عربي21:
2025-05-11@07:08:12 GMT

فتية الأنفاق.. وشرط صلاح الدين

تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT

"لن يمكّنكم الله من أن تشيدوا حجرا واحدا في هذه الأرض طالما استمر الجهاد".. جاءت هذه الكلمات في رسالة صلاح الدين الأيوبي (ت: 1193م)، إلى ريتشارد الأول ملك إنجلترا (ت: 1199م) الملقب بقلب الأسد، بعد أن دخل القدس وحررها من استيطان واحتلال أوروبي دام ثمانين عاما كما قال لنا القاضي والمؤرخ بهاء الدين بن شداد (1234م)؛ كاتب سيرة صلاح الدين والذي كان واحدا من أكبر كتاب زمنه.



والمقطع الأخير من الجملة لا يصدر إلا عن قائد عارف بسنن التاريخ، عارف بحقائق الأشياء، وقبل كل شيء عارف بدينه معرفة الفهم.. وهو هنا سيكون قد اقترب وقرّبنا معه إلى حديث معاذ بن جبل الشهير الذي رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.. يقول: قال لي الرسول: إن شئت أنبأتك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه، قلت: أجل يا رسول الله، قال: أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد..

* * *

وكلمة "الأمر" هنا بقدر ما هي جامعة، بقدر ما هي مفتوحة على ما لا يحصى من مفاهيم النظر.. وحين تصدر عن رسول الله بهذا الاختصار، فعلينا أن ندرك فورا أنها تمثل "قلب الحقيقة" في المعرفة، المعرفة بالله وبالنفس وبالدنيا والناس. ولا يفوتنا أن نتذكر في هذه الأيام المباركة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختص معاذ أيضا بالدعاء المعروف بعد كل صلاة: "اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

أن يكون رأس "الأمر" (الإسلام).. فهذا يعني الكثير وما هو أكثر من الكثير لنا، في إحكام المعنى حول إدراك كل شيء يتعلق بنا، باعتبار أننا الأمة التي ما كان لها أن تكون إلا بالإسلام، فهو الذي منح الأمة حقيقتها ووحدتها ولغتها والتاريخ المشترك لها وثقافتها وأخلاقها، ولطالما كان التدهور في تاريخنا كله يتصل بشكل وثيق بتدهور الوعي بالإسلام
* * *

أن يكون رأس "الأمر" (الإسلام).. فهذا يعني الكثير وما هو أكثر من الكثير لنا، في إحكام المعنى حول إدراك كل شيء يتعلق بنا، باعتبار أننا الأمة التي ما كان لها أن تكون إلا بالإسلام، فهو الذي منح الأمة حقيقتها ووحدتها ولغتها والتاريخ المشترك لها وثقافتها وأخلاقها، ولطالما كان التدهور في تاريخنا كله يتصل بشكل وثيق بتدهور الوعي بالإسلام..

وسنتذكر هنا جملة رائعة للدكتور عبد الهادي أبو ريدة رحمه الله (1991م)، أستاذ الفلسفة الكبير والأول على دفعته عام (1934م).. دفعة روائي العربية الكبير نجيب محفوظ (ت: 2996م) رحمه الله..

ماذا قال لنا الفيلسوف صاحب نظرية "السلام الداخلي بين منطق الوحى ومنطق العقل"؟.. قال: إن الإسلام هو أساس تكوّن الأمة ووجودها، وهو الذي سيكون أساس نهضتها..

ولعل الأستاذ هيكل رحمه الله (ت: 2016م) قد استلهمها بشكل أو بآخر حين قال في محاضرة شهيرة له في معرض الكتاب سنة 1990م: "لا نهضة للشرق في غياب الإسلام"..

* * *

ما علاقة الإسلام والأمة والتاريخ وصلاح الدين وشرطه الذي اشترطه (طالما استمر الجهاد) بهذا الذي يجري على أطراف حدود "تاج الشرق" مصرنا العظيمة؟.. في مدن وبلدات وبيوت وشوارع ومساجد وكنائس ومدارس ومستشفيات غزة، وفيما لا يمكن أن يُوصف ولا يُنسى: "أنفاق غزة"؟ تلك الأنفاق التي استندت بحب وقوة ووفاء وإخلاص على مقولة صلاح الدين تلك، فاحتوت في بطونها من يمحون الآن تاريخا كذوبا خؤونا غشوما، ويثبتون مكانه تاريخا جديدا كبيرا جليلا..

* * *

صحيفة التايمز البريطانية هي التي ستخبرنا عن علاقة كل هذا ببعضه بعضا.. ففي حوار أجرته في شباط/ فبراير الماضي مع مايكل كوبي (78 سنة) المدير السابق للتحقيقات في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) والذي قضى 150 ساعة في حوارات مع يحيى السنوار قبل أكثر من 30 عاما، كما قالت الصحيفة، والذي وصف السنوار قائلا: إنه يرى نفسه صلاح الدين جديدا..

سنتصور طبعا أن مايكل على دراية تامة وسامة بالتأكيد بتاريخ الأمة، ويعرف ماذا يمثل صلاح الدين في الوعي العام لهذه الأمة.. وماذا يمثله أكثر في الوعي العميق للحاج يحيى..

وإذا كان لنا أن نكمل جملة ناقصة له، فستكون الجملة التي ذكرها المؤرخون عن صلاح الدين أنه "القائد العظيم جدا، الذي جاء في الوقت السيئ جدا، ليواجه العدو الأخطر جدا، ليحرر القدس والمسجد الأقصى".

* * *
التاريخ يسير الآن في دورة جديدة تماما، أبرز عنوان لها هو تحطيم إراداتهم اللئيمة في صنع ما يحلو لهم، مضى وانقضى زمن ذاك التاريخ القديم، زمن استهلاك أوهام تصاغ لنا، لنعيش عليها حتى تصاغ لنا غيرها
يحيى السنوار فعلها، وأخبرنا عن كل شيء، لكن للأسف كانت تصوراتنا بعيدة عن تصوره، فهذه هي المرة الأولى التي تكون فيها المقاومة في حالة هجوم حقيقي فاعل ذو بعد استراتيجي وليس مرحلي، فالرجل هشم حواجز الخوف الكذوبة، وقدم الجانب الاستراتيجي على المرحلي، كانت زاوية النظر التي يفكر منها تختلف تماما عن الزاوية التي يفكر بها من اعتادوا الهزيمة.

ولهذا لم يندهش أحدا من رسالته المسربة التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في 28 شباط/ فبراير الماضي وقال فيها إن "كتائب القسام ماضية في عملية تهشيم الجيش الصهيوني.. الإسرائيليون موجودون بالضبط حيث نريدهم".. وقال إن قيادة ومقاتلي القسام في حالة جيدة ومستعدون للهجوم في رفح..

التاريخ يسير الآن في دورة جديدة تماما، أبرز عنوان لها هو تحطيم إراداتهم اللئيمة في صنع ما يحلو لهم، مضى وانقضى زمن ذاك التاريخ القديم، زمن استهلاك أوهام تصاغ لنا، لنعيش عليها حتى تصاغ لنا غيرها، صحيح أنهم لا زالوا وسيظلوا يمكرون مكرا لتزول منه الجبال.. لكننا نعلم يقينا أن أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وهو ما يتحقق الآن على أيدي "فتية الأنفاق" الذين ينظرون إلى العواقب في عينيها تسليما وعرفانا، فإما نصر وإما شهادة.. إنه الإيمان صادقا متدفقا، يحطم كل القيود، ويقف صلبا منيعا ضد كل القوى الخائرة وكل الأحداث المؤلمة.

twitter.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صلاح الدين التاريخ غزة المقاومة غزة المقاومة التاريخ صلاح الدين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلاح الدین کل شیء ما کان

إقرأ أيضاً:

خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في الدين تجرؤ واستخفاف يقود للفتنة

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "واجب المؤمن في زمن الفتن".

وقال د. ربيع الغفير، إن من أقدار الله تعالى وأرزاقه لهذه الأمة أن تمر بابتلاءات متنوعة الأشكال والصور، ولكن من رحمته سبحانه بنا أن أرسل إلينا نبيه محمدًا ﷺ الذي أوضح لنا كل ما يهمنا في ديننا، وبين لنا كذلك كيف نتعامل مع الفتن والأزمات، لأن في هدي النبي ﷺ إلهام لنا في الصمود على الحق وتجاوز الفتن والأزمات، وهو باب من أبواب الرحمة التي منحها الحق سبحانه وتعالى لعباده، فهو بنا رؤوف رحيم كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.

خطيب الأوقاف بالشرقية: الأزهر هدية الله لأهل مصر وحما به الشريعة.. فيديورسالة من شيخ الأزهر إلى الهند وباكستان: أوقفوا الحربحكم ترك صلاة الجمعة والتكاسل عن أدائها؟.. الأزهر للفتوى يجيبإذا بليتم فاستتروا.. هل ثبتت هذه المقولة عن النبي؟ عالم أزهري يوضح

وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن من أساليب النبي ﷺ الدعوية العظيمة أنه إذا ذكر الشر ذكر المخرج منه، فعندما تُذكر الفتن، يذكر ﷺ كيف نواجه هذه الفتن، فمن الأمور العظيمة التي ينبغي علينا أن نراعيها عند الفتن والأزمات، الإقبال على العبادة، فالفتن من أوقات الهرج والمرج، الكل مشغول بالكلام والحديث عنها، فهذا يحلل وهذا يدلي برأيه وهذا يقول أظن وسمعت، لذلك رغّب النبي ﷺ في العبادة وقت الفتن والأزمات فقال: (عبادة في الهرج كهجرة إليّ)، ومنها الدعاء، فالمسلم حريص على تحقيق هذه العبادة العظيمة التي لها صلة كبيرة جدا بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فتجده منطرح بين يدي الله، فقير إليه محتاج إلى لطفه وكرمه ومنته.

وأضاف: وفي عبادة الدعاء، يتبرأ الإنسان من حوله وقوته وإبعاد للعجب والغرور عنه، وهذا أمر في غاية النفع وقت الفتن والأزمات، وقد كان النبي ﷺ يستعيذ بالله من شر الفتن، فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ".

وأعرب خطيب الجامع الأزهر عن استيائه الشديد من تجرؤ البعض على الحديث في مسائل الدين بغير علم، مستخفين بأمر الخوض في أمور الدين بهذا الطريقة، مشيرًا إلى أنه إذا كان علمُنا بالدين محدود، فإن الواجب علينا هو التوجه إلى العلماء الثقات الراسخين في العلم، امتثالًا لأمر الله تعالى الذي فيه الخير والبركة والراحة والطمأنينة، حيث قال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.

وحذر من أن يُعجب الإنسان برأيه وقت الفتن فيرى أنه هو الذي على الصواب وغيره على الخطأ، وهذا كله خطأ وقصور في العقل والتفكير قال ﷺ: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا)، فلو رأى الإنسان نفسه أنه قد بلغا مبلغا عظيما من العلم أو الخلق أو أي شيء آخر فالواجب عليه أن لا يعجب بنفسه، وأن يحتقر غيره، مبينا أن الانخراط في الشائعات والفتن ما يتعارض مع سنة النبي ﷺ الذي أوصانا بالتمسك بكتاب الله وسنته ﷺ.

وحذر فضيلته من الانسياق وراء الإشاعات وبخاصة التي تنتشر وقت الأزمات، لأن هذا الوقت بيئة خصبة لانتشارها، وأبدى أسفه لتصديق البعض كل ما يقل أو ينقل، دون إعمال العقل بالبحث عن الحقائق أو التفكير فالأمر بموضوعية، فالواجب علينا التروي وعدم التسرع في تصديق ونشر الأخبار. 

وشدد على ضرورة أن يكون المسلم حريصًا على النطق بالخير أو الصمت عن الشر،  مع  تجنب الفرقة والنزاع في أوقات الأزمات، واللجوء إلى الله بالتعوذ من الفتن وسد أبوابها، والاتحاد واليقظة لما يُدبر للبلاد والدين، بالإضافة إلى ضرورة تربية الأبناء على الوحدة والاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فهما سبيل النجاة من كل فتنة ظاهرة وباطنة.

طباعة شارك خطبة الجمعة الجامع الأزهر الأزهر خطيب الجامع الأزهر

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. الراحل صلاح أبو سيف موظف غزل المحلة الذي أصبح رائد الواقعية بالسينما المصرية
  • صحة صلاح الدين تكشف عن 30 مشروعاً بين منجز وقيد التنفيذ
  • في العمق
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • مظاهرات في مدن اليمن والمغرب تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (شاهد)
  • خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في الدين تجرؤ واستخفاف يقود للفتنة
  • اصطدام قطار بحافلة تقل زائرين في صلاح الدين
  • محمد الفرح: عودتنا للقرآن سر الصمود والتميز في معركة الأمة
  • السيد القائد: العدوان الإسرائيلي على غزة جريمة القرن وتفريط الأمة له عواقب