شهد مسلسل مسار إجباري الحلقة العاشرة للفنان أحمد داش، أحداثًا مهمة حيث سيطر على أسرة عمرة البرنس الخوف من تقديم دليل براءة الدكتور صفوت مصباح، إلا أن الأخوين حسين «أحمد داش» وعلي «عصام عمر» اتفقا على توريط مسعد مع مجدي حشيش بسبب مطاردتهما له وقرر الأخوان الاعتراف لمجدي حشيش وتقديم دليل البراءة بحلية ذكية حتى لا يكشف أموالهم والرشوة التي تلقوها في مسلسل مسار إجباري الحلقة العاشرة.

مسلسل مسار إجباري الحلقة العاشرة

وخلال مسلسل مسار إجباري الحلقة العاشرة لأحمد داش زار المحامي مجدي حشيش (رشدي الشامي) الدكتور صفوت عصام المحكوم عليه بالإعدام في محبسه وطلب منه الحصول على الأبحاث التي أجرتها المجني عليها حبيبة على الأدوية الفاسدة، إلا صفوت أخبره أنه لا يعلم عنها شيئا، وطلب منه أن يعيد التفكير في تسليم الأبحاث لتبرئته وإخراجه من السجن.

بعد الاتفاق الذي تم بين الأخوين، يقدم على دليل براءة الدكتور صفوت عصام من دم الطالبة المقتولة حبيبة الكردي، حيث قدم كارت ميموري به مقطع فيديو لاتفاق مسعد (محسن منصور) مع والده عمر البرنس (محمود البزاوي) حينما كان يعمل في الطب الشرعي وطلب منه الحصول على شعر من الدكتور صفوت ووضعه في يد الطالبة المقتولة، مقابل رشوة حصل عليها الأخير، وكان هذا السبب في الحكم على صفوت بالإعدام.

براءة الدكتور صفوت مصباح 

وطلب عمر من المحامي أن يقدم الدليل في سرية تامة وبشكل يمنع معرفة الرشوة التي حصل عليها والده حتى لا تسوء سمعة العائلة، ووعده مجدي حشيش بالأمان وأن ينفذ طلباته، وفي وقت الاستئناف قدم طلبا أن تكون المحاكمة في جلسة سرية لتقديم الدليل وعدم الخوض في تفاصيل رشوة عمر البرنس أمام الحضور، وحكمت المحكمة ببراءة الدكتور صفوت مصباح. 

في مسلسل مسار إجباري الحلقة العاشرة اطمأنت عائلة البرنس ببراءة الدكتورة صفوت مصباح واحتفل الأبناء جميعا بالخروج في نزهة عائلية وتناول الطعام والتقاط الصورة السليفي، وأخد علي يرتب أموره للاستعداد للسفر والحصول على منحة القانون التي تنتظرها حيث اطمأن لوجود والده وأشقائه مع حسين شقيقه من الأب، لكنه يخشى أمر فضيحة والده ومعرفة الرشوة التي حصل عليها وخاصة أمام خديجة ابن خالة الطالبة المقتولة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مسلسل مسار إجباري الحلقة 10 مسلسل مسار إجباري مسار إجباري مسلسلات رمضان صفوت مصباح مسلسلات رمضان 2024

إقرأ أيضاً:

مصباح القلب المطفأ.. قراءة في قصص بانو مشتاق

جوخة الحارثي -

«إذا تَرك صاحب الحق حقّه ستمطر السماء جمرًا من النار..»

قصّة المطر الناري

لفت انتباهي في الخبر الذي أعلن فوز الكاتبة الهنديّة بانو مشتاق بجائزة البوكر العالمية لهذا العام مركزا على كونها تصوّر «الحياة اليوميّة لنساء مسلمات في جنوب الهند يعانين من التوترات الأسريّة والمجتمعيّة»، وتساءلت وقتها إن كانت الكاتبة مسيحيّة أو هندوسيّة أو بوذيّة فهل سيحرص الخبر على إظهار أنّها تصوّر معاناة نساء مجتمعها الهندوسيّ أو المسيحيّ أو البوذيّ؟ أليست التقاليد الشرقيّة التي تخصّ المرأة متشابهة إلى حدّ كبير في المجتمعات متعدّدة الأديان في الهند، بل في غيرها من بلدان الشرق؟ ذكّرني صوغ هذا الخبر بطريقة نشر أخبار الهجوم الإرهابيّ؛ إن كان منفّذ الهجوم مسلمًا فسيظهر الخبر بهذه الصيغة: «هجوم إرهابيّ من مسلم متطرّف»، وإن كان ينتمي لأيّ دين آخر فسيظهر الخبر هكذا: «هجوم إرهابيّ من شخص متطرّف». أليس كلّ كاتب يصوّر مجتمعه بدرجات متفاوتة، أيًّا كان دين ذلك المجتمع؟ فلماذا التركيز في الخبر على كون هذا المجتمع مسلما خاصّة، وعلى كون النساء اللواتي يعانين التوترات مسلمات؟

دارت هذه الأسئلة في ذهني قبل أن أقرأ كتاب بانو مشتاق الذي يمكن ترجمة عنوانه بالإنجليزية إلى مصباح القلب أو سراج القلب. وهو مجموعة قصصيّة تتألّف من اثنتي عشرة قصّة متباينة الطول كتبت على فترات زمنيّة تمتدّ منذ التسعينيّات إلى العام 2023. إذن هو كتاب مختارات قصصيّة من جميع أعمال الكاتبة التي تكتب بلغة خاصّة بجنوب الهند هي لغة الكاناديّة. وقد ترجمت الكتاب المترجمة ديبا بهاشتي، وصدر عن دار بينجوين، ليصل إلى القائمة النهائيّة لجائزة البوكر العالميّة، ومن ثمّ إلى الفوز، لتصبح بانو مشتاق بذلك ثاني كاتبة هنديّة تفوز بالجائزة بعد جينجالي شري (في العام 2022)، وثاني كاتبة مسلمة تفوز بها، بعدي (في العام 2019).

تنحدر بانو مشتاق من مدينة حسن في كارناتاكا التي تقع في جنوب غرب الهند. وقد نشأت في أسرة تقدميّة، ونالت تعليمها باللغة الكاناديّة، وهو أمر نادر بين المسلمين آنذاك. أما لغتها المحكيّة فهي الدكني المزيج من الفارسيّة، والدلهويّ، والكاناديّة، والماراثيّة، والتيلوغو. ويظهر هذا التعدّد اللغويّ في كتاباتها، وتنقله ترجمة ديبا بهاشتي الحسَّاسة، مع الاحتفاظ بعض الكلمات العربيّة مثل «جنازة» كما هي.

قصّتي المفضّلة في هذه المجموعة هي أوّل قصّة التي تحمل عنوان «ألواح حجريّة لقصر شيستا»، أو «ألواح حجريّة لشيستا محل»، في العنوان إيماءة إلى تاج محل الذي بُني رمزا لوفاء رجل لزوجته. وهنا تكمن المفارقة في العنوان، وهي مفارقة قائمة في القصّة نفسها كذلك؛ إذ يبدو زوج شيستا مبالغا في إظهار التولّه بها، حتّى يعدها أنّه سيبني لها ما هو أعظم من تاج محلّ، في حين يسارع إلى الزواج من أخرى قبل أن تكمل شهرين من وفاتها على فراش النفاس. هذه القصّة تكشف السمات الأسلوبيّة لسرد بانو مشتاق؛ حيث الصعود بصبر من حدث لآخر في بناء خطّي، لا ألعاب سرديّة أو زمنيّة، ولكن السرد ينجح في تشويق القارئ داسًّا بعض الإشارات والإيماءات هنا وهناك معتمدا أسلوب المفارقة والسخريّة وروح الفكاهة والمبالغة التي لا تكاد تبدو مبالغة لشدّة واقعيّتها. كما نلحظُ توظيف عناصر الطبيعة، والإغراق في المحليّة، وسوف أناقش بعض هذه العناصر بشيء من التفصيل.

بُنية القصص وثيماتها متكرّرة إلى حد ّكبير في قصص المجموعة كلّها؛ فهناك دوما امرأة ما مهضومة الحقوق، وفي كثير من الأحيان جاهلة حتّى بحقوقها، تُعيل أطفالا هجرهم الأب كما هجرها، منكسرة، وحيدة، مُتخلّى عنها من الزوج المعيل، ومن أسرتها نفسها. هذه هي الثيمة الأساسيّة التي تتكرّر في معظم هذه القصص: سعي المرأة المهدور لاستعادة أبسط الحقوق: النفقة على الأطفال من الأب الهارب، أو حتّى ثمن الدواء فقط للطفلة الرضيعة. أما الكرامة الإنسانيّة فهي مسحوقة باستمرار تحت وطأة الاضطرار للاسترحام والتسوّل: من الزوج ومن شيخ الدين، ومن أرباب العمل، ومن الأخوة، وأحيانا محاولة استعطاف الأمّ نفسها؛ لتعطف على ابنتها المهجورة المهانة بلا جدوى. بحث دائم، لكنّه غير مُجدٍ، عن أي إنصاف.

إن كان هناك شيء يصدمك، ولكن بتأنٍ -إن صحَّ هذا التعبير المتنافر- فهو الواقع الاجتماعيّ الذي تصوّره هذه القصص؛ ظلم رهيب واقع على النساء، مجتمع متواطئ من أعلاه إلى أسفله، الأقارب قبل الأباعد يشيحون بوجوههم في وجه النساء المهجورات اللواتي يعانين لإطعام أطفالهن. لا عدل ولا قانون ولا تفهّم، حتّى لتتساءل مرارا إن كان الذهاب إلى المحكمة مُجديا أساسًا، ونُذكّر هنا بأنّ الكاتبة نفسها محامية، غير أنّنا نرى حالة واحدة فقط في قصصها لجأت فيها المرأة المعنّفة بالضرب والطرد والإهانة إلى المحكمة. وهي قصّة ساخرة عن معلّم اللغة العربيّة خريج «المدارس الدينيّة» المولع بنوع معين من الطعام هو القرنبيط المصنوع على الطريقة المانشوريّة «غوبي مانتشوريان» ولا شيء آخر في العالم قطّ، وسبب تعنيفه لعروسه هو عجزها عن طبخ هذا النوع من الطعام له.

من الصعب قراءة هذه القصص إذن بوصفها فنًّا سرديًّا خياليًّا وحسب على الرغم من توفّر مقوّمات الفن بها؛ فبانو مشتاق بارعة في سرد التفاصيل، وفي إدارة الحوار المقنع حتّى لكأنّما نسمع نهنهات الطفل، وتوسّلات الأم، وزمجرة غضب الزوج، وصوت ارتطام النساء المدفوعات بالأيادي على الأرض. تدسُّ بانو مشتاق الإشارات بين ثنايا السرد لتعود لتسلّط عليها الضوء في الخاتمة، أو تربط بين مصائر نساء يبدون متباعدات ظاهريًّا، كالربط بين مصير زوجة «المتولي» بمعنى الوكيل أو القائم بأعمال المسجد، والمرأة الشاكية للمتولي المطالبة بأن يتوسّط لإجبار زوجها الهارب على شراء الدواء للرضيعة المريضة، في قصّة كوبرا سوداء. ففي نهاية هذه القصّة المفعمة بالأسى يؤثّر مصير المرأة الشاكية المهزومة في مصير زوجة متولي المسجد وقراراتها بشبكة خيوط سرديّة محبوكة حبكًا ذكيًّا.

على الرغم من الاحترافيّة الفنيّة التي كُتِبَت بها القصص؛ فإنّ صوت الغضب المنسرب في طيّاتها عالٍ، صوت المحاميّة والناشطة في حقوق المرأة ينبثق من صوت الكاتبة والقاصَّة، ليعرّي مجتمعًا يقسو على المرأة، عماده وأُسّه؛ فكم من قضايا صادفت الكاتبة في المحاكم جعلتها أكثر تصميمًا للكتابة عن هؤلاء النساء المقهورات أكثر من أيّ نماذج أخرى للنساء قد توجد في مجتمعها؟ حتّى إنّ وظيفة «محاميّة في المحكمة» كانت هي وظيفة الساردة في قصّة «معلّم اللغة العربيّة والقرنبيط المانشوريّ» التي أشرت إليها من قبل. وهي قصّة طريفة تغلب عليها روح الفكاهة، وطرافة الانعطافات في المصائر، وسطحيّة وضحالة بعض البشر. هناك ومضات فَكهة في قصص أخرى، لكن الجوّ الغالب عليها هو جو خانق، تشعر أنّ كلّ قصّة هي تنويع على القصّة السابقة لها: صورة الزوج الغاضب الهاجر الكريه، أو المخادع، أو المتملّق الخائن. تكاد تتطابق في معظم القصص، وصورة الزوجة المسكينة التي لا حيلة لها، ولا تعليم، ولا استقلال ماديّ، ولا إنصاف، لا من أهلها ولا من المسجد وجماعته، هي صورة واحدة لـ: «مهرون» اليائسة في قصّة مصباح القلب، وقد فقدت المصباح الذي كان ينير قلبها، وهي «أشراف» التي اعتصمت بالمسجد، فخُيّب أملها في قصّة الكوبرا السوداء، وهي المرأة المجهولة التي كتبت رسالة إلى الخالق تتساءل فيها: لم خلق المرأة؟ إن كان كلّ هذا الذل مكتوبا عليها فهي «تأتي إلى العالم لتعطيه لا شيء، وتأخذ منه لا شيء»؛ صورة واحدة بتنويعات عدّة.

مما يلفت الانتباه في هذه القصص تلك الرابطة المؤثّرة بين الأمّ وابنتها كبرى بناتها على وجه الخصوص، كأنّ الواحدة منهما مرآة للأخرى، سندٌ وحيدٌ لها في بعض القصص، ومجرّد أمّ مغلوب على أمرها في قصص أخرى، لا تملك غير البكاء حين تُتنزع طفلتها من حضنها عروسا، والبكاء حين تعود لها تلك العروس مطلقة. غير أنّ الرابطة المتينة تكرّرت في أكثر من قصّة؛ ففي قصّة «ألواح حجرية لسنيثا محل» تقول الأمّ لصديقتها عن ابنتها الكبرى «أشعر بأنّها هي أمّي»، وهو قول حاسم في مجرى الأحداث من بعد، التي انقلبت من بعد دعة وهناءة إلى حدث مأساويّ تموت فيه الأمّ، فتتولّى البنت الكبرى العناية بكلّ أخوتها تاركة المدرسة وأحلامها، فيما يغلق الأب الباب دونهم مختليا بعروسه الجديدة. ونرى تجليًّا مشابهًا لهذه البنت الكبرى في قصّة «مصباح القلب»، «مع بداية اختفاء الضوء أُضيئت المصابيح في أرجاء المنزل. لكن المصباح في قلب مهرون كان قد انطفأ منذ زمن»؛ لقد أنقذ حبُّ البنت لأمّها الأخيرة من الانسياق لظلام كاز ودخان يشعله القلب مطفأ المصباح، فتكاد النيران تلتهم الجسد المنطفئ، وتنهي حياة الأمّ، لولا أن تهرع الابنة إليها بحدس فريد، وتوقد في قلبها مصباح العطف على أبنائها الوحيدين: «أنت مستعدة للموت من أجل أبي، لكن ألا يمكنك أن تعيشي من أجلنا؟». هذه الصلة الرقيقة تكون فيها البنت غالبا طالبة متفوّقة قد أُخرجت من مدرستها؛ لترعى أخوتها الأصغر سنًّا، وتساعد الأمّ في شؤون المنزل، وتتحمّل مسؤوليّات جسام تفوق سنّها الغضّ، فضلا عن حملها لهموم أمّها، وصبرها على صلافة أبيها. إنّها صلة متينة خالية من أيّ أنانيّة، ولكنّها في المقابل حلقة في سلسلة استعباد النساء، وحصر أدوارهن في خدمة الآخرين، والتضحية من أجلهم.

هذا الجوّ الخانق المؤلم يكاد يخنق المسحة الفكاهيّة وروح الدعابة التي تظهر أحيانا في سرد بانو مشتاق، وهي مسحة ذكيّة تبطّن نقدا عميقًا للأنساق الاجتماعيّة والدينيّة. ففي قصّة «المطر الناري» لا يتخيّل «المتولي» أو وكيل المسجد وإمامه أنّ عليه تقاسم إرث والده مع أخواته البنات اللواتي يصلن إلى مراحل مزريّة من الفاقة، فيما هو يعيش متنعّمًا من إرثهنّ، ولكن حين يخبره شخص ما أن «نصار» الشخص الخارج عن كلّ قيم وخُلق الذي أهان زوجته وهجرها مرارا قد وُجِدَت جثته في نهر، ودُفَنت في غير مقابر المسلمين، يُستنفر الإمام، وتصبح هذه قضية يتوقّف عليها صحة إسلام الأمة كلها، وسرعان ما ترتفع أسهم الإمام عند أناس مجتمعه بارتفاع اهتمامه، وجدّيّة مسعاه في استعادة جثّة نصار إلى حيث تنتمي. وبعد إجراءات بيروقراطيّة معقّدة، ومساهمات من أفراد المجتمع لرشوة المسؤولين تُستعاد الجثة. وفيما تدور إجراءات الدفن المظفّر حسب الشريعة الإسلاميّة أخيرا؛ يظهر نصار مسرعًا على دراجته بلحمه وشحمه ساخرا شاتما، فلا يملك الإمام غير تجاهل المشهد مكملا الطقوس التي رفعت مكانته بين الناس، رافضا الاعتراف بفكرة أنّه نقل جثّة هندوسيّ إلى مقابر المسلمين. وتتعاظم السخريّة في هذه القصّة بإدراك القارئ أنّ نصار صاحب الدراجة لم يحترم قيمة مجتمعيّة واحدة لهؤلاء القوم الذين استُنفروا كل هذا الاستنفار لنقل جثّته المزعومة التي تبيّن بعد كل شيء أنّها ليست جثّته. إنّهم يحفلون بدفنه الشرعيّ وهو الذي لم يدخل المسجد في حياته مؤديًّا صلاة واحدة، ولم يبقِ حرامًا لم يأته، فكأنّ موته على الطريقة الإسلاميّة أهم من حياته بهذا الدين.

وهذه القصّة تقودنا إلى الحديث عن الصورة الكاريكاتوريّة لخريجي المدارس الدينيّة، ومعلّمي اللغة العربيّة والملالي، وقيّمي المساجد الذين يقولون في قصص بانو مشتاق ما لا يفعلون، ويبدون دوما في حالة من ضيق الأفق ورفض الحوار، فضلا عن جهلهم بالدين نفسه الذي يدّعون أنّهم يمثّلونه، وبأنهم المخوّلون بحلّ مشكلات الناس؛ بسبب من مناصبهم الحقيقيّة أو الموهومة. وكأنّ الكاتبة تريد التلميح أنّها لا تنتقد الدين من حيث هو، وإنّما ممارسات الناس باسمه، فتقدّم لنا في غير قصّة صوتا ما نسويّا دائما يشير إلى بعض حقوق المرأة مثل التعليم والإرث والعدل. ففي قصّة «كوبرا سوداء» نقرأ مرافعة دينيّة شرعيّة لامرأة مثقّفة وُصِفت بأنّها تقرأ الكتب السميكة عن مقاصد وضوابط التشريعات الخاصّة بالمرأة المسلمة؛ وذلك في سياق إقناع خادمتها المسكينة «أشراف» أن تشكو بزوجها، وتحصل على نفقة أطفالها. لكن ما أبعد البون بين النظريّة والتطبيق! فالخادمة التي اعتصمت بالمسجد، وأهينت من زوجها أمام الإمام السكران وحشد الناس، فقدت رضيعتها التي ماتت في حضنها في باحة المسجد نفسه من شدّة المرض ونقص التغذية في مفارقة واضحة، وسخريّة عميقة.

«المحليّة» مصطلح يتكرّر في الحديث عن القصص المنتجة خارج دائرة الغرب، ومع الانتباه إلى الجدل الذي يخصّ مصطلح المحليّة، والإحالة إلى المفكّر حميد دباشي بتحليله أنّ أوروبا التي تُصنّف الثقافات إثنيّاً؛ ترى كلّ الثقافات خارجها محليّة في حين تُقدّم ثقافتها المحليّة على أنّها كونيّة. أقول مع هذا الانتباه؛ فإنّ المحليّة بمعناها الإيجابيّ متغلغلة في هذا الكتاب. تكاد تسمع صوت المطر الذي لا يتوقّف في جنوب الهند لعدّة أيّام تحسّ بالبلل في عظامك، وأنت تقرأ القصص ترى الشوارع المتربة، وتلمح النساء يكنسن أمام بيوتهن رافعات أطراف الساري؛ كي لا يتّسخ، تسمع صخب الدراجات الناريّة، وجدالات الباعة والمشترين، وتنزّ عليك عصارات فواكه الأشجار المثقلة، تكاد تشمُّ روائح البرياني والبراتا المحشو، والمسالا، وروائح النتانة من الجثث، ومن الأحياء.

في هذا الشدُّ المحكم لخيوط السرد لا يوجد تفصيل لا تستغله بانو مشتاق في بناء الحدث أو الإيماء إليه، فهل لي أن أعود لتساؤلي الأوّل بعدما قرأتُ الكتاب؟ ربّما هناك وجهٌ ما لوصف سردها بأنّه يقدّم التوترات الأسريّة للنساء المسلمات؛ وذلك بسبب محليّة هذا النصوص الطاغية. ولكون صفة المسلمات هنا وصفا كذلك لتنشئة معينة نشأت عليها هاته النسوة؛ إذ على الرغم من أنّ المفاهيم الشرقيّة القديمة الموروثة، والعادات الهنديّة الراسخة مثل دفع المرأة مهرا للزوج -وليس العكس- مهيمنة على المجتمع الهنديّ كلّه بأشكال مختلفة ونسب متفاوتة؛ فإنّها في هذه النصوص تتّسم بفهم معين للدين الإسلاميّ، وبممارسات ذكوريّة ممعنة في القسوة يقوم بها أفراد يستندون إلى نصوص إسلاميّة لا يسمعون غير أصواتهم، ولا يرون غير مصالحهم. الظلم في هذه القصص له جذور مجتمعيّة موغلة في المجتمعات المسلمة التي قد تشبه أو لا تشبه مجتمعات مسلمة أخرى. ولكن من جهة أخرى؛ إذا كان الإهمال والعنف والتميّيز «الجندريّ» يأخذ طابعًا إنسانيًّا عامًّا، ويتجلّى في مجتمعات مختلفة على مستوى العالم؛ فهل ينبغي التركيز حينئذ أنّ بانو مشتاق تكتب قصص نساء مسلمات فقط؟ ربّما تكتب بانو مشتاق بما يشبه «المطر الناريّ» الذي ينبغي أن يوقظ الضمير الإنسانيّ.

جوخة الحارثي أكاديمية وروائية عمانية حاصلة على جائزة البوكر العالمية.

مقالات مشابهة

  • من الدعوة إلى الدولة: قراءة هادئة في مسار الحركة الإسلامية في اليمن.
  • مصباح القلب المطفأ.. قراءة في قصص بانو مشتاق
  • «مسار إجباري» يُحيي حفلاً جديداً بساقية الصاوي في هذا الموعد
  • غدا.. عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل «حرب الجبالي» لـ أحمد رزق
  • تامنغست.. وفاة 3 أشخاص وإصابة 4 آخرين في حريق بمستشفى مصباح بغداد
  • وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار: سوريا الجديدة هي المنتجة التي تعيد تشكيل معاملها وبناء إنتاجها
  • أهم الأدوات التي استخدمها مسلسل مستر روبوت في الاختراقات
  • نسرين أمين تكشف لـ أحمد رزق سر وفاة والده.. تفاصيل مسلسل حرب الجبالي الحلقة 47
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى: نأمل بكل صدق ألا تُعرقل هذه القوافل من الجهة الخارجة عن القانون التي تسعى لتوظيف معاناة أهلنا لأهدافها الانعزالية
  • حيثيات المحكمة في الحكم ببراءة المتهمة بقضية تهديد وابتزاز طبيب بالقاهرة الجديدة