خليفة بن عبيد المشايخي

[email protected]

 

هناك أيام وشهور وأوقات تميَّزت عن غيرها، ونحن كمسلمين نعلم أنَّ الله تعالى ميَّز شهر رمضان عن سائر الأشهر بأنه أنزل فيه القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وفيه حدثت انتصارات إسلامية كثيرة، وفيه تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنة.

وميزه الله تعالى بأن ضاعف فيه الأجور والحسنات، فصلاة النافلة فيه تساوي فريضة، والفريضة مضاعفة إلى أضعاف كثيرة.

ولذا نسأل: كيف يُمكن أن نستفيد من شهر رمضان الفضيل بعد انقضائه.

أولاً: فيما يتعلق بفوائد الصوم وفوائد هذا الشهر الفضيل فهي معلومة وكثيرة ولا تعد ولا تحصى، لاسيما وأنَّ الله تعالى اختصه بالرحمات والنفحات الإيمانية وبالكثير الذي لا يتسع المجال لذكره، فبعد هذا الشهر الفضيل لماذا لا نجعل أوقاتنا وحياتنا بعده وكأننا دائمًا فيه.

والملاحظ من غالبية المسلمين في هذا الشهر الفضيل تحولهم وفرارهم إلى الله تعالى وهذا عمل جيِّد بل قمة الامتياز، كذلك اهتمامهم الملحوظ بالقرآن الكريم وبإقامة الصلاة وتأديتها جماعة، والاهتمام أيضًا بأعمال الخير والبر والإحسان والمسارعة إليها وفيها، دليل على أنَّ الخير فيهم وبهم، إلا أن هذه العادات والأعمال تضعف وتتلاشى بعد شهر رمضان الفضيل.

إنَّ المتتبع لما نادى به الله تعالى يجد بأنه جلَّ جلاله أمرنا بذكره كثيرا، وأمرنا أولا أن نستعين في شؤون حياتنا كلها بالصبر والصلاة.

فلماذا حثنا جل جلاله على الاستعانة بالصبر ومن ثم الصلاة، أولا حتى نؤدي الصلاة نحتاج إلى الصبر عليها وعلى أدائها، وقبلا نحتاج إلى ما يمكننا من تحقيقها وأدائها على الوجه الأكمل، فالمثبطات لدى الإنسان كثيرة، أولها نفسه الأمارة بالسوء وثانيها الشيطان الرجيم وثالثها الهوى ورابعها الدنيا، وكل هذه المهلكات بحاجة إلى قوة وصبر على تجاوزهن وتخطيهن.

ثانياً: لماذا جل جلاله أمرنا بالاستعانة بالصلاة بعد الصبر، لأنها هي الصلة الموصلة إليه تعالى، وهي الأصل في تقوية علاقتنا به جل جلاله.

فمتى انفكت هذه العلاقة ونقطة التواصل بالله ومع الله نلنا الشقاء؛ إذ قال فمن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.

كذلك قال الله تعالى ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين، إذن بالصلاة ومعها الصبر، نستطيع أن نكون وكان كل أوقاتنا في شهر رمضان، ذلك لأن الإنسان إذا أراد أن يصوم صوماً صحيحًا ولا يصلي فلا صوم له ولا فائدة من صومه، ما يعني بأنه إذا أراد أن يصوم. سيضطر إلى الانضباط بتأدية الصلاة في أوقاتها ويشكلها الصحيح الذي أخبرنا به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إذن الشيء الأول الذي يمكن أن نجنيه ونستفيد منه بعد انتهاء شهر رمضان، هو المحافظة على الصلاة مثلما حافظنا عليها جماعة في أيام الشهر الفضيل، فامتلاء المساجد في شهر رمضان، دليل على أن المُسلمين بهم خير، وأنهم محبون لله تعالى وعلى الدوام متصلين به جلَّ جلاله، فقط يحتاجون إلى إرادة وتذكير ومواساة ومراعاة وهمة وعزيمة.

إن في شهر رمضان الفضيل كثرت أعمال الخير والبر والإحسان وقراءة القرآن الكريم تلاوة وحفظًا، فلماذا بعده لا نحافظ على كل ذلك.

إنَّ الالتزام بما أديناه وقمنا به من عبادات وطاعات في شهر رمضان الفضيل يحتاج إلى نية ومجاهدة وتطبيق عملي، فكل الذي ذكر بأنه ناقض للصوم، علينا أن نبتعد عنه بعد الشهر الفضيل، فحتى تستقيم حياتنا ينبغي أن يكون حالنا وكأننا في شهر رمضان، فبعد هذه الحياة هناك حياة طويلة أبدية، فكل منَّا مطالب بأن يقدم لحياته وليس في حياته، أي الحياة المستقبلية الحياة الأخروية بعد الموت الذي نحن مطالبون بالاستعداد له.

وزيادة الوعي والصحوة الإسلامية في أقطارنا التي نلاحظها في هذا الشهر المبارك، فإننا بحاجة لها بعده، وعلينا أن نجعل ما عشناه في هذه الأيام من روحانيات وإيمانيات، ملازم لنا طوال العام، ولنحمل معنا بعد انقضاء شهر رمضان زادًا كبيرًا يعيننا على الاستقامة والصلاح والإصلاح، ولنبقى مثلما كنَّا فيه، حتى نلاقيه مرة أخرى أن كتب لنا، ونحن في نفس المسار والقوة والأعمال الصالحة.

بوجود الدين في حياتنا، ستصطلح أحوالنا وسينصرنا الله تعالى على عدوه وعدونا، وسيجعل مجتمعاتنا آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا، وسيكفينا وهو السميع العليم.

تقبل الله منَّا جميعا صيامنا وقيامنا وصالحات أعمالنا، وأعاننا تعالى على ذكره وشكره وحسن عبادته.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما هي صفات الذين يدخلون الجنة بغير حسام؟.. أمر واحد يجعلك منهم

يتساءل كثيرون عن صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب من المؤمنين والذي جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" رواه البخاري، وقد بين لنا الشرع الشريف بعض الصفات التي يمكن أن تدل على صفات أهل الجنة وهو ما نستعرضه في السطور التالية ..

ما هي صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟

بيَّن النبيُّ ﷺ أن صفات الذين يدخلون الجنة بغير حسام هم المُستقيمون على دين الله، وفي هذا السياق، قال الدكتور رمضان عبد الرازق عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، إن عدد الذين يدخلون الجنة بغير حساب ليسوا محصورين في السبعين بدليل أن هناك سبعمائة، ومع كل ألف سبعون ألف، مضيفاً سيدنا النبي جعل لهم صفات وهذه الصفات تشمل كل أمة النبي فمن يتصف بها منهم كان من أهل الجنة.

وأوضح الدكتور رمضان عبد الرازق إلى أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب لهم صفات هي:

لا يرقون لا يسترقون لا يكتوون لا يتطيرونوعلى ربهم يتوكلون

وكشف الدكتور رمضان عبد الرازق عن أحد أهم الأمور التي تجعل الإنسان من الذين يدخلون الجنة بغير حساب هو أن يكون من  المتوكلين على الله، منوها بأن الأربعة الصفات الأولى هي ضد التوكل، لذا فالمتوكل على الله هو من الذين يدخلون الجنة بغير حساب.

هل تكفي العبادات لدخول الجنة؟

قال الدكتور أيمن الحجار، من علماء الأزهر الشريف، إن العبادات ليست كافية لدخول الجنة، منوهًا بأن التركيز على العبادات الظاهرة مثل الصلاة والصوم والزكاة ليس كافيًا لدخول الجنة، إذا لم يواكبه اهتمام بالقلب وتنقيته.

وأوضح “ الحجار” في إجابته عن سؤال: هل تكفي العبادات لدخول الجنة ؟، أنه للأسف بعض الناس يظنون أن الدين يقتصر فقط على العبادات الظاهرة، دون أن يلتفتوا إلى أهمية تطهير القلب وتنقيته.

وأضاف أن العبادات الظاهرة التي فرضها الله سبحانه وتعالى، مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، تهدف في حقيقتها إلى تحقيق تأثير إيجابي على القلب، منوهًا بأن هذه العبادات يجب أن تؤدي إلى نقاء وطهارة القلب، وتجعل القلب يستوعب رحمة الله سبحانه وتعالى، ويستقبل فيوضات الحق من خلال تزكيته.

وأشار إلى قصة سيدنا أبو يزيد البسطامي، الذي طلب من امرأة في الطريق مكانًا طاهرًا ليصلي فيه، فأجابت بأن الطهارة الحقيقية هي طهارة القلب، مؤكدًا له أن "طهّر قلبك وصلِّ حيث جئت.

ونبه على أن القرآن الكريم يشير إلى أن الأعمال الصالحة تهدف إلى طهارة القلب، قائلاً: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، مؤكدًا أن الإنسان لن يدخل الجنة إلا إذا طهر قلبه، كما وصف الله أهل الجنة بقوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ) الآية 87 من سورة الحجر .

هل تجوز الصلاة بالفانلة الداخلية؟.. أمين الإفتاء: صحيحة بشرطحكم الصلاة على سجادة من حرير.. الإفتاء تجيبمرت سنوات ولم أتمكن من عمل عقيقة لأبنائي فهل علي إثم؟ .. الإفتاء تجيبهل يجب على المأموم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية؟.. الإفتاء توضححكم استخدام الموسيقى للمساعدة في التعليم .. الإفتاء تجيبأعاني من الكسل في العبادة فما علاج ذلك؟.. الإفتاء تجيب

أسباب دخول الجنة

ورد أن هناك العديد من الأسباب المؤدّية إلى دخول الجنة بإذن الله تعالى، ومنها:

صحة العقيدة والعمل: من أعظم أسباب دخول الجنة تصحيح العقيدة، إذ إن الأخذ بالأسباب المؤدّية إلى الجنة من غير تصحيحٍ للعقيدة لا تُدخل صاحبها الجنة، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)، وفي المقابل لا يكفي الإيمان من غير عملٍ لدخول الجنة، حيث إن الله -تعالى- قرن الإيمان بالعمل الصالح في الكثير من مواضع القرآن الكريم.

و قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، والعمل الصالح هو العمل الخالص لله -تعالى- والموافق للسنة النبوية، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ اللَّهَ لا يقبلُ منَ العملِ إلَّا ما كانَ لَهُ خالصًا، وابتغيَ بِهِ وجهُهُ)، وبناءً عليه فإن تحقيق الإيمان بالله الذي يدفع إلى التزام طاعته، والتزام العمل الصالح الذي بيّنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سببٌ من أسباب دخول الجنة.

التقوى والمراقبة: يمكن تعريف التقوى على أنه العمل وطاعة الله على نورٍ من الله، وقد عرّفه البعض على أنه العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، ومما يدلّ على أن التقوى سببٌ لدخول الجنة قول الله تعالى: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ* الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ* لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ).

طاعة الله -تعالى- ورسوله: من أسباب دخول الجنة طاعة الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في كافة تفاصيل الحياة، حتى وإن تعارض الحكم الشرعي مع المصلحة الشخصية، فقد قال الله -تعالى- في كتابه الحكيم: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا).

الجهاد في سبيل الله: يُعدّ الجهاد في سبيل الله من أعظم أسباب دخول الجنة، ومن الجدير بالذكر أن الجهاد في سبيل ينقسم إلى عدّة أنواعٍ وهي جهاد النفس والهوى، والجهاد الدعويّ، والجهاد القتاليّ، والجهاد الماليّ، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّـهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ).

طلب العلم: يُعدّ طلب العلم من أسباب دخول الجنة، ولكن ينبغي أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، حيث يكون الهدف منه معرفة الله تعالى، وتعلّم ما أمر به سبحانه ونهى عنه، والتعرّف على الأحكام الشرعيه، والسنة النبوية المطهّرة، مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ).

طباعة شارك صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب الذين يدخلون الجنة بغير حساب الجنة ما هي صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب الدكتور رمضان عبد الرازق أسباب دخول الجنة دخول الجنة هل تكفي العبادات لدخول الجنة

مقالات مشابهة

  • آية واحدة تحميك وأسرتك ومنزلك من أي مكروه وسوء.. وأوصى بها سيدنا النبي
  • هل يمكن تفكيك اقتصاد حزب الله؟.. تقرير لشبكة CNBC يُجيب
  • ما هي سورة الاستجابة؟.. تصعد بدعواتك إلى السماء بسرعة البرق
  • ما حكم من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا.. الإفتاء تجيب
  • الإفتاء: القلب السليم أصدق من صورة الطاعة أو المعصية
  • "الأرصاد": أمطار متوسطة وأتربة مثارة ورياح نشطة على الباحة وجازان
  • أعطاه صدقة فاكتشف لاحقًا أنه غير مستحق هل له أن يستردها؟ الأزهر يجيب
  • لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن؟.. 10 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • ما هي صفات الذين يدخلون الجنة بغير حسام؟.. أمر واحد يجعلك منهم
  • ثبات غزة يقهر الطغيان ويغيظ العدى