المعرفة السماعية، كانت الطريقة الوحيدة ليفهم ذوو الهمم من فاقدي البصر حضارة بلدهم، يستمعون إلى القصص والكتب الصوتية والحكايات ليتشربوا تاريخ بلدهم، حتى وجدوا ضالتهم حديثاً داخل المتاحف التي تتيح بطاقات للشرح بطريقة برايل، ليتعرفوا إلى حضارتهم بـ«اللمس» والقراءة دون مساعدة، تلك التجربة الشيقة التي يذهب أيضاً الأطفال صحيحو البصر لتجربتها، بارتداء قناع على العين ويخوضون التجربة لأول مرة.

الأطفال يقرأون التاريخ بـ«اللمس» في متحف كفر الشيخ

«عيش التجربة» هو السبيل الذي اتخذه قسم التربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة بمتحف كفر الشيخ، لمعايشة الأطفال تجربة لمس البطاقات الشارحة المكتوبة بطريقة برايل، والقطع الأثرية دون رؤيتها عن طريق وضع ضمادة، حيث قاموا بوصف القطع، ثم بعد ذلك أزالوا الضمادة وقاموا برؤية القطع الأثرية.

التجربة تُعد الأولى من نوعها وتأتى فى إطار تعميق الشعور الإنسانى لدى الأطفال والإحساس بالآخرين من ذوي الهمم وخاصةً فاقدى البصر، مثلما يحكي عنها الدكتور أسامة فريد عثمان، مدير متحف كفر الشيخ.

وسائل إتاحة متعددة لاستقبال الإعاقات كافة

ويروي «عثمان»، أنّ المتحف متاح لاستقبال الإعاقات كافة، ويتضمن وسائل إتاحة متعددة منها: لوحات إرشادية بلغة الإشارة لتيسير وتسهيل زيارة ذوي الإعاقة السمعية، ووجود عدد من المنحدرات «Ramp» لتسهيل زيارة ذوي الإعاقة الحركية وكبار السن، كما أنّه مزود أيضاً بدورات مياه مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، مصممة طبقاً للكود المصري الخاص بالإتاحة الهندسية.

فرحة غير عادية انتابت الأطفال بعد زيارتهم لمتحف كفر الشيخ، ومعايشة تجربة لمس البطاقات الشارحة المكتوبة بطريقة برايل، ويحكي محمد علي، أحد الأطفال المشاركين في الزيارة: «كان يوم حلو أوي وحسينا بمعاناة إخوتنا من فاقدي البصر».

أحد فاقدي البصر: بقينا نقدر نزور المتحف ونتعرف على كل قطعة أثرية

وانتقلت تلك السعادة إلى جمال أحمد، أحد فاقدي البصر، الذي انبهر بالتجربة: «بقينا نقدر نزور المتحف ونتعرف على كل قطعة أثرية من خلال البطاقات دي، وحقيقي ده فرق معانا كتير وحسّن من نفسيتي أنا وكل اللي في ظروفي».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: متحف كفر الشيخ ذوي الهمم طريقة برايل القطع الأثرية فاقدي البصر ذوي الإعاقة السمعية فاقدی البصر کفر الشیخ

إقرأ أيضاً:

دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال

عند حديثنا عن دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة فإننا نتجاوز استعادة الإرث التاريخي الطويل إلى محاولة استقراء الواقع المعاصر للأوقاف في عمان، واستشراف قدرتها على أن تكون عنصرا فاعلا في المستقبل الاقتصادي، فمن هذا المنطلق جاء هذا المحور في مؤتمر عُمان الوقفي الذي اختتم أعماله أمس، وأتاح لي من خلال حضوري لجميع الجلسات على مدار يومين من فرصة الاقتراب من نماذج واقعية تقدّم إجابات عملية عن مجموعة من التساؤلات المتعلقة بإمكانية أن يتحول الوقف إلى محرك اقتصادي حديث، وكيف أن الفكر الريادي والرؤية الواضحة والقدرة على اتخاذ القرار الجريء بالإمكان أن يحول الأصول الوقفية إلى استثمارات تجني الذهب وتحقق أهدافا اقتصادية مبهرة.

وتتبدى الإجابة بوضوح في النموذجين اللذين برزا في هذا المحور وتم استعراضهما في الجلسة الحوارية الأخيرة من هذا المؤتمر، وهما تجربتي: مؤسسة بوشر الوقفية، وأوقاف حارة العقر في نزوى، ورغم اختلاف بيئتهما وسياقاتهما، إلا أنهما يشتركان في جوهر واحد، وهو إعادة اكتشاف القوة الكامنة في الوقف، وتوظيفه كأداة فاعلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد بدت تجربة مؤسسة بوشر الوقفية من نقطة شديدة الواقعية، وهي بناء الثقة المجتمعية قبل الشروع في أي مشروع استثماري كبير، وقد أوضح المهندس محمد بن سالم البوسعيدي أن المؤسسة عملت منذ لحظتها الأولى وفق استراتيجية خمسية واضحة، قطعت مراحل التأسيس والانطلاق، وتتجه بثقة نحو مرحلة النمو والاستقلال ابتداء من العام القادم، هذه المرحلة ليست مجرد توسع مالي، بل انتقال إلى مستوى جديد يعاد فيه تعريف الوقف بوصفه قطاعا قادرا على الإضافة الاقتصادية، وقادرا كذلك على فتح فضاءات جديدة أمام رواد الأعمال الشباب.

ولعل ما يميز هذه التجربة أن بوشر اختارت أن تبدأ من الإنسان قبل المكان، فقد توجهت إلى المدارس والكليات والمجتمع المحلي، ونشرت الوعي بقيمة الوقف عبر برامج متنوعة مثل "فرع الوقف" والمعارض المتنقلة و"سيرة ومسيرة"، إدراكا منها بأن الوقف لا يستعيد دوره إلا إذا استعاد المجتمع ثقته به، ومع بناء هذه الثقة، بدأت المؤسسة في العمل على الملفات الأصعب. وعلى رأسها الأصول الزراعية الوقفية المتعثرة التي كانت لعقود تمثل تحديا إداريا وماليا.

ومن هنا جاءت تجربة تحويل مزرعة وقفية متوقفة منذ سنوات إلى مشروع سياحي وزراعي وتعليمي في الوقت نفسه، وقد بين البوسعيدي أن فكرة المشروع لم تنطلق من وفرة مالية، بل من التقاء ثلاثة عناصر: أصل وقفي لم يستثمر كما ينبغي، وشاب عماني يمتلك خبرة وفكرا استثماريا مبتكرا، ومؤسسة وقفية تمتلك الإرادة والقدرة على فتح الطريق، وعبر هذا التلاقي، تولدت فكرة مشروع يضم بيوتا محمية، ومساحات زراعية حديثة، ونقطة لقاء لرواد الأعمال، ومطعما ومقهى تديرهما عمانيات، ومنفذا لمنتجات الأسر المنتجة، وموقعا تعليميا لطلبة المدارس في الفترات الصباحية، فهذا النموذج يعيد صياغة مفهوم الأثر الاجتماعي للوقف، ويحوّل المزرعة من عبء إداري إلى منصة تحتضن ريادة الأعمال وتفتح أمام الشباب مساحات جديدة من العمل والإنتاج.

كما وسعت بوشر نطاق عملها إلى التطوير العقاري عبر تشغيل "بيت المقحم" التاريخي، وإلى الابتكار من خلال إطلاق "هاكاثون الوقف"، وإلى الإعلام عبر تأسيس شركة "أنجم ميديا" التي تدير الفعاليات والمناسبات، ويكشف هذا التنوع أن المؤسسة لا ترى الوقف مجرد قطاع جامد، بل فضاء يتسع للتقنية والسياحة والإعلام والزراعة والتعليم والصناديق الاستثمارية، وأن استثمار الأوقاف يسعى لبناء منظومة متكاملة من الأنشطة القادرة على خلق فرص وظيفية، وتعزيز قيمة المكان، وإحياء الأصول القديمة بفكر جديد.

أما تجربة حارة العقر بنزوى التي استعرضها الدكتور إسحاق الشرياني، فهي تقدم نموذجا مختلفا في الشكل لكنه قريب جدا في المعنى، لقد بدأت التجربة من واقع متواضع؛ رصيد مالي لا يتجاوز سبعة آلاف ريال، وحارة تاريخية تتآكل بيوتها، ونظرة عامة تشكك في جدوى إنفاق الأموال على ما كان يبدو مشروعا غير مضمون، ولكن الرؤية التي حملتها أوقاف العقر كانت مختلفة، فقد أدركت أن التمسك بالأصول حتى تنهار ليس خيارا، وأن الاستثمار في التراث ليس مغامرة، بل ضرورة لإحياء المكان واستعادة دوره التاريخي والاقتصادي.

ومن هنا انطلقت التجربة عبر منهجية تعتمد على الاقتصاد السلوكي والاجتماعي والسردي، (على حسب تعبير الشرياني) وهي منهجيات تسمح بفهم المجتمع، وصناعة قصة اقتصادية ملهمة، وتحويل التراث إلى قيمة سياحية وثقافية واقتصادية في آن واحد، ونجحت التجربة في تحويل السور التاريخي والبيوت القديمة إلى مشروع استثماري حقق عائدا ماليا بلغ 14%، وهو رقم كبير في المعايير الاقتصادية، لكنه ليس أهم ما تحقق، فالأثر الحقيقي ظهر في إعادة الحياة إلى الحارة، وخلق أكثر من 400 وظيفة مباشرة، وارتفاع قيمة العقارات، وإعادة فتح مدارس القرآن الكريم، وانتعاش السوق التقليدي، وارتفاع الأوقاف من نصف مليون إلى ثلاثة ملايين ونصف، وتحول الحارة إلى مقصد سياحي وثقافي يستقبل مئات الآلاف من الزوار.

وتكشف تجربة العقر أن الوقف قادر على تحريك اقتصاد محلي كامل، إذا توفرت الرؤية والجرأة، فقد ارتفع عدد الغرف الجاهزة للاستخدام إلى 220 غرفة، وانتعش سوق المهن التقليدية، وتضاعفت الهبات الوقفية، واستعاد المجتمع ثقته بمؤسساته الوقفية بعد أن رأى الأثر رأي العين، ولعلّ أهم ما تميزت به التجربة هو قدرتها على تحويل "القصة" إلى جزء من الاقتصاد نفسه، فحديث الناس عن الحارة في المنصات الاجتماعية الحديثة وفي المجالس وفي وسائل الإعلام أصبح عنصرا اقتصاديا يضيف قيمة، ويدفع بالمشروع إلى الأمام، ويجعل منه نموذجا وطنيا يستدعى اليوم في محافل عالمية.

وحين ننظر إلى التجربتين معا، نجد أنهما تمثلان ملامح رؤية عمانية جديدة للوقف، رؤية تعيد تعريف الوقف بوصفه قطاعا اقتصاديا قادرا على الإنتاج والتطوير، يتجاوز كونه مصدرا للإيرادات التقليدية، فبوشر والعقر تقدمان درسا واضحا مفاده أن الوقف الذي يتفاعل مع المجتمع، ويتحالف مع رواد الأعمال، ويستثمر في الإنسان والمكان معا، قادر على خلق أثر يتجاوز حدود المشروع نفسه، ليصل إلى إعادة إحياء المدن، وصناعة الوظائف، وإلهام المؤسسات، وتعزيز الانتماء للمكان.

مقالات مشابهة

  • في أنغولا.. متحف العبودية يشهد على أعظم فظائع التاريخ
  • آخرها اللوفر وبريستول.. عمليات سطو هزت متاحف العالم لن يناسها التاريخ
  • روبوت قهوة بين سيارات ملكية.. مفاجأة تنتظر زوار متحف في عمّان
  • تسرب مياه يضر مئات مجلدات الحضارة المصرية في متحف اللوفر بفرنسا
  • دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال
  • تأجيل محاكمة المتهمين فى سرقة الأسورة الأثرية من متحف التحرير
  • ثورة اللمس .. رقعة جلدية ذكية تحول اللمس إلى نصوص واستجابات رقمية
  • متحف زايد الوطني يستضيف ندوة «اكتشاف التاريخ وصون التراث»
  • رئيس جامعة المنيا يتفقد متحف الفن الحديث
  • استعدادًا لـ «اليوبيل الذهبي».. رئيس جامعة المنيا يتفقد متحف الفن الحديث