تعد لهجوم ضد إسرائيل
  • حزب الاتحاد: يجب تحصين المنطقة من سيناريوهات الانفجار التي تهدد الشرق الأوسط
  • من الهجوم النووي إلى التوترات الدبلوماسية.. الشرق الأوسط على شفير أزمة عالمية
  • صواريخ أميركا تشعل الشرق الأوسط.. وأوراق الدبلوماسية تحترق
  • نيويورك تايمز: الشرق الأوسط يخشى ما قد ينتظره بعد الحرب ضد إيران
  • البابا يدعو إلى السلام ويدعو الدبلوماسية لإسكات السلاح إزاء التوترات في الشرق الأوسط
  • صحفي يهودي: مشروع إسرائيل الكبرى هدفه محو الشرق الأوسط
  • غوتيريش: التصعيد الأمريكي ضد إيران يهدد السلم العالمي