هل مازال في جعبة الغرب ما يقدمه لأوكرانيا لمواجهة روسيا؟ بعد خسارة معركة أفدييفكا
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
حققت القوات الروسية، انتصارا رمزيا مهما بحسم معركة أفدييفكا بعد قتال شرس استمر لأكثر من 4 أشهر مع القوات الأوكرانية حول تلك المدينة الاستراتيجية في شرق أوكرانيا؛ لتبعث برسالة مهمة قبل أيام من دخول الحرب عامها الثالث، وتطرح تساؤلا بشأن قدرة حلفاء كييف على مساعدتها.
وأقرت أوكرانيا، بخسارة تلك المعركة واعترف كبار قادتها العسكريين بأن قرار سحب قواتهم من الخطوط الأمامية جاء حفاظا على أرواح العسكريين الأوكرانيين، بينما هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات بلاده المسلحة على النجاح والنصر المهم “بتحرير مدينة أفدييفكا بجمهورية دونيتسك الشعبية”، بعد أن استمع إلى تقرير لوزير الدفاع سيرجي شويجو بشأن آخر التطورات على الأرض يؤكد فرض موسكو السيطرة الكاملة على المدينة والعمل على تطهيرها من المتطرفين الأوكرانيين.
وأشارت وزارة الدفاع الروسية، إلى أنه يتم حاليا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطهير المدينة نهائيا من المسلحين ودحر الوحدات الأوكرانية التي غادرت المدينة واستقرت في مصنع أفدييفكا للكيماويات، حسبما ذكرت قناة (آر تي) على موقعها الإلكتروني مساء السبت.
واعتبرت الوزارة، أن تحرير مدينة أفدييفكا أتاح نقل خط المواجهة بعيدا عن دونيتسك، وبالتالي حمايته بشكل كبير من الهجمات الإرهابية التي يشنها نظام كييف الإجرامي، مضيفة أنه لم يتم نشر المعلومات حول تقدم قواتنا إلا بعد هزيمة العدو بالكامل والسيطرة على المدينة.
ووصفت شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية، هذا التطور بأنه بمثابة “نصر كبير” للرئيس الروسي، وبأنه الأكبر منذ سقوط مدينة باخموت في يد القوات الروسية في شهر مايو الماضي، والتي كانت البوابة الرئيسية لروسيا للتقدم في دونيتسك.
ورأت الشبكة الأمريكية، أن هذا النصر جاء في توقيت حاسم، حيث تبحث روسيا عن دفعة معنوية مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لعملية موسكو واسعة النطاق بأوكرانيا في 24 فبراير، وقبل الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس بروسيا.
من جهته، عزا الرئيس الأمريكي جو بايدن ما حدث إلى تقاعس المشرعين الأمريكيين وعدم قدرة الكونجرس على تمرير المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وقال بايدن: “انسحب الجيش الأوكراني من أفدييفكا بعد أن اضطر الجنود الأوكرانيون إلى تقنين استخدام الذخيرة بسبب تضاؤل الإمدادات نتيجة لتقاعس الكونجرس، مما أدى إلى أول مكاسب ملحوظة لروسيا منذ أشهر”، حسبما نقلت شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية.
وشدد بايدن، على ضرورة تمرير الكونجرس مشروع قانون التمويل الإضافي للأمن القومي لإعادة إمداد القوات الأوكرانية بشكل عاجل، حسب بيان للبيت الأبيض.
وجاءت كلمات بايدن خلال محادثة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد لقاء الأخير مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في مؤتمر ميونخ للأمن، الذي هيمنت عليه مسألة المساعدات الغربية المقدمة لكييف.
وأعرب مسئولون أمريكيون، مؤخرا عن قلقهم بشأن المكاسب الروسية وأشاروا إلى أنها انعكاس لتباطؤ المساعدات، بحسب (سي إن إن) التي نقلت عن بيان للمتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون، قالت فيه: “هذه هي تكلفة تقاعس الكونجرس.
ويواصل الأوكرانيون القتال بشجاعة، لكن الإمدادات لديهم بدأت تنفد من المهم أن يوافق مجلس النواب على تمويل إضافي لأوكرانيا دون تأخير حتى نتمكن من تزويد أوكرانيا بذخائر المدفعية وغيرها من المعدات الحيوية التي تحتاجها للدفاع عن بلادها”.
وتعد الولايات المتحدة، أكبر داعم منفرد لأوكرانيا، إلا أن نحو 60 مليار دولار لكييف معطلة بسبب خلافات سياسية بين المشرعين الأمريكيين.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن موافقة جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 في وقت سابق من هذا الشهر على حزمة مساعدات مالية بقيمة 50 مليار يورو (54 مليار دولار) لأوكرانيا، جاءت متأخرة؛ لتمني كييف بخسارة أخرى ذات مغزى.
وربما هذا ما دفع زيلينسكي للقيام يوم الجمعة برحلة أخرى إلى غرب أوروبا بهدف الضغط على حلفاء بلاده الغربيين لمواصلة تقديم الدعم العسكري، وفقا لفوكس نيوز.
وخلال كلمته أمام مؤتمر ميونخ للأمن السبت، حث زيلينسكي الدول الغربية على مساعدة أوكرانيا على هزيمة بوتين، محذرا من أن الحرب تشكل تهديدا للعالم بأسره.
وأضاف زيلينسكي: “إلى متى سيسمح العالم لروسيا بأن تكون هكذا؟ هذا هو السؤال الرئيسي اليوم.. من فضلكم، كل شخص في العالم، لا تسألوا أوكرانيا متى ستنتهي الحرب. اسألوا أنفسكم، لماذا لا يزال بوتين قادرا على مواصلة هذه الحرب”.
وسلطت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، الضوء على مقطع فيديو مصور نشره عسكريون أوكرانيون لأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي يظهرون فيه في قبو مظلم بمصنع أفدييفكا لفحم الكوك، وقالوا إنهم كانوا يحتمون من قنابل جوية تزن 500 كجم تلقيها عليهم القوات الروسية.
ووصفت الصحيفة مقطع الفيديو بالمروع، ويظهر فيه أيضا مستشفى ميداني يعالج الجرحى، وقالت: “يذكرنا (الفيديو) بالقتال الذي دام شهورا في أوكرانيا في مصنع آزوفستال للصلب في عام 2022”.
وتطرقت الصحيفة، إلى أهمية الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا في هذه المرحلة المهمة من الحرب، محذرة من أن الذخائر على وشك النفاد في البلاد، كما أن قذائف المدفعية على وشك النفاد ما لم يأذن الكونجرس بتقديم المزيد من المساعدات.
وحصلت أوكرانيا على مساعدات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات من واشنطن وحلفائها الغربيين منذ بداية الحرب، إلا أن الرئيس الأوكراني لا يكف عن المطالبة بالمزيد.
ويرى محللون، أن أوكرانيا ربما تواجه شهورا صعبا في ظل تقدم القوات الروسية وشح الإمدادات خاصة مع نقص الذخيرة عالميا، وتسرب إحساس لدى حلفاء كييف بأن مطالب زيلينسكي التي لا تنتهي لم تغير الوضع على الأرض كثيرا على الرغم من تفاؤله من قبل بالحصول مثلا على دبابات ليوبارد وتأكيده أنها ستسهم في قلب الموازين خلال ما عرف بالهجوم المضاد والذي أجمعت العديد من دوائر التحليل السياسي على فشله في تحقيق أهدافه المرجوة.
د.ب.أ الشروق نيوز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القوات الروسیة
إقرأ أيضاً:
أحمد شموخ: يا له من خواجة بلبوسي! .. أو السيادة كامتياز استعماري!
قبل أيام فقط من عملية “شبكة العنكبوت”، صرّح المستشار الألماني فريدريش ميرتس بأن أوكرانيا باتت تملك الضوء الأخضر لضرب العمق الروسي، وحتى القواعد التي تضم طائرات قادرة على حمل رؤوس نووية. لم يرف له جفن وهو يقرّ بإمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة، وربما نووية، بل تجاهل تماماً أن بعض تلك الطائرات الروسية كانت مكشوفة دون حماية، التزاماً من موسكو باتفاقية “ستارت الجديدة” لتقليص التسليح النووي. ومع ذلك، لم يبدُ أن ميرتس، أو أي مسؤول غربي آخر، اعتبر هذا التصعيد الخطير تهديدًا “للسلم العالمي”.
الغرب ببساطة لا يساوم في أمنه القومي، وذلك مفهوم في المنظومة الغربية يُعدّ امتياز استراتيجي، يُمنح للبعض، ويُحرّم على الآخرين، ويكون عليهم انتزاع ذلك الحق. فحين نقول إن السودان يواجه غزواً خارجياً ويقاوم من أجل سيادته، يُنظر إلينا وكأننا نرتكب جريمة. فالأمن يصبح امتيازاً استعمارياً.
ميرتس، كغيره من القادة الغربيين، يحرص على تغليف دعوات الحرب -والبلبسة- بمساحيق “أخلاقية” حين يزعم أن أوكرانيا لا تستهدف المدنيين، لأن الحرب حين تكون غربية أو تجري بـوكالة عنها، عندها فقط تصبح نقية، مبرّرة، ودفاع عن النفس وعن بقاء الدولة وحماية للسيادة.
الغرب الذي يتمشدق بقيم الديمقراطية اللبرالية في وجه الأوتوقراطية الروسية، والمستعد للقتال حتى ”آخر أوكراني” لدعم ما يسميه “حق أوكرانيا في الدفاع عن بقائها” في مواجهة الغزو الروسي، وحمايةً لأوروبا من التهديد التوسعي الروسي، هو نفسه الذي يشاهد السودان يُغزى علنًا على يد وكلاء الإمارات، بالسلاح والمرتزقة والطائرات، دون أن يحرّك ساكنًا.
بل إن بعض العواصم الغربية تساهم -بالتواطؤ أو بالصمت أو بتعطيل القرارات الدولية- في محاولة تقويض مؤسسات الدولة السودانية، وتهجير السودانيين، وتجويعهم، بهدف تحويل بلدهم إلى دولة فاشلة ليُسهل الانقضاض عليها، ومنطقة اللا أحد “Terra Nulluis” بلا نفوذ وبلا سيادة، كما قال بيان الخارجية الأميركية ضمنياً يوم أمس، حيث تعامل مع السودان كأرض خلاء لا توجد بها حكومة تتم مخاطبتها، ولا شعب له حق سيادة على مستقبله وموارده.
الأخطر من معايير الغرب المزدوجة، هم بعض السودانيين المنتمين لنخب المهاجر والأكاديميا الغربية، الذين تحوّلوا لأدوات ناعمة تُعيد إنتاج السرديات الاستعمارية الجديدة، لتُستخدم كأحد أسلحة حرب العدوان. يُرددون الخطاب الإماراتي-الغربي ببغائية مدهشة، ثم يُهاجمون كل من يرفضه ويتهمونه بـ”الوحشية” و”حب العسكرة” و”التعطش للدماء”، كل ذلك لمجرد أننا نطالب بحق يفترض أنه بديهي: أن تكون لنا دولة تحمي نفسها، ويُعترف لها بحق البقاء والدفاع ضد غزو خارجي يهدد وجودها ذاته.
يهاجمون السردية الوطنية لأنها لا تُرضي مموليهم أو تصوراتهم المعطوبة، ولا تنسجم مع عقدهم ونرجسياتهم. ثم يبتزوننا أخلاقيًا حين نتمسك بحقنا كسودانيين في تقرير مصيرنا، ويتهموننا بالتطرف والعنف والتوحش، بينما الغرب يدكّ مدنًا بأكملها لحماية مصالحه ولا أحد يجرؤ على وصفه بـ”الهمجية”.
لا أحد في الغرب قال لأوكرانيا: أوقفي الحرب من أجل المدنيين، ولا أحد طالب إسرائيل بوقف حصارها عن دقيق وماء ودواء، بل تركوها تقرّر عدد السُعرات الحرارية التي “يستحقها” الفلسطيني يومياً، ولا أحد يساوي بين الجيش الفرنسي وتنظيم إرهابي، أو بين الدولة الأمريكية ومليشيا تمارس إرهاب واغتصاب المدنيين للتوصل لمكاسب سياسية.
لكن عندما يقول السودان إنه يواجه غزواً إرهابياً مسنوداً من الإمارات، يتحوّل السياق فجأة إلى “حرب أهلية” و”صراع داخلي” و”طرفي النزاع”، وتُختزل قضيته في “معاناة إنسانية” بلا سياق.
الغرب الذي يرفض التفاوض مع الإرهاب داخل حدوده، يطالبنا نحن بأن نتفاوض معه حين يُزرع في بلادنا. يريدوننا بلا جيش وبلا أمن وبلا سيادة وبلا أرض.
لكننا لن نكون بشرًا فائضين عن الحاجة، ولا جثثًا “محترمة” على مقاس قيمهم المزدوجة. نحن نقاوم، لا لأننا نعشق الحرب، بل لأننا نُستهدف بالإزالة من التاريخ والجغرافيا كل يوم.
أحمد شموخ
إنضم لقناة النيلين على واتساب