حين كانت جماعات متطرفة، منبثقة عن «تنظيم الإخوان»، تبث الكراهية في الجامعات، وبعض المساجد، وفي الشوارع في بريطانيا، لم تتحرك الحكومة البريطانية بدعوى «احترام حرية الرأي وحقوق التعبير». ومع تصاعد اليمين المتطرف الذي لا يكتفي بالعنصرية اللفظية، وإنما يمتد إلى العنف الجسدي والإرهاب لم تتحرك الحكومة، بل إن حزب المحافظين الحاكم اليميني أصبح يميل أكثر نحو اليمين المتطرف، لحرمان حزب الإصلاح المتشدد من الأصوات.
أصبح النفاق الرسمي جلياً مع مظاهرات وقف الحرب في غزة، وانتقاد البعض على استحياء مجاز الاحتلال وارهاب المستوطنين بحق الفلسطينيين. وبرز تيار في الحزب الحاكم لا يختلف كثيراً عن حزب الإصلاح المتطرف، وزعيمه نايغل فاراج. وهنا، تحركت الحكومة في محاولة لوقف تظاهرات غزة بالتهديد القانوني للمشاركين فيها. فسنت تعريفاً جديداً للتطرف في النهاية يعتبر انتقاد إسرائيل جريمة كراهية.. صاحب التعديل هو مايكل جوف، أحد وزراء حكومة ريشي سوناك، وهو يمثل القلب من حزب المحافظين مع شخصية أخرى في الحزب هو جاكوب ريس-موج. وكان كلاهما السند الأكبر لحملة بوريس جونسون، لخروج بريطانيا من أوروبا (بريكست)، ولكل السياسات الفاشلة التي أوصلت بريطانيا إلى وضع الأسوأ اقتصادياً، ومن حيث مستوى المعيشة بين الدول المماثلة، حتى إنها أصبحت في مرتبة أدنى من روسيا التي تخضع لعقوبات غير مسبوقة.
صحيح أن الاتجاه نحو اليمين في بريطانيا بدأ منذ نهاية القرن الماضي، وأصبح أكثر وضوحاً مع تولي حزب العمال بقيادة توني بلير، السلطة في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، لكن الانحراف نحو اليمين المتطرف أصبح أكبر منذ منتصف العقد الماضي، وكان سبباً في التصويت ل«بريكست». صحيح أن بريطانيا أصبحت الآن خارج الاتحاد الأوروبي، لكنها لا تختلف عن بقية دول أوروبا، والغرب عموماً، في الاتجاه نحو التطرف اليميني. فأوروبا تقريباً في السنوات الأخيرة ينطبق عليها وصف الطابور النظامي «لليمين در»، من فوز اليمين المتشدد في إيطاليا بأغلبية برلمانية، ورئاسة الحكومة، إلى فوز اليمين المتطرف إلى حد العنصرية في هولندا بأغلبية انتخابية، وإن كان زعيمه غيرت فيلدر ليس قادراً حتى الآن على تشكيل حكومة. وأحدث تلك الانتخابات قبل أيام في البرتغال، أدت إلى فوز يمين الوسط، ولكن ليس بالأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة، أما ابرز من حققوا زيادة في المقاعد، فهو اليمين المتطرف المتمثل في حزب «كفى». وكان اليسار الاشتراكي يحكم في البرتغال قبل الانتخابات، ولم يبق سوى تحالف يسار وسط في إسبانيا حتى الآن.
هذه الاستدارة الأوروبية نحو اليمين المتطرف ستنعكس بوضوح في انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر يونيو/ حزيران، المقبل حيث يتوقع أن يفقد يمين الوسط الذي يهيمن على برلمان بروكسل أغلبيته البسيطة، بسبب فوز نواب أوروبيين من أحزاب وتيارات اليمين المتشدد.
رغم الزيادة المطردة في أعداد المهاجرين إلى أوروبا، إلا أن موجة العداء للمهاجرين، التي تصل إلى حد العنصرية أحياناً، هي نتيجة أيضاً لصعود اليمين المتطرف في السياسة الأوروبية.
ويمكن إرجاع ذلك إلى الشطط السياسي نتيجة تكدس الأحزاب والتيارات السسياسية قبل أربعة عقود تقريباً، وشبه انتفاء التمايز في التوجهات والسياسات بين اليمين واليسار التقليدي. وهذا ما دفع باتجاه ضيق الوسط السياسي والتشظي نحو يمين متطرف، ويسار فوضوي. لكن الاتجاه الأغلب هو نحو اليمين المتطرف الذي تغذيه أيضاً بقايا تراث أوروبي عنصري ليس فقط من أيام قرون الظلام في العصور الوسطى، ولكن حتى من جذور حديثة في القرن الماضي، مثل الفاشية، في إيطاليا والنازية في المانيا. تلك التوجهات التي أشعلت حربين عالميتين راح ضحيتها الملايين من البشر ولم تنته آثارها بعد.
ليس من مظاهر التوجه اليميني المتطرف في أوروبا معاداة المهاجرين فحسب، وإنما أيضاً الاتجاه نحو القمع وتقييد الحريات – على الرغم من أن اليمين تقليدياً معروف بأنه لا يؤمن بالحرية الفردية خاصة في الاقتصاد والأعمال. ذلك ما يقف وراء قرار الحكومة البريطانية الأخير بتجريم انتقاد اسرائيل، وما شهدته دول مثل ألمانيا وفرنسا من تقييد مماثل لحرية الرأي حين يتعلق الأمر بفلسطين وإسرائيل.
وعلى الرغم من أن ذلك التوجه ربما يكون أشد واكثر وضوحاً في الولايات المتحدة، إلا أن أوروبا طالما كانت المقياس الأهم للحريات وحقوق الإنسان. لذا فإن ما تشهده السياسة في كثير من دول أوروبا حالياً، من تقييد للنقد والتفكير المستقل، وللأسف يعززه الإعلام التقليدي بشكل عام، يثير القلق من تصاعد القمع الذي يمالئ التطرف بدلاً من أن يحد منه.
على سبيل المثال فإن تصريحات مايكل جوف عن أن التعديل الأخير في بريطانيا يستهدف مواجهة الكراهية وتعزيز الحريات الديمقراطية، هي «تلفيق» فج، وليست فقط قول حق يراد به باطل. فنتيجة هذا الاتجاه نحو التطرف اليميني ستكون المزيد من التطرف والكراهية والعنصرية بين مكونات المجتمع. وحقاً حذر أسقف كانتربري (أعلى درجة كنسية في بريطانيا) من ذلك التعديل، وأنه سيدفع المجتمع إلى التشظي بين نقيض ونقيض – أي مزيد من التطرف.
أحمد مصطفى – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی بریطانیا الاتجاه نحو
إقرأ أيضاً:
بريطانيا تسحب موظفيها من سفاراتها في إيران
أعلنت بريطانيا اليوم الجمعة سحب موظفيها من سفارتها في إيران مؤقتًا نظرًا للوضع الأمني الراهن هناك.
السفارة البريطانية في إيرانوقالت بريطانيا على صفحة نصائح السفر الخاصة بإيران على موقعها الإلكتروني: "اتخذنا إجراءً احترازيًا لسحب موظفينا من إيران مؤقتًا. سفارتنا تواصل العمل عن بُعد"، بحسب ما أوردته صحيفة الجاريان البريطانية.
يحث وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الجانبين على إيجاد حل دبلوماسي، وهو موجود في جنيف يوم الجمعة لإجراء محادثات نووية مع إيران ونظرائه الأوروبيين.
عقوبات أمريكية ضد إيرانفي غضون ذلك أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات ضد إيران، شملت كيانين مقرهما في هونج كونج، وعقوبات أخرى متعلقة بمكافحة الإرهاب.
وقال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية، إن العقوبات ضد إيران تستهدف ما لا يقل عن 20 كيانًا و5 أفراد و3 سفن، بحسب ما أوردته وكالة “رويترز” للأنباء.
يأتي ذلك في ظل استمرار الحرب الأيرانية الإسرائيلية التي اندلعت الجمعة الماضية.
وصرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيمنح أسبوعين للدبلوماسية، قبل اتخاذ قرار بشأن شنّ ضربة على إيران.
وبينما يجتمع مسؤولون أوروبيون وإيرانيون في جنيف، اليوم، صرّح وزير خارجية المملكة المتحدة بوجود "فرصة سانحة" لإنهاء أزمة الشرق الأوسط.
ورغم تشكيك المسؤولين الأمريكيين في جدوى المحادثات، أبقى مسؤول في البيت الأبيض الباب مفتوحًا أمام إحراز تقدّم.
هجوم إيراني ضد إسرائيلأطلقت إيران وابلًا جديدًا من الصواريخ باتجاه إسرائيل، اليوم، حيث سقط واحد على الأقل على مدينة حيفا الشمالية.
ويأتي هذا الهجوم الأخير، في الوقت الذي تبادلت فيه إيران وإسرائيل الضربات الجوية خلال الليل، دون أي مؤشرات على تهدئة الصراع المستمر منذ أسبوع.
ولم يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استهداف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قائلًا: "لا ينبغي لأحد في إيران أن يتمتع بالحصانة"، وذلك بعد أن صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه لا يمكن السماح لآية الله علي خامنئي "بالبقاء".