بين مطرقة الأزمات وسندان الفقر، تعيش منى وشقيقتها في لبنان رحلة صراع مع الحياة، بعدما فقدتا والديهما الذين كانا سندهما، حيث رحلا تاركين إيّاهما وحيدتين تواجهان كلاجئتين فلسطينيتين قسوة العيش في بلد يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة.

تعتمد الشقيقتان على وكالة الأونروا لتلقي الرعاية الطبية وجزء من التغطية الاستشفائية، وعندما انتشر خبر احتمال توقف خدمات هذه الوكالة الأممية، لا تعرفان ماذا سيحل بهما، وتقول منى "لا يمكننا الحصول على وظيفة آمنة في هذا البلد، ولا دخل يكفي لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتنا الأساسية، فكيف يمكننا علاج أنفسنا من الأمراض والآلام النفسية والجسدية".

لولا "الأونروا"، لكانت شقيقة منى ربما في عداد الأموات كما تقول، "حيث أصيبت بسرطان الثدي قبل سنوات، ولم يكن لديها القدرة المالية لتلقي العلاج، فكانت الخدمات التي تقدمها الوكالة الأممية كطوق نجاة لها من مرض لا يرحم".

وتضيف في حديث لموقع "الحرة" "شقيقتي ما زالت تعاني من مشاكل نفسية، وتتابع علاجها مع طبيبة تعمل في الوكالة الأممية، فالظروف الصعبة التي مررنا بها تركت آثاراً عميقة في نفسيتها، حيث كانت تعيش في حالة من الخوف الدائم، تتخيل أموراً لا وجود لها في الواقع، حوّلت حياتها وحياتي إلى جحيم، إلى أن بدأت رحلة علاجها، التي كان من المستحيل أن تلتحق بها لولا خدمات الأونروا المجانية".

ويعاني ابن شقيق منى من مرض السكر منذ طفولته، وهو يتابع علاجه في عيادة الوكالة بانتظام ويحصل على الأدوية اللازمة مجاناً، كما يحصل على مساعدة مالية بقيمة 30 دولار كل ثلاثة أشهر، وتقول "رغم أن المبلغ صغير، إلا أنه يساعد على تأمين بعض احتياجات عائلته، لا سيما وأنه عاطل عن العمل، ولولا مدارس الأونروا المجانية لكان طفله من دون تعليم، إذ لا يستطيع والده تحمل تكاليف أقساطه وكتبه".

لكن منذ فترة خففت الوكالة من خدماتها الاستشفائية، حيث اقتصرت الأمر كما تقول اللاجئة سهام على تغطية نسبة بسيطة من العمليات الاستشفائية الطارئة والمهددة للحياة، بعدما كانت تغطي في السابق تصل إلى ما نسبته 50 في المئة وما يزيد من كلفة العمليات، فمنذ أشهر وابني ينتظر موافقة الوكالة على خضوعه لعملية فتاق السرّة، وإلى حدّ الآن لم يحصل عليها.

وتضيف في حديث لموقع "الحرة" "لا ننسى أيضاً عيادة طب الأسنان التي تقدم خدماتها مجاناً، وإن كان الأمر يقتصر على خلع الأضراس من دون علاجها"، مشددة "الجميع يعلم أن العلاج سلعة باهظة الثمن في لبنان، لا يقدر عليها إلا الأغنياء، ومن لديه من يسانده بتحمّل تكاليفها".

كما تحصل سهام وأولادها على دعم نقدي فصلي من الوكالة، وهي تجمع ومنى على أن توقف خدمات الأونروا سيكون "بمثابة دمار شامل للعائلات اللاجئة الفقيرة، حيث ستحرم من أبسط حقوقها الإنسانية، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعاني منها".

وعلّقت 16 دولة تمويلها لـ" الأونروا"، الذي يبلغ إجماليه 450 مليون دولار أي ما يعادل أكثر من نصف الدخل المتوقع لعام 2024، وفق ما قاله المفوض العام لوكالة "الأونروا"، فيليب لازاريني، والذي حذّر مؤخراً من أن أنشطة الوكالة في جميع أنحاء المنطقة "ستكون معرضة لخطر كبير ابتداء من شهر مارس".

وكانت الوكالة محور جدل منذ أن اتهمت إسرائيل 12 من موظفيها بالضلوع في هجمات 7 أكتوبر الذي نفذتها حركة حماس على إسرائيل، فأنهت على الفور عقود الموظفين المتهمين، وبدأت تحقيقا داخلياً، وتم تكليف مجموعة مستقلة بمهمة تقييم الأونروا و"حيادها" السياسي.

ويقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إغلاق هذه الوكالة الأممية، وهي أحد بنود خطته لـ"اليوم التالي" لقطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب. وكررت إسرائيل خلال الفترة الماضية اتهاماتها للوكالة الأممية بأنها تغطي على أعمال حماس، ودعت لاستبدالها بمنظمات إغاثة دولية أخرى.

تطرف وزعزعة للاستقرار

في رسالة وجهها إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، حذّر المفوض العام لوكالة "الأونروا"، من أن الوكالة وصلت إلى "نقطة الانهيار"، وقال في تصريحات أخرى إنه "اعتباراً من مارس ستتجاوز النفقات الدخل. وبدون مانحين جدد، ستضطر الأونروا إلى وقف عملياتها في أبريل".

وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في وقت سابق من هذا الشهر على أن عمليات "الأونروا" قد تتوقف الشهر المقبل إذا استمر تعليق تمويلها من عدد من الدول المانحة. لا يحيق هذا الخطر بقطاع غزة فقط، ولكن أيضا بالمناطق الأربع الأخرى التي تعمل فيها الأونروا وهي الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) والأردن وسوريا ولبنان. 

إن قرارات تعليق التمويل للأونروا من قبل 16 دولة مانحة في حال لم يتم التراجع عنها، تهدد كما يقول مدير مكتب الاعلام في الاونروا، فادي الطيار "عملنا الإنساني المستمر في المنطقة بما في ذلك لبنان حيث يعتمد ما يقدر بنحو 250,000 من لاجئي فلسطين بشكل أساسي على خدمات الأونروا الأساسية".

أي هزة تصيب هذه الخدمات، سيكون لها كما يصف الطيار في حديث لموقع "الحرة" " ارتدادات صعبة وقاسية على مجتمع لاجئي فلسطين في لبنان، خاصة أن ما يقرب من 80% منهم هم تحت خط الفقر، ونصف اللاجئين يعيشون في مخيمات مكتظة ويعانون من ظروف صعبة لاسيما في ظل القيود المفروضة على حق العمل وحق التملك. هذه الأوضاع ازدادت سوءا في السنوات الأخيرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة التي ما يزال يواجهها لبنان".

إن قرارات وقف التمويل للأونروا دون الرجوع عنها، سيعرض بحسب الطيار "مستقبل 40,000 طالب للخطر، وسيضع على المحك خدمات الرعاية الصحية الأولية التي نقدمها لـ 200 ألف مريض يزورون مراكزنا الصحية سنوياً وهذه تشمل الاستشارات الطبية وتطعيم الأطفال وخدمات الأمومة والحوامل، وتوفير الأدوية الاساسية وخدمات أخرى".

وسيكون على المحك أيضاً "التحاويل للمستشفيات التي تغطيها الأونروا بنسب متفاوتة لحوالي 50000 مريض سنوياً. كما تقدم الأونروا خدمات الإغاثة والبنية التحتية والخدمات الصحية البيئية بما في ذلك ازالة النفايات وتوفير المياه وصيانة أنظمة الصرف الصحي. كما تقدم الأونروا المساعدة النقدية إلى 65٪ من لاجئي فلسطين في لبنان مع التركيز على أولئك الذين لا يستطيعون العمل: كالأطفال، كبار السن، المرضى المصابين بأمراض مزمنة وذوي الإعاقة".

باختصار كما يقول مدير الإعلام في الأونروا فإن "قرارات تعليق التمويل في حال لم يتم التراجع عنها تهدد بتفاقم المعاناة، وزيادة الفقر، والإحباط واليأس بين صفوف لاجئي فلسطين، وهناك مخاوف أن يقع بعضهم فريسة التطرف" ويشدد "التأثير الإنساني لذلك قد يكون جسيماً، ومن المحتمل أن تكون لذلك تداعيات على الاستقرار في لبنان، الذي يعاني أصلاً من أزمات صعبة، وعلى الاستقرار في المنطقة ككل".

تأثيرات مدمّرة

يعمل لدى الأونروا في لبنان حوالي 3500 موظف، هؤلاء الموظفون لا يعيلون عوائلهم فقط، بل يقدمون كما يقول الطيار "الدعم لعوائلهم الممتدة ويساهمون في الدورة الاقتصادية في المخيمات والبلد".

وتداعيات وقف خدمات الوكالة الأممية على المخيمات والمجتمعات اللاجئة الفلسطينية في لبنان، ستكون مدمّرة كما يرى أمين سر فصائل منظمة التحرير وحركة فتح في بيروت، العميد سمير أبو عفش، الذي يشير في حديث لموقع "الحرة" إلى "المصير المأساوي الذي ينتظر من يعتمد منهم بشكل على تقديمات الوكالة المباشرة بسبب وضعهم الإنساني".

كما يشير أبو عفش إلى "القرارات المجحفة التي أصدرتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة والتي تمنع الفلسطينيين من العمل في 72 مهنة، مما يزيد من اعتمادهم على خدمات هذه الوكالة".

ويطرح أبو عفش تساؤلات حول قدرة لبنان على تحمل مسؤولية تعليم 50 ألف طالب، وطبابة واستشفاء 240 ألف لاجئ فلسطيني، إضافة إلى توفير الخدمات الأساسية مثل المياه ورفع النفايات في المخيمات.

ويكشف عن اجتماع عقدته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لبحث احتمال توقف خدمات الوكالة الأممية وكيفية تدارك ذلك، بحضور مديرة الوكالة في لبنان دوروثي كلاوس، وممثلين عن 12 وزارة لبنانية، حيث تبين أنه "لا توجد خطة بديلة قابلة للتطبيق، فلا توجد أي جهة قادرة على القيام بدور هذه الوكالة في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين".

وهو ما يؤكده الطيار بالقول " لا يوجد أي خطة بديلة ونحن نتواصل مع الجهات المانحة آملين أن يعيدوا النظر في قراراتهم وأن يدخل متبرعون آخرون لدعم خدماتنا التي هي أشبه بالخدمات الحكومية، كما لا يوجد أي جهة أخرى لديها القدرة والخبرة على توفير مثل هذه الخدمات والتدخلات للاجئي فلسطين في لبنان".

لذلك كله، يقول أبو عفش "يتوجب علينا وعلى الجانب اللبناني مضافرة الجهود للضغط لكي تستمر خدمات الأونروا في لبنان وعدم وقف إمداداتها، لأنها مصلحة مشتركة لبنانية وفلسطينية لضمان الاستقرار والأمن".

وأمس الأربعاء، زارت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية برئاسة النائب الدكتور فادي علامة، مخيم عين الحلوة، برفقة كلاوس ومدير مكتب لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عبد الناصر الآيي.

وشدد علامة خلال الزيارة "على أهمية استمرار عمليات الأونروا في لبنان كمسألة تصب في المصلحة الوطنية ودعماً للاحتياجات الإنسانية للاجئي فلسطين، وتحدث عن الدعم الذي ستقوم به اللجنة في هذا المجال في إطار جهود المناصرة المستمرة"، كما جاء في بيان للوكالة الأممية.

وشكرت كلاوس، اللجنة على دعمها، خاصة "خلال هذه الفترة العصيبة، واقرارها بدور الأونروا الذي لا يمكن الاستغناء عنه في لبنان خدمة للاجئي فلسطين".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الأونروا فی لبنان الوکالة الأممیة خدمات الأونروا لاجئی فلسطین هذه الوکالة وقف خدمات

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء السوداني الجديد في مهمة صعبة.. كيف يواجه أصدقاء البرهان؟

الخرطوم- كان للجزيرة نت سبق الحديث إلى رئيس الوزراء السوداني الجديد الدكتور كامل إدريس قبيل دقائق من إعلان اسمه رسميا رئيسا للوزراء، إذ أكد موقفه الثابت والمتجدد بخدمة بلاده طوعا دون أي مقابل مادي، وأنه سيسكن في بيته الخاص. وتعهد إدريس بتقديم إبراء ذمة علني، يعلن فيه عن أملاكه وممتلكاته، كما سيلزم كل فريق وزرائه بملء بيانات إقرار ذمة تتم مراجعتها بعد مغادرته المنصب، وفقا لقوله.

في هذا التقرير تكشف الجزيرة نت عن تفاصيل التوافقات بين قادة مجلس السيادة السوداني والمرشح لمنصب رئيس الوزراء، كما يقف التقرير على أبرز التحديات التي تواجه القادم الجديد، ورأي القوى السياسية المؤيدة والمعارضة في هذا الاختيار.

مهمة مزدوجة

ولد كامل إدريس لأسرة من الطبقة الوسطى في مدينة أم درمان في العام 1954، وعاش حياته الأولى في حي الملازمين الشعبي بأم درمان حيث معقل طائفة الأنصار. اختار إدريس أن يجمع بين دراسة الفلسفة في جامعة القاهرة بالخرطوم، والتبحر في دراسة القانون بجامعة الخرطوم، وقد نجح في المهمة المزدوجة بامتياز، وواصل مشواره الأكاديمي وحصل على درجة الماجستير من جامعة أوهايو الأميركية، ثم الدكتوراه من إحدى الجامعات السويسرية.

إعلان

عقب ذلك التحق بوزارة الخارجية السودانية، ومن بعثة السودان في نيويورك التحق بالأمم المتحدة حتى تمّ انتخابه مديرا عاما لمنظمة الملكية الفكرية التي عمل فيها لأكثر من دورة، وبعد التقاعد تفرّغ لإلقاء المحاضرات العامة، وأسس مركزا للتحكيم في لندن حيث يعيش رفقة أسرته.

البرهان اختار إدريس بعد أن كان يشغل المنصب روساء وزراء بالوكالة (وكالة الأنباء السودانية)

لمع نجم كامل إدريس حين قاد مبادرة للتوسط في الأزمة السودانية في منتصف تسعينيات القرن الماضي حيث جمع في جنيف بين عراب حكومة الإنقاذ الشيخ حسن الترابي وأبرز معارضي الحكومة رئيس الوزراء المنقلب عليه وقتئذ الصادق المهدي.

ورغم أنه لم يكتب للمبادرة النجاح، فإن إدريس واصل جهده في محاولة جمع الشمل السوداني، ونجح في قيادة وساطة في العام 2014 أنهت اعتقال الصادق المهدي ورئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض إبراهيم الشيخ، اللذين اعتقلا وقتها بسبب انتقادهما قوات الدعم السريع.

دخل إدريس حلبة المنافسة على رئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2010 التي تلت توقيع اتفاق السلام الشامل 2005، وهي منافسة انتهت برد البضاعة إلى أهلها، حيث استمر بعدها عمر البشير في القصر الرئاسي لنحو عشر سنوات أخرى حتى قالت الجماهير كلمتها في أبريل/نيسان 2019 منهية ثلاثة عقود من حكمه.

وقبيل تقلده المنصب الجديد، أعدّ إدريس خطة لإدارة البلاد سماها "خطة مارشال لإعادة إعمار السودان"، وقبلها ألف كتاب "السودان في 2025″، لكن حينما حان التاريخ كان بلد إدريس يئن من وطأة الحرب.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها العسكريون من أعضاء مجلس السيادة عن دور لكامل إدريس في هذه المرحلة، لكن الشيطان كان يكمن في التفاصيل، إذ كان إدريس يطالب بمنحه مساحة واسعة وصلاحيات حقيقية حتى لا تنتهي مهمته بانتحار سياسي.

ووفقا لمصدر مقرب من كامل إدريس تحدث للجزيرة نت طالبا حجب هويته، كانت هذه المفاوضات جادة ومفصلة، وحددت بوضوح المساحة التي يتحرك فيها رئيس الوزراء الجديد، حيث تركت له مهمة اختيار الطاقم الوزاري، وتم رفع تدخل الجنرالات في العمل التنفيذي بإنهاء مهامهم الإشرافية على الوزارات والمؤسسات العامة. كما حددت المباحثات الرؤية الكلية لكل القضايا العامة من علاقات دبلوماسية إلى هموم الاقتصاد وما يتصل بملف الحرب في السودان.

من معركة الكرامة إلى سلام الكرامة رئيس الوزراء الجديد أمامه مهمة إنهاء الحرب حتى تعود البلاد إلى هموم البناء وتحدياته (الجزيرة)

وعن التحديات التي تواجه الرجل، قال مصدر إعلامي مقرب من رئيس الوزراء الجديد وطلب حجب هويته، إن أول التحديات تكمن في رؤية إدريس لملف الحرب في السودان. فرئيس الوزراء الجديد يرى ضرورة إنهاء الحرب بشكل مشرف للجيش السوداني حتى تعود البلاد إلى هموم البناء وتحدياته.

إعلان

لكن الباحث بأكاديمية الأمن العليا اللواء دكتور معتصم الحسن يرى، في حديثه للجزيرة نت، أن ملف الحرب خارج مهام رئيس الوزراء الجديد الذي لن يسعى لمنافسة العسكريين في مهامهم، بل ستنحصر مهامه في العلاقات الخارجية والقضايا الاقتصادية الملحة جدا.

ويذهب في الاتجاه ذاته الكاتب الصحفي عثمان ميرغني في حديثه للجزيرة نت، إذ يقول إن رئيس الوزراء غير مفوض بالملف العسكري خاصة في ظل وضع الحرب الحالي ووجود القائد العام للجيش على رأس الدولة. ويضيف ميرغني أنه ليس من مصلحة كامل إدريس الاقتراب من الملف العسكري، خاصة في ظل التقدم العسكري للجيش الذي حقق كثيرا من الانتصارات، وهذا يمثل التحدي الأول.

أما التحدي الثاني، وفقا لعثمان ميرغني المحلل السياسي والصحافي المعروف، فيكمن في إفساح المجال لرئيس الوزراء لكي يتمكن من إنزاله رؤيته إلى حيز الواقع.

غير أن صحفيا ومحللا سياسيا آخر طلب حجب هويته يرى أن إدريس باعتباره شخصا معقولا ويمتاز بخبرة في إدارة الخلافات، فإنه يمكنه تجاوز مطب إدارة الصراع مع جنرالات الجيش الطامحين والطامعين في لعب دور سياسي.

ووفقما يوضح ميرغني للجزيرة نت، فإن التحديات التي تواجه القادم الجديد لا تكمن في تحدي طموحات العسكر، بل في أصدقاء البرهان والقوى السياسية، ويقول إن هؤلاء يمثلون عائقا وتحديا حقيقيا أمام كامل إدريس، فبعضهم يتطلع إلى منصب رئيس الوزراء ذاته، كما أنهم يجيدون وضع العراقيل لتقليل حظوظ غيرهم في النجاح.

ويضيف الصحفي والمحلل السياسي محمد حامد جمعة فئة ثالثة من أنصار الحكومة الحالية ربما تحاول أن "تمارس الابتزاز في وجه رئيس الوزراء الجديد"، الذي لم يعلن عن موقف واضح من مجريات الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين.

تسوية سرية

وكان كامل إدريس قد بدأ حياته دبلوماسيا وكسب تجربة ثرة في فضاء الأمم المتحدة جعلته يميل لعقد التسويات، كما أنه نجح في وقت سابق في إبرام تسوية سرية في ملف السودان مع المحكمة الجنائية الدولية إبان ولاية المدعي العام الأسبق لويس أوكامبو، لكن مراكز القوة في حكومة الإنقاذ رفضت الصفقة، مما أدى لتعقيدات في الملف أدت لأن يكون رأس الدولة نفسه على قائمة المطلوبين للعدالة، وفقما قال مصدر مقرب من رئيس الوزراء الجديد.

إعلان

من هذه الخلفية والقدرة على الاختراق ترتفع آمال بعض المراقبين والمحللين للشأن السياسي في السودان، حيث يقول محمد حامد جمعة للجزيرة نت إنه يتوقع نجاح إدريس في الملف الخارجي باعتباره قد اختبر الميادين الخارجية خاصة في الملف الأفريقي، إذ إن هنالك مؤشرات تفيد برغبة الاتحاد الأفريقي في تجسير الهوة مع الخرطوم وطالب بحكومة مدنية في السودان.

ويضيف جمعة أن خلفية رئيس الوزراء الدبلوماسية تساعد في تقديم وجه جديد للسودان لأن العمل الدبلوماسي هو الميدان المفضل لخبرات كامل إدريس ويستطيع أن يحقق فيه اختراقا كبيرا في ظل رغبة المجتمع الدولي والإقليمي في انخراط السودان في مسار السلام.

ويتفق عثمان ميرغني مع وجهة النظر هذه ولكن بحذر، ويحدد العقدة التي قد تواجه إدريس في هذا الشأن قائلا إن "التحدي الحقيقي الذي يواجه كامل إدريس يتمثل في الدبلوماسية الرئاسية التي يقودها رئيس مجلس السيادة وتعمل بعيدا عن سياسة خارجية متوافق عليها".

ويضيف ميرغني أن هذا الازدواج جعل وزراء الخارجية في العامين الماضيين يغادرون مناصبهم سريعا لعدم قدرتهم على أداء أعمالهم في ظل هيمنة مجلس السيادة على العلاقات الخارجية.

المعارضة في وضع صامت محمد ضياء: خطوة تعيين إدريس جاءت في إطار تقاسم السلطة بينه وبين البرهان (الجزيرة)

قابلت المعارضة السياسية المقيمة بالخارج خبر تعيين إدريس رئيسا للحكومة بصمت غير متوقع، ربما لأن القرار جاء مفاجئا أو لأن المعارضة تريد أن يبرز إدريس ما بيمينه أولا. وهنا يقول الكاتب الصحفي عثمان ميرغني للجزيرة نت "كامل إدريس لديه قدرات رائعة في التواصل مع الآخر عموما، لكنه قد يواجه مشكلة غياب القواسم التي يمكن البناء عليها في التواصل مع القوى السياسية السودانية التي تجيد تحريك عارضات المرمى".

القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء يرى أن خطوة تعيين رئيس وزراء جديد جاءت في إطار تقاسم السلطة بين البرهان وإدريس من أجل إضعاف نفوذ شركاء البرهان العسكريين، حيث يعاني الشركاء من خلافات حادة. ويضيف ضياء للجزيرة نت أن الخطوة جاءت في إطار تهيئة الملعب لتسويات دولية تحت إشراف البرهان تفضي إلى مرحلة ما بعد الحرب.

إعلان

ولهذا يرى المحلل السياسي محمد حامد جمعة أن رئيس الوزراء الجديد يحتاج إلى مطبخ سياسي فعال يضبط علاقة إدريس بالقوى السياسية المعارضة التي ارتكبت أخطاء سياسية في موقفها من الحرب الدائرة، وأن يراعي هذا المطبخ الموقف الرسمي والشعبي من المعارضة في ظل المناخ العاطفي الحاد بسبب ظلال الخرب وإصرار المعارضة على فرض تصوراتها".

ماذا في جعبة الإسلاميين؟

يقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء الجديد إن بعض النافذين في الحركة الإسلامية في السودان لم يتحمسوا لاختيار كامل إدريس وكانوا ينتظرون أن يصادف الاختيار رجلا منهم، وهذا -بحسب المصدر- يفسر حالة الهياج من بعض الكتاب الصحفيين المحسوبين على الإسلاميين في السودان التي كانت واضحة خلال إعلان خبر اختيار إدريس.

ولاحقا أصدر رئيس المؤتمر الوطني المفوض أحمد هارون بيانا رحب فيه بتعيين إدريس، ووصف الاختيار بالمهمة الصعبة التي تتطلب تكاتف الصف الوطني، ونعت رئيس الوزراء الجديد بأنه سوداني يقف الموقف الصحيح من التحدي الوطني، وبأنه كفاءة وطنية مستقلة.

أما قوات الدعم السريع فالتزمت الصمت، لكن الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع قال في تغريدة على حسابه بمنصة إكس ‏بعد تعيين إدريس رئيسا للوزراء، إن الأيام القادمة حُبلى بالتطورات وقد تشهد انقلاب البرهان على حلافائه الإسلاميين استجابة لضغوط إقليمية ودولية تطالب بإبعاد الإسلاميين من المشهد العسكري والسياسي بالسودان.

على النحو ذاته مضى رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي، الذي قال في تغريدة إنه "لا قيمة لأي تعيينات سياسية في ظل الحرب وانعدام الشرعية السياسية".

يواجه كامل إدريس المعروف برجل التسويات مهمة شاقة مثل الفلاحة فوق حقل من الألغام، لكنّ السودانيين التواقين لقائد ينتشلهم من براثن الحرب ومخالب الفقر ينتظرونه بآمال كبيرة، وقد عبّر عن ذلك طبيب سوداني متخصص في جراحة الفك قائلا للجزيرة إن "كامل إدريس يمثل الفرصة الأخيرة لبلدنا".

إعلان

مقالات مشابهة

  • لبنان:اتصالات لوقف القصف الإسرائيلي خلال الانتخابات بالجنوب
  • حسين الشحات: مواجهة ميسي صعبة.. وننتظر دعم جماهير الأهلي في المونديال
  • رئيس الوزراء السوداني الجديد في مهمة صعبة.. كيف يواجه أصدقاء البرهان؟
  • الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تحضّر لاستقبال وفد من رجال أعمال بحرينيين
  • التحضير لزيارة وفد رجال أعمال بحريني إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار
  • فيلات فاخرة فوق أراضي فلاحية تفضح اختلالات الوكالة الحضرية بجماعة سيدي عبد الله غيات
  • ميسي: نمر بفترة صعبة ويجب التعافي قبل كأس العالم للأندية
  • البريك: مواجهة الهلال أمام جماهيره ستكون صعبة.. فيديو
  • مدرب نيجيريا تحت 20 سنة: سعيد بالبرونزية والمباراة كانت صعبة للغاية
  • من بغداد.. غوتيريش يوجّه الوكالات الأممية لمساندة العراق