«معلومات الوزراء» يستعرض التجربة الهندية في صناعة الإلكترونيات
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
في إطار قيام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، برصد وتحليل أبرز التجارب الرائدة على المستوى الدولي في المجالات والقطاعات المختلفة للاستفادة منها، قام المركز بإصدار تحليل حول واقع وآفاق صناعة الإلكترونيات في الهند، والذي أشار خلاله إلى تحقيق الاقتصاد الهندي نموًا استثنائيًّا في الفترة الماضية على الرغم من التأثيرات الناتجة عن الأزمات العالمية والتي أثرت بالسلب على معظم اقتصادات العالم؛ حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي في الهند نحو 7.
بالإضافة إلى ذلك، توقعت الحكومة الهندية أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 5 تريليونات دولار، كما تشير التقديرات إلى وصول معدل النمو في عام 2024 إلى نحو 7%، علمًا بأن السنة المالية في الهند تبدأ في أبريل وتنتهي في مارس.
وبالإضافة إلى هذا الأداء، فإن الهند تتبنى برنامجًا اقتصاديًّا طموحًا، يهدف في المقام الأول إلى جعلها في مصاف الدول المتقدمة، وقد انعكس ذلك في التوقعات العالمية للاقتصاد الهندي؛ حيث توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" بأن يتجاوز الاقتصاد الهندي نظيره الياباني بحلول عام 2030 من حيث حجم الإنتاج، ويرجع ذلك بالأساس إلى عدة عوامل في مقدمتها: زيادة حجم الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري الخاص، وزيادة حجم القطاع الصناعي، بالإضافة إلى نمو قطاعي التصنيع والخدمات.
وبالنظر إلى التوقعات بعيدة المدى؛ فقد توقع بنك "جولدمان ساكس" أن تصبح الهند ثاني أكبر اقتصاد عالمي بحلول عام 2075 متجاوزة الولايات المتحدة الأمريكية.
واستعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في تحليله الجهود الحكومية الهندية نحو صناعات التكنولوجيا والرقائق والأجهزة الإلكترونية، والتي تهدف إلى توطين صناعة الإلكترونيات في إطار السعي لأن تصبح الهند قاعدة صناعية عالمية في مجال صناعة الإلكترونيات؛ حيث تعتزم خفض التعريفة الجمركية على واردات مكونات أجهزة المحمول والإلكترونيات، بهدف جذب الشركات العالمية لإنشاء مصانع محلية لها لإنتاج تلك الأجهزة، وتُعَد تلك الإجراءات استمرارًا لسياسات حكومية هندية في هذا الشأن.
ومن المنتظر أن تسهم تلك التخفيضات في التعريفات الجمركية في جعل تجميع الأجهزة أكثر كفاءة ولا سيما جانب التكلفة.
وتتضمن تلك الخطة ليس فقط الإنتاج بغرض الاستهلاك المحلي وإنما أيضًا الاتجاه نحو التصدير، وقد انعكس ذلك في زيادة صادرات الهند من الهواتف الذكية والتي وصلت إلى نحو 11 مليار دولار في السنة المالية الهندية المنتهية في مارس 2023.
كما استعرض المركز خلال تحليله النمو المتصاعد للهند وسط الأزمات العالمية، فبعد أزمة كورونا والصدمات التي تلقتها الاقتصادات العالمية، وكذلك التطورات الجيوسياسية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذا الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل في الشرق الأوسط، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وما نتج عن تلك الأزمات من اضطراب في سلاسل الإمداد وقطاعات التوريد والإنتاج والتوزيع العالمية، وما ترتب عليها من ارتفاع في معدلات التضخم في معظم دول العالم؛ اتجه العالم نحو النظر في حلول بديلة مستدامة لتجنب تلك المشكلات، وتمثلت أهم تلك الحلول في إمكانية الاعتماد على الذات أو تقصير سلاسل الإمداد لتكون في إطار إقليمي، وبالتالي تصبح سلاسل الإمداد إقليمية بدلًا من عالمية.
وقد أتاح ذلك للهند فرصة للدخول كبديل للصين في بعض من تلك الصناعات، وذلك في إطار سعي الهند لتكون الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030.
وبالتالي، فقد قادت تلك الأزمات العالمية المتلاحقة العالم نحو التخلي عن فكرة تجزئة العملية الصناعية في عدد من الدول ليتم تجميع المنتج في النهاية؛ لأن ذلك النمط من الإنتاج ظهر ضعفه مع انتشار التوترات العالمية على الساحة الدولية والتي أثرت بالسلب على تكاليف الإنتاج وبالتبعية على معدلات التضخم وصولًا إلى أسعار الفائدة العالمية، والتي أثرت بشكل ملحوظ على تكاليف الاقتراض وخاصة في الدول النامية.
وانبثاقًا من ذلك؛ تسعى الهند للاستفادة من التوجُّه العالمي المتمثل في الحد من تأثيرات مشكلات سلاسل الإمداد العالمية الناتجة عن تلك الأزمات الجيوسياسية، خاصة بعد التطورات السياسية بين بكين وواشنطن واتجاه كثير من الشركات للتخارج من بكين.
وتُعَد الهند الوجهة المُحبذة لتلك الشركات في ظل توافر العوامل الاستثمارية الجاذبة، وتوفر سوق محلية ضخمة للاستهلاك، مع وجود بنية تحتية قوية.
وتناول مركز المعلومات بمجلس الوزراء في تحليله توجه الشركات الكبرى إلى الهند نتيجة الحوافز الحكومية، حيث تتلاقى التحركات الهندية مع رغبة كثير من الشركات الأمريكية وفي مقدمتها شركة "أبل"، من حيث الرغبة في تقليل الاعتماد على الصين؛ الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع المخاطرة.
وقد أدت التسهيلات التي قدمتها الهند إلى زيادة إنتاج تلك الشركات بالفعل فيها، وعلى رأسها شركة "أبل"؛ حيث قد وصل إنتاج أجهزة "آيفون" في الهند خلال عام 2022 إلى أكثر من 7% من الإنتاج العالمي للشركة.
هذا، وقد أعلنت الهند في وقت سابق عن حزمة حوافز بقيمة تصل إلى نحو 2 مليار دولار لزيادة إنتاج أجهزة تكنولوجيا المعلومات؛ حيث يُعَد ذلك من ضمن المُخطط الذي أُعدَّ لتصبح الهند قوة كبيرة في سلسلة توريد الإلكترونيات العالمية في إطار هدفها المتمثل في وصول الإنتاج السنوي من تلك الصناعات إلى نحو 300 مليار دولار بحلول عام 2026.
وأوضحت الحكومة الهندية أنه من المتوقع أن يصل إنتاج هذه الشركات إلى نحو 41 مليار دولار من منتجات تكنولوجيا المعلومات وأن تخلق أكثر من 75 ألف فرصة عمل.
وتُعتبر شركة "أبل" من أكثر الشركات التي تخطط للاستفادة من تلك الحوافز المقدمة في الهند؛ حيث تتطلع الشركة إلى زيادة الإنتاج في الهند لأكثر من خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى ما يقرب من 40 مليار دولار، وتتطابق تلك الرغبة من شركة "أبل" مع خطط دولة الهند التي تسعى إلى زيادة حجم صناعة الإلكترونيات، كذلك تمتلك شركة "أبل" خططًا طموحة للبدء في تصنيع مُكوِّنات سماعات الأذن "إيربودز" خلال العام المقبل.
هذا، وقد أشار المسئولون الحكوميون إلى أن نحو 23 شركة جاهزة لبدء التصنيع في الهند، ومن المتوقع أن تستثمر الشركات مجتمعة نحو 360 مليون دولار، وأن تخلق نحو 200 ألف فرصة عمل، منها 50 ألف فرصة عمل مباشرة، و150 ألف فرصة عمل غير مباشرة، وكذلك من المتوقع أن تنمو سوق أجهزة تكنولوجيا المعلومات الهندية إلى 22.77 مليار دولار في عام 2027 من 15.52 مليار دولار في عام 2022.
في سياق متصل، فقد وقَّع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ورئيس الوزراء الهندي مذكرة تفاهم بشأن شراكة سلسلة توريد أشباه الموصلات والابتكار؛ بهدف تنسيق برامج حوافز أشباه الموصلات في الهند والولايات المتحدة؛ حيث أعلنت شركة "ميكرون تكنولوجي" الأمريكية لصناعة الرقائق الإلكترونية أنها ستستثمر ما يصل إلى 825 مليون دولار لبناء منشأة لتجميع واختبار أشباه الموصلات مستفيدة من الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة الهندية؛ حيث ستتلقى شركة "ميكرون" دعمًا ماليًّا بنسبة 50% من إجمالي تكلفة المشروع من الحكومة المركزية الهندية وحوافز تمثل 20% من إجمالي تكلفة المشروع من ولاية جوجارات الهندية، ومن المتوقع أن تصبح المنشأة جاهزة للعمل في أواخر عام 2024.
وأوضح التحليل أنه يمكن القول إن الهند تحاول تحويل الأزمات العالمية إلى فرص اقتصادية، وقد ظهر ذلك جليًّا في سياساتها، والتسهيلات التي تقدمها لمحاولة الاستفادة من الأزمات الجيوسياسية، لتهيئة البيئة الاستثمارية بها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صناعة الإلکترونیات الأزمات العالمیة سلاسل الإمداد من المتوقع أن ألف فرصة عمل ملیار دولار بحلول عام فی الهند فی إطار إلى نحو من تلک
إقرأ أيضاً:
الوزراء: الأزمات الجيوسياسية تعيد تشكيل خريطة ممرات الطاقة العالمية
أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن الطاقة أصبحت شريان الاقتصاد العالمي وأداة النفوذ الجيوسياسي الأبرز، مضيفاً أنه مع كل أزمة إقليمية أو صراع دولي، يُعاد رسم خريطة ممرات الطاقة وفقًا لمعادلات جديدة من القوة والمصلحة.
وأوضح مركز المعلومات في تحليل جديد له بعنوان "كيف تعيد الأزمات الجيوسياسية تشكيل خريطة ممرات الطاقة العالمية؟"، أن الأزمات الجيوسياسية، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى التوترات في الخليج العربي، والبحر الأحمر، كشفت عن هشاشة الاعتماد المفرط على ممرات بعينها مثل مضيق هرمز أو مضيق باب المندب، وهو ما دفع الدول المنتجة والمستوردة للطاقة إلى البحث عن مسارات بديلة تضمن الأمن والاستمرارية.
ففي ظل هذا الواقع المتقلب، لم تّعُد ممرات الطاقة مجرد مسارات جغرافية لنقل النفط والغاز، بل تحولت إلى ساحات صراع استراتيجي وتجاذب سياسي، تُشكِّلها التكتلات الإقليمية، والرهانات الاقتصادية، والتقلبات البيئية.
فمن خطوط الأنابيب العابرة للقارات إلى مشروعات المواني البحرية خارج مناطق التوتر، تسير الدول نحو إعادة توزيع الجغرافيا الطاقية بما يتجاوز منطق الموقع إلى منطق الأمان والتحكم.
وسعى المركز من خلال التحليل إلى تسليط الضوء على آثار التداعيات المحتملة التي كانت تسود خلال الفترة الأخيرة بشأن إغلاق إيران مضيق هرمز على حركة الطاقة وأسواق النفط، بجانب كيفية مساهمة الأزمات الجيوسياسية في خلق حلول وممرات طاقوية بديلة؛ لتجاوز نقاط الاختناق، فضلًا عن عرض أبرز الممرات الطاقوية المحتملة، التي بدأ الحديث عنها بعد فترة عصيبة ساد خلالها الحديث حول احتمالية الاعتماد عليها كبديل لمضيق هرمز.
أولًا: دور الأزمات الجيوسياسية في رسم خريطة الطاقةتُعيد الأزمات الجيوسياسية، مثل: النزاعات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، والتوترات الإقليمية، تشكيل خريطة ممرات الطاقة العالمية من خلال عدة آليات رئيسة، أبرزها:
- إعادة توجيه تدفقات الطاقة العالمية: حيث تؤدي الأزمات الجيوسياسية دورًا محوريًّا في إعادة توجيه تدفقات الطاقة العالمية، فعندما تتأثر منطقة عبور رئيسة، مثل المضائق والممرات المائية، تتحول تدفقات الطاقة إلى مسارات بديلة؛ وهو ما يزيد الاعتماد على ممرات جديدة أو أقل استخدامًا. على سبيل المثال، دفعت الحرب في أوكرانيا أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي والذي يمر عبر أوكرانيا والبحث عن بدائل مختلفة. كما أن تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر دفعت بعض شركات النفط إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح؛ لتجنب المخاطر الأمنية بمضيق باب المندب.
- تسريع تنويع مصادر وموردي الطاقة: تلجأ الدول إلى تنويع مصادر وموردي الطاقة خلال الأزمات تجنبًا لاحتمالات توقف الإمدادات بشكل مفاجئ. وقد برز هذا التوجه بوضوح بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية؛ حيث سارعت الدول الأوروبية إلى تعزيز استثماراتها في إنتاج الطاقة، وبدأت في البحث عن بدائل خارجية لتأمين احتياجاتها، فتوجهت أنظارها نحو عدد من الدول الإفريقية، مثل جنوب إفريقيا وناميبيا وأوغندا وكينيا، باعتبارها شركاء محتملين في هذا المجال.
- تعزيز الأهمية الجيوسياسية لدول الممر: تكتسب دول العبور والممرات الطاقوية أهمية متزايدة في فترات الأزمات والصراعات الجيوسياسية، ويُعَد انتهاء اتفاقية عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا مثالًا واضحًا على ذلك؛ إذ أتاح لتركيا فرصة لتعزيز دورها كممر رئيس لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا من خلال خط "السيل التركي "(TurkStream). كما تزداد الأهمية الجيوسياسية لأنقرة بفضل موقعها القريب من عدة دول مُصدِّرة للطاقة، وارتباطها بشبكة من خطوط الأنابيب؛ مما يمنحها ميزة استراتيجية في معادلات أمن الطاقة الإقليمي والدولي.
ثانيًا: التداعيات المحتملة على ما أثير خلال الفترة الماضية بشأن إغلاق مضيق هرمز:
يُشكِّل مضيق هرمز أحد أهم الشرايين الحيوية لاقتصاد الطاقة العالمي، فوفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، شكّلت تدفقات النفط عبر مضيق هرمز نحو 20.3 مليون برميل يوميًّا في عام 2024، ونحو 20.1 مليون برميل يوميًّا في عام 2024 والربع الأول من عام 2025، وهو ما يمثل أكثر من ربع إجمالي تجارة النفط العالمية المنقولة بحرًا، ونحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط والمنتجات البترولية. إضافةً إلى ذلك، يُعَد المضيق قناة حيوية للغاز الطبيعي المسال (LNG) ويمر عبره يوميًّا كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال؛ حيث عَبَر مضيق هرمز نحو خُمس تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية في عام 2024؛ مما يجعل المضيق حيويًّا بالنسبة للغاز الطبيعي كما هو الحال بالنسبة للنفط.
وتعتمد الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وعلى رأسها: المملكة العربية السعودية، وإيران، والإمارات، والكويت، والعراق، على هذا المضيق لتصدير الجزء الأكبر من إنتاجها النفطي، خصوصًا إلى الأسواق الآسيوية.
ورغم ما أعلنه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، فإن الأحداث كشفت عن أنه في حالة إغلاق مضيق هرمز، فقد كان سيؤدي ذلك إلى اضطراب فوري في أسواق الطاقة العالمية؛ مما يتسبب في ارتفاع حاد في أسعار النفط، وتأثير تضخمي سريع يمتد من الولايات المتحدة إلى مختلف أنحاء العالم.
غير أن التداعيات الاقتصادية لا تقتصر على الأسعار فحسب، بل تتجاوزها لتشكل تهديدًا واسع النطاق للاستقرار الإقليمي والدولي، فالمضيق لا يُستخدم فقط لتصدير نفط الخليج، بل تمر عبره أيضًا صادرات النفط الإيراني؛ مما يعني أن أي تعطيل له سيضرب مصالح طهران وحلفائها، إلى جانب دول الخليج العربي التي تعتمد عليه بشكل كبير في حركة تجارتها النفطية.
أما الصين، فتُعَد من أكثر المتضررين المحتملين؛ إذ تعتمد على مضيق هرمز في الحصول على ما يقرب من 90% من وارداتها من النفط الإيراني، رغم العقوبات المفروضة.
وبالتالي، فإن أي إغلاق لهذا الممر الحيوي سيضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمام تحدٍ كبير في أمن الطاقة واستقرار النمو.
وقد يكون لإغلاق مضيق هرمز تداعيات اقتصادية واسعة النطاق تمتد لتشمل سلاسل التجارة العالمية؛ فوفقًا لتقديرات "دويتشه بنك" الألماني، قد يقفز سعر برميل النفط إلى نحو 120 دولارًا أمريكيًّا في حالة إغلاق مضيق هرمز؛ مما سيؤدي إلى ضغوط تضخمية عالمية. وفي حال تعثُّر إنتاج الغاز الطبيعي، فإن ذلك قد ينعكس سلبًا على إنتاج الأسمدة، الأمر الذي قد يُفضي إلى نقص في الغذاء وحدوث اضطرابات. كما يُتوقَّع أن يشهد مختلف الدول ارتفاعًا عامًّا في الأسعار نتيجة زيادة تكاليف الطاقة.
ثالثًا: ممرات الطاقة البديلة لمضيق هرمز:كلما تزايد التوتر العسكري في الخليج وهُدِّدت الملاحة البحرية، وتحديدًا وصول إمدادات النفط الخليجي للسوق العالمية عبر مضيق هرمز، طُرِحت بدائل لتصدير النفط عبر ممرات أخرى. ورغم استبعاد أن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز بشكل كامل، برزت الحاجة إلى البحث عن بدائل للمضيق؛ وذلك للحفاظ على استمرار تدفق الطاقة. وفيما يلي أبرز البدائل التي يمكن اللجوء إليها:
- خط أنابيب أبو ظبي-الفجيرة: يُشكّل خط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام (أدكوب) مسارًا استراتيجيًّا بديلًا لتصدير النفط الإماراتي إلى الأسواق العالمية، ويمتد هذا الخط الحيوي لمسافة 406 كم؛ حيث ينقل النفط الخام من منشآت "أدنوك البرية" في قلب أبو ظبي إلى ميناء الفجيرة على بحر العرب. وتبلغ سعته التصميمية نحو 1.5 إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا؛ مما يمنحه قدرة كبيرة على تأمين تدفق مستقر للنفط؛ إذ يتيح تصدير نحو 70% من النفط الخام الإماراتي بعيدًا عن الممرات البحرية المهددة؛ مما يُعزِّز أمن الطاقة ومرونة الإمدادات في أوقات الأزمات الجيوسياسية.
- خط الأنابيب السعودي "بترولاين": تُعَد السعودية من الدول التي جهَّزت مسارًا بديلًا لمضيق هرمز، يتمثل في خط أنابيب "بقيق-ينبع"، المعروف أيضًا باسم خط أنابيب "شرق- غرب" أو "بترولاين". ينقل هذا الخط النفط الخام من حقل بقيق في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على ساحل البحر الأحمر، ويمتد لمسافة تقارب 1200 كم عبر أراضي المملكة.
وتبرز أهمية هذا الخط في كونه يتيح تصدير النفط السعودي دون الاعتماد على المرور عبر مضيق هرمز، ما يمنح الرياض هامشًا استراتيجيًّا في حال حدوث توترات أو تهديدات في الخليج.
- خط أنابيب "غوره-جاسك": شغلت إيران خط أنابيب "غوره-جاسك" عبر ضخ النفط الخام فيه؛ مما يتيح لها تصدير النفط دون الحاجة إلى عبور مضيق هرمز، ويمتد الخط لمسافة تقارب 1000 كم، ناقلًا النفط من منطقة غوره في غرب محافظة بوشهر إلى ميناء جاسك في شرق محافظة هرمزغان، ومن شأن هذا المشروع أن يُسهم في تقليص تكاليف تصدير النفط، كما يعزز قدرة إيران على مواصلة تصدير نفطها حتى في ظل التوترات أو الاضطرابات الأمنية في منطقة الخليج ومضيق هرمز.
- خط أنابيب "سوميد": تلعب مصر دورًا محوريًّا كحلقة وصل بين الخليج وأوروبا في تجارة النفط؛ حيث تستقبل شحنات النفط الخليجي، وخاصة السعودي، في محطة العين السخنة. ويُنقل النفط عبر خط أنابيب "سوميد"، الذي يمتد لمسافة 320 كم من العين السخنة على خليج السويس إلى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للخط نحو 117 مليون طن سنويًّا؛ ما يجعله مسارًا استراتيجيًّا لتأمين إمدادات النفط من الخليج إلى الأسواق الأوروبية دون الاعتماد الكامل على الممرات المائية التقليدية مثل مضيق هرمز.
في ضوء ما سبق، يتضح أن الأزمات الجيوسياسية لا تكتفي بتعطيل تدفقات الطاقة فحسب، بل تُحدث تحولات بنيوية في خريطة ممرات الطاقة العالمية، ففي كل مرة يلوح فيها شبح الصراع أو التهديد الأمني، تتعزز قناعة الدول المنتجة والمستوردة للطاقة بضرورة تنويع خياراتها الاستراتيجية؛ سواء عبر إنشاء خطوط أنابيب برية وبحرية، أو تطوير موانٍ تصدير بديلة.
وفي هذا السياق، تبدو خريطة الطاقة المستقبلية مرشحة لمزيد من التعقيد والانقسام؛ حيث تزداد أهمية الأطراف القادرين على توفير الاستقرار والمرونة في زمن التقلُّب. ومن ثَمَّ، فإن مسألة أمن الممرات لم تَعُد فقط شأنًا تقنيًّا أو لوجستيًّا، بل أضحت جزءًا من معادلات الردع، والتحالفات، والحوكمة العالمية للطاقة. ولذلك؛ فإن التعامل مع أزمات مثل احتمال إغلاق مضيق هرمز لا يقتصر على الإجراءات العسكرية أو الدبلوماسية، بل يتطلب استراتيجيات طويلة الأمد لإعادة هندسة شبكة الطاقة العالمية على أسس أكثر أمنًا وتعددًا.