الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
إسطنبول- كل عام من شهر رمضان المبارك، يتجه الأتراك بقلوب مفعمة بالإيمان والشوق إلى المدينة المقدسة مقبلين نحو المسجد الأقصى في رحلة إيمانية تملأ الروح سكينة وقربًا من الخالق، رغم عراقيل وإجراءات إسرائيلية مكثفة، متخذين منها مسارًا للتأمل والتقرب إلى الله، كما يصفونها.
وتعود مواظبة الأتراك على زيارة الأقصى إلى تمسكهم بعادة "تقديس الحج (بمكة المكرمة)" نسبة إلى زيارة مدينة القدس بعد أداء هذه الفريضة، إذ كانت زيارة المسجد الأقصى ركناً أساسياً اعتاده الحجاج قبل الذهاب إلى مكة المكرمة أو خلال رحلة العودة منذ العهد العثماني، كما يرون أن زيارة القدس "تعادل نصف حج" مما يدفعهم للحرص على الذهاب في شهر رمضان المبارك.
وفي خطوة تعكس الإقبال الروحي والثقافي للشعب التركي نحو القدس، قررت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عام 2021 تغيير اسم رئاسة خدمات العمرة إلى "رئاسة خدمات زيارة العمرة والقدس" مؤكدة بذلك على الارتباط العميق والمتجدد بين العمرة وزيارة هذه المدينة المقدسة.
وأخذت أعداد الزوار الأتراك لمدينة القدس في الزيادة لاسيما بعد أن أصدرت وزارة الشؤون الدينية قرارا عممته على المواطنين العازمين على الحج بتقديس حجتهم عام 2015 ووضعت هدفاً للوصول بعدد زوارها إلى 100 ألف مواطن سنوياً، بجانب دعوات رئيس الجمهورية رجب أردوغان المتكررة منذ عام 2017 لشعبه بتكثيف زياراتهم لهذه المدينة.
وبحسب إحصائيات الهيئات الدينية فإن أكثر من 15 ألفا و800 تركي زاروا القدس عام 2016، وأن العدد ارتفع إلى أكثر من 43 ألفاً بعد عامين، لتواصل الأعداد في الارتفاع بعد انتهاء أزمة كورونا وتصل إلى 50 ألفاً عام 2022.
وتشير التوقعات لزيادة كبيرة في أعداد الزوار الأتراك لمدينة القدس والمسجد الأقصى خلال العام الحالي، إذ يلفت مختصون إلى أن العام الجاري يحمل خصوصية كبيرة لدى الأتراك في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ أكثر من 6 أشهر والذي راح ضحيته أكثر من 32 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 74 ألفا آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، وهو ما يدفعهم لـ "تقديس جهادهم" بدلاً من "تقديس الحج".
في حديثها للجزيرة نت، حاولت سحر كاراداغ (24 عاماً) -التي تستعد لقضاء العشر الأواخر من شهر رمضان هذا العام في رحاب المسجد الأقصى- وصف شعورها قائلة "زيارتي الأولى للقدس كانت في طفولتي، حيث صليت في المسجد الأقصى وتجولت في زوايا البلدة القديمة، وزرت قبر النبي داود وبحيرة لوط ومقام موسى، هناك شعور لا يزال يعيش داخلي منذ تلك الرحلة، زرع حنيناً متجدداً وشوقاً دائماً للعودة إلى ذلك المكان".
وبشأن توقيت زيارتها، أوضحت أنها كانت تخطط لإجراء زيارتها للمسجد الأقصى العام المقبل بعد إتمام دراستها في كلية الدراسات الإلهية. ولكن، الأحداث الجارية في قطاع غزة والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين جعلتها تعيد التفكير في الزيارة باعتبارها واجباً على كل مسلم قادر، بدلاً من كونها مجرد رحلة دينية.
وأضافت "ربما لا أمتلك القدرة على إحداث تغيير كبير في هذا العالم، وقد لا أستطيع فعل الكثير من أجل أهالي غزة، ولكني أرى في زيارتي للمسجد الأقصى نوعاً من الجهاد الذي يعتبر فرضاً علي وعلى كل قادر. فبمجرد وجودنا هناك، نحاول الحفاظ على هوية المكان وإبراز قدسيته وأهميته بالنسبة لنا".
وتطرقت كاراداغ إلى التحديات المرتبطة بالزيارة، مشيرة إلى المعوقات التي واجهتها كإقناع والديها بنيتها الذهاب، وقالت "من المعروف حجم الظلم والقمع اللذين يمارسهما جنود الاحتلال ضد المصلين بالمسجد الأقصى، مما جعل من الصعب إقناع والديّ بالفكرة، لكن بعد إصرار، تمكنت من كسب موافقتهما. وأعتقد أن التحديات الأكبر تنتظرني داخل أسوار المسجد وليس في رحلتي إليه".
تواصل الحكومة التركية تقديم التسهيلات والدعم اللازم لتشجيع مواطنيها على زيارة مدينة القدس المحتلة، على الرغم من الخلافات التي كانت تدور سابقاً حول شرعية الزيارة في ظل وجود الاحتلال، إلا أن كثيراً من الشيوخ الأتراك أفتوا بجواز الزيارة، إذ تأتي في إطار مساندة ودعم الشعب الفلسطيني.
وتفتح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية باب التسجيل لرحلات قصيرة إلى القدس بشكل متكرر خلال العام، بالإضافة إلى دعمها المستمر لشركات السياحة المنظمة للرحلات الجماعية كالتعاقد مع مرشدين فلسطينيين معتمدين لدى الوزارة وتسهيل استخراج الأذونات الرسمية اللازمة والتنسيق المستمر مع الجانب الفلسطيني.
ويعبر الزوار الأتراك عن تفانيهم وإصرارهم للوصول إلى المسجد الأقصى من خلال رحلة معقدة ومليئة بالتحديات، فيبدؤون مسيرهم بالسفر إلى الأردن، متحملين مشاق السفر ومتخطين العراقيل التي تعترض طريقهم.
ومن هناك، يستكملون الجزء الأصعب من الرحلة براً، حتى يصلوا إلى وجهتهم النهائية، إذ يختارون هذا المسار المضني على التعامل مع التحديات التي قد تواجههم بالمطارات الإسرائيلية، مما يعكس عمق التزامهم ورغبتهم في زيارة هذا المكان المقدس.
وفي المسجد الأقصى، تحدثت الجزيرة نت مع عضو في نقابة المعلمين في إسطنبول محمد فاتح سيرتكاي الذي أشار إلى قدومه برا عبر الأردن.
واعتبر سيرتكاي أن "أعظم خير يمكن فعله للقدس هو زيارتها" داعيا الأتراك إلى زيارة المسجد قائلا "ننتظركم جميعاً في المسجد الأقصى والقدس".
قيود إسرائيلية
وعن التضييقات التي تفرضها قوات الاحتلال على الزوار الأتراك، يقول قدير أجون مالك شركة "عرفان للسياحة" -في حديثه للجزيرة نت- إنه من الملاحظ زيادة القيود على الزوار القادمين من تركيا على وجه الخصوص لاسيما السنوات الأخيرة، كالانتظار لساعات طوال في المطارات الإسرائيلية دون توضيح الأسباب، بالإضافة إلى صعوبة استخراج الأذون اللازمة للدخول.
وأضاف أجون أن الزوار الأتراك يذهبون للقدس بمشاعر محملة بالاشتياق وحالة روحانية جميلة لا يعكرها سوى رؤية جنود الاحتلال الإسرائيلي في جميع أزقة القدس وعلى أبواب المسجد الأقصى وكثرة حواجز التفتيش والتحقيق الموجودة في مختلف أنحاء هذه المدينة المقدسة.
وتطرق إلى كلفة السفر من تركيا إلى القدس، مؤكداً أن الأسعار تبقى في متناول اليد مقارنة بالرحلات من دول أخرى، حيث يتراوح متوسط التكلفة حول ألف دولار أميركي لفترة تشمل 3 ليال و4 أيام.
وتوقع أجون، زيادة التضييقات على الزوار الأتراك خلال العام الحالي لاسيما في ظل الوضع التشديدات الأمنية المكثفة التي تتبعها قوات الاحتلال بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة، بجانب توتر العلاقات الدبلوماسية التركية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات المدینة المقدسة المسجد الأقصى أکثر من
إقرأ أيضاً:
لماذا تراجع الأجانب عن شراء العقارات في تركيا؟ ولماذا يشتري الأتراك في أوروبا؟
الكاتب التركي: ناكي بكير – ترجمة موقع تركيا الان – بينما بدأت موجة شراء الأجانب للعقارات في تركيا بالانحسار، استمرت وتيرة شراء الأتراك للعقارات في الخارج بكامل سرعتها خلال الربع الأول من هذا العام أيضًا. وقد تجاوزت كمية العملات الأجنبية التي أخرجها الأتراك إلى الخارج لشراء العقارات تلك التي جلبها الأجانب إلى تركيا لنفس الغرض. ومع تبدل الاهتمام المتبادل في الاستثمارات العقارية، انقلب التوازن بشكل كامل.
وكان تدفق الأجانب إلى شراء العقارات في تركيا – لا سيما الروس والأوروبيين المهتمين منذ فترة طويلة بالمدن الساحلية، إلى جانب مواطني دول الشرق الأوسط الذين جذبتهم ميزة الحصول على الجنسية التركية – قد أصبح خلال العقد الماضي مصدرًا مهمًا للعملات الأجنبية وساهم بشكل ملحوظ في ميزان الحساب الجاري لتركيا. غير أن هذا التوجه بدأ في التراجع منذ عام 2023، في حين تسارع توجه الأتراك نحو شراء العقارات في الخارج، واستمر هذا الاتجاه بقوة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024.
انخفاض في شراء الأجانب وارتفاع في شراء الأتراك
أظهرت بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي أن مشتريات الأتراك للعقارات في الخارج بلغت 144 مليون دولار في يناير، و190 مليون دولار في فبراير، وارتفعت إلى 227 مليون دولار في مارس. في المقابل، بلغ حجم مشتريات الأجانب للعقارات في تركيا 132 مليون دولار في يناير، و134 مليون دولار في فبراير، و149 مليون دولار في مارس، وهو ما يقل عن حجم العملات الأجنبية التي أخرجها الأتراك إلى الخارج لنفس الغرض. وتؤكد هذه الأرقام أن اهتمام الأتراك بشراء العقارات خارج البلاد يزداد قوة، في حين يتراجع اهتمام الأجانب بتركيا.
وفي الفترة ما بين يناير ومارس، انخفضت استثمارات الأجانب في العقارات التركية بنسبة 47.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 415 مليون دولار، بينما ارتفعت مشتريات الأتراك في الخارج بنسبة 17.1% لتسجل 561 مليون دولار، متجاوزة بذلك استثمارات الأجانب في تركيا. ووفقًا لسعر صرف الدولار الرسمي لدى البنك المركزي، فإن قيمة الأموال التي أخرجها الأتراك لشراء عقارات في الخارج بلغت نحو 20.3 مليار ليرة تركية.
يُذكر أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، اشترى الأجانب عقارات في تركيا بقيمة 796 مليون دولار، بينما بلغت مشتريات الأتراك في الخارج 479 مليون دولار، ما أدى إلى تحقيق صافي دخول للعملات الأجنبية بقيمة 317 مليون دولار. أما خلال الفترة نفسها من هذا العام، فقد حدث العكس، حيث سجل الميزان العقاري بين الجانبين صافي خروج للعملات الأجنبية بقيمة 146 مليون دولار.
عام 2023 شكّل نقطة تحوّل
شهدت الاستثمارات العقارية المتبادلة بين الأتراك والأجانب تحولًا جذريًا في التوازن، خاصة اعتبارًا من عام 2023، حيث بدأت المؤشرات في الاتجاه المعاكس. ووفقًا لبيانات البنك المركزي التركي، فقد كانت استثمارات الأجانب في العقارات التركية تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار سنويًا خلال الفترة من 2006 إلى 2012، ثم تجاوزت حاجز 3 مليارات دولار لأول مرة في عام 2013، و4 مليارات في 2014، ثم 5 مليارات في 2018، وبلغت ذروتها التاريخية في عام 2022 عند 6.3 مليار دولار.
لكن هذا الارتفاع لم يستمر، حيث انخفضت استثمارات الأجانب بشكل حاد اعتبارًا من عام 2023، لتتراجع إلى 3.6 مليار دولار، أي ما يقارب النصف مقارنة بالعام السابق، واستمر التراجع في 2024 ليصل إلى 2.8 مليار دولار فقط.
في المقابل، كانت مشتريات الأتراك للعقارات في الخارج تتراوح ما بين 213 و371 مليون دولار سنويًا حتى عام 2022، لكنها قفزت إلى 628 مليون دولار في ذلك العام، ثم تضاعفت إلى 1.8 مليار دولار في 2023، ووصلت إلى 2.2 مليار دولار في 2024، ما يشير إلى نمو مطرد.
ويتوقع أنه في حال استمرار وتيرة التراجع في شراء الأجانب للعقارات خلال الربع الأول من هذا العام، فقد ينخفض إجمالي مشترياتهم إلى ما دون 1.5 مليار دولار بنهاية 2024. في المقابل، إذا استمرت وتيرة النمو الحالية في مشتريات الأتراك، فمن المرجح أن تتجاوز 2.5 مليار دولار خلال نفس العام، متفوقة بذلك بفارق كبير على استثمارات الأجانب في تركيا.
حصة الأجانب في المبيعات العقارية تراجعت إلى 1.4%
أظهرت إحصاءات مبيعات العقارات حتى نهاية مارس، الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، أن حصة الأجانب في مبيعات العقارات في تركيا تراجعت مجددًا إلى مستويات 1%، بعد سنوات من الارتفاع. فقد ارتفع عدد العقارات المباعة في عموم تركيا خلال شهر مارس بنسبة 5.1% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ليصل إلى 110,795 وحدة، في حين انخفض عدد العقارات المباعة للأجانب بنسبة 11.5% ليبلغ 1,574 وحدة فقط.
وفي الفترة ما بين يناير ومارس، بلغ إجمالي مبيعات العقارات 335,784 وحدة، اشترى الأجانب منها 4,578 وحدة فقط. وبينما ارتفع إجمالي المبيعات بنسبة 20.1% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، تراجعت مبيعات العقارات للأجانب بنسبة 19.5%.
وكانت حصة الأجانب من مبيعات العقارات في تركيا قد وصلت إلى 4.5% في عام 2022، ثم انخفضت إلى 2.9% في عام 2023، وتراجعت إلى 1.6% في عام 2024، قبل أن تسجل انخفاضًا إضافيًا إلى 1.4% فقط خلال الربع الأول من هذا العام.
152 مليار ليرة خلال ثماني سنوات
تُظهر السجلات الإحصائية المتعلقة باستثمارات الأتراك العقارية في الخارج البيانات منذ بداية عام 2017. ووفقًا لهذه المعطيات، اشترى الأتراك عقارات بقيمة إجمالية بلغت 6 مليارات و577 مليون دولار في دول مختلفة خلال الفترة الممتدة من يناير 2017 وحتى مارس 2025، أي خلال 8 سنوات و3 أشهر.
وعند تحويل هذا المبلغ إلى الليرة التركية وفق متوسط سعر صرف الدولار المعتمد من البنك المركزي خلال هذه الفترة، فإن القيمة الإجمالية التي دفعها الأتراك لشراء عقارات خارج البلاد تصل إلى نحو 152.3 مليار ليرة تركية.
وعند النظر إلى التطورات السنوية:
اقرأ أيضاانخفاض جديد في قيمة الليرة التركية أمام الدولار واليورو