جبل صبر.. المتنفس الطبيعي البديل عن الحدائق النادرة في مدينة تعز المحاصرة!
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
يمن مونيتور/ إفتخار عبده
جبل صَبِر، من أعلى جبال اليمن والجزيرة العربية، يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر (3070م)، ويبلغ ارتفاعه عن مدينة تعز إلى قمته في حصن العروس (1500م)، ويدخل ضمن المرتفعات الجنوبية.
يتميز هذا الجبل بإطلالته البهية على المدينة وبجوه الجميل الذي يتسم بالبرودة في الوقت الذي يضيق فيه الساكنون في المدينة ذرعًا من ارتفاع درجة الحرارة.
*شحة وجود المتنزهات في مدينة تعز*
وتعاني مدينة تعز المحاصرة من شحةٍ في وجود المتنزهات والحدائق العامة التي يكاد عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة الأمر الذي جعل الناس يصوبون وجهتهم نحو جبل صبر؛ لينعموا برحلة جميلة تضفي لأجواء العيد نوعًا من الراحة والسكينة والفرح؛ في البقاء سعات على الهواء الطلق والمناظر الطبيعية الجميلة.
وتوجد في جبل صبر معالم أثرية قديمة كمسجد أصحاب الكهف ومتنزهات أخرى أشهرها منتزه زايد والذي توجد فيه كل الخدمات التي يحتاجها الزوار من غرف استراحة خاصة وحمامات عامة والعاب للأطفال وبقالات وغير ذلك من احتياجات المقبلين عليه.
ويعد الجبل كله متنفسًا طبيعيًا؛ إذا زرته ترى الناس في أعلى الطرقات تحت القلاع والأشجار مع عائلاتهم ينعمون بالمناظر الجميلة والهواء النقي بعيدًا عن ضجيج المدينة وأجوائها الحارة.
ويستغرق السفر من المدينة إلى الجبل قرابة نصف ساعة- على الأكثر-؛ فتوجد في المدينة فرزة خاصة بالباصات الصاعدة للجبل يذهب إليها الناس الذين لا يقدرون على أخذ باصات أجرة خاصة برحلتهم؛ فالسفر إلى الجبل عن طريق الفرزة( مع الماشي) يكون أقل كلفة من أخذ باص خاص”.
بهذا الشأن يقول، عميد المهيوبي( ناشط إعلامي وأحد أبناء جبل صبر) إن” جبل صبر وجهة ومزار شعبي لأبناء تعز منذ القدم ولكنه خلال السنوات الأخيرة في زمن الحرب والحصار المفروض على المدينة، الذي أدى إلى ندرة وجود المتنزهات والحدائق في مدينة تعز فقد أصبح جبل صبر وجهة سياحية لمعظم أبناء المدينة المحاصرة”.
وأضاف المهيوبي لـ” يمن مونيتور” جبل صبر يتميز بطقس معتدل في الصيف بالإضافة إلى أن ارتفاعه عن المدينة يمنحه جمالاً فريدًا ويزيد من نسبة الزائرين له وخاصة في منتزه الشيخ زائد بن سلطان بمنطقة دار النصر وفي المدرجات والمنحدرات المطلة على المدينة”.
وأردف” نسبة الإقبال على منتزه زائد وجبل صبر بشكل عام قد ازدادت بشكل كبير عن السنوات الماضية بسبب الكثافة السكانية التي شهدتها المدينة خاصة في زمن ما يسمى بزمن الهدنة”.
*هواء نقي ومناظر طبيعية*
وتابع” منطقة كجبل صبر تتميز بالهواء النقي، وارتفاعها عن المدينة بشكل عام يكسبها طابعاً مميزًا في قلوب الناس بالإضافة إلى المناظر الطبيعية الخلابة التي يتميز بها الجبل عن غيره من الجبال”.
وواصل” صعدنا الجبل مع بعض الزملاء في هذا العيد وقد أصابنا الذهول مما رأينا فقد كنا كلما صعدنا منحدرًا من الجبل نجد الكثير من السيارات والباصات في الخط بينما تمتلئ المدرجات بالمتصورين والمخزنين وفي قرية “ذمرين” بالتحديد كنا قد وصلنا لمعرفة المنطقة التي تم تمثيل” مسلسل العالية” فيها فوصلنا إليها ولكن لم نتعرف عليها كثيراً بسبب ازدحام الزوار للمنطقة”.
واختتم المهيوبي قائلًا ” نتمنى من الجهات المختصة في وزارة السياحة والحكومة بأن تضع في خانة اهتمامها جبل صبر وتعمل على تطوير المكان وترميم الخراب الناجم عن الحرب التي دارت في الجبل منذ اندلاعها في مدينة تعز عام 2015م”.
في السياق يقول عزان السامعي( أحد الزائرين لهذا الجبل)” نأتي في المناسبات وغير المناسبات لزيارة هذا الجبل الجميل، الذي يطل على المدينة لنعيش ساعات مع جمال الطبيعة التي يكفينا منها هذا النسيم العليل الذي لا نجده داخل المدينة”.
وأضاف لـ” يمن مونيتور” الرحلة إلى هذا لا تكلف أصحابها الكثير، فأغلبهم لا يقومون باستئجار غرف خاصة وإنما يبقون تحت الأشجار في المرتفعات مع عائلاتهم، وهذا لا يكلفهم إلا الحاجات الضرورية من مأكل ومشرب وحلوى للأطفال”.
وأردف” الحدائق والمتنزهات داخل المدينة في أيام العيد أصبحت مزدحمة للغاية لا يكاد زائرها يجد مكانًا يجلس فيه مع عائلته، والأطفال لن يتركوا لنا فرصة للجلوس في البيت في أيام العيد لأنها موسم خروجهم ونزهاتهم”.
وواصل” جبل صبر منتجع سياحي فريد إذا ما توفرت فيه الخدمات الأساسية كالمطاعم والفنادق بحيث يذهب الزائر إليه وهو مطمئن أنه سيجد فيه كل ما يحتاجه”.
بدورها تقول “عصماء محمد” إن:” جبل صبر يتسم بالعديد من المميزات، كارتفاعه الشاهق عن المدينة، وقربه منها، وسهولة الصعود له، لمشاهدة الكثير من المناطق في محافظة تعز وغيرها”.
وأضافت لـ” يمن مونيتور” هذا الجبل من أفضل الأماكن على مستوى اليمن، وقد تغنى به الكثير من المطربين والشعراء والأدباء، خاصة في فصل الصيف، ولأيوب طارش بصمته الخاصة في الغناء عن هذا الجبل”.
وتابعت” عندما صعدت الجبل للوهلة الأولى في فصل الصيف، شعرت بإحساس جميل جدا، خاصة مع ملامسة النسيم العليل لأرواحنا، والذي جعلنا نشعر براحة لا توصف”.
وأردفت” الكثير من أهالي مدينة تعز أو اليمن بشكل عام، يكثفون زياراتهم إليه في فصل الصيف، نتيجة اعتدال درجة الحرارة فيه بشكل يبعث في النفس الاستقرار والخروج من ضوضاء المدينة وحرارتها المرتفعة”.
وأكدت بأن” سهولة الطريق وتوفر بعض المتنزهات فيه، وقربه من المدينة، جعله أكثر جاذبية للزوار من المناطق الأخرى”.
وأوضحت بأنه” في فصل الشتاء تقل نسبة المرتادين له بسبب ارتفاع نسبة البرودة فيه، الأمر الذي يخاف فيه الأهل على أطفالهم من الإصابة بنزلات البرد”.
وأفادت بأن” أهالي صبر أيضا أشخاص طيبون يرحبون بك بطريقة لبقة، خاصة إذا حاولت زيارة بعض المساجد الأثرية، كمسجد أصحاب الكهف وغيره”.
واختتمت حديثها” نتمنى أن تبنى فيه العديد من المتنزهات، التي تقي الزائرين البرد في الشتاء، وأن تهتم الدولة في الجانب السياحي لهذا الجبل الخصب”.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: العيد اليمن تعز جبل صبر فی مدینة تعز على المدینة یمن مونیتور الکثیر من هذا الجبل خاصة فی فی فصل
إقرأ أيضاً:
قصة حُلم معطّل؛ 9
حمد الناصري
كانت "مدائن" جريئة كالشروق الذي يحجب رؤية النجوم، فإذا ذهبت الشمس شعرت بوجودها لا تمنعك عن رؤيتها حتى دموع عينيك.. أنكرت كاترينا على صديقتيها خولة وسَحر مكرهنّ، وحين سمعت باغتياب صديقتيها لها ، غضب ميلاد إبراهيم عليها، عرّتهم وفضحتهم جميعاً، وأردفت نعم، إنّ شغفي بالشاب الأشقر، إبن البلدة القديمة، مصدره معروف، شغف وحبّ مُتبادلان، أما أنتنّ والذي معكما، قلوبكم خالية من ذلك كله، فظاهر الأحداث تدور في الشغل ولكنّه مصيدة لأمثاله من الشباب الطيبين، وبُسطاء المعرفة بكم، لا أحبّ أن أُفشي أسراراً أو أروي قصصاً وحكايات، ولكني أستطيع أنْ أعتزلكما وأبتعد عن ميلاد إبراهيم الذي يُشبهكما في الأفعال.. ولن تنفعني صُحبتكما الظاهرة ولا مرافقة من هو معكما، ولا مغزى من دنائتكن غير إنهاك النفس وفساد الحياة، وغياب الضمير.. في هذه اللحظة تحفّز سعيد الحوز، وأصرّ أن يُخبرها الحقيقة، يُخبرها عن حُلمه المُعطّل، سكت.. استنفر ما كان يظنه في نفسه من شُكوك، وهزّ رأسه.. نعم الشكوك هيَ خيط مُوصّل إلى الحقيقة.. أيُعقل، أن أرضي نفسي فيما ليس لي به حق.. ثم ماذا.؟ أسىً كثيراً.؛ يجب أن أحدّثها عن شيء مُختلف، عن حكاية قرية التراث والبلدة العتيقة وعن الجبل العظيم وعن الكنز المخبأ في داخله.. سأسرد لها، عن الحبل السري الذي يربط البلدة العتيقة بالجبلين التوأم، الشرقي والغربي، سأعرّفها بأنّ الحبل السري قاعدة تربطهما بالأم، قرية "وادي جرْفة " وتُعرف اليوم بـ قرية " وادي نزوة."؛ ذلك الوادي منذ الأزل والتكوين، له سلسلتان جبليتان تأخذ كل منهما شكل الانحدار المائل إلى مُستوى التتابع فالأقل يَتلوه الأقل منه. تذكّر سعيد الحوز حكاية يتناقلها الناس، أنّ بلدة تاريخية أحاطها أهلها بسور لا بابُ له ، لا يستطيع أحد اقتحامه ، كانوا إذا دخلوه تسلقوا الجدار الصامد من الحجارة والطين ، ولا ترى له باب ، غير أن الذين أنشأوا سور البلدة التاريخية ، هم السكّان الأصليون ، بدليل أنهم استخدموا الأدوات المحلية في بناء قلاع مُحصّنة وأبراج عالية لأهداف مراقبة الخصم أو المهاجم ، حماية لأنفسهم وأهلهم وبلدتهم التاريخية الواقعة على واحة واسعة على مقربة من سيح خلاب المنظر ، بل عُدّت الواحة من أهم الواحات القديمة ، فقد اكتُشفت مواقع تاريخية تعود إلى الألفية السحيقة ، لتاريخ تكوّن الأرض ونشأتها الأولى ، هذه البلدة مُحاطة بسور عظيم ، بلدة مُتجاورة لوادي جرفة قبل جائحة الحسناء نزوة ابنة الرجل الأول "يأدم " ويُقال في سرد الحكايات القديمة ، بأن السكان الأصليين لهذه البلدة السحيقة تميّزوا عمّا جاورهم من القرى والبلدات ، بأن صيتهم انتشر وبسرعة فائقة وتألّفت حولهم حكايات خارقة القُدرات ، واشتهروا بأساطير تسخير الجان من أولاد العفريت الأمرد الاوّل ، المُكنى بـ المارد الأسود ، وهو أبو الثلاثة العفاريت ، الأكثر رعباً في السيوح والكثبان الهائجة .. ويُقال أنّ العفريت "نمرد " أقوى العفاريت المُرعبة لأنه ورثَ القُدرات الخارقة من أبيه الأمرد بن نمرد الأول ، ورغم أنّ أباه أوصّاهُ بأخيهُ قِحيف الذي يعشق الكثبان الرملية ، بينما " سوس" الاخت الوسْطى بين نمرد وقحيف ، ولكن "نمرد" كان يحقد على "سوس" لأنها ما أرضته يوماً لأسبابها ، ممّا دفع بالعفريت " نمرد" أن يتقاسم السيح والكثبان مع أخيه "قحيف" فكان الجني قحيف أول من تسمّى بالجنّى الأكبر عاشق الكثبان الهائجة ، مُثير الغبار والأتربة العالية ، وقد تسمى "نمرد" بـ العفريت الأمرد ، فقد أخذ من كُنية أبيه اسماً . وأقسم بحقّ قُدراته الخارقة.. لأتخذنّ البلدة السحيقة مأوى وسكناً ومكاناً لي ولذريّتي من بَعدي.؛ وسأبني عليها سُور عظيم لا يقدر عليه أحد.. يمتد من البلدة السحيقة إلى أعماق الأرض، يكون عُمقه الأرضي أكبر من ارتفاعه على سطح الأرض. ولن أترك البشر يأنسون ويَطمئنون إلاّ من اتّبع أسطورة نمرد الخارقة.. وسأجعلها أسطورة يتناقلها الناس إلى يوم لا يجدون فيه خبراً مكيناً، وأكْثِر من غوايتهم بمختلف قدراتي الخارقة، وأخفي عنهم الحقيقة وأشوّش عليهم ما استقرّوا عليه، واجعل أكثرهم مؤمنون بقدراتي الخارقة. واندفعتْ الجنّية "سُوس" غاضبة، واعتزلت العفريتين، الأمْرد وقحيف، وقالت إنْ ظلمتموني في ما اقتسمتموه، من سيح وكثبان هائجة ورمال متحركة لا يستقر عليها بشر، فإني قد استعير من قدرات أميّ "أمّ الصبيان " القدرات الأكثر خرقاً من قُدراتكم ، وأتخذ من الحجارة والماء والمنبع والأودية والجبال مأوى في النهار ، واتخذ من الجبل العظيم وحجارته الكبيرة مكاناً بالليل .. وسأخلق من الطرقات والمُنحدرات والبيوت سكناً لأولادي، وأتخلّى عن كنية العفاريت، إلى كُنية الجنية الحمراء المأخوذ من كُنية أمي "أم الصّبيان"؛ واحمرّت عينيها وصارت كالجمر تحرق عين الناظر إليها وتهزّه رعباً. ثمّ أردفت: وأجعله في عِلل لا يقوى عليها فكره وجسده.. لا تنطفي عيون أبنائي، ستبقى كالجمر في أعين الناس، مُشعة لامعة، تهزّ الأنفس القوية، وفي بناتي عينين مُحمّرتين، يُعرفْن جميعهنّ أو كل واحدة منهن بأمّ الصّبيان؛ وإذا ما غضبنَ قطّعن البشر إلى أشْلاء مُمزّقة، واقتسمنهُ غنيمة بينهنّ.؛ سكتت.. ألا ترون أني أكثركم قدرة وإحاطة، ثم ولّت غاضبة وشقّت الجبل العظيم، وتوعّدت بإحداث زلزلة، تشقّ الوادي عن الجبل العظيم، فانشقّ الجبل العظيم، وانفلقت حجارته الكبيرة، وفصَلت سيح الأمرد عن الوادي والحجارة الضخمة منبع الماء، ووضعت حداً فاصلاً، بين الوادي الذي أخذ من اسمها، تسمية" وادي سُوس" وجعلت مُنحدرات الجبل العظيم الأخطر مأوى لبنات أم الصّبيان، يُمارسنَ القُدرات الخارقة، وتقليب الحجارة ودحرجتها من أعلى إلى أسفل، ونقلها إلى حيث شاءت إحاطتهنّ به.. في بضع أيام من اعتزال "سوس" والتي كُنيتْ بـ أم الصّبْيان، أخويها "قحيف ونمرد" ووقعت أحداث خارقة في سيح البلدة السحيقة؛ تكسّرت فيها الحجارة، وتشقّق الجبل العظيم، وارتفعت صُخوره عالياً كأنها أسنان مشطٍ عِمْلاق.. ازداد المكان وعورةً، بمحدّدات مُرعبة، ومنحنيات خطيرة، وانحدارات مخيفة. وضربت زلزلة غير طبيعية الأرض، فتناقلت الألسن قصصًا غريبة، وتكاثرت الأساطير، وكان أشدّها وأقواها حادثة انفلاق الجبل العظيم.. ويُقال إنّ موت نزوة، ابنة الرجل الأول "يأدم"، يُنسب إليها، لأن الحسناء نزوة تجاوزت حدود اليابسة ودخلت منبع "سوس"، أمّ الصبيان، فسُمّي الوادي باسمها: "وادي سوس"، كما أُطْلِق على الهضاب المحيطة، بـ "هضاب أم الصّبيان.؛
قرأ سعيد الحوز، وهو يستذكر تلك القصص المُرعبة والمُثيرة، فاقشعرّ جسده، وارتفع ضغط دمه، وأحسّ بسخونة شديدة، وتمتم: وإن شعرتَ بنفرٍ من الجن يوشوشون لك، فاعلم أنهم سبق أن تنصّتوا عليك، فأدرك نفسك: شيطانٌ قد انجذب إليك، وجنّيٌ يسترق سمعك.. فإن كنت نائمًا، لا تقم من فراشك، وإنْ كنت ماشيًا، فلا تلتفت لا يمينًا ولا شمالًا، وواصل السير.. فالخوف عاملٌ كبير في جذبهم؛ لن يقترب منك جنيّ أو عفريت ما دمت ثابتًا. تلك قاعدة أزلية.. وكان الشيطان ضعيفًا.." والجنيّ لا يقترب من الإنسي إلا بالتشويش على أفكاره، فإذا تردّى وانهزم، استولى عليه.
سحب سعيد الحوز نفسًا عميقًا، واستعاد شيئًا من طاقته، وقال لنفسه: لا أشك قيد أنملة، أنّ كاترينا، أو "مدائن"، قد وقعت في حُبّي.. تصرفاتها، تعبيراتها، مُواجهتها، صِدقها في التعامل، دفاعها المُستميت عني، كلّها دلائل على شغفها وجنون غرامها.. لقد تحدّت أقرب الناس إليها.. توقف عن الكلام فجأة، ثم أخذ يهمس لنفسه كلماتٍ تُعزز ثقته بها: الحبّ مشاعر، الحبّ أقوى الروابط، ماهيته لغة تتحدث بجرأة غير مَسبوقة، تعبير يُحرر الذات، وصِناعة تنسجم مع حركة الجسد.. وقد فعلَتْ، ورأيت بأمّ عيني تلك الأحداث ، صمتَ وقد اعترته الدهشة.. قرأ رسالة على هاتفه المحمول، تقول: ما هو متوقع في الطبيعة، يتحقّق.. فالحبّ والغرام يُصيبان القلب بنوبة موت.. دُهش سعيد الحوز وهو يقرأ الرسالة، وتمتم، إذنْ الحُبّ جنون، وكما يقولون، الحبّ مواجهة، الحبّ يُحطم القيود، الحبّ يكسر الخجل، ويقضي على الحياء حين يبلغ ذروته الطاغية.
هزّ رأسه وهو يُحدّث نفسه عن شخصية مدائن، المُلهمة، الجريئة إلى حدّ كبير.. لكنّه تساءل بضيق: لماذا تُريد أن تُحمّلني ما لا طاقة لي به؟ اللعنة على ما تعطّل.
كان سعيد الحوز في عزّ شبابه، وقد نهشه الزمن، ولم يُشبع حاجته بعد.. كأنّ في عينيه ظلامًا بائسًا، بلا مَقصد، ولا هدف.. حواس مطموسة، مشاعر منكسرة، أحاسيس متحطّمة، لا خيوط ناجية، ولا نفث سوى رمادٍ سقط كالحطام.. تفرقت أشلاؤه، وميضه كماء المُزن، تُبصره بأملٍ، ثم لا ينهمر، ولا غيث فيه يُبشّر بسعادة.
وقفت كاترينا إلى جانبه، كأنها مُتعلّقة به حتى النخاع، تقاتل لأجله من حولها.. لم يكن سعيد الحوز في مأمن منها، سعيد فطن وذكيّ وحدسيّ، لكنّ أحد تلك الثلاثة خانه في أمر كاترينا.. إمّا أنّ الفطنة كانت بلا ذكاء، أو الذكاء بلا فطنة، أو أنّ الحدس غيّب كليهما.. سحب نفساً، وأردف: كاترينا، فتاة فاتنة، مَمشوقة القوام.. لكنّ الجمال إذا اختلت موازينه، جرّ خلفه وجعًا وألمًا.. وفي هذه اللحظة كانت كاترينا، تستعدّ لتصدح بأغنية من إيقاعاتها وبصوتها أمام سعيد الحوز ليعلم يقيناً بأنه قد شغفها حُباً.. أغنية هادئة ناعمة، إيقاعاتها طاغية على أنوثتها، ثم ردّدت الأغنية.. وسط الحشى فرحتي / والسعيد من حَبّها / يا فرحتي بإحساسي / وسيرتي قطرة إنها شغفي / وإن طالت مودتها في لذة وفي مُتعي.. جنيت سُعدي في حشى مُهجتي. قالت: "منذ أن عرفتك وأنا أرددها، من أول لقاء، ولساني يُحرّكه قلبي، وفي كل مرة، أشعر بسعادة.. أدخلتَ السعادة إلى نفسي.. لكن لي سؤال، وأريدك أن تجيبني بصراحة: كيف جئت باحثًا عن عمل، وتسكن فندقًا فخمًا؟ من أين لك المال؟ وقد كنت تذكر لنا حاجتك الشديدة إليه؟ ردّ سعيد: هوّني عليكِ.. سأخبرك بكل شيء.. ولكن دعيني الآن أطمئن، وأعيد الطمأنينة إلى روحك الجميلة.. ودعينا نتساءل عن اللحظة.. هل هذا شعرٌ غنائي؟ أم حماقة؟ ابتسمت قائلة: لا هذا ولا ذاك، بل أكلتُ أخضر سعيد الحوز ويابس ما جفّ منه.. الأغنية يا... وتوقفت، وكأنّ مانعًا منعها من إكمال الجملة، وهمست في نفسها: ماذا لو فهمني سعيد بطريقة مختلفة؟ كانت تناديه: "سعيد الأشقر"، وقد سمّته بذلك.. وردّ هو: أنتِ من اليوم وصاعدًا تُعرفين بـ كاترينا مدائن.. وصار كلّ منهما يُكنّي الآخر باسم اختاره له.