أحمد ياسر يكتب: ملامح تحول استراتيجي بين الخليج والعراق
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
كان مجلس التعاون الخليجي قد وجه دعوة رسمية لحكومة إقليم كردستان العراق للمشاركة في اجتماعاته، ووجه الدعوة الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي خلال اجتماعه مع رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني على هامش القمة العالمية للحكومات التي عقدت الأسبوع الماضي في دبي.
وهذا تطور مهم يوضح كيف يسعى مجلس التعاون الخليجي إلى لعب دور مهم وناشئ في كردستان العراق، التي يُنظر إليها على أنها منطقة مستقرة ومزدهرة ترغب دول الخليج في الاستثمار فيها.
شهد العقد الماضي تعميق العلاقات بين حكومة إقليم كردستان ودول مجلس التعاون الخليجي. وكانت الإمارات أول دولة خليجية تفتتح قنصلية لها في أربيل عام 2012، وتبعتها الكويت عام 2015 ثم السعودية عام 2016. وافتتحت قطر قنصليتها عام 2023، في حين لم يكن للبحرين وعمان تمثيل رفيع المستوى بعد.
وعلى الرغم من أن أربيل تفتقر إلى وجود دبلوماسي في عواصم الخليج، إلا أنه كانت هناك مناقشات مؤخرًا بشأن إنشاء مكتب دبلوماسي كردي في الإمارات العربية المتحدة.
تتمتع أبو ظبي بعلاقات دبلوماسية وسياسية واسعة النطاق مع حكومة إقليم كردستان، وهي واحدة من أكبر المستثمرين في عراق ما بعد الحرب، حيث يذهب جزء كبير من التمويل إلى كردستان، وفي عام 2014، افتتحت غرفة تجارة دبي مكتبًا في أربيل لدعم بعض الشركات الإماراتية التي كانت مسجلة بالفعل لدى حكومة إقليم كردستان.
ومع ذلك، فقد أدت العديد من التطورات إلى تعطيل تماسك العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وحكومة إقليم كردستان لعدة أسباب:
(الأول) كان صعود تنظيم داعش إلى الصدارة في العراق في عام 2014، ففي عام 2013، كان من المفترض أن تكون أربيل مركزًا رئيسيًا للسياحة في المنطقة بهدف جذب السياح الخليجيين؛ لكن وجود داعش أضر بالأداة السياحية التي يمكن أن تعزز العلاقات.
(ثانيًا) أدت الانقسامات داخل دول مجلس التعاون الخليجي إلى اختلاف السياسات التي تنتهجها الدول الأعضاء، مما خلق عقبة أمام استراتيجية مشتركة تجاه أربيل.
(ثالثًا) عانى الأكراد العراقيون من انتكاسات سياسية ودبلوماسية واقتصادية كبيرة بعد إجراء استفتاء على الاستقلال في عام 2017 في وقت اشتدت فيه الاضطرابات في المنطقة، وتميزت بالقتال ضد داعش والتنافس بين القوى الإقليمية.
(رابعًا) أعاقت الانقسامات بين الأكراد أيضًا إمكانية وضع إطار شامل للعلاقات بين حكومة إقليم كردستان ودول مجلس التعاون الخليجي.
وأخيرًا، أدت جائحة كوفيد-19 إلى عرقلة خطط البنية التحتية والاستثمار لدول الخليج في كردستان.
ومع ذلك، فإن نهاية الانقسامات داخل دول مجلس التعاون الخليجي أتاحت مجالًا لتفاعلات أقوى بين حكومة إقليم كردستان ودول الخليج، اعتمادًا على درجات متفاوتة من مشاركتها في أربيل، ويقوم القادة الأكراد برحلات متكررة إلى دول الخليج منذ موجة التطبيع في المنطقة، وكانت زيارة بارزاني إلى الإمارات وقطر عام 2022 مهمة في إظهار سياسة حكومته المتوازنة بمعنى الحفاظ على العلاقات الودية مع كل طرف.
ومن وجهة النظر الخليجية، فإن الإرادة السياسية من جانب قيادة الكتلة الإقليمية مهمة من حيث المضي قدمًا في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع أربيل، وتخدم هذه العلاقات المزدهرة خطط «الرؤية» لدول الخليج.
وقد اتبعت كل دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي استراتيجيات التنويع بدرجات متفاوتة، ومن المرجح أن تؤدي الاختلافات في وتيرة خططهم إلى المزيد من الترتيبات الثنائية أو الثلاثية مع حكومة إقليم كردستان، بدلًا من المشاركة الموحدة لمجلس التعاون الخليجي.
على سبيل المثال، تعد الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مستثمر في كردستان العراق، حيث توفر 25% من الاستثمار الأجنبي المباشر، بعد الصين، وفي جهد متضافر لتعزيز علاقاتهما الاستثمارية والتجارية والاقتصادية، اقترحت أبو ظبي وأربيل إنشاء مجلس اقتصادي إماراتي-كردستاني، ويمكن لدول الخليج الأخرى أن تتبع مسارًا مماثلًا لتنسيق علاقاتها الاقتصادية مع حكومة إقليم كردستان.
ونظرًا لتحسن العلاقات بين تركيا ودول الخليج، هناك أيضًا احتمال قيام تعاون ثلاثي بين تركيا وحكومة إقليم كردستان ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يمكن أن يغير البيئات الجيوسياسية والجيواقتصادية في المنطقة.
ويشار إلى التورط المزعوم لأكراد العراق في التقارب بين تركيا ودول الخليج، وخاصة الإمارات، وعلى الرغم من التقارير العديدة التي تزعم أن قيادة أربيل لعبت دورًا رئيسيًا في بدء محادثات مباشرة بين أنقرة وأبو ظبي، فمن الصعب معرفة مدى مشاركتها.
ويمكن لمشاريع البنية التحتية أن تكون مفيدة في جلب رؤوس الأموال الخليجية إلى كردستان العراق، ومع ذلك، قد تواجه مثل هذه المشاريع أيضًا تحديات كبيرة، بما في ذلك الانقسامات الكردية الداخلية، واعتراض بغداد وخطر ردود الفعل الإيرانية ضد كل من أربيل والخليج.
وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى العامل الإيراني في العلاقات المزدهرة بين حكومة إقليم كردستان ودول مجلس التعاون الخليجي، والذي من المرجح أن يعطي مساحة لتدخل تركيا، ومن الصعب القول بأن العلاقات بين أربيل والخليج لن تتعارض مع المصالح الإيرانية في العراق والحكومة الكردية.
ومع ذلك، فإن الحوار الإقليمي المتزايد ومبادرات وقف التصعيد التي تنفذها حكومة إقليم كردستان ومجلس التعاون الخليجي يمكن أن تساعد في التخفيف من تورط إيران بالوكالة في المنطقة، فيما يعتبر تحسين العلاقات بين أربيل والخليج، والتي تتشكل بفعل عوامل سياسية واقتصادية وأمنية، يمكن أن يساعد أيضًا في بلورة سياسة دول الخليج في العراق.
ولا تنخرط دول الخليج حاليًا على أساس مخصص - بدلًا من كونها لاعبين استباقيين في كردستان العراق - ولا تنتهج سياسة حازمة يمكن أن تستفز إيران، وهم يتبنون نهجا حذرا ولكن حازما لتقييم جدوى المشاريع، إلى جانب كيفية تطور البيئة السياسية في بغداد وأربيل. ويمكن قراءة دعوة مجلس التعاون لحكومة إقليم كردستان لحضور اجتماعاته ضمن هذا السياق الأوسع.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة العراق الخليج العربي دول الخليج الصين داعش مجلس التعاون الخليجي قطر سوريا ايران الاتحاد الاوروبي أخبار مصر دول مجلس التعاون الخلیجی کردستان العراق العلاقات بین فی المنطقة فی کردستان دول الخلیج کردستان ا ومع ذلک یمکن أن فی عام
إقرأ أيضاً:
عبدالله آل حامد: الإمارات حريصة على تعزيز التعاون الإعلامي الخليجي
أكد معالي عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، حرص دولة الإمارات على تعزيز التعاون الإعلامي الخليجي، ودفع الجهود الهادفة إلى تطوير منظومة الإعلام بدول مجلس التعاون، بما يدعم مسارات التنمية المستدامة الخليجية في المجالات والقطاعات المختلفة.
جاء ذلك خلال لقاء معاليه، الإعلاميين المشاركين من دولة الإمارات في فعاليات الملتقى الإعلامي العربي، الذي انطلقت أعماله أمس في دولة الكويت الشقيقة.
وقال معاليه إن دولة الإمارات تواصل نهجها الراسخ في تطوير إعلام وطني يتمتع بأعلى درجات المهنية والمسؤولية في تناول القضايا المختلفة، مؤكدا أن الإعلامي يتحمل اليوم مسؤولية كبيرة في تمثيل وطنه وصون سمعته، من خلال نقل صورة حقيقية ومتوازنة تعكس ما يتحقق من إنجازات، وما يحمله المجتمع من قيم التسامح والتعايش والاحترام.
وأضاف: "الإعلام لم يعد مجرد أداة لنقل الأخبار، بل أصبح شريكاً في تعزيز المكانة الدولية للدول، وصناعة صورتها الذهنية على الساحة العالمية، وهو ما يتطلب وعياً ومهنية والتزاماً عالياً من كل إعلامي".
أخبار ذات صلة
وأشار إلى أن الملتقى الإعلامي العربي يمثل منصة مهمة لتعزيز الحوار الإعلامي العربي، وتبادل الخبرات والتجارب بين المؤسسات الإعلامية والإعلاميين في العالم العربي، مشيداً بجهود القائمين على تنظيم الملتقى، وبطبيعة المحاور التي يناقشها المشاركون، والتي تسهم في صياغة رؤى جديدة لمستقبل الإعلام العربي والعالمي.
ونوّه معاليه إلى أن حضور الإعلام الإماراتي ومشاركته الفاعلة في الملتقى تجسد التزام دولة الإمارات ببناء نموذج إعلامي مستقبلي، يقوم على الابتكار والإبداع، مشيراً في هذا السياق إلى استعدادات الدولة لتنظيم قمة "بريدج" العالمية خلال ديسمبر المقبل، التي ستُشكّل منصة إستراتيجية لصياغة مستقبل الإعلام، من خلال محاور تشمل التمكين، وبناء الشراكات، وتكامل القطاعات، وابتكار حلول ذكية تواكب المتغيرات المتسارعة.
وأوضح معاليه أن قمة "بريدج" ستوفّر مساحة تفاعلية تجمع نخبة من صُنّاع القرار، والخبراء والممارسين في قطاع الإعلام من دول العالم، لبحث فرص التطوير، واستعراض التجارب الرائدة، وتبادل الرؤى بما يُسهم في ترسيخ إعلام أكثر تأثيرًا وشمولًا، يعكس القيم الإنسانية، ويحترم التنوع، ويخدم المجتمعات بروح منفتحة ومسؤولة.
المصدر: وام