الأسبوع:
2025-12-13@00:12:52 GMT

نيرة.. حكاية اغتيال البراءة والسقوط الأخلاقى

تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT

نيرة.. حكاية اغتيال البراءة والسقوط الأخلاقى

يا نيرة، طعم الحكاية مر، نفس الحكاية القديمة، الخير فى وجه الشر، والعتمة تمحى النور.

كأنك صوت براءة مهزوم، وحلم لم يكتمل لأب وأم كافحا طوال العمر لتحقيقه، أكاد أسمع همس خشوعك فى جوف الليل، وأشعر بجفاف حلقك وأنت تصومين طاعة لربك، أنت الفتاة الدليل على أننا نعيش في غابة مسكونة بالوحوش، وأنت كما العصفور، بريئة فوق العادة.

يا نيِّرة، طعم الحكاية مر.. وأمر ما فيها أن ختامها دم، مر المرار في المبتدأ، أبطال حكايتك الصغار، طلبة فى بداية عمرهم، في طب بيطرى بالعريش، قبح فريد، وسقوط أخلاقي مخيف، فتحوا الباب على مصراعيه لنرى بأعيننا أن الأبناء إن كان منهم مازال بخير، فهناك من ليس كذلك، بعد أن تحولت البراءة إلى مخالب، والغرور إلى بطش وظلم، وتوارت معانى الحلال والحرام، والخطأ والصواب، وتحولت المشاهد التى يمكن أن نشاهدها فى فيلم أو مسلسل تليفزيونى إلى حقيقة مفزعة، فرأينا رؤيا العين كيف يتم ترتيب عملية ابتزاز قذرة بالغش والتدليس، بتلفيق محادثات لم تحدث وسرقة صور خاصة من على الهاتف، بهدف اغتيال فتاة معنويًا إلى حد الإجبار على الاعتذار عن جُرم لم ترتكبه، تحت مشاعر الخوف من هدم المستقبل، والطرد من المدينة الجامعية، والخوف من فضيحة كاذبة!

مقتولة أو منتحرة يا نيرة؟! قد يفصح الجسد الذى أخرجوه من القبر عن الحقيقة، لكن الحقيقة الثابتة الآن أنك ودعت عالمًا قبلت فيه بالانكسار تحت وطأة اتهامات كاذبة لكنك لم تتخيلى أن يؤذيك إلى حد الموت، وموتك المفجع ليس كل المعضلة، فهناك ضمائر ماتت ولم تدفن مثلك، وأناس ظنوا أنهم لن يحاسبوا على فعلتهم، وأدلة لا يمكن استرجاعها وشكوك لا يمكن إغفالها، وأسئلة لا يمكن الصمت عنها!

مخيف كل ما نشر من حوارات وجدها أهلك على هاتفك بعد دفنك، أو نشرها زملاء لك، ما هذا؟! أى شياطين هؤلاء الذين قاموا بتلك الأفعال، أهؤلاء طلبة فى كلية الطب البيطرى حقا؟! هذه الكلية العملية التى ينشغل فيها الطلاب بالعلم والمعامل ويجتهدون فى المذاكرة ليحصلوا على النجاح أو التفوق ويفترض أن قلوبهم تعرف معنى الرفق والرحمة، لا يمكن تصديق إلا أن هؤلاء خرجوا من رحم الانحطاط، مَنْ هذا الفتى الذى شغل مجموعة الدفعة برسائل منذ بداية الليل بأنه سيقوم بنشر صور فاضحة لزميل لم يذكر اسمه "وهو يقصدك ويبتزك بذلك" وظل يلمز ويروج للفضيحة المنتظرة ويفتح باب التصويت على توقيت محدَّد تعتذرين فيه عن فعلتك التى اتهمت بها كذبا؟ كيف ظل الجميع يسايرونه ومنهم من يطلب الدخول على الخاص ليعرف اسم صاحب الفضيحة والصور التى سيتم نشرها؟!

كيف استيقظت من نومك لتكتشفي أنك معرضة للفضيحة بعد أن هددتك زميلتك من قبل بالصور والمحادثات الملفقة؟ تتساءلين بعد أن اطلعت على الأحاديث الدائرة على مجموعة دفعتك: هل أنا المقصودة حقا؟! وتجدين نفسك فى موقف قاس، وبكاؤك لا يشفع عند من تدَّعى أنك تكلمت فى حقها، فتواطأت مع صديقها وأرسلت له صورك التى أخذتها من هاتفك أو صورتها لك خِلسة، وهو الذى أدار ليلة الرعب لفتاة لا يمكن أن تتخيل أن تعرِّض نفسها لهذه المحنة وأن ينال من شرفها هذا التلفيق وهى التى اشتهرت بقيام الليل وكثرة العبادة.

تعرفين وتعرف صديقاتك المقربات أنك تواجهين فتاة تستقوى عليك، وأنك بلا حول ولا قوة، أنت ابنة الذين منتهى أملهم أن يربوا أبناءهم على أفضل وجه، يضحون ويكدون ويدفعون من دم القلب مصروفات الجامعة، ليروا ابنتهم دكتورة تملأ عليهم الدنيا، أنت البناء الذي يبنونه والأمل الذى يعيشونه والسند الذى ينتظرونه، تعلمين يا نيرة أن ما منحه لك أبوك قبل وفاتك، شحن الهاتف وتحويل مائة جنيه، قد لا يساوي قيمة ساندويتش لغيرك من أبناء الطبقة المرفهة، لكنك كنت شاكرة راضية، مجتهدة، متفوقة، فكيف تجدين نفسك محاصرة باتهامات قد تجعل والديك يظنان بك الظنون، كيف تخذلين قلبيهما الطيبين، وكيف تتركين من لا يخافون الله يمسون ظلما شرفك الغالى؟!

هل أردت إمرار العاصفة بعد أن تقطعت بك السبل؟! انكسر قلبك وأنت تعتذرين لفتى مدلل لا خُلق له وفتاة كل ما أرادته هو أن تكسر صورتك النقية وتضعك فى موضع من له زِلة لا يمكن أن يقيم بعدها رأسه، هل تعرفين يا نيرة أن مرضى القلوب وأهل النقص فقط هم من يتهكمون ويسخرون من شخص مثلك لم ير من حوله منه إلا كل خلق رفيع ونقاء قلب، لقد سخروا وتهكموا منك وتنمروا حتى على ملامحك رغم جمالك وبراءتك، فمن هؤلاء يا نيرة؟!

أشكوت واستغثت ولم يغثك أحد، أمررت بكل هذا الوقت العصيب الذى أخذ من وقت مذاكرتك وأرهق عقلك وقلبك وجعلك تشعرين بأن من لا ظهر له يمكن أن يسحقه غيره، فتقربت أكثر وأ…

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: یمکن أن لا یمکن بعد أن

إقرأ أيضاً:

فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة

منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها. 

أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.

فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود. 

ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه. 

تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.

لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى. 

ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.

ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية. 

وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.

كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.

وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين. 

وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.

ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.

إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة. 

وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.

رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.

مقالات مشابهة

  • من بلقاس إلى المسرح.. حكاية صعود المطربة أنغام البحيري
  • من «جملات كفتة» إلى كوريا.. حكاية متحولات السينما
  • «فخ» كأس العرب
  • "ساعة قبل الفجر".. نضال الشافعي في حكاية تكسر باب الصمت الزمني المخيف
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
  • الوجوه الثلاثة!!
  • صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
  • أسرار مؤلمة.. شمس تروي حكاية الطرد والصدمة والاختفاء لسنوات
  • «الخارجية» تتسلم البراءة القنصلية من القنصل العام للفلبين
  • «السيسى» وبناء الدولة