الوطن:
2025-07-03@09:18:05 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. بين الذكر والشكر

تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. بين الذكر والشكر

قال اللهُ تعالى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].

بدأتِ الآيةُ الكريمةُ بفعلِ الأمرِ (فاذكرونى)، وهو إمَّا أمرٌ مِن الذِّكْرِ بكسرِ الذال، وإما أمرٌ مِن الذُّكْرِ بضمِّها، وقد فرَّقَ العلماءُ بينَهُما فى المعنَى، فبيّنُوا أنَّ الذُّكْرَ -بالضمِّ- هو التَّذكُّرُ، ويكونُ المرادُ بـ(فاذكرونى) الأمرَ بتذكّرِ اللهِ تعالى وعدَمِ الغفلَةِ عنهُ سبحانه.

والذِّكرَ -بالكسر- هو إجراءُ الكلامِ على اللسانِ، ويكونُ المرادُ بـ(فاذكرونى) الأمرَ بأنْ ينشغلَ اللسانُ بذِكْر اللهِ تعالى، وكِلا هذيْنِ النوعيْنِ مأمورٌ بهِ فى الشرعِ الشريفِ.

فاعتبارُ الأعمالِ فى الشرعِ الشريفِ بالنوايا التى وراءَهَا معناه أنْ يكونَ العبدُ مستحضراً للهِ تعالى غير غافلٍ عنه سبحانه عندَ كلِّ عملٍ مِن أعمالِهِ، يقولُ سيدُنا رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمالُ بالنيةِ، وإنَّما لامرئٍ ما نوَى، فمَن كانتْ هجرتُه إلى اللهِ ورسولِه، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِه، ومَن كانتْ هجرتُه إلى دنيَا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يتزوجُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليْهِ» [متفق عليه]، فعلى العبد أَلَّا يغفلَ عن اللهِ تعالى. وهو مأمورٌ أمرَ إيجابٍ وندبٍ بذِكرِ اللهِ تعالى فى عباداتِهِ وطاعاتِهِ المختلفَةِ.

هذا، وينبغى أنْ ننتبهَ هنا إلى قولِ المولى سبحانه: (أذكركم)، فالعبدُ قد يُتصورُ منه وقوعُ الغفلة فيكونُ منه ذِكرٌ بعدها، ولكن هذا يستحيلُ فى حقِّ اللهِ عزَّ وجلَّ، فكيفَ إذاًْ نفهمُ قولَهُ تعالى: (أذكرْكُم)؟! بيَّن السادةُ المفسرونَ أنَّ هذا المعنى فى حقِّ المولَى سبحانَهُ محمولٌ على المجازِ، والمعنى أعاملْكُم معاملةَ مَن ليسَ مغفولاً عنه، وذلك بزيادةِ الإحسانِ فى الدنيا والآخرةِ، وقد تكلَّمَ العارفونَ باللهِ تعالى فى شىءٍ من معانى هذه الآيةِ المباركةِ فقال فيها القشيرىُّ، رضى الله عنه: «ويُقالُ: (فَاذْكُرُونِى) بالتذلُّل (أَذْكُرْكُمْ) بالتفضّل. (فَاذْكُرُونِى) بالِانكسارِ (أَذْكُرْكُمْ) بالمبارِّ [بأنواعِ البرِّ المختلفة]. (فَاذْكُرُونِى) باللسانِ (أَذْكُرْكُمْ) بالجِنان [بالجَنَّاتِ]. (فَاذْكُرُونِى) بقلوبِكُم (أَذْكُرْكُمْ) بتحقيقِ مطلوبِكُم. (فَاذْكُرُونِى) على البابِ مِن حيثُ الخدمة (أَذْكُرْكُمْ) بالإيجابِ على بساطِ القربَةِ بإكمالِ النعمة. (فَاذْكُرُونِى) بتصفيةِ السّرِّ (أَذْكُرْكُمْ) بتوفيةِ البرِّ. (فَاذْكُرُونِى) بالجهدِ والعناءِ (أَذْكُرْكُمْ) بالجودِ والعطاء. (فَاذْكُرُونِى) بوصفِ السلامة (أَذْكُرْكُمْ) يومَ القيامةِ يومَ لا تنفعُ الندامة. (فَاذْكُرُونِى) بالرهبةِ (أَذْكُرْكُمْ) بتحقيقِ الرغبةِ».

ثم بعدَ هذا أمرَ بالشكرِ، وشكرُ الله تعالى ضَربٌ [نوعٌ] عظيمٌ من ذِكرِهِ سبحانه، وقولُه سبحانه: (وَاشْكُرُوا لِى) فيه إشارةٌ إلى أنه يجبُ أَلَّا يَحجبَ العبدُ نفسَه بالنعمةِ عن رؤيةِ إنعامِ المنعِمِ بهَا سبحانه وشكرِه، وكثيرٌ مِن الناسِ يقفونَ عند النِّعمِ ويغفلونَ عن شُكرِ المنعِمِ!

ثم قال سبحانه: (وَلَا تَكْفُرُونِ) فنهى عن كلِّ صورِ الِانحجابِ عنه سبحانه سواءٌ بالكفرِ به سبحانه وتعالى، أو بكفرانِ نِعمِهِ وإحسانِهِ.

ويُلحظُ فى هذه الآيةِ الكريمةِ، كما أشارَ بعضُ السادةِ المفسرِينَ، أنَّ الأمرَ بالشكرِ أمرٌ بالذكرِ، فهذا أمرٌ ثانٍ بعدَ الأمرِ الأولِ فى (فَاذْكُرُونِى)، والنهىُ عن الكفرانِ أمرٌ بالشكرِ؛ أى هو أمرٌ بالذكرِ أيضاً؛ لأنَّ الشكرَ ذكرٌ للهِ تعالى لا محالةَ، فهذا أمرٌ ثالثٌ بالذِّكر، والثلاثةُ أولُ حدِّ الكثرةِ؛ لأنَّ أقلَّ الجمعِ ثلاثةٌ، فكأنَّ الآيةَ أمرتْ ضمناً بالذكرِ الكثيرِ، يقولُ القشيرىُّ، رضى الله عنه وأرضاه: «والأمرُ بالذكرِ الكثيرِ أمرٌ بالمحبَّةِ؛ لأنَّ فى الخبرِ: «مَن أحبَّ شيئاً أكثرَ ذِكرَهُ» فهذَا فى الحقيقةِ أمرٌ بالمحبَّةِ؛ أى: أَحببْنِى أحبّكَ، {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} أى أحبّونى أحببْكُم».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الذكر الشكر الرضا المحبة ه سبحانه

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الصورة…. ٢)

أستاذ سليمان
نرسم بالكلمات صورتنا وصورة العالم… ونوجز الأمر بالصور.
وأيام انهيار اقتصاد العالم ٣٦… تُقام في نيويورك مسابقة في الرقص… والجائزة يحصل عليها (آخر) من يظل واقفاً على قدميه…
ويوم… ويوم… والراقصون الآلاف يتساقطون من التعب،
ويبقى ثلاثة أو أربعة أزواج… و(جين فوندا) في الحكاية التي أصبحت فيلماً سينمائياً،
(جين) هذه زميلها يسقط، والمرأة تطلق الرصاص عليه، ثم تقول للشرطة:
“الناس يقتلون الخيول التي تسقط… أليس كذلك؟”
والحكاية (الحقيقية) تجمع صورة الغرب كله، والخوف كله، والتوحش كله… وما يعنيه الإنسان عندهم…
هذه نتفة من صورتهم،
صورة مجتمع بلا إله.
……
ثم صورة عالمنا العربي… والإسلامي الذي دلدل رأسه للغرب هذا،
ولا نكرر الصورة المعروفة…
فما نريده هو صورة من نقلوا إلينا العقل الغربي… والروح.
والصورة عندنا هي:
في العيلفون القديمة، ظريف يحكي ويقول:
“جدي كان يقاتل في معارك المهدية… وفي واحدة من المعارك رأسه يُقطع… رأسه يُقطع لكنه يظل يقاتل حتى العصر دون أن يعرف أن رأسه مقطوع. وعند العصر يجلس ليستريح، وهناك يدردم سفة سعوط ممتازة، ويقذف بها في فمه، ليجد أن السفة تسقط خلف ظهره… وهنا فقط يعرف أنه بلا رأس…”
وأن نقول عن مثقفينا إنهم… وإنهم… نصبح عندها ممن يكرر… وصورة صاحب السفة هذه هي صورة مثقفينا.
……
وما يكمل الصورة هو…
نظرة الغرب إلينا.
وفي رواية مصرية، المرأة الفرنسية التي تنقب عن الآثار يجن جنونها حين تجد أن الدولة هناك تفتح مدرسة، فالأهالي عندها يجب أن يظلوا مثلما كانوا منذ ألف عام…
البقاء الذي يجعل لهم ميزة الاحتفاظ بكل شيء،
….. الاحتفاظ حتى بالموت….
ووزير ثقافة ديغول يقص أن الملك فاروق له شقيقتان في باريس،
وواحدة منهما متحجبة، والأخرى مطلوقة…(ليس بالمعنى السوداني)
وأن الأولى عندها ميزة غريبة… لها صلة بالغيب،
قال الوزير:
“جئنا إليها بقطعة من ملابس جنرال قديم خاض معارك معروفة، وأن الفتاة تعصر القطعة وتحدثهم أنها تخص جنرالاً خاض معركة كذا وكذا…”
قال:
“… وتصف وكأننا نسمع صهيل الخيول والسيوف والصراخ…”
والوزير هذا يهبط اليمن أيام حميد الدين،
ويشهد تنفيذ الإعدام، الذي يجري علناً،
وأن السياف يسوق من يُنفَّذ فيه الإعدام، ويطلقه داخل دائرة المتفرجين، ويطارده، ويظل يطعنه طعنات وطعنات، حتى ينهك ويركع، ويمد عنقه للسيف…
……
صورنا عندهم هي هذه،
وحتى تظل الصورة (والحال) هذه باقية، يخص الإنجليز مفاتيح السودان بما يضمن بقاء السودان يكرع الريح…
والمفاتيح هذه كانت هي…
….. المثقفون…..
هل قلنا كلمة واحدة مما تحمله ملايين الكتب التي تسكب الأفكار؟
لا….. مع أننا نتكلم سياسة،
والسبب هو أن بعض ما سقانا له المثقفون هو ألا نصبر على فكر اقتصادي… أو اجتماعي… أو عسكري… أو…
لو أن الشيطان يجدد طبعاته، مثلما تجدد طبعات الكتب، لكانت الطبعة الأخيرة له هي… مثقفونا.
العدو من قبل يُغري العراق بغزو الكويت… ثم يضرب العراق،
ويصنع الحرب بين إيران والعراق، ويمد هذا وذاك بالسلاح،
والآن كامل إدريس يلتقطه البرهان من دون العالمين،
ثم يجعله يصنع حرب جبريل،
وحرب جبريل تصنع الانشقاق في صفوف الجيش والحركات، و… الآن بالذات يتمدد الأمر.
والقائمة أعلاه ما يجمعها ليس هو: (لماذا يقع هذا؟)
والسؤال هذا خطأ، والسؤال الصواب هو:
لماذا (لا) يقع هذا؟…
صححوا السؤال.

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • جمال شعبان يكشف سبب وفاة المطرب أحمد عامر.. ويحذر من هذا الأمر
  • إسماعيل الشيخ يكتب: رحيل أحمد عامر.. لحظة صدق مع النفس وعِبرة للأحياء
  • نور على نور
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الصورة…. ٢)
  • موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر
  • جلالةُ السُّلطان المعظم يُعزّي أمير دولة الكويت
  • هل الصدقة تكفي للتوبة وتكفير الذنوب.. أمين الفتوى يجيب
  • هل هناك أشخاص لا يصيبهم السحر؟.. علي جمعة: بـ6 أمور تكن واحدا منهم
  • الإفتاء الأردنية: الاستهزاء بالأحكام الشرعية من كبائر المحرمات
  • حكم الاحتفال بذكرى الميلاد بالصيام شكرا لله؟.. الإفتاء تجيب