الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد، يقول ربنا تبارك وتعالى فى سورة الحجر: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، فالقرآن حبل الوحى الممدود من السماء إلى الأرض، ولو تناولنا رحلة القرآن الكريم المباركة عبر العصور والأزمان لوجدناه محفوظاً فى الصدور والقلوب قبل السطور والألواح، ولقد يسر الله تعالى للأمة الإسلامية الكثير من الطرق والأساليب التى ساهمت فى حفظ كتاب الله تعالى مصوناً عن التحريف والتبديل، فحفظ الصحابة، رضوان الله عليهم، القرآن الكريم فى الصدور، وكتبوه على كل الوسائل المتاحة للكتابة فى هذا العصر فى حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فقد واجه المسلمون الكثير من المصاعب والحروب التى أدت لوفاة عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، ما دفع سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، إلى اقتراح تشكيل أول لجنة علمية من الصحابة لجمع المصحف الشريف، والتى تمت بالفعل تحت رئاسة أحد أهم كتاب الوحى الشريف وهو زيد بن حارثة، وتوالت بعد ذلك اللجان التى تشكلت فى العصور التالية لمراجعة المصاحف وتدقيقها وصيانتها بدءاً من اللجنة التى شكلها الحجاج بن يوسف الثقفى: عام 70هـ/689م، ثم نصر بن عاصم الليثى: عام 94هـ/712م، ثم يعقوب بن إسحاق الحضرمى: عام 194هـ/809م، ثم ابن مجاهد: عام 304هـ/916م، ثم الدارقطنى: عام 385هـ/995م، وصولاً إلى أشهر وأقدم لجنة فى العصر الحديث لمراجعة المصحف والتى كانت فى مصر من خلال الأزهر الشريف، ما جعل مصر دائماً صاحبة الريادة فى خدمة المصحف الشريف، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فالدولة المصرية كانت هى أول دولة عربية مسلمة تطبع المصحف الشريف، بل كانت تلك الطبعة هى أول طبعة مدققة محافظة على المصحف الشريف بالرسم العثمانى فى العالم أجمع، وذلك بعد أن ظهرت أول نسخة مطبوعة من القرآن الكريم سنة 1537م، والتى تسمى بطبعة البندقية، أو طبعة روما، ولا تزال المعلومات مضطربة حول طبعة روما من حيث تاريخ الطباعة ومكانها والمصير الذى آلت إليه تلك النسخة، وقد ذكرت دائرة المعارف البريطانية أنها طبعت فى روما سنة 1530م، وقد اختفت هذه الطبعة لأكثر من 450 سنة والنسخة موجودة فى مكتبة بالجزيرة البندقية، لكن هذه الطبعة لم تكن متقنة ولم تكن على الرسم العثمانى المعهود، ثم ظهرت طبعة هامبورج 1694م، بغرض تلبية حاجة المستشرقين إلى نسخة من القرآن الكريم، إلا أنها أيضاً لم تلتزم بالرسم العثمانى إلا فى القليل النادر فى بعض الكلمات، وقد رفض المسلمون طباعة المصحف فى بادئ الأمر، إلى أن جاءت الموافقة بالطبعة المصرية حيث أسست أول مطبعة فى مصر سنة 1825م، والمشهور بمصحف الشيخ رضوان بن محمد، الشهير بالمخللاتى، سنة 1890م، والذى تميز بتزويده بعدد آيات كل سورة فى أولها حسب مذاهب علماء العدد المشهورين، كما وضَّح مواطن الوقوف وقسَّم الوقف إلى ستة أقسام، كافٍ وحسن وجائز وصالح ومفهوم وتام، مشيراً إلى الكافى بالكاف والحسن بالحاء والجائز بالجيم والصالح بالصاد والمفهوم بالميم والتام بالتاء، وقد طبع هذا المصحف فى المطبعة البهية سنة 1308هـ - 1890م، وكان هو المتداول بين أهل العلم والقُراء، المعول عليه فى العالم الإسلامى كله، ثم جاء مصحف الملك فؤاد الأول، الذى كلف لجنة برئاسة الشيخ محمد على خلف الحسينى الحداد، شيخ المقارئ المصرية، للاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة، ثم طبع المصحف فى السودان برواية الدورى عن أبى عمرو بن العلاء.

وكما كان لمصر الصدارة فى طباعة المصحف الشريف كانت مصر أيضاً صاحبة الجمع الرابع للقرآن الكريم، وهو الجمع الصوتى للقرآن الكريم، حيث طبع المصحف المرتل فى أسطوانات فى مصر لأول مرة فى تاريخ الإسلام، يوم السبت الثامن والعشرين من شهر الله المحرم عام ألف وثلاثمائة وثمانين من الهجرة الموافق للثالث والعشرين من يوليو عام ألف وتسعمائة وستين، وذلك بعدما عرض الدكتور لبيب السعيد فكرته بتسجيل القرآن كاملاً مرتلاً على وزير الأوقاف أحمد طعيمة، وعندما عرض المشروع على الأزهر الشريف رحب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر وقتها، ودعا أشهر القراء والعلماء للبدء بالتسجيل وهم الشيخ محمود خليل الحصرى للتسجيل برواية حفص عن عاصم، والشيخ مصطفى الملوانى للتسجيل برواية خلف عن حمزة، والشيخ عبدالفتاح القاضى، رئيس لجنة مُراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، لتسجيل قراءة أبى جعفر برواية ابن وردان، هذا بالإضافة إلى العديد من الخدمات التى قدمها وطننا الحبيب لخدمة كتاب الله تعالى، كان من أهمها فى العصر الحديث مصحف مصر المنقوش على الجدران، ففى الحقيقة القرآن نزل بمكة المكرمة وقرئ بمصر المحروسة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن الکریم المصحف الشریف الله علیه

إقرأ أيضاً:

الشيخ ماهر المعيقلي .. إمام الحرم المكي وصوت قرآني من الجنة

تصدر الشيخ ماهر المعيقلي إمام الحرم المكي محركات البحث خلال الساعات الماضية بعد قيامة بالخطبة الأشهر عن المسلمين خطبة عرفات في أفضل يوم طلعت فيه الشمس من مسجد نمرة وفي السطور التالية نرصد أبرز المعلومات عن الداعية الكبير الشيخ ماهر المعيقلي:

 

من هو الشيخ ماهر المعيقلي؟

هو الشيخ ماهر بن حمد بن معيقل المعيقلي البلوي، إمامٌ سعوديٌّ شهيرٌ، اشتهر بصوته العذب وقراءته المُتقنة للقرآن الكريم. ولد الشيخ ماهر في المدينة المنورة عام 1969م، وحفظ القرآن الكريم في سنٍّ مبكرةٍ، ثمّ واصل تعليمه الشرعيّ في جامعة أم القرى، كما حصل أيضًا على درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن.

 

إنجازات الشيخ ماهر المعيقلي:

إمامة الحرم المكي: يشغل الشيخ ماهر منصب إمام الحرم المكي الشريف منذ عام 1428هـ، وهو من أشهر قرائه وأكثرهم متابعةً من قبل المسلمين في جميع أنحاء العالم.

التحفيظ والتجويد: يهتمّ الشيخ ماهر بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم التجويد، وقد أخرج العديد من القراء المهرة.

التأليف: للشيخ ماهر العديد من المؤلفات في علوم القرآن الكريم والتفسير، من أشهرها:

تفسير المعيقليالتيسير في قواعد التجويدمنهج الحافظ في حفظ القرآن الكريم

الإصدارات الصوتية: سجّل الشيخ ماهر القرآن الكريم كاملاً بصوته العذب، كما سجّل العديد من التلاوات الخاصة والتواشيح الدينية.

 

مميزات الشيخ ماهر المعيقلي:

 

صوت عذب ومُؤثر: يتميز الشيخ ماهر بصوته العذب والقويّ، الذي يُلامس القلوب ويُضفي على تلاوته جمالًا وروعةً.

تجويد متقن: يُتقن الشيخ ماهر قواعد التجويد، ويحرص على تطبيقها بدقةٍ وإتقانٍ في تلاوته.

تلاوة مُتناسقة: تتميز تلاوة الشيخ ماهر بالتناسق والتوازن بين الآيات، ممّا يُضفي عليها سهولة الاستماع والتأمل.

خشوع وتأثر: يُحسّ المستمع بخشوع الشيخ ماهر وتأثّره بمعاني القرآن الكريم أثناء تلاوته.

 

تأثير الشيخ ماهر المعيقلي في المسلمين:

للشيخ ماهر المعيقلي تأثيرٌ كبيرٌ على المسلمين في جميع أنحاء العالم، حيث ساهم صوته العذب وتلاوته المُتقنة في نشر القرآن الكريم وتعزيز حبّه في قلوب المسلمين. كما أنّ إمامته للحرم المكي الشريف جعلت صوته مألوفًا لدى ملايين المسلمين، ممّا زاد من تأثيره ونفوذه.

 

مقالات مشابهة

  • 26 عامًا على رحيل إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي
  • الشيخ ماهر المعيقلي .. إمام الحرم المكي وصوت قرآني من الجنة
  • «توكلنا» يُتيح لحجاج بيت الله الحرام تصفح المصحف الشريف ومعرفة المواقيت واتجاه القبلة
  • تكريم طلبة مدرسة القرآن الكريم بجامع السلطان قابوس بخصب
  • بينها نسخة من القرآن الكريم من عهد عثمان بن عفان كانت في صنعاء.. بيع آثار يمنية في الخارج
  • «رأس الخيمة للقرآن» تختتم دورتها الـ30
  • ماذا يطلق على يوم النحر في القرآن الكريم؟
  • إحدى أوائل الثانوية العامة: كنت أسمع القرآن الكريم بعد مراجعة المادة حتى أهدأ
  • فضل القرآن الكريم وثواب حفظه في الدنيا والآخرة
  • الدكتور يوسف عامر يكتب: ثواب الحج