لجريدة عمان:
2025-05-16@19:55:50 GMT

لنغتنم زخم المقاطعة

تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT

لا تستقيم وجبة برياني دون مشروب صودا. هذا أمر لا يختلف عليه اثنان. ما يُختلف عليه هو نوع ونكهة المشروب. كينزا العلامة التي استبدلت العلامات التجارية الأشهر صارت اليوم البديل الأول. يبدو أن ما بدأ كامتداد لحركة المقاطعة يُصبح ميلا للمنتجات المحلية والإقليمية. الناس الذين كانوا يستهلكون دون تفكير، صاروا يُفكرون في كل علبة صودا، فنجان قهوة، وقضمة همبرغر.

فقد هُزوا من الداخل، وما عادوا يقبلون بأن يكونوا مسهمين في دائرة الاستهلاك العمياء التي تُعزز وتستبقي ألوان الشر العديدة، وتُوسع الهوة بين الأثرياء الذين يُتاجرون بالأرواح والأجساد، وفقراء العالم ومُعذبيه.

لطالما كانت المقاطعة المنظمة والنبذ الجماعي وسائل تعبير وضغط شعبي. وهي مقياس أمين للرأي العام في بُلدان تقمع أو تُحرّم مجرد التظاهر. والحكومات وإن لم تستجب للشارع فإنها تقرأ المشهد، وتشعر بعاطفته وهو (أي الشارع) وإن كان عاجزا، إلا أنه يجد طريقة في النهاية لتسجيل موقفه.

تستلهم حركة مقاطعة إسرائيل -مقاطعتها، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها- فكرتها من مقاطعة جنوب أفريقيا لنظام الفصل العنصري، والتي شجعت فيها الحركة على مقاطعة منتجات جنوب أفريقيا، ما تحوّل لاحقا إلى المقاطعات الشاملة، ضمت فيما ضمته الفعاليات الثقافية والفنية.

تكاد تكون المقاطعة هي الشكل الوحيد للتضامن العالمي الفعال مع حقوق الشعب الفلسطيني. ونحن لا نستغرب إذ نشهد اختراع كل الألاعيب التي نتخيلها ولا نتخيلها من أجل إدانة هذه الحركة. من بينها -مثلا- مصادقة البرلمان الألماني في 2019 على قرار لمكافحة المقاطعة والتضييق عليها (على اعتبار أن مضمونها -كالعادة، وكما لكم أن تتخيلوا- معادٍ للسامية)، قبل أن تُقر المحكمة الفيدرالية في 2022 بالحق في عقد أنشطة مساندة للحركة، ما عُد انتصارا للقضية، والمتضامنين معها في ألمانيا، واستعادة للحق في المقاطعة.

يبدو أن ثمة طريقتين متناقضتين نتصرف وفقهما هذه الأيام. تتلخص الأولى في الشعور بأن العالم معطوب على نحو غير قابل للإصلاح، وليس لأي شيء أن يصنع فارقا حقيقيا، وعليه لنستسلم لمصيرنا، ونعترف بهزيمتنا، ونعدي الحياة التافهة كيفما اتفق. أو النقيض من ذلك: ما أوصلنا إلى هنا هو تخففنا من المسؤولية، تخدير أنفسنا ومحاولة حمايتها من كثرة التفكير والانخراط في الشؤون السياسية. إن هذا العالم الظالم يتغذى على انتباهنا المسلوب لأجل أن يُكمل سيره الحثيث نحو مزيد من الجشع، وإذا لم نستعد انتباهنا، فإننا نكون بذلك متواطئين. يبزغ لنا فجأة عِناد وتمعن وتأمل لكل تصرفاتنا التي كانت -إلى الآن- آلية.

تردنا أخبار عن إغلاق أفرع إثر تكبد الخسائر، ونُفكر بأن القدر كما يبدو بدأ يستجيب. هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الدولي فثمة أيضا مبادرات لمقاطعة أكاديمية ضد الجامعات الإسرائيلية، خصوصا بعد أن دمر جيشها كل جامعة في غزة. ثمة أيضا مبادرات ساعية لتشجيع الدول على الضغط على منظمي أولمبياد باريس لاستبعاد إسرائيل.

أشعر أن علينا أن نفكر معا بكيف نذهب خطوة أبعد، كيف نغتنم زخم momentum المقاطعة من أجل إحداث ثورة عالمية ضد القيم النيوليبرالية، الاستهلاك غير المسؤول، زعزعة النظام القائم، وإحداث ضغط على القوى الكبرى، التي ولولا القوة الشرائية لأمثالنا لما احتلت هذه المكانة.

الكثيرون صاروا اليوم يدعمون منتجاتهم المحلية. يخدم هذا غرضين؛ فمن جهة يتم الضغط على العلامات التجارية المتواطئة في الإبادة، ويُشجع -من جهة أخرى- الاقتصاد المحلي. نحن بحاجة إلى سياسات، ومشروعات تستغل الدعم الشعبي للتحرك باتجاه إنتاج وطني أوسع، وأسرع.

فلنقف إذن بأقدامنا العارية في وجه الطواحين الشرسة عوضا عن المشاركة في تحريكها، ولنُسخّر عنادنا الذي يتكشف في إصلاح ولو ترس صغير في آلة العالم المتوحشة.

نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب

"مصر خرجت من التاريخ والسياسة".. عبارة صادمة قالها الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل في واحد من لقاءاته الأخيرة على شاشات التلفاز عام 2014 مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي.

حديث هيكل كان في سياق أوسع؛ يحاول فيه أن يقدم بعض النصائح للسلطة الجديدة في مصر بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013 برئاسة عبد الفتاح السيسي.

بعد أكثر من عشر سنوات من حكم السيسي، بات خروج مصر من التاريخ والسياسة واقعا مؤلما يعيشه الشعب المصري والمنطقة العربية بأسرها، تجلّى هذا الواقع في زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لثلاث عواصم عربية خليجية وسط تجاهل تام للنظام المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي.

بعد أكثر من عشر سنوات من حكم السيسي، بات خروج مصر من التاريخ والسياسة واقعا مؤلما يعيشه الشعب المصري والمنطقة العربية بأسرها، تجلّى هذا الواقع في زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لثلاث عواصم عربية خليجية وسط تجاهل تام للنظام المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي
أما الخروج من التاريخ فحدث ولا حرج، فعلاقة مصر بزيارات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة علاقة تاريخية ممتدة؛ بدأت عام 1943 بزيارة للرئيس الأمريكي روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية، ثم كرر الزيارة بعدها بعامين في 13 شباط/ فبراير 1945 واجتمع خلالها مع الملك فاروق الأول وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي وملك السعودية عبد العزيز آل سعود ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وذلك على متن القارب الملكي المصري في منطقة البحيرات بقناة السويس.

لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لمصر بعد ثورة 1952، ففي عام 1974 زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون العاصمة المصرية القاهرة والتقى بالرئيس المصري أنور السادات لعقد مباحثات حول سيناريوهات ما بعد حرب أكتوبر 1973.

تواصلت زيارات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر بعد ذلك، فقد زار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر القاهرة 3 مرات في الفترة بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 1979 للتحضير لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

في عهد الرئيس المصري المخلوع الراحل حسني مبارك، تعاقب على زيارة مصر العديد من الرؤساء الأمريكيين، فقد زار الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 والتقى حسني مبارك لمناقشة أحداث حرب الخليج وغزو العراق للكويت.

لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي زار مصر أربع مرات في عهد مبارك؛ بدأها في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1994 والتقى مبارك ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ثم حضر قمة صانعي السلام في شرم الشيخ خلال زيارته الثانية في آذار/ مارس 1996، وأطلع حسني مبارك حول عملية السلام في الشرق الأوسط في زيارته الثالثة في آب/ أغسطس 2000، وكانت آخر زيارات كلينتون في تشرين الأول/ أكتوبر 2000 لحضور اجتماع القمة بين الفلسطينيين والإسرائلييين برعاية مصر في شرم الشيخ.

في عهد جورج بوش الابن، كانت مصر على موعد مع ثلاث زيارات للرئيس الأمريكي الجديد، ثم كانت آخر زيارة لرئيس أمريكي للقاهرة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حزيران/ يونيو 2009 حيث التقى مبارك وزار أهرامات الجيزة وألقى خطابا في جامعة القاهرة.

اليوم يأتي دونالد ترامب، الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، لزيارة المنطقة العربية ويذهب إلى الرياض والدوحة وأبو ظبي، ويلتقي الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، ويجتمع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، يناقش الاتفاق النووي الإيراني، يرفع العقوبات عن سوريا، يتحدث عن غزة وحرب روسيا وأوكرانيا، يستمع إلى رؤى القادة العرب حول أمن البحر الأحمر وعودة الملاحة العالمية مرة أخرى، وكلها ملفات تتقاطع مع مصر وأمنها القومي وعمقها الإقليمي، ولكن المفاجأة أن مصر في عهد السيسي قد خرجت أيضا من جدول زيارة ترامب، فلماذا وكيف حدث ذلك؟

النتيجة الحتمية لكل ذلك أن تتحول مصر إلى دبلوماسية بلا تأثير، وغياب تام عن الترتيبات الدولية الكبرى، واختفاء كامل من طاولات اتخاذ القرار الإقليمي والدولي، فتراجع دورها في القضية الفلسطينية وملف المفاوضات، وعانت من عجز تام أمام أزمة السودان، تآكل الدور المصري بالمقارنة مع دول أخرى في ليبيا، وانعدم التأثير في دول حوض النيل وأفريقيا حتى عجزت مصر عن حل معضلة سد النهضة، وتضاءلت الفاعلية المصرية على المستوى العربي وانزوت مصر إلى الزاوية
منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 وتولي السيسي مقاليد السلطة، تحولت مصر إلى دولة أخرى غير التي عرفها التاريخ وتحدثت عنها السياسة على مدار عقود، فأصبح اقتصادها مشلولا تحت الوصاية الخارجية بسبب فشل السياسات الاقتصادية؛ الذي دفع مصر إلى حافة الانهيار والارتهان إلى صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية التي تحكمت بشكل كامل في القرار السيادي والسياسي المصري.

أغرق السيسي ونظامه البلاد في موجات من الديون الخانقة، ووصل الدين الخارجي إلى 155.204 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2025. ثم كانت الطامة الكبرة في تبعية السيسي المذلة للدعم الخليجي والارتهان الكامل لدول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، حيث تخلت مصر عن استقلال قرارها الإقليمي مقابل حِزم الإنقاذ المالي أو كما قال السيسي مقابل فلوسهم اللي زي الرز.

تحولت مصر في عهد السيسي إلى دولة مأزومة ومجتمع محطم، ارتفعت نسب الفقر وتلاشت الطبقة الوسطى بشكل لافت، وتحول التضخم وغلاء الأسعار إلى شبح يأكل الأخضر واليابس.

كان من الممكن أن يحدث كل ذلك ولكن في إطار محدد وتسهل السيطرة عليه لو أن للسياسة مكانا في عهد السيسي، ولكن -كما قال هيكل- مصر خرجت من السياسة أيضا. تحول نظام السيسي إلى نظام مأزوم يتغذى على قمع الحريات السياسية وتكميم الأفواه والسيطرة الكاملة على الإعلام، وتدجين منظمات المجتمع المدني وصناعة أحزاب سياسية كرتونية تشكلها المخابرات وتشرف عليها الأجهزة السيادية.

كانت النتيجة الحتمية لكل ذلك أن تتحول مصر إلى دبلوماسية بلا تأثير، وغياب تام عن الترتيبات الدولية الكبرى، واختفاء كامل من طاولات اتخاذ القرار الإقليمي والدولي، فتراجع دورها في القضية الفلسطينية وملف المفاوضات، وعانت من عجز تام أمام أزمة السودان، تآكل الدور المصري بالمقارنة مع دول أخرى في ليبيا، وانعدم التأثير في دول حوض النيل وأفريقيا حتى عجزت مصر عن حل معضلة سد النهضة، وتضاءلت الفاعلية المصرية على المستوى العربي وانزوت مصر إلى الزاوية أمام القمم الكبرى التي باتت تعقد في الرياض وأبوظبي.

السيسي يتحمل مسؤولية كبيرة في وصول مصر إلى هذه الحالة، فالرجل بنى فلسفته على مجموعة من القيم والعبارات؛ أبرزها احنا فقرا أوي، مصر شبه دولة، أمة العوز، مفيش تعليم أو صحة أو توظيف.. فكانت النتيجة الحتمية لكل ذلك أن مصر خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب.

مقالات مشابهة

  • 600 أكاديمي سويدي يطلقون حملة لمقاطعة الجامعات “الإسرائيلية”
  • حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة! 
  • مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب
  • صريح جدا / هذه هي الرياضة التي يفضلها الأولياء الجزائريون لأبنائهم
  • مراد مكرم يعلن مقاطعة تشجيع ناديه المفضل بسبب الأهلي
  • سر جنون اللابوبو.. دمية الوحوش التي غزت العالم وتباع بآلاف الدولارات
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • ‏زيلينسكي: لم يتم إبلاغي رسميًا بالمشاركين عن الجانب الروسي في محادثات السلام لكن حضورهم يبدو "شكليًا"
  • أحمد موسى: 75% من كل المساعدات التي دخلت غزة قادمة من مصر
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله