لماذا نعاند سلطان النوم رغم الإرهاق؟
تاريخ النشر: 24th, July 2023 GMT
يشعر أناسٌ كُثُر بالنعاس مع رغبة شديدة في النوم، ولكنهم يؤجلون الذهاب إلى الفراش لأقصى حد ممكن، ويشغلون أنفسهم بأشياء كثيرة هربا من النوم، ويذهب بعضهم إلى الفراش ويحاول إغماض عينيه من دون فائدة، إذ ثمة شيء ما في الدماغ يرفض الاستسلام للنوم، وفي هذه الأثناء تراود هؤلاء أفكار شتى، ويصيبهم الأرق والقلق بحيث يفرّ النوم من عيونهم رغم الإرهاق والنعاس الشديدين.
تعد مشكلات النوم سمة مميزة للحياة العصرية، وإذا أخذنا الولايات المتحدة -على سبيل المثال- نجد أن دراسة أجراها "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" عام 2016 أظهرت أن ثلث الأميركيين ينامون ساعات قليلة جدا في الليل، وزاد الأمر سوءا مع جائحة كورونا وضغوط الوباء وفقدان الوظائف وتعطيل الجداول الزمنية وإغلاق المدارس؛ مما أبقى أعدادا قياسية من البشر مستيقظين في الليل أو غير قادرين على الصحو في الصباح، وفق صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post).
مماطلة النومإذا كنت مرهقا وتعلم أنك بحاجة إلى النوم، ولكن هناك شيئا ما يعاند ويقاوم ويمنعك من إغلاق حاسبك المحمول أو النهوض عن الأريكة أمام التلفاز، أو مواصلة "التمرير" على جوالك، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما لا نهاية؛ فاعلم أنك من "مماطلي النوم".
وكتب فريق من الباحثين من جامعة أوتريخت في عدد حديث من مجلة "فرونتيرز إن سايكولوجي" ( Frontiers in Psychology) أن "مماطلة النوم تعرف بأنها عدم الذهاب إلى الفراش في الوقت المحدد، مع غياب أي ظروف خارجية تمنع الشخص من القيام بذلك".
ووجد الباحثون أن تأجيل وقت النوم كان مشكلة حقيقية للغاية عند عدد كبير من البشر، وهي مشكلة مرتبطة بالتسويف، بالإضافة إلى مشكلات التنظيم الذاتي.
ولكن السؤال هو: لماذا يحدث ذلك؟ لماذا نماطل النوم ونعانده مع معرفتنا الكاملة بأننا في أمسِّ الحاجة إليه؟
الانتقام من النومأضيفت كلمة "انتقام" إلى المصطلح السابق "مماطلة النوم" ليصبح المصطلح الجديد (مماطلة النوم والانتقام منه) أحد أكثر المصطلحات انتشارًا على شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيما بين الشباب.
وانتشر المصطلح أولا في الصين. وتقول ساندرا (شابة صينية تبلغ من العمر 24 عامًا وتعيش في باريس) لشبكة "غلامور" (Glamour) "إنها عبارة شائعة بين جيل الألفية والجيل زد في الصين".
وانتقل المصطلح من الصين إلى أرجاء العالم، ونقلته الكاتبة دافني كيه لي إلى اللغة الانجليزية عبر تغريدة لها على تويتر بوصفه "ظاهرة يرفض فيها الأشخاص الذين ليست لديهم سيطرة كبيرة على حياتهم النهارية النوم مبكرا لاستعادة بعض الشعور بالحرية خلال ساعات الليل المتأخرة".
هذا هو السبب إذا، نحن نعاند النوم ونماطله وننتقم من "وقت الفراش" لأن زمن النوم ليلا هو الوقت الوحيد الذي نمتلكه حقا، أما باقي اليوم فهو ليس لنا، إذ إنه للكد والتعب والعناء.
اكتشفت سامان حيدر (طالبة تدرس علم النفس في كلية الطب بجامعة أيوا الأميركية، وتبلغ من العمر 20 عاما) هذا المصطلح على موقع "غوغل" ذات ليلة وبقيت مستيقظة حتى الفجر. تقول حيدر "صادفت هذا المصطلح، وبمجرد أن قرأت التعريف الخاص به قلت هذه أنا".
ولما عرفت مشكلتها وما يمنعها من النوم، أنشأت حيدر مقطع فيديو خاصا على منصة "تيك توك" لمشاركة الفكرة ومعرفة رأي الآخرين فيها. وتقول في الفيديو -الذي شوهد نحو 13 مليون مرة- "اكتشفتُ شيئا ممتعا. هل تعلمون يا رفاق أن هناك شيئا جديدا اسمه "مماطلة النوم والانتقام منه"، حيث يرفض الناس النوم لأنهم لا يملكون سيطرة كبيرة على حياتهم النهارية، ويبقون حتى وقت متأخر جدا من الليل لأنهم لا يريدون أن ينتهي الوقت الذي يملكونه، ولا يريدون أن يأتي الغد؟"
حقق مقطع الفيديو هذا شهرة مدوية، وحصد آلاف التعليقات التي تقول "هذا أنا" (It’s me) لأنه بكل بساطة سمّى الأشياء بمسمياتها "لا نريد أن يأتي الغد"، ولهذا نبقى طوال الليل مفتوحي الأعين رغم تعبها ورغبتها في الانغلاق.
وحيدون جدافوق كل ذلك، نحن وحيدون جدا؛ ولهذا نبحث عن التواصل، ونبقى مفتوحي الأعين لوقت متأخر ونحن نمرّر بأصابعنا على شاشات هواتفنا، نبحث عن الآخرين كي نتواصل معهم.
تقول البروفيسورة آشلي ويلانز (باحثة وعالمة سلوك في كلية هارفارد للأعمال) لموقع "غليمور" "نحن بطبيعتنا حيوانات اجتماعية، وتوفر لنا وسائل التواصل الاجتماعي قناة اتصال مع الحياة الاجتماعية للآخرين التي لا تتوافر لنا بشكل خاص في الوقت الحالي". وتضيف "إن التمرير عبر هاتفك ليلا يسمح لنا بتخيل حقائق بديلة لأشياء يمكن أن نفعلها".
وتوافق المتخصصة الاجتماعية الدكتورة تشيلسي ريان على هذا القول، مؤكدة أن المبالغة في فعل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي رد فعل مفهوم على التباعد الاجتماعي.
لدى مديرة مختبر الإدراك المقارن في جامعة ييل الدكتورة لوري سانتوس -التي أصبح فصلها الدراسي عن علم نفس السعادة مشهورا عالميا- إجابة قد لا ترغب في سماعها؛ "إن الشعور بأن لديك القليل من وقت الفراغ هو أمر مهم لرفاهيتك إذا عرفت كيف تستغل هذا الوقت. ومعاندة النوم أو الانتقام منه هي بكل بساطة انتقام من نفسك؛ فالنوم مهم جدا لصحتك النفسية والعقلية، وقلَّته تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب والإرهاق والتعب، بحيث لا تغدو قادرا على الاستمتاع بيومك".
وتضيف "أشعر بالقلق من الأشخاص الذين يدورون في حلقة مفرغة من خلال تدمير وقت الفراغ المتاح لهم عن طريق عدم الحصول على قسط كاف من النوم".
بالطبع، نعلم جميعا أنه يجب أن نحصل على مزيد من النوم. لكن الدكتورة سانتوس لا تقدمه بوصفه "علاجا مزعجا" للجميع، وإنما على أنه "فرصة إستراتيجية" حقيقية لكسر دورة "الانتقام من النوم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی من النوم
إقرأ أيضاً:
"البرتغاليون في بحر عُمان"
محمد بن رامس الرواس
إن للتاريخ رجالًا يُعرفون بإنصافهم للأحداث، وصلابة أمانتهم البحثية، وسعة معرفتهم، وثقافتهم العالمية العالية، حتى أصبحوا نماذج فريدة في وطننا العربي؛ لأنهم ينظرون إلى التاريخ بعين النزاهة، ويدوِّنون المستندات والوثائق كمؤرخين باحثين في الأرشفة العالمية بإنصاف وبشجاعة نادرة؛ لأن ما سيكتبونه هو ذاكرة الشعوب. ومن هؤلاء صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة.
لقد دوَّن سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي الأحداث في موسوعته الجديدة "البرتغاليون في بحر عُمان" – التي تحتوي على 21 مجلدًا – بحسب التسلسل التاريخي بالسنوات من 1497م إلى 1757م، وأطلق عليها "الحوليات"، وجعل لها هوامش. ولقد أُنجز هذا العمل عبر جهد ثمين وسنين طويلة، فيه جعل الشيخ الدكتور بحر عُمان شاهدًا على الأحداث والواقع التي حدثت فيه عبر تحركات الأساطيل البرتغالية فيه. وهذه الموسوعة الثمينة تذكر جميع الأحداث والمعارك التي وقعت في تلك الفترة واستمرت لأكثر من 260 عامًا، بجانب أنها تكشف عن حقائق تاريخية تُذكر للمرة الأولى.
يتناول الكتاب بدايات الحملة البرتغالية على سواحل عُمان، وما صاحب ذلك من مقاومة لأهل عُمان والقبائل المحلية لذلك الاحتلال، كما يسلط الضوء على معارك حاسمة في صحار، ومسقط، وقلهات، وصور، كما يتحدث عن البُعد الاقتصادي لهذا الغزو؛ حيث سعى البرتغاليون للسيطرة على الموانئ من أجل التصدير البحري والتجارة العابرة في بحر العرب وبحر عُمان.
لقد أولى صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي هذه الموسوعة اهتمامًا واضحًا من خلال إبرازِه لدور القوى المحلية والإقليمية، وما حدث من تحالفات بينها وبين إيران والعثمانيين من أجل التصدي لهذا الوجود البرتغالي الغاشم.
ولقد رصدت الموسوعة بشمولية تفاصيل النهوض العُماني بقيادة الإمام ناصر بن مرشد، ومن جاء بعده من الأئمة حتى التحرير الكامل لسواحل عُمان من الاستعمار البرتغالي.
وفي هذه الموسوعة، لم يكتفِ صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي بسرد الأحداث؛ بل أعاد بناء المشهد التاريخي بكل إنصاف وحيادية، وكانت مرجعيته أرشيفات ووثائق عالمية نادرة موثوقة، وزار عدة مؤسسات أرشيفية ووثائقية، بدءًا من لشبونة إلى لندن ثم باريس وإسطنبول. ولقد تجاوزتْ كتابتُه الأسلوبَ الأكاديمي الجاف؛ فقدَّم موسوعة بلغة رشيقة تجمع بين الدقة العلمية وجمال السرد؛ مما يجعلها مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والقراء.
إنَّ هذه الموسوعة تُعد بحق شهادة تاريخية على مقاومة الشعوب للاستعمار، وتُنِمّ عن عبقرية المؤرخ الذي أراد أن يُعيد للعرب تاريخهم وهيبتهم، ويُثبت أن ما حدث في تلك الحقبة من الزمن بسواحل بحر عُمان والخليج العربي سيظل رمزًا للهوية العربية العُمانية الأصيلة المقاومة في ذاكرة شعوب الخليج؛ حيث لم تكن يومًا مُنصاعة وخاضعة؛ بل كانت تقاوم وتكتب تاريخها بالدماء والصمود.
ولقد اتَّبع صاحب السمو الدكتور سلطان في موسوعته منهجًا مُتفردًا، بعد أن جمع مجموعة كبيرة من المخطوطات الهندية والبرتغالية والهولندية والبريطانية، وفرزها حسب السنوات، وصنَّفها، ومن ثم ترجمها من البرتغالية القديمة ثم إلى البرتغالية الحديثة ثم إلى الإنجليزية. وهذه الموسوعة تُبحِر بنا في رحلة مع الزمن، تنقلنا بين الأحداث والوقائع، وما دوَّنه البرتغاليون بأنفسهم في مخاطباتهم ومؤلفاتهم، إلى جانب سرد الحياة السياسية والاقتصادية في تلك الحقبة من الزمن، وما صاحبها من أحوال، وأهوال، ووقائع، وأحداث، وظروف شهدتها منطقة بحر عُمان في تلك الفترة. ولقد كشفت وثائق الموسوعة أطماع البرتغاليين، وأساليبهم من أجل تقوية نفوذهم واقتصادهم بالمنطقة، وما عقدوه من اتفاقيات مع الهنود لأجل إضعاف اقتصاد عُمان، وتُبيِّن أساليبهم الرامية إلى الهيمنة والسيطرة على منافذ التجارة. ولقد جاء في بنود هذه الاتفاقيات: «ألّا تتعاونوا مع العرب في عُمان، ولا تفتحوا مجالًا للتجارة معهم».
لقد كان أسلوب الشيخ سلطان القاسمي رائعًا في نقل القارئ في رحلة عبر الزمن، بتدرج زمني يجعله يعيش التاريخ ووقائعه وأحداثه بسردية متفردة عبر السنين، يستمتع بها الباحث والقارئ على حدٍّ سواء، فيطلعان على معلومات وحقائق كثيرٌ منها يُعرض لأول مرة، وتميط اللثام عن حقائق كانت غامضة، وتحتوي على وقائع وأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية بتفاصيل. ومما ميَّز حوليات الموسوعة؛ كونها تسرد الأحداث بتسلسل وتتابع، وهي جمع توثيقي فريد من نوعه في العصر الحديث، تفرَّد به الشيخ الدكتور سلطان. جهد ثمين وسنوات طوال تجوَّل خلالها الشيخ الدكتور في الأرشيفات العالمية بالهند والبرتغال وبريطانيا وهولندا، وجعل من سرد الوثائق أداة سهلة لجمع المعلومات عن تاريخ بلد ما أو أشخاص، وعزَّز هذه الوثائق بهوامش توضيحية تُسهل على القارئ الفهم والاستفادة.
رابط مختصر