واشنطن ـ (د ب أ)- يقول المحلل الاستخباراتي الأمريكي السابق بول بيلار إنه كتب منذ 40 عاما كتابا بعنوان “التفاوض لتحقيق السلام” تضمن تحليلا للديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية لإنهاء أي حرب. واستمد الكتاب مادته من نهايات الحروب طوال قرنين من الزمان، وكذلك من خلال تمحيص أكثر قربا لعدد قليل من الحالات الكبرى التي امتدت لفترات من القتال والمفاوضات في نفس الوقت.

كما اعتمد الكتاب على أعمال نظرية ، لعلماء اقتصاد أساسا، حول التفاوض. واشتمل ملحقا ضمن الكتاب بعنوان” دروس لرجل الدولة أثناء الحرب” على 44 نصيحة حول كيفية استخدام الآليات الدبلوماسية والعسكرية لتحقيق سلام يعظم مصالح الدولة التي تخوض حربا. ويرى بيلار في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن جانبا كبيرا من هذه النصائح قابل للتطبيق على الأقل بالنسبة للحرب الحالية في أوكرانيا- ليس فقط من وجهة نظر صانعي القرارات في كييف وموسكو فقط، ولكن أيضا من وجهة نظر صانعي السياسات في واشنطن، فيما يتعلق بما ينبغي عليهم توقعه أو يأملون في تعزيزه. ويقول بيلار إن الإمكانية الفعلية لتطبيق بعض أفكاره سوف تعتمد على ما سوف يتكشف من أحداث. ومن الدروس المستفادة أن إنهاء الحرب في أوكرانيا سوف تنطوي بالتأكيد تقريبا على شكل ما من أشكال المساومة بين أوكرانيا وروسيا، وسوف يسفر ذلك عن وضع يمثل حل وسط بين مصالح الدولتين. ومن النادر في الصرعات بين الدول قضاء طرف على الآخر مما لا يجعله في حاجة إلى أي مساومة أو حل وسط. وليس من النادر جدا في أي حرب داخل دولة ، يحتمل فيها قيام حركة تمرد بالقضاء على النظام القائم أو أن تحل محله أو احتمال سحق النظام لحركة التمرد بمفرده من خلال الوسائل العسكرية( مثل قضاء سريلانكا النهائي على حركة تمرد نمور التاميل عام 2009). لكن القضاء على دولة قومية أمر مختلف ونتيجة غير متصورة. وربما كان هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شنه الحرب الحالية في أوكرانيا القضاء على أوكرانيا كدولة مستقلة، سواء من خلال الدمج الرسمي في روسيا أو بتنصيب نظام تابع له في كييف. ومن الواضح الآن أن القوة العسكرية الروسية غير كافية لتحقيق مثل هذه النتيجة. ومن الواضح أن أوكرانيا لا تستطيع القضاء على الدولة الروسية. ويرى بيلار الذي أمضى 28 عاما من حياته العملية في أجهزة المخابرات الأمريكية حتى أصبح مسؤول الاستخبارات الوطنية لمنطقة الشرق الأدنى وجنوب آسيا أنه حتى أي حرب يقال إنها انتهت باستسلام أحد الطرفين لا تشمل فرض تام لإرادة هذا الطرف على الطرف الآخر وتنطوي على التوصل لتسوية عن طريق التفاوض. فليس هناك استسلام غير مشروط إذا كان ما يزال لدى الطرف الذي يستسلم بعض القدرة على القتال. فاستسلام اليابان عام 1945 كان اتفاقا وافقت فيه اليابان على التوقف عن القتال وبذلك وفرت على قوات الحلفاء ما كان سيكون غزوا عسكريا باهظ التكاليف للجزر الرئيسية لليابان. وهناك نهاية محتملة أخرى لأي حرب بين دولتين وتتمثل في انسحاب أحد الطرفين المتحاربين من المعركة ( كما حدث في حرب الحدود بين الصين والهند عام 1962(، ممما يسفر عن صراع مجمد يشهد انسحاب أو عدم انسحاب من الأراضي المتنازع عليها…ومثل هذه النتيجة يمكن حدوثها في أوكرانيا، حيث يكون لأي اتفاق صريح لإنهاء الحرب مزايا متعددة لكل الأطراف المعنية. فهو يوفر إطارا يسهل تبادل الأسرى، والتوصل لبروتوكولات لحفظ السلام، وإجراءات أخرى مفيدة. ويوفر درجة من اليقين للحد من خطر سوء تفسير تصرفات الطرف الآخر مما يؤدي لاستئناف الحرب. وأشار بيلار إلى أن الحديث عن إنهاء الحرب في أوكرانيا على أساس” الفوز” أو ” الخسارة” في الحرب لا يساعد في تفهم السيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب وفي الإعداد لتلك السيناريوهات. ومن المرجح ان يسبق إنهاء الحرب فترة مساومات- ربما في مفاوضات رسمية- يصحبها قتال مستمر، بدلا من ترسيخ نتيجة عسكرية تماما قبل بدء العمل للتوصل لنتيجة سياسية. ومن الناحية التقليدية، هناك ميل لأن يكون هناك فصل مؤقت ما بين العمليات العسكرية ودبلوماسية السلام- كما حدث بالنسبة لإنهاء الحرب العالمية الأولى. و يقول بيلار إن هناك درسا ، يتعلق بجوهر أي اتفاق سلام محتمل، يستحق الذكر بالفعل. فعلى الرغم من قيمة أي اتفاقية سلام مكتوبة في إضفاء الدقة واليقين على وضع ما بعد الحرب، يمكن أحيانا أن تكون هناك قيمة للغموض في مساعدة الأطراف على التوصل إلى أي اتفاق أساسا. وتحقق هذا فيما يتعلق بالموقف الغامض لحكومة فيتنام الجنوبية في السنوات التي اعقبت اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية عام .1973 وعلى الرغم من أن المفهوم الخاص بتوفير” فاصل زمني لائق” تضمن دافعا سياسيا داخليا للرئيس ريتشارد نيكسون، فإن ترك مصير حكومة سايجون للصدفة بشكل ما، كان وسيلة لتبرير رفض الولايات المتحدة التخلى عن تلك الحكومة في ظل هدف هانوي الرامي لحكم كل فيتنام. وفي أوكرانيا، تكمن هوة المساومة التي يتعين تخطيها ما بين عدم رغبة أوكرانيا في التنازل رسميا عن أي من أراضيها وحاجة بوتين إلى إظهار تحقيقه بعض المكاسب من وراء مخاطرته العسكرية باهظة التكاليف. ومن المحتمل أنه سيتعين طرح بعض القضايا السياسية في واقع الأمر، التي تعتبر نتائجها النهائية غير مؤكدة، إذا ما أريد تحقيق أي اتفاق سلام، على الرغم من الخطر المستقبلي لحالات سوء التفاهم والتذمر المتفاقمة. وقد تكون آليات مثل الاستفتاءات التي تترك بعض النتائج المستقبلية للصدفة جزءا من صيغة لإنهاء هذه الحرب.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

إردوغان يحذّر من تحويل البحر الأسود إلى منطقة مواجهةروسيا تكثف هجماتها وترامب يضغط على زلينسكي لإنهاء الحرب

كييف.موسكو"وكالات":

يرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب موفده الخاص ستيف ويتكوف إلى برلين في نهاية هذا الأسبوع، للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين، في وقت تضغط الولايات المتحدة على أوكرانيا لتقديم تنازلات كبيرة من أجل إنهاء الحرب مع روسيا.

وجاء ذلك فيما استمرّت الأعمال العدائية الليلية بين البلدين . فقد أعلنت موسكو اليوم السبت أنها ضربت منشآت للصناعة والطاقة في أوكرانيا ليل الجمعة السبت بصواريخ فرط صوتية، في هجوم قالت إنه يأتي ردا على هجمات أوكرانية طالت "أهدافا مدنية" في روسيا.

من جانبه، قال زيلينسكي إن الضربات الروسية ألحقت أضرارا بأكثر من عشرة مرافق مدنية في أنحاء أوكرانيا، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن آلاف الأشخاص في سبع مناطق.

وقتلت امرأة في الثمانين من عمرها في منطقة سومي (شمال شرق)، وفقا للحاكم الإقليمي.

وفي وسط روسيا، قُتل شخصان اليوم في أعقاب هجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني في ساراتوف، بحسب ما أفادت السلطات المحلية.

وكان الرئيس الأمريكي أبدى انزعاجا واضحا بشأن عدم إحراز تقدّم في المحادثات المرتبطة بخطته لحل النزاع الذي اندلع في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 وأسفر عن مقتل وإصابة مئات الآلاف.

وبينما تسعى كييف وحلفاؤها إلى تعديل هذه الخطة التي يعتبرون أنّها منحازة لموسكو، أكد مسؤول في البيت الأبيض ما أفادت به صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أنّ ويتكوف سيتوجه إلى ألمانيا.

وفي برلين، سيجتمع المبعوث الأميركي الذي التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في بداية ديسمبر، مع زيلينسكي ومسؤولين أوروبيين لم تُحدد هويتهم.

وكان الرئيس الأوكراني خطط للسفر إلى العاصمة الألمانية للقاء حلفائه الأوروبيين، في إطار الجهود المحيطة بالخطة الأميركية التي جرى الكشف عنها قبل شهر تقريبا.

ووفقا لكييف، فإنّ المفاوضات عالقة بشكل خاص على القضايا المرتبطة بالأراضي، في ظل مطالبة الولايات المتحدة للأوكرانيين بتنازلات كبيرة بشأنها.

- الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي -

وأوضح زيلينسكي أنّ واشنطن تطلب انسحاب القوات الأوكرانية من الجزء الذي تسيطر عليه من إقليم دونيتسك في شرق أوكرانيا، والذي من المفترض أن يصبح "منطقة اقتصاد حر" منزوعة السلاح، من دون المطالبة بالأمر ذاته من القوات الروسية التي تحتل مناطق أوكرانية.

وفي مقابل ذلك، تنص خطة ترامب على انسحاب الجيش الروسي من مساحات صغيرة غزاها في مناطق سومي وخاركيف ودنيبروبيتروفسك (شمال وشمال شرق ووسط شرق)، مع احتفاظه بالسيطرة على أراضٍ أكبر في مناطق خيرسون وزابوريجيا (جنوب).

ومساء الجمعة، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الأوروبيين والأوكرانيين يطالبون الأمريكيين بأن يقدموا لهم "ضمانات أمنية" قبل أي تفاوض بشأن الأراضي التي تحتلها روسيا في شرق أوكرانيا.

من جانبه، أفاد مسؤول كبيربأنّ خطة السلام الأميركية تلحظ انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي اعتبارا من يناير 2027.

غير أنّ هذا الانضمام يبدو غير مرجّح خلال المهلة المذكورة، لأسباب عدة من بينها المعارضة المحتملة من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تربطها علاقات متوترة مع أوكرانيا مثل المجر.

- أضرار في سفينة تركية -

لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يطمح لنيل جائزة نوبل للسلام يبدو مستعجلا للتوصل إلى اتفاق، إذ أعلنت المتحدثة باسمه الخميس أنّه "سئم من الاجتماعات التي ليس لها غرض آخر سوى الاجتماع".

وتأتي الضغوط الدبلوماسية الأميركية في وقت صعب بالنسبة إلى أوكرانيا، حيث تواجه الرئاسة فضيحة فساد كبيرة تورّط فيها مقرّبون من زيلينسكي، وسط تراجع الجيش على الجبهة ومعاناة السكان من انقطاع التيار الكهربائي بسبب الضربات الروسية.

مع ذلك، أعلن الجيش الأوكراني استعادة عدّة مناطق في مدينة كوبيانسك الرئيسية الواقعة في منطقة خاركيف، بالإضافة إلى منطقتين مجاورتين.

وفي جنوب أوكرانيا، تعرّضت سفينة تركية لأضرار إثر ضربة روسية بالقرب من مدينة أوديسا على البحر الأسود. وأظهرت صور متداولة على شبكات التواصل الاجتماعي ألسنة لهب تتصاعد من السفينة البيضاء والزرقاء.

وأشارت الشركة التركية "سنك شيبينغ" المشغّلة للسفينة في بيان إلى أن ام/في سنك تي "التي تنقل شاحنات محمّلة بالكامل بفواكه وخضار طازجة ومواد غذائية على خطّ كاراسو-أوديسا" تعرّضت "لهجوم جوّي بعيد رسوّها في مرفأ شورنومورسك" القريب من ميناء أوديسا.

وحذّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اليوم من تحويل البحر الأسود إلى "منطقة مواجهة" بين روسيا وأوكرانيا، بعد سلسلة ضربات شهدتها الأسابيع الأخيرة.

ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن الرئيس التركي قوله لصحفيين على متن طائرته "يجب ألا يُنظر إلى البحر الأسود على أنه منطقة مواجهة. فهذا لن يفيد لا روسيا ولا أوكرانيا. الجميع يحتاج إلى ممرات ملاحية آمنة في البحر الأسود".

وجاء الهجوم بعد ساعات من طرح إردوغان القضية شخصيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة في تركمانستان.

وكان أردوغان قد دعا خلال محادثاته المباشرة مع بوتين إلى "وقف جزئي لإطلاق النار" في ما يتعلق بالهجمات على الموانئ ومنشآت الطاقة في الحرب الروسية الأوكرانية.

وتسيطر تركيا التي سعت إلى الحفاظ على علاقاتها مع موسكو وكييف طوال فترة الحرب، على مضيق البوسفور، وهو ممر حيوي لنقل الحبوب الأوكرانية والنفط الروسي إلى البحر الأبيض المتوسط.

وخلال الأسابيع الماضية، استهدفت هجمات عدة ناقلات نفط مرتبطة بروسيا في البحر الأسود، بعضها نُفّذ بمسيّرات وأعلنت كييف المسؤولية عنها.

وأثارت هذه الهجمات انتقادات حادة من أنقرة التي استدعت مبعوثين من روسيا وأوكرانيا للتعبير عن القلق بشأنها.

مقالات مشابهة

  • دراما رمضان 2026.. يوسف الشريف يطرح البوسترات الترويجية لـ «فن الحرب»
  • إردوغان يحذّر من تحويل البحر الأسود إلى منطقة مواجهةروسيا تكثف هجماتها وترامب يضغط على زلينسكي لإنهاء الحرب
  • اتفاق أميركي–مكسيكي لإنهاء أزمة تقاسم المياه
  • ميرتس يلتقي زيلينسكي الأثنين ويبحث مع قادة أوروبيين مسار الحرب في أوكرانيا
  • زيلينسكي يزور برلين الاثنين لإجراء محادثات مع ميرز وحلفاء الناتو
  • خطة ترامب المعدّلة لإنهاء حرب أوكرانيا تواجه عقبات جوهرية
  • زيلينسكي يؤكد حق الأوكرانيين في الاستفتاء على التنازلات المتعلقة بالأراضي
  • ارتفاع وتيرة العمليات النوعية التي تنفذها أوكرانيا ضد روسيا
  • دون الكشف عن تفاصيل.. كييف ترسل إلى واشنطن خطة معدلة لإنهاء الحرب
  • الرئيس الأمريكي: الفساد في أوكرانيا متفش