هل تفتح زيارة السوداني لواشنطن صفحة جديدة بين العراق وأميركا؟
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
بغداد- في ظل التوترات الإقليمية والدولية، يرى محللون ومراقبون أن زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى واشنطن تدشن مرحلة جديدة في العلاقات العراقية الأميركية.
ويعتقد محللون للشأن العراقي أن السوداني استطاع إقناع واشنطن بقدرته نسبيا على أن يكون "طرفا عراقيا موثوقا به وقابلا للتفاهم معه" حول الملفات الشائكة في العلاقة بين بغداد وواشنطن، مؤكدين أن العراق "يحتاج إلى أن يكون بمنأى عن الصراع الإقليمي الدائر بالمنطقة"، وأن تجنب ذلك يتطلب التزامات متبادلة بين طرفي الزيارة.
وأكد السوداني الذي وصل العاصمة الأميركية السبت، أن زيارته تأتي في ظرف دقيق وحساس على مستوى العلاقات الثنائية الأميركية العراقية، وكذلك على مستوى ظروف المنطقة وما يحصل في فلسطين من "جرائم تجاه الأبرياء"، فضلا عن المخاوف من اتساع نطاق الصراع.
وتهدف الزيارة، تبعا لتصريح السوداني إلى "الانتقال بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة تتضمن تفعيل بنود اتفاقية الإطار الإستراتيجي المتماشية مع برنامج حكومتنا الذي يركز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وكذلك على الشراكات المنتجة مع مختلف دول العالم".
وأكد أن "اللقاء بالرئيس بايدن، الذي سيعقد غدا الاثنين، سيتناول البحث في ظروف المنطقة وما تشهده من تصعيد، والدور المشترك في العمل على التهدئة ومنع الصراع من الاتساع بما يؤثر على مجمل الاستقرار في العالم".
كما يستعرض اللقاء عمل اللجنة العسكرية العليا بين العراق والتحالف الدولي، والهادفة للوصول إلى جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية مع الدول المشاركة فيه.
وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن "الزيارة ستشهد لقاءات مع وزراء الخارجية والدفاع والخزانة الأميركيين، فضلا عن مستشار الأمن القومي، وغرفة التجارة الأميركية وكبار المسؤولين في الشركات النفطية والصناعية".
وجدد الإشارة إلى أن "الزيارة تحمل الرغبة في بناء شراكة إستراتيجية مستدامة، قائمة على الاحترام المتبادل، وحفظ أمن العراق وسيادته ووحدة أراضيه".
ويرافق رئيس الوزراء في زيارته الرسمية إلى واشنطن وفد حكومي ونيابي يضم عددا من الوزراء وأعضاء مجلس النواب والمستشارين، بالإضافة إلى رجال أعمال وصناعيين متخصصين في مختلف القطاعات.
وستشهد الزيارة عقد الاجتماع الأول للجنة التنسيقية العليا (إتش سي سي) المشتركة، بهدف المضي في تفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي، في محاور الطاقة، والتعاون المصرفي والمالي، والنقل، ومكافحة الفساد، واسترداد الأموال العراقية، وقطاع الأعمال، إضافة إلى التعليم والثقافة.
صفحة جديدةفي هذا السياق، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، إن العراق يرتبط مع الولايات المتحدة بروابط وأسس متماسكة خطّت مبادئها اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين البلدين عام ٢٠٠٨ والمصادق عليها من مجلس النواب العراقي.
وذكر صالح في حديث للجزيرة نت، أن الاهتمام سينصبّ على توفير مناخ من الفرص الواعدة التي تستطيع الشركات الكبرى في الولايات المتحدة بموجبها المساهمة في مشاريع التنمية الإستراتيجية الكبرى في العراق سواء في طريق التنمية أو غيره، ولا سيما في حقلي الطاقة المتجددة والغاز والتكنولوجيا الرقمية ومشاريع اتحادية أساسية في مجالات النقل والاتصالات والزراعة والاستثمار في الموارد الطبيعية ومفاصل مهمة من الصناعة التحويلية.
وهذا حسب المستشار إلى جانب الاستفادة من فرص التعليم العالي والحصول على مقاعد دراسية في الجامعات الأميركية وقبول المبتعثين في الحقول التي تخدم التنمية والتقدم الاقتصادي في العراق.
وأوضح، أن ما نراه اليوم من "تطورات إيجابية" في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة "ستطوي صفحة الماضي لتفتح صفحة أساسها العلاقات الاقتصادية المباشرة وفرص الاستثمار المنتج وبأولوية أولى تسبق الأولويات الأخرى بما في ذلك التأسيس لعلاقات مصرفية رصينة بين البلدين تساعد على النماء والازدهار، وعلى أن تساهم السياسة الإصلاحية المصرفية القائمة اليوم في بلادنا بإضافة عنصر من عناصر القوة في العلاقات التمويلية بين البلدين الصديقين.
وبهذا، يرى المستشار صالح أن الجانب الاقتصادي (الاستثماري والتنموي والتمويلي) "سيُفعّل للمرة الأولى بهذا الشكل الواسع من اتفاقية الإطار الإستراتيجي لكي ينسجم ومعطيات ومبادئ البرنامج الحكومي بما يخدم مصلحة الاستقرار والازدهار الاقتصادي في العراق".
من ناحيته، قال المحلل الأمني علي البيدر، إن الزيارة مهمة لحكومة العراق والعراقيين خاصة مع وجود مؤشرات من الولايات المتحدة باتجاه رغبة في خلق شراكة حقيقية مع العراق.
وأوضح البيدر للجزيرة نت، أن الزيارة من الممكن أن تخلق شراكة جديدة في مجالات أخرى غير الأمن، "ونتحدث عن الثقافة والتعليم والطاقة والاقتصاد، وأن تنتقل العلاقة من الأمنية والعسكرية إلى علاقة تنموية استثمارية خصوصا أن الوفد الذي ذهب إلى واشنطن لا يحمل أية مسؤولية في حكومة السوداني في حين تحضر شخصيات مهمة حضورها يتعلق بالثقافة وبالاقتصاد والطاقة، ويحتاجها العراق، وهذا الأمر مؤشر إلى أن العراق تجاوز عقبة الأمن" على حد تقديره.
وعلى المستوى الداخلي، يرى المحلل أن الزيارة ستخلق بيئة مناسبة للحوار والتفاهم وتوحيد القرار الداخلي وسيجري استثمارها سياسيا من قبل الحكومة.
طرف موثوق به
في المقابل، كشف الأكاديمي والخبير السياسي خالد العرداوي، أن زيارة السوداني إلى واشنطن بعد سنة ونصف على تشكيل حكومته، تدل على أنه استطاع إقناع واشنطن بقدرته نسبيا على أن يكون "طرفا عراقيا موثوقا به".
وأوضح العرداوي للجزيرة نت، أن السوداني أقنع واشنطن أن بإمكانها "التفاهم معه حول الملفات الشائكة في العلاقة بين بغداد وواشنطن" وفي مقدمتها ملف الوجود الأميركي في العراق، وملف العقوبات الاقتصادية الناجمة عن العلاقة مع طهران وتهريب العملة وغسيل الأموال، وكذلك الملفان الأمني والسياسي، معتبرا هذه مؤشرات جيدة لحكومة السوداني إذا نجحت في إيجاد تفاهمات حولها، سيعطيها ذلك دعما قويا يمكن أن ينعكس إيجابا على الاستقرار في العراق.
وتأتي الزيارة، حسب العرداوي، في وقت تقف فيه المنطقة وسط احتمالات الانزلاق والمواجهة الشاملة بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران وحلفائها من جهة أخرى.
وبرأي الأكاديمي "في ظل هذه المواجهة المستمرة والمتصاعدة بين الطرفين يحتاج العراق بشدة إلى أن يكون بمنأى عن التورط في هذا الصراع. وتجنب ذلك يتطلب التزامات متبادلة بين بغداد وواشنطن، وإذا فشل أي من الطرفين في الوفاء بالتزاماته فالمحصلة ستكون سلبية على مصالح العراق العليا. وربما تكون الزيارة فرصة ثمينة للوصول إلى تفاهم بهذا الخصوص".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات اتفاقیة الإطار الإستراتیجی الولایات المتحدة إلى واشنطن فی العراق أن یکون على أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
واشنطن تقود الإرهاب في الشرق
محمد بن سالم التوبي
الرئيس الأمريكي أو الرئيس رقم واحد في العالم وهي الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف، بها لأنه الواقع المُرّ الذي يعيشه العالم وتعيشه البشرية سواءً، كان ترامب أو سابقوه ممّن جعلوا سيوفهم في رقاب الملايين من البشر الذين سفكت دمائهم منذ الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا. وما زالت الآلة الأمريكية تفتك بالبشرية شرقًا وغربًا، ولنا في اليابان عبرةً وعظه؛ فقد قُتِل من جرّاء القنابل الذريّة ما يزيد عن (٣٠٠) ألف شخص إمّا بالموت المُباشر أو من خلال الأمراض الفتّاكة التي سبّبتها الإشعاعات
إن المُتتبّع للحروب الأمريكية منذ حرب الاستقلال إلى يومنا هذا يجد أنّها حروب عبثية مُقيته لم يكن الإنسان فيها ذا قيمة؛ سواء كان الإنسان جُندي أمريكي أم شعوب يُمَارَسْ ضِدَّها الاستعمار أو القتل من أجل القتل والتصفية. لقد خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حروبها في الشرق والغرب من غير أسباب مُقنعة، وحتى حربهم على السُّكّان الأصليين من الهنود الحُمر الذين ما زالوا يعانون من التمييز في القرن الواحد والعشرين هي حرب تطهير عرقي .
لقد قتل الجيش الأمريكي من جنوده ما يزيد عن المليون جندي في حروب عبثية لا يمكن وصفها بالحروب التي تنادي بها أمريكا من أجل حُرّية الشعوب، أو من أجل الديموقراطية أو مكافحة الإرهاب؛ بل جُلّها حروب تتمحور حول الإمبريالية والسلطة والتوسع والنفوذ؛ فالعقيدة الأمريكية من أجل النفوذ يجب أن تشعل حروبا هنا وهناك حتى يتأتّى لها أن تمسك بقيادة العالم ليأتوا إليها صاغرين تتسابق إليهم الرقاب حتى إذا ما وجدت الفرصة للتخلص منها أقاموا عليها الحدّ وأتوا بقيادة جديدة تكون خاضعة منقادة مسلوبة الحرية والكرامة .
لقد عانى العالم من الحروب الأمريكية سواء في أمريكا اللاتينية أم في الشرق القريب أو البعيد كما هي الحرب في كوريا (١٩٥٠–١٩٥٧) التي أودت بحياة ما يزيد عن ٣٦ ألفًا من الجنود الأمريكان، وما يزيد عن مليوني إنسان من الكوريتين ومن الصينيين الذين دخلوا الحرب عندما وجدوا الأمريكان على حدودهم وهذه الحرب جرّت لاحقًا إلى الحرب في فيتنام (١٩٥٠-١٩٧٥) التي راح ضحيتها ما يقارب ٦٠ ألفًا من الجنود الأمريكان وأكثر من مليونين من الأبرياء الفيتناميين إلى أن تحررت وخسرت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وعادت منكسة الرأس، وما هو الداعي لهذه الحرب التي شنّتها واشنطن من أجل دحر الشيوعية وكانت النتيجة أن توحّد المعسكر الشمالي والجنوبي تحت حكم شيوعي .
الحرب في العراق كلّفت العراق أمنه واستقراره وتفكيكه؛ فبعد أن كان بلدًا ينعم بالاستقرار والوحدة تحوّل إلى وطن تحكمه الطائفية والقبلية والمذهبية التي مزّقته شر ممزق وكلّفت اقتصاده رقمًا فلكيًا لا يمكن أن يحصره مركز بحثي ولا حجم الدمار الذي تعاني منه العراق في الوقت الحالي أو مستقبلاً. لقد شردت الحرب ملايين من أبناء العراق وقتلت الجيوش ما يزيد عن مائتي ألف مدني وتسببت الحرب في فشل منظومة الخدمات وزيادة مستوى الفساد وانهيار البنى التحتية لكل العراق. كما أن ما زاد وعمّق المشاكل الاقتصادية هو ظهور ميليشيات مسلّحة وتفشّي الطائفية وانقسام المجتمع إلى سنّي وشيعي.
حصيلة الحرب في أفغانستان ونتائجها على مدى عشرون عامًا كانت وخيمة على الشعب الأفغاني؛ حيث قتل ما يزيد عن ٤٧ ألف مدني و٦٦ ألف قتيل من الجيش الأفغاني وما يقارب من ٦٥ ألف من حركة طالبان، والملايين من البشر الذين نزحوا داخل أفغانستان وخارجها، وفي نهاية المطاف حكم طالبان افغانستان وخرج الأمريكان من الحرب بخسائر تقدر بما يزيد من ٢ ترليون دولار ضاعفت من حجم الديون في الخزانة الأمريكية التي تعاني من أثر هذه الديون، وقد صُنّفت تلك الحرب كأطول الحروب على البشرية وقد استنزفت الكثير من الموارد المالية؛ مما أدّى إلى فقدان الثقة في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للتحالفات في الحروب
إن التدخلات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا وسوريا والسودان واليمن ومؤخرًا ضرباتها الأخيرة لإيران على إثر رد إيران المستحق على ما قامت به إسرائيل من هجوم مباغت عليها، وكذلك قيام واشنطن بوقوفها مع إسرائيل في حرب الإبادة في غزة ومدّها بالسّلاح والجنود والتكنولوجيا المتقدمة؛ كل ذلك يثبت جليًا إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على جعل الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة من أجل هيمنتها وحماية إسرائيل الدولة اللقيطة التي صنعها الغرب على حساب الفلسطينيين.