أدلة مرئية على التوسع الاستيطاني غير القانوني في الضفة منذ أكتوبر
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
خلص تحقيق أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن مستوطنين إسرائيليين عمدوا منذ السابع من أكتوبر لبناء طرق وبؤر استيطانية غير قانونية بسرعة في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وقالت الصحيفة إن هذا العمل يجري أحيانا تحت حراسة مسلحة وبتمويل جزئي من قبل الحكومة الإسرائيلية.
من بين المناطق التي شهدت هذه الأعمال، بلدة فرخة الصغيرة الواقعة في محافظة سلفيت شمالي الضفة الغربية المحتلة.
تظهر الصور التي نشرتها الصحيفة طريقا أنشئ بعد أيام من هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس على بلدات إسرائيلية جنوبي قطاع غزة.
قالت الصحيفة إن الطريق ظهر بعد ثلاثة أيام فقط من الهجوم وهو واحد من 15 طريقا أنشئت مؤخرا في خمس مستوطنات غير قانونية بنيت بشكل سريع مؤخرا في الضفة الغربية.
وفقا للصحيفة فقد جرى إنشاء هذه الطرق خلال بضعة أيام فقط بتمويل جزئي من قبل الحكومة الإسرائيلية.
الصحيفة ذكرت أن مقاطع فيديو جرى التحقق منها وشهادات سكان محليين أظهرت أن آليات لا تحتوي على أية علامات، وغالبا ما تكون تحمت حماية مسلحة، هي من تقوم بهذه الأعمال.
وتبين الصحيفة أن العديد من المستوطنين ذكروا أن إنشاء هذه الطرق يهدف لتجنب المواجهات مع الفلسطينيين، فيما تشير الحكومة الإسرائيلية إلى أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة في حال كان هناك عمليات بناء غير قانونية، لكنها رفضت في الوقت مراجعة النتائج التي توصل إليها التحقيق.
وكانت منظمة "السلام الآن" غير الحكومية الإسرائيلية ذكرت في تقرير جديد نشرته في يناير أن عدد المستوطنات العشوائية والطُرق الجديدة المقامة للمستوطنين قد ازداد "بشكل غير مسبوق" في الضفة الغربية المحتلة منذ بداية الحرب في قطاع غزة.
واستنادا إلى هذه المنظمة، أقيمت تسع "بؤر استيطانية" في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
وشهدت الضفة الغربية التي يحتلها الجيش الإسرائيلي منذ عام 1967، ارتفاعا حادا في أعمال العنف منذ بداية الحرب في غزة، وزيادة في أنشطة بعض المستوطنين الهادفة إلى "تهميش" الفلسطينيين هناك، وفق منظمة "السلام الآن".
ويعيش نحو ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة التي يسكنها أيضا 490 ألف إسرائيلي يعيشون في مستوطنات تعترف بها إسرائيل لكنها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وإضافة إلى هذا العدد "القياسي" من المستوطنات العشوائية الجديدة على مدى ثلاثة أشهر، سجلت "السلام الآن" أيضا "رقما قياسيا" يتمثل بـ"18 طريقا جديدا تم تعبيدها أو السماح بها من جانب مستوطنين".
وقالت المنظمة إن الحرب المستمرة منذ ثلاثة أشهر في غزة "يستغلها مستوطنون لتثبيت حالة أمر واقع على الأرض وبالتالي السيطرة على مساحات أكبر من المنطقة (ج)"، وهي جزء من الضفة الغربية تتركز فيها المستوطنات.
ويشغل عدد من المؤيدين للاستيطان حاليا مناصب وزارية في حكومة بنيامين نتانياهو، وهو ما يسهم أيضا في إيجاد "بيئة سياسية" مواتية لتطوير مشاريع بعض المستوطنين، حسب تقرير "السلام الآن".
وقالت منظمة "يش دين" الإسرائيلية غير الحكومية هذا الأسبوع إن أعمال العنف التي ارتكبها مستوطنون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية سجلت رقما قياسيا عام 2023. وسجلت الأمم المتحدة من جهتها أيضا 1225 هجوما شنها مستوطنون ضد فلسطينيين خلال العام ذاته.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات في أوائل ديسمبر على عشرات المستوطنين الذين باتوا ممنوعين من دخول الأراضي الأميركية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الحکومة الإسرائیلیة فی الضفة الغربیة غیر قانونیة السلام الآن
إقرأ أيضاً:
إعادة هندسة الضفة الغربية
مقدمةتمثل الضفة الغربية إحدى القضايا المركزية في الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تخضع لعمليات تغيير جذرية في بنيتها الجغرافية والديمغرافية بفعل السياسات الإسرائيلية المستمرة التي تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض؛ يتجلى ذلك من خلال المستوطنات، والجدار العازل، وتهجير السكان الفلسطينيين، وتحكم إسرائيل في الموارد الطبيعية والبنية التحتية، وفصل المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض. هذه التغيرات تعيد تشكيل الضفة الغربية بطرق تؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية، وتمثل تحديا أمام أي حل سياسي مستقبلي.
توسع المستوطنات
مع استمرار بناء المستوطنات، تزداد أعداد المستوطنين الذين يتمتعون بدعم حكومي إسرائيلي وحوافز مالية مغرية، هذا التوسع يقلب التوازن السكاني في الضفة الغربية ويزيد من تعقيد أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، حيثُ يعد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية أحد أبرز الأدوات الجغرافية التي تغير ملامح المنطقة. فمنذ عام 1967 أقامت إسرائيل مئات المستوطنات ووسعتها بشكل كبير، حيث يعيش اليوم أكثر من 900 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، تترافق هذه التوسعات مع بناء طرق التفافية تربط المستوطنات بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ما عمل على عزل المناطق الفلسطينية وصعوبة ربطها ببعضها البعض.
تواصل إسرائيل استخدام أساليب متنوعة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مستغلة وسائل قانونية وعسكرية واقتصادية لفرض واقع ديموغرافي جديد
الجدار العازل أداة احتلال أم أمن؟
بدأت إسرائيل في بناء الجدار العازل في الضفة الغربية عام 2002 بحجة منع الهجمات المسلحة من المقاومة الفلسطينية في أراضي 1948، لكنه سرعان ما تحول إلى وسيلة لضم وسرقة الأراضي الفلسطينية، حيثُ يمتد الجدار لأكثر من 700 كيلومتر، ويمرّ في عمق الضفة الغربية، مما يعزل آلاف الفلسطينيين عن أراضيهم وأماكن عملهم ومدارسهم وحتى عزل العائلة الواحدة. وأدى بناء الجدار إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية كما حاصر مدنا وقرى فلسطينية، مما زاد من صعوبة تنقل السكان في القدس، والأهم من ذلك أنه عزل أحياء فلسطينية بأكملها عن باقي الضفة، مما أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكانها.
من الناحية القانونية، اعتبرت محكمة العدل الدولية عام 2004 أن الجدار غير شرعي، ودعت إلى إزالته وتعويض الفلسطينيين المتضررين، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي ضربت القرار بعرض الحائط كما عادتها. ويُنظر إلى الجدار على نطاق واسع كأداة لتعزيز الاحتلال وتقليص فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة، حيث يفرض واقعا جديدا على الأرض ويجعل حل الدولتين أكثر تعقيدا، وقد أصبح الجدار رمزا جديدا للفصل العنصري، ما يعكس هدفه في تغيير التركيبة الجغرافية لصالح إسرائيل.
السيطرة على الموارد الطبيعية
تُحكم إسرائيل سيطرتها على مصادر المياه الرئيسة في الضفة الغربية مثل الحوض المائي الجوفي، ما أدى إلى تقليص حاد في حصة الفلسطينيين من المياه العذبة، كما أن مناطق الأغوار التي تشكل سلة غذاء الضفة الغربية لا زالت تخضع لسيطرة إسرائيلية مشددة مما أعاق التنمية الزراعية الفلسطينية، إضافة لذلك فإن السلطات الإسرائيلية تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الغنية بالمعادن في الضفة الغربية، بالإضافة إلى استغلال الغاز الطبيعي في الأراضي الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة الغربية، بينما يُمنع الفلسطينيون من تطوير مواردهم، هذه السيطرة حدتّ من التنمية الفلسطينية وأبقت الفلسطينيين في حال تبعية اقتصادية.
أساليب جديدة لتهجير الفلسطينيين
تواصل إسرائيل استخدام أساليب متنوعة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مستغلة وسائل قانونية وعسكرية واقتصادية لفرض واقع ديموغرافي جديد، من أبرز هذه الأساليب إصدار أوامر هدم للمنازل بحجة عدم وجود تصاريح بناء، رغم أن إسرائيل نادرا ما تمنح الفلسطينيين هذه التصاريح، مما يجبرهم على مغادرة مناطقهم.
بالإضافة إلى ذلك، توسع إسرائيل المستوطنات الإسرائيلية بوتيرة متسارعة، حيث تستولي على الأراضي بالقوة وبدعم حكومي بقيادة سموتريتش، وتحرم السكان من حقهم في السكن والزراعة بتصعيد عنف المستوطنين ضد القرى الفلسطينية تحت حماية الجيش الإسرائيلي، لإجبار السكان على الرحيل خوفا على حياتهم.
من الناحية الاقتصادية، تفرض إسرائيل قيودا مشددة على حركة الفلسطينيين، مما يعيق وصولهم إلى أماكن العمل والخدمات الصحية والتعليمية، ويدفع البعض إلى الهجرة بحثا عن حياة أفضل وأكثر أمنا، كما تُستخدم القوانين العسكرية لطرد السكان مثل تصنيف أراضٍ زراعية فلسطينية كمناطق عسكرية مغلقة أو محميات طبيعية يُمنع الفلسطينيون من الاستفادة منها.
هذه السياسات ليست مجرد انتهاكات فردية، بل جزء من مخطط ممنهج لتفريغ الضفة الغربية من سكانها، وفرض أمر واقع يُصعّب تحقيق أي حل سياسي.
فصل المجتمعات الفلسطينية: الأبعاد السياسية والاستراتيجية
تعد سياسة فصل المجتمعات الفلسطينية إحدى الأدوات الاستراتيجية التي تستخدمها إسرائيل لتعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. يتم تنفيذ هذا الفصل عبر إجراءات ميدانية وقانونية، مثل بناء الجدار العازل، وتقييد الحركة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعزيز المستوطنات، مما يخلق واقعا جغرافيا وسكانيا معقدا.
الأبعاد السياسية
إعادة هندسة الضفة الغربية جغرافيا وديمغرافيا على فرص الحل السياسي، إذ تسعى إسرائيل إلى خلق واقع يجعل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، من خلال فرض أمر واقع يصعب تغييره
يهدف فصل المجتمعات الفلسطينية إلى منع أي وحدة سياسية واقتصادية بينها، مما يُضعف قدرتها على تشكيل كيان مستقل، الآن يتم تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة يجعل من الصعب على الفلسطينيين فرض سيادتهم أو تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وفي قطاع غزة، الحصار المشدد عزل القطاع عن بقية الأراضي الفلسطينية، وعمل على تعزيز الانقسام الداخلي بتقوية أطراف بعينها على حساب أطراف أخرى، وهو ما أدى إلى ضعف الموقف الفلسطيني على المستوى الدولي.
الأبعاد الاستراتيجية
استراتيجيا، يمنح هذا إسرائيل القدرة على فرض واقع جديد على الأرض، حيث يتم تقليل التواصل بين الفلسطينيين وإجبارهم على التبعية والاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي بكافة المجالات، كما سمح بتعزيز المستوطنات وربطها بشبكات طرق خاصة مما يجعل إزالتها مستقبلا أمرا معقدا. إضافة إلى ذلك، أدى الفصل إلى زيادة السيطرة الأمنية الإسرائيلية لتقليل القدرات المحتملة للمقاومة الفلسطينية.
كلُ ذلك عمل على إعادة هندسة الضفة الغربية جغرافيا وديمغرافيا على فرص الحل السياسي، إذ تسعى إسرائيل إلى خلق واقع يجعل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، من خلال فرض أمر واقع يصعب تغييره.
الخاتمة
إعادة هندسة الضفة الغربية جغرافيا وديمغرافيا ليست مجرد تغييرات مادية، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى فرض سيطرة دائمة على الأرض، ما يؤدي إلى تعقيد أي حل سياسي مستقبلي.
في ظل هذا الواقع، تبقى خيارات الفلسطينيين محدودة بين مقاومة هذا التغيير من خلال الحراك السياسي والدبلوماسي أو البحث عن استراتيجيات جديدة للتكيف مع المعطيات المتغيرة، وتطرح تساؤلات حول مستقبل حل الدولتين وإمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.