لا يدري أحد كم عددهم ولا ندري بالتحديد ماذا يجري معهم من فظائع وجرائم إلا ما تسرّب مما يدمي القلوب والعيون، وقد ثبت مما تسرّب أنّ هناك قتلا طال أعدادا كثيرة وتعذيبا حتى الموت وتشنيعا وابتكارات إبداعية جديدة تفتّق عنها العقل الصهيونازي المجرم..

هل رأت البشرية يوما من الأيام من يبقي أسيره عاريا ليل نهار في فصل الشتاء القارص وهو مربوط من يديه ورجليه في "برشه" الحديديّ الأجرد من كلّ شيء، لا لباس ولا بطّانية ولا حتى لباس داخليّ، عدا عن وجبات الضرب والإهانة والسبّ والبصق على مدار الساعات الأربع وعشرين، ولا تسأل عن الطعام الذي يجعل من أجسامهم هياكل عظميّة مخيفة.



ولم يعد التعذيب مثلا من أجل الاعتراف كما كان سابقا، بل أصبح فقط للانتقام وتفريغ الأحقاد وإشباع نزعات ساديّة شيطانيّة لأناس موتورين مصابين بعقدة الضحيّة والجلاد في آن واحد، تارة يتصوّر الأسير بأنه النازي الذي حرق آباءه في "الهولوكوست" وتارة يرى نفسه جلّادا عليه أن يمارس هذه الصفة على أسوأ ما يكون.

لم يعد التعذيب مثلا من أجل الاعتراف كما كان سابقا، بل أصبح فقط للانتقام وتفريغ الأحقاد وإشباع نزعات ساديّة شيطانيّة لأناس موتورين مصابين بعقدة الضحيّة والجلاد في آن واحد
هذا الجندي أو الشرطي الذي يمارس التعذيب قد تمّت تعبئته بطريقة احترافيّة، إذ صُبّ في روعه أنّ هذا الأسير الذي بين يديك قام بمذبحة وقتل الأطفال واغتصب النساء فأنزل به كلّ ما بوسعك من عذاب، ورغم بطلان هذه الدعاية السوداء من مصادر متعددة ومنها مصادرهم، إلا أن زعامتهم الموتورة قد استمرت على هذه التعبئة السوداء، ومن تعبئتهم أن هذا الأسير الذي بين يديك هو من يحاربك ويقتلك في غزّة.. وهب أن هذا صحيح (رغم أن أغلب معتقلي غزّة من المدنيين)، إلا أنه إذا وقع أسيرا فهذا لا يعطي آسره البتّة الحق في هذا التعذيب، بل العكس تماما، هناك حقوق لأسرى الحرب تراعيها الجيوش المحترمة، بينما من انحط إلى هذا الدرك الأسفل لا يمكن أن يراعي أية قوانين أو أخلاق.

عندما يسمح جيش نظامي أو دولة لها أنظمتها وقوانينها بهذه الوحشيّة، وهذا الخروج السافر عن كلّ القيم الإنسانية وإلقائها بهذه الصّفاقة في سلّة مهملاتهم فإنهم يكونوا قد نزعوا عن أنفسهم صفة الجيش النظامي أو الدولة، وذهبوا إلى صفة العصابة، وليس أيّة عصابة وإنما العصابة المنحطة أدنى درجات الانحطاط بكلّ جدارة، وكذلك فإنهم بهذا سائرون بأقدامهم نحو الهاوية وسوء المنقلب والمصير.. التاريخ لا يرحم أحدا، فما من جماعة من البشر توحّشت واتخذت دماء الأبرياء سبيلا لها لتحقيق غاياتها إلا وجرّت وبالا عليها وحكمت على نفسها بالانتكاس والهلاك، وشواهد التاريخ كثيرة بل أكثر من أن تعدّ وتحصى.

فالمتوحّش لا يمتلك رسالة حضارية بل يعتبر وصمة عار على الحضارة الإنسانيّة، وكلّما ازداد توحّشا عجّل بخلاص البشرية منه، وعلى العكس من ذلك، الحضارات التي دامت وعمّرت فإنّك تجدها قد حقّقت العدالة ولم تُقم حكمها على الظلم والفساد والطغيان؛ على سبيل المثال الحضارة العربية الإسلامية، حيث كانت الفتوحات الإسلامية قائمة على كسر شوكة الجيوش الحامية للأنظمة المستبدّة ثم تقيم العدل وتعطي الإنسان حقوقه كاملة، فكان الناس يدخلون في دين الفاتحين وتتحوّل هذه الشعوب إلى شعوب إسلامية وتتحوّل ثقافيا وحضاريا لتصبح جزءا من أمّة الإسلام التي لا فضل فيها لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

ما تفعله هذه الجبلّة الشاذّة والنّكدة من جرائم جماعية أصبحت تحقّق وصفا موضوعيا وبشهادات حيّة وواضحة للعيان ولا يطالها أدنى شكّ، يشبه ما فعلته النازيّة وما فعله كلّ متوحشو هذا العصر، لذلك فهم يقطعون كل أواصر العلاقة بأي مستقبل حضاري ووجود إنساني هنا في هذا الوسط المعادي، والذي حتما سيزداد عداوة وكرها ورفضا لهم رفضا مطلقا.

إذ كيف يجتمع جيش مع زعامة مع شعب مع كل تشكيلاتهم الرسميّة وغير الرسميّة، مع من في الحكم ومن في المعارضة، كيف يجتمعون بغالبيّتهم المطلقة على قتل المدنيين من الأطفال والنساء وتدمير كل مقومات الحياة في غزّة وانتهاك كل المحرّمات، خاصة ارتكاب هذا الكم الهائل من المجازر وتدمير المستشفيات والمدارس والكنائس ومرافق الحياة كلّها، ويجمعون على التجويع مع القتل والتهجير والتشريد للمدنيين؟بات ملحّا على المنظمات العاملة في حقوق الإنسان الدوليّة الكشف عما في هذا الصندوق الأسود من جرائم وفظائع ماذا يجري مع معتقلي غزّة، والعمل على فتح هذا الملفّ عاجلا غير آجل.. إن مصداقيّة هذه المؤسسات على المحكّ، وعليها أن تثبت بأنها لا تكيل بمكيالين وفي السجون يُجمعون على انتهاك كلّ شيء له اعتبار إنساني أو معيشي، كل أشكال الإهانة والضرب وكل ما من شأنه أن يحقّق معيشة ضنكى. أصبحت السجون مسالخ ومكان للقهر والتعذيب بطرق جديدة وغير مسبوقة.

هذا لكلّ الأسرى، ولكن لأسرى غزّة فقد أقاموا دركات سفلى من العذاب المهين، ما من أحد يسمع آهاتهم وعويلهم من وقع سياط سجّانيهم المتوحّشين إلا وتنهمر دموعه وينفطر لها قلبه، هناك قسم مخصّص لهم في عوفر مثلا، يسمع أنينهم أسرى الأقسام القريبة منه وتتسلّل لمسامعهم بعض الشهقات التي تنمّ عن حجم الألم.. هل نتصوّر أن منهم جرحى حرب يعذّبون على جراحهم وعظامهم المكسورة والتي لم تتلقّ أيّ علاج أو مسكّن؟ هذا وحده قمّة الألم، فماذا عندما يضيفون عليه شتى أنواع التنكيل والتعرية من الملابس وبرد الشتاء، والربط الدائم بأسرّة الحديد التي لا يحول بين حديدها والمعتقلين أيّ شيء من فراش أو أغطية؟

لقد بات ملحّا على المنظمات العاملة في حقوق الإنسان الدوليّة الكشف عما في هذا الصندوق الأسود من جرائم وفظائع ماذا يجري مع معتقلي غزّة، والعمل على فتح هذا الملفّ عاجلا غير آجل.. إن مصداقيّة هذه المؤسسات على المحكّ، وعليها أن تثبت بأنها لا تكيل بمكيالين كما هو حال كلّ الدول الاستعمارية المستكبرة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اسرى فلسطين غزة الاحتلال معاناة مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ماذا یجری فی هذا

إقرأ أيضاً:

رئيس حكومة اليونان يجري تعديلاً وزارياً

أجرى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس تعديلاً وزارياً، اليوم الجمعة، حيث عين وزيرين جديدين على رأس وزارتي التنمية والعمل، وذلك بهدف دعم جهود مواجهة ارتفاع تكلفة المعيشة.
 وجرى تعيين تاكيس ثيودوريكاكوس وزيرا للتنمية، في حين تولت نيكي كيراموس حقيبة وزارة العمل، بحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة إيكاثيميريني اليونانية.
 وأبقى رئيس الوزراء على وزير المالية كوستيس هاتزيداكيس في منصبه. واحتل حزب الديمقراطية الجديدة الذي ينتمي له ميتسوتاكيس، والذي يرأس اليونان منذ 2019، المركز الأول في الانتخابات الأوروبية التي أجريت بالبلاد يوم الأحد الماضي، بحصوله على 28.3 % من الأصوات دون تحقيق النسبة التي حددها ميتسوتاكيس عند 33 % خلال الحملة الانتخابية.
 وكانت النتيجة أقل بكثير من نسبة الـ40 % التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الوطنية التي أجريت في ونيو 2023. وأوائل الأسبوع الجاري، استبعد ميتسوتاكيس إجراء انتخابات مبكرة، وقال إنه سوف يمضي قدما باتخاذ إجراءات تصحيحية لإظهار «للشعب (اليوناني) أننا أخذنا رسالتهم في الحسبان». وسوف يؤدي الوزراء الجدد اليمين الدستورية في السادسة من مساء اليوم الجمعة، في القصر الرئاسي بحضور الرئيسة كاترينا ساكيلاروبولو. ويعنقد مجلس الوزراء الجديد أول اجتماع له في العاشرة صباحا من غد السبت.

أخبار ذات صلة اليونان تغلق معلماً شهيراً بسبب موجة الحر الشديد «المواي تاي» يحصد 7 ميداليات في ختام بطولة العالم المصدر: د ب أ

مقالات مشابهة

  • ماذا يجري على اوتوستراد نهر الموت؟
  • القضاء الفرنسي يتّهم متطرفة عادت من سوريا بارتكاب إبادة جماعية بحق الإيزيديين
  • توجيه تهمة الإبادة الجماعية لفرنسية استعبدت طفلة إيزيدية
  • اتهام داعشية عائدة بارتكاب إبادة جماعية في العراق
  • صندوق الاستثمارات العامة السعودي بصدد شراء 15% من مطار هيثرو
  • صندوق النقد الدولي يوافق على صرف 800 مليون دولار للأرجنتين
  • تحليلات الذكاء الاصطناعي تنصب أسود الأطلس أبطالا للعالم في مونديال 2030
  • رئيس حكومة اليونان يجري تعديلاً وزارياً
  • الجبو: ارتفاع أسعار الاضاحي سببه السمسرة والاستغلال الذي يجري في بيع الأعلاف
  • المرصد الأورومتوسطى يكشف جرائم التعذيب في سجون الاحتلال (فيديو)