لماذا أوقفت واشنطن خارطة الطريق اليمنية؟
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
العدوان على غزة ليس حدثا عاديا، بل هو تحول جيوسياسي مفصلي في تاريخ المنطقة، ويبدو أن تداعياته سوف تتجاوز حدود قطاع غزة وفلسطين، لتضرب في المنطقة بمستويات متفاوتة، وقد بدأت للتو بالتأثير في العملية السياسية وفي الترتيبات الهشة المتصلة بخارطة الطريق الأممية للحل في اليمن.
فقد أعلن رئيس الحكومة الدكتور أحمد عوض بن مبارك توقف خارطة الطريق وشروع حكومته في تدابير للتعامل مع الواقع الجديد، فيما هيمنت النبرة المتشائمة على الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن الدولي، والتي توقع من خلالها إمكانية عودة المواجهات العسكرية في اليمن.
رئيس الحكومة اليمنية عزا سبب توقف خارطة الطريق من جانب الحكومة، إلى النشاط العسكري لجماعة الحوثي في البحر الأحمر، المهدد لسلامة الملاحة البحرية العالمية، وهي ذريعة لا تتمتع بجاذبية وطنية، التركيز على سلامة الملاحة في البحر الأحمر، يبرهن على أن الموقف السياسي للحكومة الشرعية أراد أن يلتحم مع الأولويات الأمريكية الطارئة في اليمن، والتي تركز حاليا على إنهاء التأثير العسكري للحوثيين على الملاحة الدولية، دونما مساس بدورهم السياسي والعسكري، بدليل أن وزير الخارجية الأمريكي أصدر تصريحات مستفزة خلال زيارته الأخيرة للسعودية، تحدث خلالها عن أن بلاده ستضغط على إيران لإجبار الحوثيين على وقف نشاطهم. أي أنه لم يعط الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وحليفتها السعودية تفويضا بالتعاطي مع التطوراتفي حين ارتبط النشاط العسكري للحوثيين -رغم دوافعه الأنانية والمكشوفة وأجنداته الإقليمية- بمعركة تشغل عقل ووجدان الأمة، ويبدو فيها الاستكبار العالمي والصلف الصهيوني العدواني سافرين إلى حد لا تحتمله كرامة إنسان.
لا أحد يمكنه أن يجادل في الدوافع الماكرة لجماعة الحوثي من وراء استثمار معركة غزة والانتصار لها في تعزيز مكاسبها والحصول على شرعية سياسية شبه معدومة تقريبا على النطاق الوطني، إذ لا تكتفي بتجويع الناس، ومصادرة خياراتهم السياسية، بل ترتكب الفظائع ضدهم، مثل جريمة الحرب التي ارتكبها مسلحو الجماعة قبل ثلاثة أيام وشملت تفجير منازل على رؤوس ساكنيها في حي الحفرة بمدينة رداع التاريخية، ما تسبب في استشهاد العشرات من الأطفال والنساء والرجال.
غير أن التركيز على سلامة الملاحة في البحر الأحمر، يبرهن على أن الموقف السياسي للحكومة الشرعية أراد أن يلتحم مع الأولويات الأمريكية الطارئة في اليمن، والتي تركز حاليا على إنهاء التأثير العسكري للحوثيين على الملاحة الدولية، دونما مساس بدورهم السياسي والعسكري، بدليل أن وزير الخارجية الأمريكي أصدر تصريحات مستفزة خلال زيارته الأخيرة للسعودية، تحدث خلالها عن أن بلاده ستضغط على إيران لإجبار الحوثيين على وقف نشاطهم. أي أنه لم يعط الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وحليفتها السعودية تفويضا بالتعاطي مع التطورات الناشئة عبر وسائل ميدانية وعسكرية متاحة بشكل كامل، ومن شأنها أن تقوض المكاسب السياسية والعسكرية لجماعة الحوثي، وتشكل تهديدا وجوديا لوجودها على الساحة اليمنية.
الرسالة الأمريكية للحوثيين التي مُررت عبر وقف العمل بخارطة الطريق، تكشف عن استمرار السياسة المزدوجة لواشنطن حيال الحرب في اليمن، فهي سبق وأن دعمت حرب السعودية لوجستيا، إلى حد بدت معه في السنوات الأولى من تلك الحرب وكأنها جزء من التحالف، قبل أن يتوقف هذا الدعم بل وتصعد واشنطن بشكل عنيف ضد الرياض في مستهل رئاسة جو بايدن.
وفي الجانب الآخر، تحرص واشنطن على تأمين كل السبل السياسية والعسكرية لضمان تطور الموقف العسكري للحوثيين ليصل إلى مستوى خطير من الضغط الاستراتيجي على السعودية ودول المنطقة، مع غض الطرف عن النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار والذي أسقط في أحد مغامراته ادعاءات الشراكة الاستراتيجية الأمريكية السعودية.
تداعيات حرب غزة ربما تدفع باتجاه إحداث تحول قد لا يصب في مصلحة الكيانات ما دون الدول؛ التي مُنحت طيلة العقدين الماضيين دورا مؤثرا في توجيه مسار الأحداث على مستوى المنطقة، ولعب دور حاسم في الصراعات، ومنها جماعة الحوثي وحزب الله وغيرها، وهو أمر سيظل مرهونا بالتوجهات الجيوسياسية للولايات المتحدة
والمعطى الجديد اليوم هو أن خارطة الطريق متوقفة إلى أن يعود الحوثيون إلى رشدهم وفقا للأوليات الأمريكية، وهذا هو الذي دفع بالمبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى الهرولة نحو واشنطن، حيث التقى في السادس عشر من هذا الشهر مسؤولين أمريكيين من الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي، وبحث معهم "سبل تيسير التقدم نحو استئناف عملية سياسية جامعة بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة، وإيجاد تسوية مستدامة للنزاع".
لأجل ذلك لا ينبغي أن نُخدع بما أقدمت الحكومة الشرعية من إنهاء لخارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة، فذلك لا يتفق أبدا مع موقعها الهامشي، بالقياس إلى الأدوار الرئيسية التي تقرر مصير الحرب والسلام في اليمن، والمرتبطة بالسعودية والولايات المتحدة وإيران على وجه الخصوص، مع تأثير إماراتي يتكئ على نفوذ أبو ظبي على التيار الانفصالي، والقوى العسكرية الناشئة من الإرث السلطوي لنظام الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.
على أن تداعيات حرب غزة ربما تدفع باتجاه إحداث تحول قد لا يصب في مصلحة الكيانات ما دون الدول؛ التي مُنحت طيلة العقدين الماضيين دورا مؤثرا في توجيه مسار الأحداث على مستوى المنطقة، ولعب دور حاسم في الصراعات، ومنها جماعة الحوثي وحزب الله وغيرها، وهو أمر سيظل مرهونا بالتوجهات الجيوسياسية للولايات المتحدة، وطبيعة تعاملها مع المنطقة ودولها.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة اليمن خارطة الطريق الحوثيين امريكا غزة اليمن خارطة الطريق الحوثيين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العسکری للحوثیین خارطة الطریق فی الیمن
إقرأ أيضاً:
وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين
رفضت الولايات المتحدة اليوم الاثنين مؤتمر الأمم المتحدة الذي شارك فيه عدد كبير من الدول للعمل على تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، ووصفته بأنه "خدعة دعائية".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، في بيان: "هذه خدعة دعائية تأتي في خضم جهود دبلوماسية دقيقة لإنهاء الصراع وبعيدًا عن تعزيز السلام، سيُطيل المؤتمر أمد الحرب، ويُشجع حماس، ويُكافئ عرقلتها، ويُقوض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام".
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، المؤلفة من 193 عضوًا، في سبتمبر من العام الماضي عقد هذا المؤتمر في عام 2025.
وقد أُجّل المؤتمر، الذي استضافته فرنسا والسعودية، في يونيو بعد هجوم إسرائيلي على إيران.
في كلمته أمام المؤتمر، حث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، جميع الدول على دعم هدف المؤتمر المتمثل في وضع خارطة طريق تحدد معالم الدولة الفلسطينية مع ضمان أمن إسرائيل.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في كلمته الافتتاحية: "يجب أن نضمن ألا يصبح هذا المؤتمر مجرد خطاب حسن النية".
وأضاف: "يمكنه، بل يجب، أن يكون نقطة تحول حاسمة - نقطة تُحفّز تقدمًا لا رجعة فيه نحو إنهاء الاحتلال وتحقيق طموحنا المشترك في حل الدولتين القابل للتطبيق".
وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أمام المؤتمر: "يجب أن نعمل على إيجاد السبل والوسائل للانتقال من نهاية الحرب في غزة إلى نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في وقت تُهدد فيه هذه الحرب استقرار وأمن المنطقة بأسرها".