لجريدة عمان:
2025-12-13@03:25:21 GMT

محو الأمية في الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

دائما ما كانت هناك أمية يعاني منها البشر لفترات قد تطول أو تقصر مع كل وسيلة من وسائل التواصل والمعرفة. ودائما ما كانت التكنولوجيا الجديدة تترك الملايين من الناس في الخلف، نتيجة عدم قدرتهم على استيعابها وحرمانهم من تعلم مهارات التعامل معها والاستفادة منها لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. من هنا ظهرت برامج محو الأمية التي بدأت بمحو الأمية الهجائية (تعلم القراءة والكتابة)، التي ما زالت قائمة في العديد من دول العالم بنسب تتراوح بين 2 إلى 90 بالمائة من السكان، وبعدد يصل إلى 763 مليونا، منهم نحو 70 مليون أمي في العالم العربي، وفقا لإحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الكسو».

وما زالت تلك الأمية رغم انتشار التعليم في تزايد مستمر نتيجة عوامل متعددة مثل الفقر والحروب والنزاعات العالمية. وعلى سبيل المثال ورغم إنفاق الملايين على برامج محو الأمية، فقد زاد عدد الأميين هجائيا في الدول العربية من حوالي 61 مليونا سنة 2016 إلى ما يقارب 70 مليونا سنة 2020 أمّي وأمّية من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، وتتوقع المنظمة وصول هذا العدد إلى 100 مليون أمي وأمية في عام 2030. ومن هنا تتسع وتتضخم الفجوة المعرفية التي تجعل الفقراء معرفيا أكثر فقرا، بينما يزداد الأغنياء معرفيا غنى.

بعد ظهور الإنترنت وانتشارها في العالم بدأ الحديث عن الأمية الرقمية، التي أحدثت فجوة داخل الدولة الواحدة، وبين الدول بعضها البعض، في تبني واستخدام التكنولوجيا الجديدة والاستفادة من ثمارها المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وتعرف اليونسكو الأمية الرقمية بأنها «عدم القدرة على الوصول والإدارة والفهم والتكامل والتواصل وتقييم وإنشاء المعلومات بشكل آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية». وقد صممت الدول والمنظمات الدولية المعنية برامج لمحو الأمية الرقمية تستهدف تأمين وصول أكبر عدد ممكن من الناس إلى شبكة الإنترنت، واستخدام منصات الإعلام الرقمي ومصادر المعرفة الرقمية. ولم تنجح تلك البرامج في تضييق الفجوة الرقمية، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى دول ومناطق العالم، فمازالت الفجوة قائمة بل وتتسع بين العواصم والمدن الكبرى وبين الأقاليم البعيدة داخل الدولة الواحدة، وما زالت قائمة أيضا وتتسع بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة وبشكل عام بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية.

ومع ظهور برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ظهر الضلع الثالث من أضلاع مثلث الأمية، وهو أمية الذكاء الاصطناعي والتي تبدو أكثر تعقيدا من سابقيها. والواقع أنه منذ أن أصبح ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي سائدًا مع مولدات النصوص والصور والفيديو، شعر المستخدمون أو المتبنيون الأوائل لتلك التكنولوجيا بالقلق من الإجابات الخاطئة أو غير المترابطة وغير الموثقة والمتلاعب بها التي تقدمها برامج الذكاء الاصطناعي، بينما كان من المفترض أن تُحدث روبوتات الدردشة ثورة في حياتنا من خلال كتابة رسائل البريد الإلكتروني، وكتابة بطاقات عيد الميلاد، ورسائل التهنئة وعبارات التأبين، إلى جانب تبسيط نتائج البحث، وإبقائنا على اتصال مستمر بالمعارف الصحيحة والموثوق بها في مختلف مجالات الحياة.

ومن المسلم به، وكما يقول خبراء الذكاء الاصطناعي، فإن ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة مثل نقلة نوعية كبيرة في الاتصال الرقمي، وثبت من خلال برامجها العديدة أنها تقنية قوية ذات استخدامات مفيدة للبشرية. في المقابل فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي الكبيرة والمثيرة للجدل، جاءت مصحوبة بجدل واسع حوله نتيجة الاختراقات الأخلاقية الضخمة التي تسبب فيها، والتي دفعت الكثير من المراقبين إلي التعبير عن مخاوفهم منه ويطالبون بوقف تطوير برامجه لمدة تصل إلي خمس سنوات يقوم خلالها العالم بوضع قوانين وعهود دولية ملزمة لحدود التعامل معه سواء على مستوى التطوير أو على مستوى الاستخدام، بعد أن ثبت أنه يتم استخدامه على نطاق واسع في تزييف الحقائق والدعاية السوداء كما حدث في التلاعب الذي تم كشفه في فيديوهات حرب غزة، والتي ثبت أنها تندرج ضمن التزييف العميق الذي توفره برامج الذكاء الاصطناعي.

لا يزال محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في بداياته، على أساس أنه ما زال يمر بفترة انتقالية تتطلب دائمًا فترة من التكيف البشري معه، وتعليم استخدامها الرشيد للناس. ولذلك أصبح تعليم مهارات التعامل مع برامج وآليات الذكاء الاصطناعي ضرورة عالمية ووطنية خاصة في ظل الخطر الوجودي الذي تمثله تلك البرامج والآليات على البشر، إذا استمر في مساره الحالي المتسارع، الذي قد ينتهي بخروجه عن سيطرة البشر. ويتوقع بعض الخبراء أن يطغى عالم الذكاء الاصطناعي على قدرة البشر خلال عام واحد أو عامين أو خمس سنوات على اكثر تقدير.

وفي تقديري أن نقطة البدء في محو أمية الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبدأ بالتركيز على تعلم الكشف عن الصور المزيفة أو لقطات الفيديو التي يتم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي لنسبة أفعال إباحية لبعض الأشخاص وابتزازهم وهو ما يتفق الجميع على كونها أمرا سيئا يجب إيقافه. وإذا تمكن العالم من التعامل الصارم مع التزييف العميق، فقد تتاح له الفرصة للتصدي للمخاطر التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. والواقع أن المدخل المناسب للتعامل مع هذا التزييف الذي تضيع بسببه الحقيقة، ليس ملاحقة المستخدمين النهائيين فقط، وهو ما يحاول الأشخاص الذين يستفيدون ماليًا من وجود التزييف العميق الترويج له، وهم من يجب استهدافهم مع غيرهم ممن يشاركون في صناعة وبناء هذه التكنولوجيا. لا يكفي إذن معاقبة الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا الضارة، ويجب أن يشمل العقاب الأشخاص الذين ينتجونها، والذين يوزعونها، والذين يستضيفونها على مواقعهم وتطبيقاتهم.

في مارس من العام الماضي، انتشر مقطع فيديو يظهر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وهو يطلب من شعب أوكرانيا إلقاء أسلحتهم والاستسلام لروسيا. لقد كان التزييف العميق واضحا جدا في مقطع الفيديو الذي استخدم فيه الذكاء الاصطناعي لتبديل الوجوه أو إنتاج نسخة رقمية لصورة شخص ما. ولكن لأن تطورات الذكاء الاصطناعي تجعل من إنتاج فيديوهات التزييف العميق أمرا سهلا، فقد بات اكتشافها بشكل سريع أمرا أكثر أهمية وإلحاحا.

خلاصة القول إن العالم أمام مفترق طرق وخيارات محدودة للغاية في التعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي وخفض خطورتها الواضحة على الدول والمجتمعات، إما أن ينظم هذا المجال بحيث يرشد تطويره ونتائجه أو أن يترك الأمور على ما هي عليه مما قد يؤدي على المدى المتوسط إلي فوضى أخلاقية وطغيان الآلة على البشر. وحتى تصبح برامج محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي متاحة على المستوى الوطني فإن ما ننصح به هو ألا تثق أبدًا في أن النموذج الذي تستخدمه للإجابة عن أسئلتك والحصول على المعلومات سوف يقدم إجابة صحيحة. فكل ما تقدمه لك حتى الآن كما يقول بعض الخبراء هو «هراء متماسك» يقدمها في لغة تبدو موثوقة ولكنها في الواقع ليست سوى «ثرثرة»، إذا مررت نتائجها إلى الآخرين دون التحقق من صحتها، فقد ينتهي بك الأمر إلى مشاركة أشياء غير صحيحة أو مسيئة.

أ.د. حسني محمد نصر كاتب وأكاديمي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التزییف العمیق محو الأمیة التعامل مع على مستوى بین الدول

إقرأ أيضاً:

هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي الاقتصادات المتقدمة من أعباء الديون؟

كينيث روجوف / ترجمة - فاخرة الراشدية -

لا يوجد شك بأن الذكاء الاصطناعي يُغير الاقتصاد العالمي اليوم بوتيرة متسارعة، لكن هل للحد الذي يُنقذ الدول الغنية من ضغوط الديون المتزايدة؟ لا سيما مع تفاقم العبء على برامج الرعاية نتيجة شيخوخة السكان، وإن يكن كذلك، فهل يمكن لهذه الدول أن تدير عجزًا ماليًا أكبر، وكأنها تحمّل الأجيال القادمة عبء الديون الحالية؟

بالتأكيد أن التقييم المتفائل للتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي قد رفع أسواق الأصول خلال السنوات الماضية، ويتجلى ذلك بشكل لافت في أسواق الأسهم التي تواصل صعودها، رغم الشلل السياسي في فرنسا، وإغلاق الحكومة والتدخلات في استقلالية البنك المركزي في الولايات المتحدة، فضلًا عن هجرة الكفاءات عالية المهارة من المملكة المتحدة. مع أنني لطالما جادلت بأن الذكاء الاصطناعي سيحل في نهاية المطاف مشكلة ضعف النمو في الاقتصادات المتقدمة، إلا أنني حذرت أيضًا من أن العديد من العقبات المحتملة قد تبطئ وتيرة هذا التحول. ومن العوامل المادية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية العديدة التي يجب أخذها في الاعتبار، إمدادات الكهرباء، وحقوق الملكية الفكرية، ونقص الكفاءات الماهرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والحاجة إلى إنشاء نظام شامل يحكم كيفية تواصل روبوتات الدردشة وتبادل المعلومات، بما في ذلك آلية التسعير. وقد استثمرت شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ طائلة للهيمنة على السوق (إذا سمحت الحكومات بذلك)، واستعدادها لاستنزاف الأموال مقابل المستخدمين والمعلومات، وربما في المستقبل غير البعيد، ستحتاج هذه الشركات إلى إنشاء مصادر دخل وعلى الأغلب سيكون ذلك عبر الإعلانات، تمامًا كما فعلت شركات التواصل الاجتماعي من قبل.

على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أشارت إلى تبني مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن المسائل الشائكة المتعلقة بكيفية ترميز الأحكام الأخلاقية في هذه النماذج، والتي تقع حاليًا ضمن اختصاص مجموعة صغيرة من المطورين، ستُعالج في نهاية المطاف من قِبل الكونجرس الأمريكي والمحاكم، وكذلك من قِبل السلطات في دول أخرى. ومع ذلك، فإن أكبر موجة اعتراض ستصدر على الأرجح من مئات الملايين من العاملين في الوظائف المكتبية الذين ستطيح بهم هذه التكنولوجيا، ليصبحوا القضية السياسية الجديدة، تمامًا كما كان عمّال المصانع في العقود الماضية، وعمّال الزراعة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

أي شخص يعمل على الحاسوب معرضٌ للأتمتة، والاعتقاد بأن عددًا قليلًا من الشركات يمكنه استبدال جزء كبير من القوى العاملة دون أي اضطرابات سياسية ليس سوى ضربًا من الخيال. فباستثناء حدوث تحوّل سلطوي جذري، سيكون الاضطراب الاجتماعي أمرًا لابد منه، وهو ما سيمنح مادة سياسية قوية لشخصيات مثل زهران ممداني السياسي الاشتراكي وعمدة نيويورك البالغ من العمر 33 عامًا، خاصة في ظل تأثير الذكاء الاصطناعي على تقليص فرص العمل أمام الأجيال الشابة. إلى جانب ذلك، هناك حقيقة مقلقة تتمثل في تركيز العديد من التطبيقات الأكثر تقدمًا للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، ما قد يشعل سباق تسلح واسع النطاق، وربما يؤدي إلى انتشار حروب تُدار بأنظمة قتالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تشمل جيوشًا من الطائرات المسيّرة. كما أن الانقسامات والصراعات الجيوسياسية تضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل، ومن المحتمل أن تُضعف الإيرادات الضريبية بقدر ما قد تعززها. ومن جهة أخرى، قد يمنح الذكاء الاصطناعي دولًا صغيرة وجماعات إرهابية القدرة على الوصول إلى أبرز العلماء في مجالي الفيزياء والبيولوجيا بضغطة زر واحدة. وأخيرًا، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، رغم إنكاره المستمر لتغير المناخ، لا تعني أن التهديدات التي يشكلها الاحتباس الحراري العالمي قد زالت، حيث من المتوقع أن تتصاعد تكاليف تغير المناخ غير المنضبط بشكل حاد خلال العقود القادمة، ما لم يتمكن أسياد الذكاء الاصطناعي من حل المشكلة، رغم توصلهم إلى أن الحل يكمن في تقليل عدد السكان بشكل كبير.

ومن المغالطة أن فكرة ظهور الذكاء الاصطناعي العام، بعد فترة انتقالية طويلة وسيئة، سيحل جميع مشاكل العالم الغني. فحتى لو عزز الذكاء الاصطناعي العام النمو الاقتصادي، فمن شبه المؤكد أنه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في حصة رأس المال في الناتج، وانخفاض مماثل في حصة العمالة. في الواقع، يشهد سوق الأسهم ازدهارًا لأن الشركات تتوقع انخفاض تكاليف العمالة. وبناءً على ذلك، لا يمكن ترجمة توقعات الأرباح المرتفعة المنعكسة عن ارتفاع أسعار الأسهم على أنها نمو اقتصادي شامل.

ويعيدنا هذا إلى مسألة الدين الحكومي، حيث لا يوجد ما يدعو إلى افتراض أن النمو الناتج عن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة مُماثلة في عائدات الضرائب الحكومية، مع أن هذا الافتراض يُعد مُنطقيًا في الماضي. فحصّة رأس المال باتت أكثر تركّزًا في أيدي فئة محدودة تمتلك نفوذًا سياسيًا واسعًا، كما أن رأس المال نفسه قادر على الانتقال بسهولة عبر الحدود بحثًا عن بيئات ضريبية أقل تكلفة، ما يجعل فرض الضرائب عليه أصعب بكثير مقارنة بضرائب العمالة.

وبالرغم من أن رفع الحواجز الجمركية قد يحدّ نظريًا من هذا الهروب الرأسمالي، فإن مثل هذه السياسات ستنعكس سلبًا على اقتصادات الدول نفسها في نهاية المطاف. صحيح أن الذكاء الاصطناعي يقود تحولًا واسعًا، وأصبح بالفعل عاملًا محوريًا في تسريع سباق تسلّح جديد بين الولايات المتحدة والصين مع اعتماده المتزايد في الأنظمة العسكرية المتقدمة، إلا أنه سيكون من المغامرة أن تفترض الاقتصادات المتقدمة أن هذه التقنية قادرة وحدها على معالجة مشكلات الميزانيات العامة التي عجز السياسيون عن حلّها.

كينيث روجوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة هارفارد

مقالات مشابهة

  • مسؤول بالاتحاد الدولي للصحفيين: اختيار مهندسي الذكاء الاصطناعي كشخصية العام اعتراف عالمي بقوة التقنية وتأثيرها المتصاعد
  • إنوفيرا تطلق برامج تدريبية متقدمة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني
  • الإيسيسكو تعلن عن مؤشرًا لقياس جاهزية الذكاء الاصطناعي
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
  • كاسبرسكي تكشف حملة سيبرانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء مواقع مزيفة تنتحل Syncro
  • كاسبرسكي تكشف عن مواقع إلكترونية مولّدة بالذكاء الاصطناعي تُستخدم في نشر برمجيات خبيثة
  • هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي الاقتصادات المتقدمة من أعباء الديون؟