كيف تكون الطاقة المتجددة نظيفة وموثوقة في نفس الوقت؟
تاريخ النشر: 11th, July 2025 GMT
تعدّ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أساسيتين لمستقبل منخفض الكربون، إلا أن إنتاجهما لا يتوفر دائما عند الحاجة الماسة إليه. ومع تزايد اعتماد أنظمة الطاقة على مصادر متجددة، فإن إدارة تقلباتها تمثل تحديا لضمان شبكة كهرباء مستقرة وموثوقة.
وعلى الرغم من الانخفاضات الكبيرة في التكاليف وانتشارها على نطاق واسع، تواجه مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تحديا جوهريا، فهي لا تُنتج الطاقة إلا عند سطوع الشمس أو هبوب الرياح.
وضمن مصطلحات الطاقة، يشير التقطع إلى العرض المتغير من مصادر معينة. أو بعبارة أخرى، الطاقة التي لا تتوفر عند الطلب ولكن فقط عندما تسمح الظروف بذلك.
وبخلاف محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز أو الفحم، والتي يمكن تشغيلها أو خفضها بما يتناسب مع الاستهلاك، لا تنتج مزرعة الطاقة الشمسية الكهرباء إلا عند سطوع الشمس، بينما لا تنتج توربينات الرياح الكهرباء إلا عند حركة الهواء.
وتتبع الطاقة الشمسية دورة يومية واضحة، إذ يرتفع الإنتاج صباحا، ويبلغ ذروته عند الظهيرة، وينخفض إلى الصفر ليلا. وحتى منتصف النهار، يمكن لسحابة عابرة أن تُخفّض إنتاج الطاقة الشمسية لفترة وجيزة.
وقد تُخفّض السحب الخفيفة الإنتاج بنحو 24%، بينما يُمكن لطبقات السحب الكثيفة أن تُخفّضه بنسبة تصل إلى 67% حسب الدراسات.
وتخضع طاقة الرياح أيضا لتغيرات في أنماط الغلاف الجوي. وتكون بعض الفصول والمناطق أكثر رياحا من غيرها (في العديد من المناطق، تهب الرياح بقوة أكبر خلال ليالي الشتاء مقارنةً بأيام الصيف) مما قد يُعوّض أنماط الطاقة الشمسية إلى حد ما.
وهذا يعني أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تُكمّلان بعضهما البعض بشكل طبيعي إلى حد ما، فغالبا ما تنشط الرياح عند انحسار الطاقة الشمسية، والعكس صحيح. ومع ذلك، يمكن أن تفشلا في توفير الطاقة في نفس الوقت.
يُغيّر دمج كميات كبيرة من الطاقة المُرتبطة بالطقس في شبكة الكهرباء آلية عمل الشبكة، وتتطلب شبكات الطاقة توازنا ثابتا بين العرض والطلب في الوقت الفعلي.
إعلانوتقليديا، كان يُحافظ على هذا التوازن باستخدام مولدات قابلة للتحكم، فإذا ارتفع الطلب كان بإمكان مشغلي الشبكة ببساطة توزيع المزيد من الطاقة من محطة تعمل بالفحم أو الغاز أو الطاقة الكهرومائية.
أما مع انقطاع مصادر الطاقة المتجددة، فإن تحكم المشغلين المباشر أقل بكثير. ولا يمكن توزيع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حسب الرغبة، لذلك عندما لا توفر الطبيعة الطاقة، يجب على الشبكة إيجاد طاقة بديلة بسرعة أو خفض الطلب. وهذا يُشكل تحديات جديدة للموثوقية ولطريقة تصميم أنظمة الطاقة على مدى عقود.
ومن التحديات الرئيسية أيضا التعامل مع التقلبات السريعة في العرض والطلب. فمع ارتفاع وانخفاض إنتاج الطاقة الشمسية، يتعين على محطات توليد الطاقة الأخرى زيادة أو خفض إنتاجها بسرعة فائقة لسد الفجوات، وهو ما قد لا يتوفر دائما.
وقد يؤدي سوء التقدير أو النقص الطفيف في الطاقة إلى انخفاض الجهد أو انقطاعه عند غروب الشمس. كما يُمكن أن تكون طاقة الرياح غير مُستقرة بالقدر نفسه مع هبات أو فترات هدوء مفاجئة تتطلب موارد أخرى للاستجابة الفورية.
وهناك مشكلة فنية أخرى تتمثل في الحفاظ على استقرار الشبكة (التردد والجهد) عند الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. فمحطات الطاقة التقليدية ذات التوربينات الدوارة الكبيرة تُوفر بطبيعتها القصور الذاتي، وهو زخم استقرار يُحافظ على ثبات تردد الشبكة في مواجهة الاضطرابات الطفيفة.
وتتصل الألواح الشمسية والعديد من توربينات الرياح الحديثة عبر محولات كهربائية، ولا تُساهم في القصور الذاتي. ونتيجة لذلك، تكون الشبكة التي تُهيمن عليها مصادر الطاقة المتجددة أكثر حساسية للاختلالات، نظرًا لانخفاض المقاومة الفيزيائية للتغيرات المفاجئة في التردد.
ومع ارتفاع نسبة العرض المتغير، قد ينحرف تردد النظام بسرعة في حال مرور سحابة أو انخفاض سرعة الرياح، ما لم تُفعّل مصادر أخرى فورا. وتُظهر الدراسات أن زيادة نسبة توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية تُقلل من قصور النظام الذاتي، وتتطلب إستراتيجيات استجابة أسرع للحفاظ على استقرار التردد والجهد.
ويعتمد مشغلو الشبكات بشكل متزايد على احتياطيات الاستجابة السريعة، مثل البطاريات، لإدارة هذه التقلبات لحظة بلحظة. كما يستثمرون في دراسة التقلبات للتنبؤ بانخفاضات وذروات إنتاج الطاقة المتجددة والاستعداد وفقا لذلك.
يمكن لمجموعة متنوعة من الحلول، بعضها قيد الاستخدام بالفعل والبعض الآخر لا يزال ناشئا، أن تخفف من عدم موثوقية مصادر الطاقة المتجددة وتعزز استقرار الشبكة.
ومن بين الحلول المطروحة عملية التخزين، إذ تُستخدم البطاريات (عادةً بطاريات ليثيوم أيون) على نطاق الشبكة لامتصاص فائض الكهرباء عند ارتفاع إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإطلاقها عند انخفاض الإنتاج.
ويمكن لمزارع البطاريات الكبيرة تخزين فائض الطاقة الشمسية عند الظهيرة، ثم إعادة ضخه إلى الشبكة بعد غروب الشمس.
إعلانومع انخفاض تكاليف البطاريات بشكل كبير، يمكن أن تكون حلا جيدا لتحقيق التوازن على المدى القصير (كل ساعة). وتعتمد خرائط طريق الطاقة -لتحقيق صافي انبعاثات صفري- على التوسع الهائل في تخزين البطاريات لإدارة التقلبات الساعية واليومية لمصادر الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على استقرار الشبكات.
كما تُشجّع برامج الاستجابة للطلب المستهلكين -من الصناعات الثقيلة إلى المنازل- على تحويل استهلاكهم للكهرباء إلى أوقات توفر الطاقة المتجددة أو تقليله خلال فترات الذروة.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال حوافز سعرية أو إشارات آلية، مثل خصومات على تشغيل الأجهزة أو شحن السيارات الكهربائية منتصف النهار بدلا من المساء. وتُساعد هذه الإستراتيجيات على استقرار مستويات الطلب بين فترات الذروة والانخفاض، مما يُسهّل توفير الكهرباء بإمدادات متغيرة.
وهناك أيضا طريقة أخرى لمواجهة الانقطاع المحلي وهي ربط الشبكات عبر مناطق جغرافية أكبر، حيث يتم تقاسم الطاقة. فإذا كانت منطقة ما هادئة أو غارقة في الظلام، فيمكنها استيراد الطاقة من أماكن أخرى لديها فائض. وتربط خطوط نقل الجهد العالي الآن العديد من البلدان والمناطق.
ويعمل الباحثون والمهندسون أيضا على تطوير طرق لمعالجة مشكلة التقطع طويل الأمد الذي يستمر لأيام أو أسابيع، وأحد الأساليب هو تخزين فائض الطاقة المتجددة على شكل وقود كيميائي لاستخدامه لاحقا.
وعلى سبيل المثال، يمكن تشغيل فائض الكهرباء في أسبوع عاصف باستخدام أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر من الماء. ويتم تخزين هذا الهيدروجين تحت الأرض أو في خزانات، لاستخدامه لاحقا في توليد الكهرباء (عبر خلايا الوقود أو التوربينات) خلال فترات انقطاع الطاقة الشمسية أو الرياح لفترات طويلة.
ولا يمكن حتى الآن استبدال جميع محطات الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة دون تغيير الشبكة نفسها. ويُشكّل تنوع طاقة الرياح والطاقة الشمسية تحديا للتصميم التقليدي لأنظمة الكهرباء التي اعتمدت طويلا على إمداد ثابت وقابل للتحكم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات تلوث مصادر الطاقة المتجددة الطاقة الشمسیة إنتاج الطاقة على استقرار الشمسیة ت
إقرأ أيضاً:
» «مصدر» و«إيبردرولا» تستثمران في مشروع لطاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة
أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، و«إيبردرولا»، إحدى أكبر شركات الطاقة على مستوى العالم، عن تعزيز شراكتهما من خلال الاستثمار المشترك في محطة «إيست إنجليا 3» لطاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة.
كما أعلنت الشركتان عن التشغيل الكامل لمحطة «إيغل بحر البلطيق» لطاقة الرياح البحرية في ألمانيا بقدرة 476 ميجاواط، فيما تسهم هاتان المحطتان في دعم تحقيق أهداف أوروبا والمملكة المتحدة في قطاع طاقة الرياح البحرية، كما تندرجان في إطار اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها «مصدر» و«إيبردرولا» بقيمة 59.9 مليار درهم «15 مليار يورو» والتي تهدف إلى تطوير مشروعات طاقة نظيفة في أسواق رئيسية تشمل ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وتمثل الشراكة الاستراتيجية التي تم توقيعها بين «مصدر» و«إيبردرولا» في ديسمبر من عام 2023، واحدة من أبرز وأكبر الشراكات الثنائية في قطاع الطاقة النظيفة عالمياً. وسوف تسهم هذه المشروعات في تسريع وتيرة تطوير قطاع طاقة الرياح البحرية في أوروبا، كما أنها تعكس التزام الشركتين بدعم جهود مضاعفة الإنتاج العالمي من الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030.
وقال معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مجلس إدارة «مصدر»، إنه تماشياً مع رؤية القيادة وتوجيهاتها بتعزيز الشراكات النوعية ودعم التنمية المستدامة، تواصل «مصدر» و«إيبردرولا» بناء واحدة من أكبر وأهم الشراكات الاستراتيجية في مجال الطاقة النظيفة، والتي تستهدف تسريع وتيرة الجهود لزيادة القدرات الإنتاجية في قطاع الطاقة في أوروبا والعالم.
وستسهم مشروعات طاقة الرياح البحرية بدور فاعل في إحداث نقلة نوعية في نُظُم الطاقة العالمية، وتعد المشروعات الرائدة مثل «إيغل بحر البلطيق» و«إيست إنجليا 3»، خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف الطاقة النظيفة في الدول الأوروبية الكبرى.
واتفقت «مصدر» و«إيبردرولا» على استثمار مشترك في محطة «إيست إنجليا 3» لطاقة الرياح البحرية بقدرة 1.4 جيجاواط في المملكة المتحدة، وذلك في صفقة تعد إحدى الأكبر من نوعها في قطاع طاقة الرياح البحرية خلال السنوات العشر الماضية.
وبموجب الاتفاقية، ستحصل كل شركة على حصة 50% في المشروع والإدارة المشتركة للمحطة، بما يسهم بدور مهم في تحقيق الأهداف الطموحة لمشروعات طاقة الرياح البحرية في أوروبا، وقد تم استيفاء جميع الشروط المُسبقة، ومن المتوقع إتمام الصفقة قريباً.
وتم في 9 يوليو توقيع اتفاقية التمويل لمشروع «إيست إنجليا 3» بقيمة تقارب 15.9 مليار درهم «3.5 مليار جنيه إسترليني/4.1 مليار يورو» بمشاركة 24 بنكاً دولياً، وتجاوز مجموع التمويل نسبة 40%، ما يجعلها من بين أكبر الصفقات من نوعها على الإطلاق، كما سيسهم هذا التمويل في تغطية جزء كبير من التكلفة الإجمالية للمشروع، التي تُقدّر بنحو 20.2 مليار درهم «5.2 مليار يورو»، من دون توحيد القروض في القوائم المالية لأي من الشركاء.
وعند بدء مرحلة التشغيل في الربع الأخير من عام 2026، ستكون محطة «إيست أنجليا 3» الواقعة قبالة ساحل «سوفولك» في المملكة المتحدة، واحدة من أكبر محطتين لطاقة رياح بحرية على مستوى العالم، وستسهم عند تشغيلها بتزويد 1.3 مليون منزل بالكهرباء في بريطانيا.
وأعلنت شركتا «مصدر» و«إيبردرولا» أيضاً اكتمال تشغيل محطة «إيغل بحر البلطيق» لطاقة الرياح البحرية بألمانيا، بقدرة 476 ميجاواط ما يمثل خطوةً مهمة تسهم في دعم طموحات ألمانيا في مجال الطاقة النظيفة، وترسيخ ريادة الشركتين في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة.
وستسهم المحطة في تزويد نحو 475 ألف منزل بالطاقة المتجددة وتفادي انبعاث حوالي 800 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، فيما يعتبر مشروع محطة «إيغل بحر البلطيق» الثاني من بين ثلاثة مشروعات رئيسية لشركة «ايبردرولا» في مجال طاقة الرياح في ألمانيا، إلى جانب مشروع «ويكنجر» بقدرة 350 ميجاواط وهو قيد التشغيل حالياً، ومشروع «ويندانكر» بقدرة 315 ميجاواط، المخطط إنجازه لاحقاً.
وتشكل هذه المحطات مجتمعة منصة شركة «إيبردرولا» لطاقة الرياح البحرية في بحر البلطيق. ويعد مشروع محطة «إيغل بحر البلطيق» الأول لشركة «مصدر» في ألمانيا وأول تعاون مع «ايبردرولا»، ويعتبر أكبر صفقة تمويل باليورو تجريها الشركة على الإطلاق.
وقال إغناسيو غالان، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في «إيبردرولا»، إن الاستثمار المشترك مع «مصدر» في مشروع «إيست إنجليا 3» لطاقة الرياح البحرية، سيتيح تسريع وتيرة تنفيذ خطط «إيبردرولا» الاستراتيجية في المملكة المتحدة التي تستثمر فيها 24 مليار يورو حتى عام 2028، وذلك في عدد من المجالات التي تشمل شبكات نقل وتوزيع الطاقة والطاقة المتجددة.
من جانبه، قال محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة «مصدر»، إن هذه الشراكة الاستراتيجية تجسد التزام الشركة الراسخ بدعم الجهود الهادفة إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع الطاقة الأوروبي، والإسهام في تحقيق الأهداف المناخية العالمية.