«كائن رمادى» عنوان لافت للنص الجديد للروائى «نشأت المصرى».. ترى ما أو من هذا الكائن؟ وكيف بدا رماديًا؟

أخبار متعلقة

السيد نجم يكتب: «ألوان الوجع» للقاص «فرج مجاهد عبدالوهاب».. عين الصقر تلتقط الأوجاع

«الحلم والدم» رواية جديدة لإحدى دور النشر

صدور رواية «زهرة» للكاتبة العراقية ميسلون فاخر

لعل دلالات اللون الرمادى تعبر عما أنجزه الروائى أو حاول التعبير عنه.

هنالك العديد من الدلالات والمعانى التى يُعبّر عنها اللون الرمادى، منها: التوازن والرسمية والقوة.. حيث يرتبط اللون الرمادى بسلسلةٍ من المفاهيم والمعانى العمليّة الباهتة، فهو لون مُحايد ومتوازن ينتج عن مزج اللونين الأبيض والأسود.. ترى كيف بدت تلك الخصوصية بين طيات النص؟

السيد نجم

الشخصية المحورية «وليد» يبدو مستقرا ليلة زفاف ابنته، التى كانت تفتح له الباب فور أول طرقة، فبعد انتهاء الحفل وانصراف المدعوين، سبقته زوجته «غادة» إلى شقتهما، وهى واهنة السمع.. وارتد بذاكرته الصدئة إلى أول يوم فى زواجه هو، وما حدث من تحولات.. كان عمودها الفقرى.

يلاحظ القارئ أن فقرات قليلة وقصيرة فى بدايات النص، تتضمن تلك اللقطات السريعة وما يمكن أن نتوقف أمامها: (وليد يبدو مستقرا..)، (وصف نفسه بالغباء والجحود معًا)، (ركبت عربتى وانطلقت.. وصلت عربتى إلى منطقة زراعية.. أقصد الموسيقى مع الزرع، فتحت خزانة الموسيقى.. سمعت أيقونة الراعى الوحيد لجورج زامفير)، وكلها بدت تعبيرا عن دلالات اللون الرمادى بداية، التوازن النفسى واتخاذ القرار المناسب حسب الأحوال، الثقة بالنفس أو القوة وصف نفسه بالغباء، بينما الأحداث من بعد لا تشى بغبائه.. مع وقفات تشى بمعنى الوفاء لأمه (مثلا)، حيث قرر زيارتها فى قبرها فى الصباح.. وهكذا.

نشأت المصري

.. كما ترصد المراجع أن اللون الرمادى ينتج عن مزيج بين اللون الأبيض والأسود.. قد ينتج عن زيادة اللون الأسود فيه الحصول على الدرجة الرماديّة الداكنة التى تُعبر عن القوة المُستمدة من رمزيّة الأسود.. وفى زيادة درجة الأبيض فقد يحمل بعض صفاته بالمُقابل أيضاً.

مع متابعة وليد فى صفحات تالية، تنكشف لنا شخصيته التى تتسم بالفنية والحلم بمعنى الرغبة فى التجاوز والبحث عن عالم سعيد، خرج بسيارته فسمع موسيقى يعشقها وسط الحقول.. (جزء كبير من العقل يعمل فى مهمة التبرير، وما أدراك ما التبرير؟!. وسيلة خائبة لتغلق أسئلة غالبة، أنا أيضا تجهدنى الدوائر المفرغة. عموما إننى الآن فى نشوة منقوصة بمشاعرى الرمادية، البهجة أن ترفع راية إرادتك المطلقة وتمضى، تمشى أو تسبح أو تطير، أما أنا فترفعنى راية القدر على هواها، وكلما تجنبتها لاحقتنى، واعتلت رأسى، أحن إلى فضاء براح، لأجرب الانطلاق فورا، ولكن إلى أين؟، لا يهم، ليكن إلى المجهول..).

ترى أى درجة من اللون تغلب هنا، الأبيض أم الأسود، حتما سوف تتعدد القراءات، وما يهمنا تلك الحالة التى عليها «وليد».. حالة الحلم بعالم من الموسيقى والتناغم والخضرة أو النماء.. هنا وقفة فكرية ضمن وقفات كثيرة فى النص، حيث يناقش فكرة «التبرير»، وهو مصطلح شائع مع قراء علم النفس.. ويرفضه وليد لأنه وسيلة خائبة، على حد قوله.. لأنه يرغب فى (التجريب) تجريب الانطلاق، ولا يهم ﺇلى أين؟.. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة فى حياة وليد ومع القراء فى نص مزج فيه الكاتب السرد التقليدى الاجتماعى بملامح ومعطيات علم النفس.

غلاف الكتاب

.. وﺇن كان اللون الرمادى يرتبط فى درجته الداكنة بمشاعر نفسيّة عميقة من الوحدة والحزن، وقد يُرافقها مشاعر الإحباط والخسارة أيضاً، حيث إنّه لون الهدوء، لكن الكثير منه يؤدى للتأمل الذاتى المُبالغ وغير المرغوب به، والذى يقود للوحدة.

كم حاول وليد مواجهة تلك الحالة التى انتابته، وكم يسعى لتحقيق الهدوء، فكانت فكرته فى السفر، لعله الرحيل أكثر تعبيرا على حالته: (ركبت أول قطار ومعى حقيبة والمحمول يرن، فليخرس، لا أحب أن يلاحقنى شىء.. وصل القطار إلى محطته الأخيرة، تأهبت لركوب قطار آخر، كل القطارات لها نهايات.. ولو كان هناك قطار يأتمر بأمرى، سيتوقف عند نقطة ضرورية كى لا يسقط فى المحيط، وبالرغم من أن كل شىء يبدو مجهولا إلا أنه لا شىء مجهول بالمرة، قد لا ندرى ما يحمله الغد، لكنه لا يخرج عن احتمالات محدودة فأين المجهول؟، إننا نتحرك فى جغرافيا معلومة لنا منذ زمان بعيد، الهروب أكذوبة، أين أنام الآن؟، الفندق هو الحل، حجزت غرفة بالطابق الأعلى..).

.. ويرتبط اللون بالميل للصدق والشفافيّة والنزاهة التى تجعل المخادعين ينفرون منه، إضافةً لرمزيته حول السيطرة والالتزام بالقواعد.

لم يصبر وليد، عاد منزله، حيث زوجته العاجزة عن التحرك تقريبا، والتى تهمل شؤون المنزل، حتى إنه لم يجد ما يأكله فى العشاء: (فى الصباح، ركبت القطار نفسه الذى أتى بى إلى الفندق، وككائن مطيع وديع راح يعدو، وتملكنى الفزع خشية أن يحترق أو ينقلب أو ينحرف إلى فندق آخر فى لحظة تمرد على طريقه الثابت.. ضحكت زوجتى التى لا تتحرك إلا قليلا وببطء شديد... قالت: اختر لنفسك ما تشاء من بقايا الطعام بالثلاجة، أنت تهمل فى شراء الطعام هذه الأيام يا وليد).

.. كما أن اللون الرمادى قد يعبر عن الغموض والتعقيد يخشى البعض اختيار اللون ظناً منهم أنه لون مُعقد، ويعتمد ذلك على درجة اللون المُختار، حيث إنّ اللون الرمادى الداكن قد يمنح المُشاهد شعوراً بالإحباط.. بينما اللون فاتح ومُشرق، فقد يعمل بطريقةٍ عكسية، ويكون تأثيره هادئاً ولطيفاً، فهو لونٌ دبلوماسى أنيق ومُتميّز ومُحايد، كما يعمل كحلٍّ وسطى وأساسى للاتفاق المعقول.

فلما جاءته مكالمة صديقته الشابة التى تصغره الليبية، نسى ما تفعله زوجته وانفتح النص مع قلب وعقل وليد على درجة مبهجة من اللون الرمادى.. (المحمول ينادينى، إنها صديقتى الليبية، خمس سنوات عمر صداقتنا، أقر بأننى أستريح للحوار معها، وهى كذلك، قالت غير مرة: لا أحب أن أثرثر إلا معك. قالت: «كيف صبرنا وثابرنا طوال هذه السنوات، كأننا تزوجنا سرا أو نلتقى فى حجرات الوهم؟».. «لو كنت صادقة فى فكرة الزواج، فإننى أؤكد لك أننى فى مثل عمر أبيك».. ثم نابع: «كل ما بيننا جميل ولا شىء مهم، ولكل شىء جميل نهاية لأنه مؤقت».. «أرهقتنى بتلك الكلمة يا صديقى، القبح والألم أيضا مؤقت، أحتاج جدا إلى ابتسامة، كن سعيدا أرجوك لأقلدك، أيضا..»).

.. يُشير اللون الرمادى وبعض المصطلحات الرمادية بشكلٍ خاص إلى سلسلة من المفاهيم والدلالات: الشعر الرمادى مُصطلح يدل على التقدم فى السن، إضافةً لعبارة القوة الرمادية التى تُعبر عن قوة الأشخاص الكبار فى السن أيضاً، كما أنه يُشير إلى الحكمة المُكتسبة من الخبرات مع تقدمهم بالسن. الصفحة الرمادية تدل على صفحة مليئة بالكلمات والجمل، وخالية من المساحات البيضاء الفارغة. المياه الرمادية تُشير للمياه المُتسخة، أو مياه الصرف الصحى التى تُستخرج من بعض المرافق كالمطابخ والحمامات. يُعبر مُصطلح المادة الرمادية عن العقل، والفكر، والذكاء. تُشير عبارة السوق الرمادية لمكان بيع السلع والأشياء بسعرٍ أقل من سعرها المُناسب.

شاء الروائى أن تتوزع تلك الملامح للون الرمادى على مدار الرواية فى مواقف ووقفات: (بعد أيام وصلتنى أوراق وأخبار ومستندات صحيحة بوفاة صديقتى التى كانت مصابة بمرض خطير لم تخبرنى به.. لم أستوعب بسهولة مفاجأة تنازلها عن كل ما تملك لى كما أوصت بالكلب لى كذلك، وأصبحت ما بين ليلة وضحاها أملك نحو خمسة ملايين دينار وكلبا لطيفا).

وها هى وقفة مع بائع البكيا أو الأشياء القديمة للتعبير عن السوق الرمادية: (لا أدرى لماذا استقر المقام بتاجر «البيكيا» إلى الوقوف أسفل نافذتى، ورفع صوته كأنه عثر على ضالته، أشرت إليه أن يصعد.. أدخلته إلى غرفة معظمها متروكات وأجهزة وأشياء مهملة، وضع الفتى يده على جهاز تلفاز مزخرف بالتراب، قال لى: هل تحتاج إليه؟، قلت: خذه. قال: حسنا. وكأنه اعتبرنى فوضته فى تحديد ما لا أريده، أشار إلى لعبة قديمة، قال: وتلك؟، لن أقول له إننى أستبقيها للذكرى.. أشرت إليه أن يضمها إلى التلفاز، أمسك بعصا ذات مقبض فضى، ملقاة على الأرض، نظر لى، وددت أن أقول له: كلا، فقد أحتاج إليها قريبا، كما أنها من رائحة الوالد رحمه الله، كأنما أدرك الفتى ما يدور بخلدى فتركها، ثم سألنى عن المقابل الذى يسدده. قلت: ادفع مبلغا لا أعارضك فيه. جمع من جيبه بعض النقود الورقية وسلمها لى منتظرا رأيى. فوجئ بأننى وضعتها فى جيبى دون رغبة فى معرفة قيمتها. انصرف شاكرا).

فى المقابل تتالت الأحداث التى تتسم بأمرين، الجانب الفكرى والجانب النفسى، وهو ما يعكس جملة قراءات الروائى فيهما كعلوم معرفية.. الرواية فيها الكثير من المداخل التى يمكن الولوج ﺇليها، وهو ما نرجو أن نتابعه بقلم آخر قريبًا.

السيد نجم نشأت المصرى

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين السيد نجم زي النهاردة السید نجم التى ت

إقرأ أيضاً:

مصر الصامدة

قبل 52 عامًا، عندما اندلعت حرب العبور العظيم ظهر السبت 6 أكتوبر 1973، كان الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون مشغولًا بفضيحة ووتر جيت، بينما كان وزير خارجيته هنرى كيسنجر مشغولًا بصناعة مجد إسرائيل، وينتظر يومًا صعبًا على الجيش المصرى باعتبار أن المصريين سيفشلون فى عبور تحصينات خط بارليف.
أما السوفييت، فكانوا يفتحون صفحة جديدة من التقارب مع خصومهم الأمريكيين، خصوصًا بعد أن وقع البلدان معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (SALT I).
لكن.. عندما حلت صبيحةَ يوم الأحد 7 أكتوبر 1973، كان الجيش المصرى دمر بارليف ووضع 5 فرق مشاةٍ و1000 ألف دبابةٍ، على الضفة الشرقية للقناة.
اتصل الأمريكان على مضض، بالرئيس السادات، طالبين وقف الحرب، على أمل أن يرفض ويتيحوا هم الفرصة لإسرائيل بتأديب العرب فى هجوم مضاد يوم 8 أكتوبر كما كان يردد كيسنجر دائمًا.
ثمانية ألويةٍ إسرائيلية مدرعةٍ تضم 960 دبابة معظمها «سنتوريون» و«إم 60» الأمريكية موحدة العيار والمزودة بأجهزة متطورة، كانت تعتقد أنها ستطرد الجيش المصرى بسلاحه الروسى الذى يضم دبابات 800 دبابة قديمة تى 34 وتى 54 وتى 55، و200 دبابة حديثة فقط «تى 62».
طبعا بخلاف سلاح الطيران الإسرائيلى المتفوق جدًا فى ذلك الوقت.
لكن المصريين فاجأوهم، وكسروا الهجوم الإسرائيلى المضاد يومى 8 و9 و10 أكتوبر، ودمروا غالبية المدرعات وأسقطوا عشرات الطائرات، بأسلحة روسية متقدمة تعتمد على مهارة الجنود ومنها صواريخ فهد أو «مالوتكا» التى نجح به جندى مصرى واحد هو الرقيب أول محمد عبدالعاطى فى تدمير 23 دبابة.
استغاثت جولدا مائير، بالرئيس الأمريكى قائلة: «إسرائيل تنهار.. أنقذونا من الطوفان المصرى»، وجاء الرد سريعًا عبر عملية «نيكل جراس» أو الجسر الجوى الإستراتيجى لتوصيل 22 ألف طن من الدبابات والمدفعية والذخيرة.. وغالبيتنا يعرف تسلسل الأحداث بعد هذا الجسر، والدور الأمريكى فى حصار الجيش الثالث المصرى.
لكن بين أكتوبر 1973 وأكتوبر 2025، حدثت تحولات كثيرة فى العالم، أبرزها الموقف الأمريكى المهيمن فى الشرق الأوسط.
فقبل 52 عامًا، كان الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، ووزير خارجيته اليهودى هنرى كيسنجر، يديران الحرب ضد مصر وسوريا ودول عربية أخرى.
أما الآن، فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ومندوبه السامى للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، يزوران مصر من أجل «السلام فى الشرق الأوسط»، أو بمعنى أدق مصالحهما فى الشرق الأوسط.
ربما فهم الأمريكان، العقلية العربية، فاستطاعوا تحييدها وإبعادها عن فكرة المناورة.. لكن المؤكد أن العقلية المصرية أكثر وعيًا بالعقلية الأمريكية.. والدليل هو القدرة المصرية على المناورة أمام الهيمنة الأمريكية على العالم منذ 1973 وحتى يومنا هذا.
فى حرب أكتوبر واجه الرئيس السادات، غرور الجيش الإسرائيلى وحطمه، ولم ينجحوا فى جره إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الأمريكى.
وبعد أكتوبر 2023، كان الهدف جر مصر إلى نفس السيناريو، خصوصًا بعد انتقال حاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية إلى شرق المتوسط لحماية إسرائيل.
وطوال الـ24 شهرًا فى حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، كانت هناك تحولات، فى سوريا التى سقط فيها نظام الأسد وتم استبداله بنظام موالى لتركيا بدلًا من إيران، وفى لبنان التى قوض فيها حزب الله، وقتل أمينه العام التاريخى حسن نصر الله، ثم خليفته.
كانت هناك تحولات فى إيران التى تمت تصفية قادتها السياسيين والعسكريين والمعلوماتيين، وتصفية علماء البرنامج النووى، وقصفها بأعتى القاذفات الاستراتيجية الأمريكية.
إهانة قادة عرب، وتنكيل بدول عربية وإذلال أمريكى، وضربات على قطر واليمن وتونس والعراق.
أوراق ضغط من الخارج، وأصوات تخوين من الداخل ضد القيادة المصرية، وادعاءات بتجويع الأشقاء فى غزة، والاشتراك فى مخطط التهجير.
ثم بقيت مصر صامدة، صمود أكتوبر 1973، أمام الهيمنة الأمريكية المطلقة، لتعود فى النهاية إلى مكانتا الطبيعية الريادية فى المنطقة.
مخطئ من يعتقد أن مصر ضد المقاومة الفلسطينية، ومخطئ أيضًا من يعتقد أن مصر ضد السلام العادل الشامل.
حفظ الله مصر

مقالات مشابهة

  • الجندي يفسر سر اختيار الذهب لوصف نعيم الجنة ويدلل على رمزية اللون الأخضر
  • اللون الأحمر يتصدّر إطلالات النجمات العربيّات والعالميات
  • درة تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية في أحدث ظهور على إنستجرام
  • رئيس مياه البحيرة يُتابع الموقف التنفيذي لمشروع محطة معالجة صرف صحي نكلا العنب بإيتاي البارود
  • يد الله كانت معنا اليوم.. نشأت الديهي يهنيء الرئيس السيسي بتوقيع اتفاق السلام
  • نشأت الديهي: قمة السلام أثبتت أن مصر دولة عظيمة يحكمها رجل شريف
  • مصر الصامدة
  • هل الأفوكادو البني صالح للأكل؟ خبراء يكشفون الحقيقة
  • جزيرة هرمز الإيرانية.. طبيعة سريالية تجذب السياح
  • نجمات عربيات وعالميّات يعتمدن اللون البني في إطلالاتهنّ