صدر حديثا بالمغرب كتاب "الإغراء الأخير للغرب.. تداعيات الحرب على غزة" للمفكر والمؤرخ المغربي حسن أوريد، وهو عبارة عن "أوراق تسعى إلى أن تمسك بتلابيب مرحلة مفصلية، بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشهادة تتوخى أن تكون إبانة"، كما يقول المؤلف.

ينقل الكاتب المغربي لقراءه  "صرخة مظلوم دفع إليها دفعا، وأنة جريح لا تسمع أنته، إذ يستفيق العالم على جرح نسيه أو تناساه، ألا وهو وضع الشعب الفلسطيني وحقه في العيش والتحرر"، بادءا باستهلال يصف فيه ما وقع في "طوفان الأقصى".

ثم يذكر فقدان الغرب لإغرائه، وسلوكه الكيل بمكيالين، قبل أن يسائل الغرب عن مسؤوليته في كل ما يجري من قتل ودمار، مظهرا في مقابل ذلك كيف يصطف أحرار العالم إلى جانب الحق، كما وصفه.

يعتبر الكاتب ما جرى في غزة تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية، لكنه أيضا بمثابة حدث مزلزل، سيغير معالم المنطقة والثقافة السياسية بها، مشيرا إلى أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول أوقف قطاع التطبيع، وأسقط الأساطير المؤسسة لدولة الاحتلال من قبيل "واحة الديمقراطية" و"الجيش الذي لا يقهر".

ويقول أن صفحات كتابه "ليست مجرد استحضار فصول مريعة لتقتيل شعب لم يسبق أن جرى في التاريخ على مرأى من العالم. أثبتت الصورة في الزمن صفر ما يجري من تقتيل وتدمير، ولذلك لا يصح لأي أن يقول إنني لم أكن أعرف. الصمت والتجاهل، هو تواطؤ في الجريمة، بل مشاركة. وفي أدنى درجة خذلان وهوان".

كتاب "الإغراء الأخير للغرب.. تداعيات الحرب على غزة" للمفكر المغربي حسن أوريد صدر عن منشورات الخيام (2024) (الجزيرة)

في هذا الحوار، يضيء الكاتب جوانب أخرى من كتابه، الذي تناول فيه أيضا ارتدادات صدع غزة على المثقفين، ودور فرنسا في ما يجري، ومستقبل التطبيع مع الاحتلال، وفي ما يلي نص الحوار:

بداية، هل يعتبر كتابكم الأخير "صرخة مثقف" أمام الصمت العالمي تجاه ما يجري في غزة؟

لا أظن ذلك، لأن الضمير العالمي عبّر عن شجبه لهذا العدوان، ليس فقط من خلال الكتابات، ولكن أيضا من خلال المواقف والمظاهرات، فلا يمكن أن يُختزل هذا العمل في كونه صرخة. هناك أحرار في العالم عبروا عن شجبهم للعدوان وانصاعوا للحق، بغض النظر عن كل اعتبارات ذاتية أو ثقافية، غلّبوا الحقيقة.

لذا، الكتاب ليس صرخة، ولكنه رصد للأحداث وهي تجري، والتفاعل معها. صحيح أن ذلك من عمل الصحفي، ولكن الكاتب كذلك يمكن أن يقوم برصد ما يعتمل؛ أولا لكيلا ننسى، وثانيا لأننا بصدد حدث مزلزل سوف يغير ما دأبنا عليه، وعلينا أن نقف عليه وهو في طور الاعتمال.

الوضع الجديد يسائل القيم الغربية ومدى عالميتها، ومن شأنه أن يفقد ما كان يتمتع به الغرب من إغراء

عنونتم الكتاب بـ"الإغراء الأخير للغرب.. تداعيات الحرب على غزة"، بما يعنيه فقدانه قيم الإنسان المثلى، ما المؤشرات الواضحة لهذا الحكم؟

مارس الغرب إغراء، كانت له جاذبية دوما، ليس فقط من حيث إمكاناته التقنية والمادية والعسكرية، ولكن لحمولته الأيديولوجية وقيمه المروج لها، التي اعتبرت قيما كونية.

علاوة على ذلك، كان الغرب يمارس نوعا من الإملاء، وما اعتبر لفترة نوعا من الشرطية، بمعنى إذا أرادت دول أن تستفيد من علاقات معينة من الغرب، يجب أن تأخذ بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ذلك أن الفكرة الثاوية وراء هذا الطرح، هي أنها قيم كونية.

لكن حينما يتحول تعامل الغرب إلى تمييز واختزال أو الكيل بمكيالين، هذا ما يضع هذه القيم موضع تساؤل، بطبيعة الحال. فأن تقول إنك نصير الحق، فينبغي أن تكون نصيره في كل الظروف، وأن تزعم بأنك تدعم المظلومين، فيجب أن تقوم بذلك حيثما كانوا، ولكن حينما يتغير موقفك وفق الحالات، فمن العسير الزعم أنك تأخذ بقيم كونية. تشجب الحرب على أوكرانيا، وتصمت عن الحرب على غزة. الوضع الجديد يسائل القيم الغربية ومدى عالميتها، ومن شأنه أن يفقد ما كان يتمتع به الغرب من إغراء.

كان موقف فلسطين طبعا حينها ضعيفا بالنظر إلى أن قطار التطبيع كان يتحرك. الآن على الساحة الدولية وعلى مستوى العالم العربي والإسلامي، القضية الفلسطينية حاضرة، وقد عدنا إلى الأبجديات الأولى، وهي أن هذه القضية هي جوهر الصراع في المنطقة

لو لم يكن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلى أين كانت تتجه القضية الفلسطينية؟ أو بعبارة أخرى كيف أنقذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول القضية من النسيان وتعوّد الاحتلال؟

بخصوص القضية الفلسطينية، لا جدال أن ما سمي بـ"اتفاق أبراهام" كان يتجاوز القضية، إن لم نقل إنه كان يلتف عليها، وبتعبير آخر، اللامنطوق هو أنه يمكن إقامة إسرائيل لعلاقات طبيعية مع محيطها، من دون الحاجة إلى حل القضية الفلسطينية. وعلى مر التاريخ، سيتم تناسيها في نهاية المطاف، مع إجراء نوع من الإغراء المادي، أو صفقة، مثل صفقة تجارية. هكذا، بتبسيط واختزال. وكان موقف فلسطين طبعا حينها ضعيفا بالنظر إلى أن قطار التطبيع كان يتحرك.

الآن على الساحة الدولية وعلى مستوى العالم العربي والإسلامي، القضية الفلسطينية حاضرة، وقد عدنا إلى الأبجديات الأولى، وهي أن هذه القضية هي جوهر الصراع في المنطقة، إذ سيكون الإنسان أعمى إذا لم ينظر إلى هذه الحقيقة، هذا معطى موضوعي.

الانتصارات في الحروب ليست بالضرورة أن تكون انتصارا عسكريا؛ هناك انتصارات عسكرية هي هزائم إستراتيجية. إسرائيل الآن "ستنتصر" تكتيكيا، لكن ستنهزم إستراتيجيا، والمقولة ليست لي، ولكن للولايات المتحدة الأمريكية. هذا، وهي أطول حرب تخوضها إسرائيل

فقدت "إسرائيل" بعض أساطيرها المؤسِسة كما جاء في كتابكم من قبيل: – "المظلومية والريع التاريخي" – " الجيش الذي لا يقهر" – "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط" ماذا يعني ذلك لمستقبل الاحتلال؟

في ثنايا الكتاب، ذكرت أن هذه الأساطير من الركائز الأساسية لقيام إسرائيل، بصفتها قوة عسكرية ضارية وكانت تسمى بـ"الجيش الذي لا يقهر"، وانتصر جيشها في معاركة حاسمة.

الآن بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اهتزت هذه القاعدة، والحال أن الصراع لم يكن مع قوى نظامية، ولكن مع حركة حققت اختراقا، وطبعا يكفي فقط أن نشير إلى التجييش والتعبئة التي عبرت عنها الدول الغربية، بما في ذلك تحريك الأسطول السابع، لأنه اعتبر أن هناك خطرا وجوديا وشيكا يتهدد إسرائيل، كان لإسرائيل التميز استخباراتيا وإستراتيجيا، بحكم المظلة الأميركية.

الانتصارات في الحروب ليست بالضرورة أن تكون انتصارا عسكريا؛ هناك انتصارات عسكرية هي هزائم إستراتيجية. إسرائيل الآن "ستنتصر" تكتيكيا، لكن ستنهزم إستراتيجيا، والمقولة ليست لي، ولكن للولايات المتحدة الأمريكية. هذا، وهي أطول حرب تخوضها إسرائيل.

ثانيا، غاية وجود إسرائيل أنها كانت تعتبر وطنا آمنا لليهود الذين تعرضوا لكل أشكال الظلم في أوروبا، ومنها المحرقة، والآن عقرب المظلومية انتقل من وجهة غربية، لفائدة الفلسطينيين، لا أتحدث عن العرب والمسلمين أو دول العالم الثالث. الفلسطينيون هم المظلومون من وجهة نظر العالم وأحرار العالم، وهم من يتعرض لإبادة جماعية. ريع المظلومية الذي كانت تستفيد منه إسرائيل اهتز. وهذا مسار بدأ سيعسر على إسرائيل أن تغير منه.

ثالثا، كانت إسرائيل تُسوِّق لنفسها باعتبارها واحة للديمقراطية أو الواحة الوحيدة في الشرق الأوسط، فحين لا تأخذ دولة بالرأي العام لمواطنيها، وتستهزئ بكل الحركات التي كانت تنادي بوقف إطلاق النار وفك الأسرى، فهي لم تعد ديمقراطية، هذا فضلا عن النزوع الفاشي للحكومة اليمينية الذي يجافي التوجه الديمقراطي لما عرضت له في كتابي، ويرتبط بالجذور الفاشية لفلاديمير جابوتنسكي.

يخون الغرب قيمه أو يعرضها للاهتزاز، فكيف يستطيع أن يحمل العالم على الإيمان بهذه القيم التي يزعم أنها كونية، وهو مذبذب، وعاجز، يقول بالشيء ونقيضه. الغرب أمام امتحان إبستمولوجي،

والحضارات لا تنهزم عسكريا، تنهزم إبستمولوجيا، أي حينما تخون قيمها، وتفقد تلك القيم بريقها

ماذا يخسر الغرب في اصطفافه التام مع دولة الاحتلال، ورواياتها عن الحرب؟

يخون الغرب قيمه أو يعرضها للاهتزاز، فكيف يستطيع أن يحمل العالم على الإيمان بهذه القيم التي يزعم أنها كونية، وهو مذبذب، وعاجز، يقول بالشيء ونقيضه. الغرب أمام امتحان إبستمولوجي، فإما أن يقول إن قيمه كونية ولا يمكن أن يسكت عن التقتيل الذي يلحق المدنيين بالأساس، إذ إن الغالبية من ضحايا الحرب هم الأطفال والنساء، وإلا سينصاع إلى ما تمليه عليه مصالحه دون قدرة على الاستمرار في تسويق هذه القيم بكونها كونية. والحضارات لا تنهزم عسكريا، تنهزم إبستمولوجيا، أي حينما تخون قيمها، وتفقد تلك القيم بريقها.

بخصوص قطار التطبيع، هل توقف فعلا، أم له إمكانية استئناف السير بعد الحرب؟

لا بد أن نشير إلى أن قطار التطبيع الآن في أزمة، فالسياق تغير؛ هناك دول مرتبطة باتفاقات بصفتها دول الجوار، مثل مصر والأردن، وهناك موجة ثانية في إطار ما يسمى "اتفاق أبراهام"، لكن هناك شرخا بين الحكومات والمجتمع، على الأقل بالنسبة لبعض الدول مثل المغرب والسودان، فلا يمكنني أن أتحدث عن بعض الدول الخليجية، وعلى كل حال، وعلى افتراض استمراريته (قطار التطبيع)، فسيكون في أحسن الأحوال عبارة عن سلم "بارد".

يُعرف عن الباحث جون بيير فيليو كتاباته الرصينة عن العالم العربي، إذ ألف كتابا عن غزة قبل 10 سنوات ونيف لم يفقد راهنتيه، وألقى سلسلة محاضرات في المغرب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتقيتم به خلال ذلك، كيف رأيتم دعوته إلى الحوار بين عقلاء الضفتين؟

أنا سعيد لاكتشاف هذا الباحث من قِبل القارئ العربي، فله مقاربة رصينة وموقف متوازن، إذ يرى أن هناك تاريخا مشتركا بين العالم العربي وفرنسا، بدأ منذ نابليون وأن فرنسا قدحت النهضة العربية، ورعت بالأساس الاتجاهات التنويرية، واستمر هذا التقليد حتى مع الجمهورية الخامسة مع ديغول، إلى شيراك.

هذه السياسة العربية انتهت في فرنسا مع ساركوزي؛ لم تعد لها سياسة متمايزة بخصوص الشرق الأوسط، واعتُبرت ذيلية تابعة للولايات المتحدة الأميركية. والسؤال أصبح مطروحا على فرنسا، هل يمكنها الآن أن تستعيد تقليدها "الديغولي" ومكانتها الدولية، أولا لمصلحة فرنسا.

فيليو وجملة من الباحثين يريدون أن تتغير سياسة فرنسا العربية، وأن تصبح متمايزة، لترتبط بالتقليد القديم ولا تبقى تابعة للولايات المتحدة. وكما قلت في كتابي، إن السياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية، فلا يمكن لفرنسا أن تضطلع بدور وهي تستمر في سياسة تفتيشية حيال المسلمين، مكرسة للإسلاموفوبيا، لذلك يجب أن تعيد النظر في صحيفتها، بالتعبير الفرنسي، إذا أرادت أن تكون لها سياسة متمايزة، لصالحها أولا، وربما خدمة للأمن والاستقرار، فالولايات المتحدة فقدت الرصيد المعنوي والأخلاقي بانصياعها لطرف ضد طرف آخر.

دور المثقفين في هذه المحطات مهم جدا، فالمثقف ليس مجرد خبير، ولكن يعبر عن ضمير، فهناك حالات لا يمكن للمثقف أن يبقى في نوع من الضبابية والغموض، فالتعبير عن الموقف يصبح فرض عين

في نظركم، ما ارتدادات أحداث غزة على المثقفين العرب والأجانب؟

إن دور المثقفين في هذه المحطات مهم جدا، فالمثقف ليس مجرد خبير، ولكن يعبر عن ضمير، فهناك حالات لا يمكن للمثقف أن يبقى في نوع من الضبابية والغموض، فالتعبير عن الموقف يصبح فرض عين. هذا من الناحية المبدئية. من اللافت أن هناك بعض الأسماء المشهورة فضلت الصمت، وهذا أمر يساءل، مثلما أن أسماء أخرى عبرت عما ينبغي أن تضطلع به بوصفها حاملة ضمير.

هناك صراع بين الحق والباطل، فالأمم المتحدة إذا كانت ضميرا كونيا، وكانت غايتها تحقيق واستثبات السلام في العالم، ينبغي أن تنصاع للحق، وهذا ما عبرت عنه منظمات تتحلق حول الأمم المتحدة، وتعرضت للقصف الإعلامي، بل للقصف الناري

استقال مدير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بنيويورك السيد كريغ مخيبر من منصبه لما اعتبرها إبادة جماعية تجري أمام أعين الجميع، ما دلالة ذلك؟

المسألة ليست مرتبطة بنوع من الحرب الحضارية أو الشرخ الحضاري. هناك صراع بين الحق والباطل، فالأمم المتحدة إذا كانت ضميرا كونيا، وكانت غايتها تحقيق واستثبات السلام في العالم، ينبغي أن تنصاع للحق، وهذا ما عبرت عنه منظمات تتحلق حول الأمم المتحدة، وتعرضت للقصف الإعلامي، بل للقصف الناري.

المسألة ليست ثقافية أو حضارية، ولكن كما قلت بين الحق والباطل. مصطلحات مثل جرائم حرب وإبادة جماعية كانت تمنع في القنوات التلفزية الغربية. يحسب للأمم المتحدة ووكالتها وموظفيها أنها وقفت إلى جانب الحق، ولكن ينبغي أن نقر بعجز الأمم المتحدة، وإفشالها بسلاح الفيتو (حق النقض) الأميركي، الذي عطل قرارات كانت تنادي بوقف العدوان.

إن خاتمة هذا الحوار مناسبة لطرح سؤال حول الميكانيزمات المدبرة للمنتظم الدولي، هل الأمم المتحدة بالشكل الذي هي عليه ضمير كوني وإحدى الوسائل لتحقيق الأمن والسلام في العالم. سنستيقظ على أسئلة عدة بعد أن تضع الحرب أوزارها. نحن على مشارف حدث مزلزل في العلاقات الدولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات السابع من أکتوبر تشرین الأول القضیة الفلسطینیة للولایات المتحدة العالم العربی الأمم المتحدة الحرب على غزة هذه القیم فی العالم ینبغی أن أن تکون ما یجری لا یمکن إلى أن

إقرأ أيضاً:

الجنائية الدولية والصهيونية والإمبريالية

 

 

حذر أحد زعماء أمريكا من سيطرة اليهود على أمريكا فقال: إنهم يمتلكون كل ما يسيطر على العقل والمعدة، وبعدها غادر الدنيا غير مأسوف عليه، وشاهد العالم الدعم الأمريكي غير المحدود بالمال والسلاح والجنود والقنابل والصواريخ، وسمع وشاهد إعدام قرارات مجلس الأمن باستخدام (الفيتو) لأكثر من مرة لوقف الحرب أو لإدانة الصهاينة على جرائمهم في غزة وفلسطين، وهو ما لخصه رئيس روسيا بوتين حينما سئل عن حرب غزة، فقال: أمريكا تستطيع وقف الحرب بمنع إرسال الصواريخ والقنابل إلى إسرائيل.
إسرائيل تنفذ خطط أمريكا، وأمريكا تخطط لإسرائيل ولذلك فإن إدانة إحداهما إدانة للأخرى وهو الأمر المؤكد، لقد مارس الحلف الصهيوني الصليبي الضغوط الكبيرة على المحكمة وجعلها تدين الضحية وتتهمه بما يحاكم عليه المجرم الذي ارتكب تلك الجرائم، ومع ذلك فإن ما اتخذته من إجراءات لم يشفع لها أو يبرئ ساحتها أمام آلة الإجرام وحلفها ومحركها مايك جونسون- رئيس مجلس النواب الأمريكي الذي وضع في رئاسة المجلس بفعل الدعم من منظمة (ايباك) اليهودية التي تدير شؤون أمريكا، وتصريحاته تعني الموقف الأمريكي المعبر عن الشارع الأمريكي، الجامعات تتظاهر والشوارع تتحرك دعما لفلسطين وتنديدا بإجرام اليهود وجرائمهم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
لا قانون يعلو على قانون أمريكا ولا إسرائيل، فأمريكا هي القانون، وطالما أن المحكمة الجنائية الدولية، التي تمثل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، تجرأت وخالفت تلك القاعدة، فإنه (يجب على الولايات المتحدة الأمريكية معاقبة المحكمة الجنائية الدولية، ووقف كريم خان عند حده)، هذه التأكيدات على ضرورة العقاب للمحكمة تؤكد عدم نجاح مساعي الحلف في التأثير الكامل على المحكمة من خلال الأساليب المعتادة التي تقوم بها أمريكا وإسرائيل مثل التهديد ونشر الفضائح وفبركة المعلومات ونشر الغسيل القذر ضد كل المخالفين لهما.
إن شراكة أمريكا وإسرائيل في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، هي شراكة تامة في الفعل والنتيجة والسبب، فالأوامر بالقتل وسفك دماء الأبرياء تصدر عن قادة أمريكا وإسرائيل وغيرهما من دول الغرب، لأن المفروض كما خطط لذلك هو إبادة شعب فلسطين وتسليم أرض فلسطين للمساكين اليهود وهو ما يؤكد المقولات المتكررة (وطن لشعب، لشعب بلا وطن) وهنا نجد “مايك جونسون” يؤكد عمق الترابط بين القاتل والمجرم وهو علاقة تكاملية: فإذا أبادت إسرائيل الشعب الفلسطيني فإن أمريكا قد سبقتها في سفك دماء الأبرياء من المسلمين والعرب على أرض أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وغيرها من الأقطار: (فإذا سمح للمحكمة الجنائية الدولية بتهديد قادة إسرائيل، فستكون الولايات المتحدة هي التالية)، تكامل الإجرام وسفك الدماء، أمريكا دمرت العراق وأفغانستان ومارست أقذر أنواع الإجرام وأبشعه في حق الأبرياء، وسجن أبو غريب خير شاهد على ذلك، وساقت الآلاف من المعتقلين إلى سجن جوانتانامو، وإسرائيل حولت الضفة الغربية إلى سجن كبير إلى جانب سجونها الكثيرة التي تتفرد بممارسة أبشع الأساليب الإجرامية في حق الأبرياء، وإلى ذلك تمارس جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية بتمويل وتسليح من الحلف الصليبي وعلى رأسه أمريكا، وغزة والجدار العازل شاهد حي على ذلك والجرائم المشهودة التي تستمر حتى الآن تحصد أرواح الأطفال والنساء والعزل وأمريكا من وراء ذلك كله.
الإجرام والطغيان إذا مارسته أمريكا وإسرائيل أو فرنسا أو بريطانيا أو غيرها من الدول المتحالفة هو عين العدالة، وأي اعتراض أو مساءلة أو اتهام من قبل أي كائن كان يجب محاكمته على ما يصدر منه (يوجد سبب لعدم دعمنا يوما للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك لأنها تحط مباشرة من قدر سياستنا الخاصة، فنحن لا نضع أي كيان دولي فوق السيادة الأمريكية وإسرائيل أيضا لا تفعل ذلك)، فالمواقف الأمريكية والصهيونية تحترم الكيانات الدولية إذا كانت قراراتها في صالحهما وتحقق أهدافهما، أما إن تعارضت أو وقفت مناصرة للحق والعدل، فإنها لا تستوجب الاحترام، فالحق والعدالة هما أمريكا وإسرائيل وغيرهما من الحلفاء، قد يفهم دفاعه عن أمريكا لأنه يمثل السلطة التشريعية فيها، لكن دفاعه عن إسرائيل أمر فيه نظر، لكن ذلك لا يستغرب- فبايدين يقول: ليس بالضرورة أن تكون يهوديا حتى تدعم إسرائيل وبلينكن وزير الخارجية يقول متضامنا مع إسرائيل: جئت إلى هنا بصفتي يهوديا لا بصفتي وزيرا للخارجية الأمريكية.
الخيارات التي يؤكد عليها أن أمريكا ستعاقب المحكمة الجنائية الدولية على مواقفها، وسيكون الأمر بواسطة الكونجرس (يراجع الكونجرس خياراتنا الحالية، إذ نملك بعض التشريعات العدوانية التي سندفع بها بأسرع وقت ممكن، وستسمح لنا بفرض عقوبات)، وليس غريبا ما ستفعله أمريكا ولربما يصل الأمر إلى اتهام قضاة المحكمة بجرائم الإرهاب والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الجرائم التي اتهمت بها المحكمة المجني عليهم، بفعل الضغوط الأمريكية- الإسرائيلية ولم لا؟، فإرادة أمريكا وحلفائها لا يمكن أن يعاقبها أحد، ولن يقف في طريقها أو يعرقل تحركاتها وإجرامها العالم بكله، فالقوة والطغيان والإجرام مباح له كل شيء.
إذا لم تنفع تلك العقوبات ومضت المحكمة في وجهتها وانتصرت للعدالة، فالعواقب وخيمة، ميثاق الأمم المتحدة يحرم التهديد باستخدام القوة أو استعمالها ولا يخجل رئيس المجلس التشريعي لأكبر دولة في العالم من التهديد للمحكمة وبشكل علني وتصريحات تصل إلى حد الإهانة للقضاء والعدالة الدولية (وفي حال مضت المحكمة الجنائية الدولية قدماً بأمر الاعتقال التافه أو بأي من طلباتها السخيفة فسيشكل الأمر مشكلة دولية ذات نطاق واسع)، إن هذه التصريحات القوية تهدف إلى منع القضاء الدولي من إدانة الحلف الصهيوني الأمريكي الذي أخذ على نفسه إبادة أمم الأرض وارتكاب المجازر وإبادة الملايين في سبيل تحقيق أهدافه وأطماعه والاستئثار بخيرات أمم الأرض والاستيلاء عليها بالقوة والبطش والإجرام، منهجية تفتقر إلى أبسط المبادئ والقيم والأخلاق، ومنهج يعتمد على القتل واستحلال دماء الشعوب الضعيفة والعاجزة عن الدفاع عن نفسها وحقوقها، وهو طغيان يتجاوز حدود طغيان فرعون الذي ادعى ملكية الأرض وادعى الألوهية، لكن في لمحة واحدة أهلكه الله وجعله عبرة لغيره من المجرمين.. فهل يتعظ المجرمون وفراعنة العاصر الحاضر؟

مقالات مشابهة

  • مصطفى الفقي: إسرائيل تسببت في حرج شديد للإدارة الأمريكية الحالية
  • يحيى الفخراني يدافع عن عمرو دياب
  • السودان ليس سوريا
  • وزير الدفاع المغربي يتفقد قواته في إسرائيل.. حقيقة الفيديو
  • تضامنًا مع غزة.. مظاهرات مغربية تدعو الغرب لإنهاء دعمه لـ"إسرائيل"
  • المجلس النرويجي للاجئين: ليس هناك أي ضغط جاد من أمريكا وبريطانيا والدول الغربية لإنهاء حمام الدماء بغزة
  • محلل سياسي: انتخابات أمريكا ربما يكون لها تأثير حاسم بالنسبة للضغوط على نتنياهو
  • الجنائية الدولية والصهيونية والإمبريالية
  • الهواتف وشبكات «الواي فاي» محظورة.. 5 معلومات عن المنطقة الهادئة بالولايات المتحدة
  • بيسكوف: الغرب يفرض رقابة على وسائل إعلامه ولكن على روسيا أن توضح موقفها