حصلت "عربي21" على وثائق تكشف المبالغ الهائلة التي تجنيها مافيا معبر رفح المدعومة من جهات سيادية في مصر، مقابل تسهيل عمليات سفر المحاصرين المضطرين للمغادرة من قطاع غزة.

وتتواصل عمليات الابتزاز ودفع الإتاوات على معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، برعاية وترتيب من جهات أمنية عليا، رغم نفي السلطات المصرية حدوث ذلك مرارا.



ويُجبر الفلسطينيون الذين يعانون ويلات حرب وحشية في غزة، على دفع مبالغ مالية كبيرة، مقابل السفر خارج القطاع، ما خلق أزمة عبور معقدة على المعبر الذي يعد النافذة الوحيدة لأهالي غزة نحو العالم الخارجي.

ترتيبات جديد بعلم الدولة
وفي خطوة للإمعان أكثر في ممارسة البلطجة والابتزاز على المعبر، أعلنت شركة "هلا" التي تعد واجهة لجهاز المخابرات العامة، ويملكها رجل الأعمال، إبراهيم العرجاني، عن افتتاح مكتب رسمي لها في مدينة نصر بالعاصمة المصرية، القاهرة، من أجل تنظيم عمليات الابتزاز، بتسجيل الراغبين بالسفر من غزة إلى مصر، نظير مبالغ كبيرة وغير مسبوقة.


ووفق شهادات لـ"عربي21"، فقد حددت الشركة أسعار التنسيق لتمكين المسافرين من المرور، ويتوجب على من يخطط للسفر دفع مبلغ مالي قدره خمسة آلاف دولار نقدا، في فرع الشركة في مدينة نصر، على أن يدفع من هم دون الستة عشر عاما ألفين وخمسمئة دولار.

وأجبرت الشركة المسافرين على الدفع مسبقا من أجل حجز موعد للسفر، وعلى الراغبين في ذلك انتداب شخص لتسليم المبلغ كاملا ونقدا في فرع الشركة، على أن يتم خصم جزء من المبلغ في حال لم يتمكن المسافر من السفر لأسباب أمنية، أما في حال تخلفه من تلقاء نفسه عن السفر، فإنه يفقد المبلغ كاملا.



والمفاجئ أن تلك الممارسات لم تقتصر على الفلسطينيين فقط، بل وصلت حد تحصيل مبالغ إضافية من المصريين العائدين من غزة إلى مصر، حيث يجبر هؤلاء على دفع ستمئة وخمسين دولارا نقدا وفي فرع الشركة أيضا، رغم أن السفارة المصرية في رام الله أعلنت منذ بدء الحرب أنها ستعمل على إجلاء المصريين في غزة، وصارت لاحقا تصدر قوائم بأسمائهم من أجل تمكينهم من العودة، لكن ذلك لم يعفهم من دفع المبلغ المذكور، رغم أنهم مصريون، وعائدون إلى وطنهم.

ووفق شهادات لـ"عربي21"، فإن دفع هذه المبالغ الكبيرة لا يعني التمكن من السفر بشكل سريع، ففي واحدة من هذه الشهادات، قال "محمود" المقيم في بلجيكا، إنه أرسل مبلغ قدره خمسة آلاف دولار لصديقه المقيم في القاهرة، من أجل تسجيل زوجته المحاصرة في غزة للسفر، لكنه تفاجأ بأن الشركة طلبت منه ألف دولار إضافية من أجل تسريع العملية، وإلا فسيضطر للانتظار شهرا على الأقل، وهذا يعني أن الشركة تحصّل مبالغ إضافية من وراء عمليات تعجيل السفر لمن يدفع أكثر.

وقال "محمود"، إنه اضطر فعلا لدفع مبلغ إضافي لتسريع السفر، وبعد نحو أسبوع تمكنت زوجته من المغادرة باتجاه القاهرة، ولاحقا وصلت إلى وجهتها النهائية في بلجيكا.


ابتزاز القطاع التجاري
ولا يتوقف نفوذ شركة هلا عند حد تمكين الأفراد من السفر مقابل المال، بل إنها تعمل أيضا في قطاع التوريد التجاري للبضائع إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح، مقابل مبالغ مالية كبيرة.

وقالت مصادر فلسطينية لـ"عربي21" إن بعض التجار في غزة يتواصلون مع الشركة ويكلفونها بشراء البضائع من السوق المصرية، ومن ثم تقوم بشحنها إلى قطاع غزة المحاصر عبر معبر رفح، وذلك مقابل مبلغ يتراوح بين خمسة وسبعة آلاف دولار مقابل كل شاحنة، فضلا عن أموال إضافية أخرى تحصلها الشركة من عمليات شراء البضائع، إذ تعمد إلى إضافة علاوة على المنتجات التي تشتريها من السوق المصرية، لصالح التجار في قطاع غزة.

وقال مصدر حكومي فلسطيني لـ"عربي21" إن الشركة المصرية المذكورة، تؤخر دخول المساعدات إلى المحتاجين في قطاع غزة، بعد أن زاحمت هذه الشاحنات، وقلصت الحصة اليومية منها، لصالح عبور قوافل أخرى للقطاع التجاري.

ولا تتمكن سوى بضع عشرات من شاحنات المساعدات من العبور يوميا إلى قطاع غزة، الذي يحتاج يوميا إلى أكثر من ستمئة شاحنة لضمان استمرار الحياة، ولكن من هذه الحصة اليومية تقوم الشركة بتنسيق عبور 12 إلى 17 شاحنة تجارية إلى القطاع الذي يعاني الجوع والحصار جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 150 يوما.

كم جنت مافيا المعبر؟
واستنادا إلى كشوفات المسافرين التي حصلت "عربي21" على عدة نسخ منها، فإنه يبلغ متوسط عدد المغادرين الفلسطينيين من غزة بواسطة تنسيقات شركة هلا حوالي 275 شخصا يوميا، بين بالغين وأطفال، ما يعني أن مبالغ مالية هائلة تجنى من هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لدفع إتاوات باهظة ليتمكنوا من السفر.



ووجدت "عربي21" أن حوالي 90 مصريا في المتوسط، يتمكنون من السفر من غزة يوميا عبر الآلية ذاتها، بين بالغين وأطفال، استنادا إلى كشوفات سفر تتعلق بالجالية المصرية في غزة. 



وقال فلسطينيون ومصريون لـ"عربي21" إنهم أجبروا على دفع رسوم إضافية غير تلك التي حددتها الشركة، بهدف تسريع عمليات سفرهم، وإلا ستوضع أسماؤهم في ذيل قوائم المسافرين، وربما تتأخر لأسابيع وأشهر في حال لم يدفعوا مبالغ أخرى غير السابقة، تراوحت بين 700 و1000 دولار.

وأظهرت بيانات حللتها "عربي21" أن الشركة تجمع يوميا أكثر من مليون ونصف المليون دولار من وراء عمليات الابتزاز التي تمارسها على الفلسطينيين في معبر رفح، سواء من حركة الأفراد المسافرين، أو من حركة دخول الشاحنات التجارية إلى غزة. ما يعني أنها حصلت على ما يزيد على الـ225 مليون دولار منذ بدء الحرب والعدوان على غزة قبل 150 يوما.


لمن تتبع شركة "هلا"؟
وقد دشن العرجاني شركة هلا للسياحة في عام 2021 في أعقاب معركة سيف القدس، كجزء من شروط تخفيف المعاناة عن أهالي غزة وتسهيل خروجهم من القطاع، والشركة تعد تابعة لجهاز المخابرات العامة.

وفي مقابلة له مع موقع "اليوم السابع" عام 2014، قال العرجاني إن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية يمتلك 51 في المئة من أسهم الشركة، بالشراكة مع شركتين يملكهما جهاز المخابرات العامة. 

ومع تصاعد الانتقادات، فقد نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، في تصريحات نقلتها وكالة "أنباء الشرق الأوسط"، ما أسماه "مزاعم التحصيل الرسمي لأية رسوم إضافية على القادمين من غزة"، وكذلك ما أثير عن "تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".

وإزاء تلك الأوضاع التي وصفها البعض بـ"الفضيحة"، واعتبروها جريمة لا تقل عن جرائم الإبادة الدموية الإسرائيلية وأكدوا أنها "متاجرة بالدماء الفلسطينية"، يجدر التساؤل حول أسباب إنكار السلطات المصرية وتجاهلها لعمليات الابتزاز تلك.

موقع للابتزاز والفساد
وفي تعليقه على تلك التساؤلات، وعلى الإنكار المصري، قال مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير الدكتور عبدالله الأشعل: "عادة تلتزم السلطات الصمت في الأمور الخطيرة الصحيحة".

وفي حديث سابق لـ"عربي21"، أضاف: "معبر رفح لا يزال موقع ابتزاز، ومصدرا للفساد، وهو جزء من صور الفساد الكبرى الشائعة على جميع الألسن".


وتساءل: "ماذا يُنتظر من السلطات؛ أتعترف؟ أم تنكر، وتكون كاذبة؟ ومعاذ الله أن تكون كاذبة".
السياسي المصري والمرشح الرئاسي الأسبق، يرى أن "فساد رجال المعبر ليس فرديا وإنما ظاهرة عامة في مصر كلها".

من جانبه، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، إن "محاولات التربح من حصار غزة ليست جديدة، فهي بدأت منذ العام 2007، عبر أخذ عمولات على التهريب من الأنفاق، ثم للسماح بمرور الأفراد من معبر رفح".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى مولانا، أن "الجديد، هو استثمار المعاناة (معاناة الفلسطينيين) في مضاعفة المبالغ المطلوبة إلى ثلاثة وأربعة أضعاف".

ويعتقد أن "استمرارية ذلك تشير إلى أنه يحدث بإشراف قادة في الأجهزة السيادية، ممن يتربحون من معاناة الشعب الفلسطيني".

وأضاف: "ولعل هذا أحد أبرز دوافع التضييق على التنقل عبر معبر رفح، فمن جهة لإرضاء إسرائيل، ومن جهة أخرى لمراكمة الثروات الشخصية من المال الحرام".

وأكد الباحث المصري، أن هذا "يبرهن على أن الفساد في مصر مؤسسي، ولذا فإنه يتراجع تصنيفها باستمرار ضمن مؤشرات النزاهة والشفافية الدولية".

وأوضح أنه "سواء كان هذا ضمن مخطط إيجاد بيئة دافعة للتهجير قسريا أم لا، فإن النتيجة واحدة، وهي تحويل غزة إلى سجن يُقتل فيه السكان بتعاون إسرائيلي مصري".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية معبر رفح غزة الابتزاز الفلسطينيون المخابرات شركة هلا فلسطين غزة المخابرات معبر رفح ابتزاز المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معبر رفح قطاع غزة من السفر من غزة من أجل فی غزة

إقرأ أيضاً:

إنتل توقف توسعة بقيمة 25 مليار دولار لمصنعها في إسرائيل

ذكر موقع "كالكاليست" الإسرائيلي للأخبار المالية، الاثنين، أن شركة "إنتل" لصناعة الرقائق قررت وقف عملية توسعة بقيمة 25 مليار دولار لمصنعها في "إسرائيل".

ولم تؤكد الشركة هذا التقرير أو تنفيه، بحسب وكالة "رويترز".

وردا على سؤال عن التقرير، أشارت الشركة إلى الحاجة إلى تعديل مواعيد المشروعات الكبيرة وفقا للجداول الزمنية المتغيرة بدون إشارة مباشرة إلى المشروع.

وقالت في بيان: "لا تزال إسرائيل أحد مواقعنا الرئيسية للصناعات التحويلية والبحث والتطوير في العالم، وسنظل ملتزمون تماما تجاه المنطقة".

وأضافت: "إدارة المشروعات الكبيرة، وخاصة في مجالنا، غالبا ما تشمل تعديلات وفقا للجداول الزمنية المتغيرة. وتعتمد قراراتنا على ظروف العمل وحركة السوق والإدارة المسؤولة لرأس المال".

ووافقت الحكومة الإسرائيلية في كانون الأول/ ديسمبر على منح "إنتل" 3.2 مليار دولار لبناء مصنع رقائق بتكلفة 25 مليار دولار.

وقالت الشركة من قبل إن المصنع المقترح إقامته بموقعها في مستوطنة كريات جات حيث يوجد لها مصنع شرائح قائم "جزء مهم من جهود إنتل لتعزيز سلسلة توريد عالمية أكثر مرونة" بالإضافة إلى استثمارات الشركة في أوروبا والولايات المتحدة.

وتدير "إنتل" أربعة مواقع للتطوير والإنتاج في "إسرائيل" تشمل مصنعها (فاب28) للصناعات التحويلية في كريات جات. وينتج المصنع تقنية إنتل 7 أو رقائق حجمها عشرة نانومترات.

وكان من المقرر افتتاح المصنع (فاب38) في 2028 وتشغيله حتى عام 2035.

وتوظف إنتل ما يقرب من 12 ألف شخص في "إسرائيل".


يأتي ذلك في ظل تراجع واضح لقطاع "الهايتك" في "إسرائيل منذ العدوان على غزة وتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط.

وكشفت ذات الصحيفة عن رسالة لعاملين في شركات "الهايتك"، الأسبوع الماضي، إلى رئيس الحكومة ووزير المالية ووزير الاقتصاد الإسرائيليين، حذّروا فيها من هروب وظائف "الهايتك" من "إسرائيل" إلى خارجها، وأوضحوا أنّ عدداً قليلاً من الشركات التكنولوجية الناشئة بقيت تعمل في "إسرائيل" بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023،  إذ بات أصحاب المشاريع يفتتحون شركات في الخارج.

وتضيف الرسالة: "مع مرور الوقت، يدور الحديث عن احتمال نقل 20 بالمئة تقريباً من القوة البشرية من الصناعة المحلية إلى أماكن مختلفة في العالم". نتائج إجراء كهذا، ستشكل ضربة قاصمة لقطاع "الهايتك" الإسرائيلي، وبالتالي خسارة "إسرائيل" للضريبة من هذا القطاع، ستكون فورية وسيئة، وقد يؤدي ذلك أخيراً إلى هجرة قوية للإسرائيليين على المدى القريب".

مقالات مشابهة

  • التفاصيل الكاملة لإفلاس شركة FTI السياحية
  • أزمة كهرباء العراق مؤامرة تقف خلفها مافيا المولدات.. ماذا تقول الطاقة النيابية؟
  • بعد إفلاس شركة سياحية شهيرة.. 11 ألف سائح أوروبي في ورطة كبيرة بفنادق مصر
  • إنتل توقف توسعة بقيمة 25 مليار دولار لمصنعها في إسرائيل
  • "مجلس السفر العالمي" يتوقع نموًا هائلاً للسياحة في السعودية
  • إنتل تلغي استثماراً بـ 25 مليار دولار في إسرائيل
  • "إنتل" توقف توسعة بـ25 مليار دولار لمصنعها في إسرائيل
  • وقف إطلاق النار بغزة وإعادة فتح معبر رفح تتصدران المباحثات المصرية الأمريكية
  • بوخزام: الانفلات الأمني في ليبيا هو السبب الرئيسي وراء إغلاق معبر رأس اجدير
  • بعد إفلاس مجموعة السفر الألمانية FTI.. ما موقف مستحقات الفنادق وشركات السياحة المصرية؟