كيف تبوء الجهود الأممية بالإخفاق داخل قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي حتى الآن؟
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
منذ أكتوبر الماضي، شهد قطاع غزة تصاعدًا في التوتر والعنف، مما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمدنيين وزاد من حاجتهم الماسة إلى المساعدة الإنسانية. رغم الجهود الدولية والأممية المبذولة للتخفيف من معاناة السكان، إلا أن الوضع داخل قطاع غزة لم يشهد تحسنًا يُذكر وظلت الظروف الإنسانية تتدهور بشكل مستمر.
تفشي العنف والتوترات الدائرة في المنطقة، إلى جانب الإجراءات القاسية المفروضة على سكان القطاع النازحين، أدت إلى فشل الجهود الأممية في تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال وفقًا للحاجة الملحة. ورغم التحسن المحدود في التنسيق بين الجهات المعنية، فإن تأخير ورفض تسليم المساعدات واجهتها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة عند نقاط التفتيش، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في القطاع.
تسعى الفجر في هذا التقرير نحو استكشاف جانبًا من فشل الجهود الأممية داخل قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي عقب تنفيذ عملية "طُوفان الأقصى" وحتى الآن، ونلقي الضوء على التحديات التي واجهتها المنظمات الإنسانية في تقديم المساعدات وتلبية احتياجات السكان المتزايدة في ظل الظروف القاسية والتوترات المستمرة.
إسرائيل لا تمتثل لقرار مجلس الأمنأكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، اليوم الأربعاء، ضرورة عقد اجتماع عاجل في مجلس الأمن لمناقشة مسألة فرض عقوبات على إسرائيل، وذلك بسبب عدم امتثالها لقرار المجلس الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان.
المطالبة بفرض عقوبات إلزامية على المنتهكينوأكد نيبينزيا خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم أنه يتعين على المجلس النظر في هذه القضية بشكل عاجل ودون تأخير، مشيرًا إلى أن عدم امتثال الدول للقرارات الإلزامية يستدعي فرض عقوبات على المنتهكين.
وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2728، الذي طالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان، لم يتم تنفيذه، مما يجعل الضرورة ملحة لاتخاذ إجراءات تصحيحية تجاه الدولة المعنية.
في وقت سابق، صرح نيبينزيا بأن روسيا تدعو إسرائيل إلى الاقتداء بإيران التي قالت إنها لا تريد المزيد من التصعيد.
قلق روسي إزاء استمرار الأوضاع داخل قطاع غزةكما أعرب نيبينزيا عن قلق روسيا البالغ إزاء استمرار العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة، على الرغم من القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي سابقًا والذي يطالب بوقف إطلاق النار.
وقال خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن "نحن نشعر بقلق بالغ إزاء هذا التجاهل الصارخ من قبل القيادة الإسرائيلية، بتواطؤ من الولايات المتحدة، بشأن قرار ملزم قانونًا للمجلس".
واعتمد مجلس الأمن الدولي، يوم 25 مارس الماضي، القرار رقم 2728، الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، ما يؤدي إلى "وقف دائم ومستدام لإطلاق النار"، وبرفع "جميع العوائق التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع". حسب نص القرار.
يأتي ذلك في وقت تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، في ظل شح كبير في الغذاء والماء والدواء والوقود، وتقلص عدد المستشفيات والمراكز الطبية العاملة، التي تقدم الخدمات للسكان.
جهود أممية تواجه العقباتفي ظل التطورات الأخيرة في قطاع غزة، يبدو أن الجهود الإنسانية للأمم المتحدة تواجه عقبات جسيمة تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة. حيث أشار رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، آندريا دي دومينيكو، إلى أن المساعدات الإنسانية لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى مناطق الحاجة داخل قطاع غزة.
فعلى الرغم من بعض التحسن في التنسيق مع السلطات الإسرائيلية، فإن تأخيرات كبيرة تواجه عمليات توصيل المساعدات عبر نقاط التفتيش، حيث تم رفض نسبة كبيرة من الطلبات المقدمة لتسليم المساعدات خلال الأسبوع الماضي. هذا الواقع يضعنا أمام تحدٍ كبير، حيث يتنقل العمل الإنساني بين خطوة للأمام وخطوتين للخلف، مما يجعل الوصول إلى الأهداف المرجوة أمرًا صعبًا للغاية.
إن العمل الإنساني المخلص يتطلب التعامل مع التحديات التي تعترضه بشكل فعّال، ولكن مع كل فرصة جديدة تأتي، يظهر تحدي جديد يجب التعامل معه. وهذا يجعل الرحلة نحو تحقيق الأهداف أكثر تعقيدًا وصعوبة.
في النهاية، يظل التزام الأمم المتحدة بتقديم المساعدة الإنسانية إلى سكان قطاع غزة ثابتًا، وعلى الرغم من الصعوبات التي قد تعترض الجهود، فإن السعي لتوفير الدعم والمساعدة للمحتاجين يبقى ركيزة أساسية من ركائز العمل الإنساني العالمي.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: غزة لأمم المتحدة مجلس الأمن اسرائيل فشل قطاع غزة مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا المساعدة الإنسانية الأمم المتحدة داخل قطاع غزة فی قطاع غزة مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟
بينما تتوالى مشاهد إسقاط المساعدات جوا فوق قطاع غزة، تتسع الفجوة بين ما يُروّج له دبلوماسيّا على أنه جهود إنسانية وبين واقع الغزيين المحاصر بالموت والجوع.
تلك المفارقة بين المشهد التلفزيوني وصورة الأطفال الذين ينهارون جوعا تختصر ملامح مقاربة إسرائيلية باتت تستخدم فيها "الدبلوماسية الإنسانية" كأداة سياسية لتخفيف الضغط الدولي من دون أي نية حقيقية لإنهاء الكارثة.
فالحكومة الإسرائيلية -وفق تحليل الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"- لا تسعى فعليا إلى تخفيف معاناة الغزيين، بقدر ما توظف "بروباغندا" الإسقاطات الجوية لتنفيس الغضب الدولي والشعبي ضدها، لا سيما مع تفاقم الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
هذه المسرحيات الإنسانية، التي تُنفّذ على مرأى العالم، لا تمثّل سوى "قطرة في بحر" الاحتياجات الأساسية لقطاع يتضور جوعا، ويحتاج إلى مئات الشاحنات يوميا وليس حفنات من المساعدات المتساقطة في مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال.
المقاربة الإسرائيلية لا تُقاس هنا بحجم المساعدات بل بغاياتها السياسية، فبدلا من فتح المعابر البرية وتمكين الأمم المتحدة من توزيع المساعدات بفعالية، تلجأ تل أبيب إلى منهج التفاف إنساني يمنحها مظلّة لمواصلة حربها، ويمنع عنها مزيدا من العزلة الدولية.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى أن إسرائيل وجدت في هذه الخطوة وسيلة لتقديم "صورة مقابل صورة"، مقابل صور المجاعة التي حرّكت الضمير العالمي، خصوصا مع بروز مؤشرات على تململ حتى داخل إسرائيل.
وما يبدو ظاهريا مبادرة إنقاذية، يخفي -وفق تحليل الشوبكي- رسالة تفاوضية مزدوجة: مفادها أن إسرائيل ما زالت تمسك بزمام اللعبة، وأنها مستعدة للحديث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقط في سياق صفقات الأسرى، وليس لإدارة شؤون غزة أو رفع الحصار.
أدوات تكتيكية
بهذا المعنى تتحول المساعدات إلى أدوات تكتيكية في يد تل أبيب، تُستخدَم حين تشتد الضغوط، وتُسحب حين تنتفي الحاجة إليها.
إعلانولا تقف الازدواجية عند إسرائيل، بل تشمل أيضا الموقف الأميركي، الذي يتجلى في تصريحات الرئيس دونالد ترامب، إذ يعرب عن "قلقه" من المجاعة في قطاع غزة، ثم لا يتخذ أي خطوات ملموسة لتسهيل تدفق المساعدات.
ويذهب السفير الأميركي السابق بيتر غالبريث إلى أن الولايات المتحدة -بقيادة ترامب- تتصرف أحيانا بلا انتظام أو معنى، فتارة تشكك في وجود مجاعة، وتارة تطالب بإنهائها، بينما الواقع على الأرض يؤكد استمرار الحصار والتجويع بلا هوادة.
غالبريث اعتبر أن إسقاط المساعدات من الجو وسيلة غير فعالة، بل عبثية، خاصة إذا قورنت بوفرة المساعدات المخزنة خلف المعابر المغلقة، ويحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تعقيد الوضع الإنساني لرفضها التعاون مع الأمم المتحدة وحرمان مسؤوليها من دخول القطاع.
كما أشار إلى أن الإصرار الأميركي على إبقاء ملف المساعدات خارج أيدي الأمم المتحدة يعكس تحالفا ضمنيا مع إسرائيل في إدارة التجويع كوسيلة ضغط سياسي.
وعلى وقع هذه الممارسات، تتنامى مؤشرات التغير في الرأي العام الغربي، فكما يلفت الشوبكي، باتت الصور الآتية من غزة تصنع رأيا عاما مستقرا، لا مجرد موجات غضب مؤقتة، وهو ما قد يؤثر على تشكيل نخب سياسية مستقبلية في دول غربية طالما وقفت خلف إسرائيل.
لكن هذا التحول -رغم أهميته- يفتقر حتى الآن إلى التأطير الفلسطيني والعربي الذي يترجمه إلى ضغط منظم وفعّال على مراكز القرار الدولية.
تعمق الانقسام الداخلي
وبدأت التقارير الأممية والحقوقية بدورها تكسر جدار الصمت داخل إسرائيل، فمنظمة "بتسيلم" ذاتها وصفت ما يجري بأنه إبادة جماعية، في سابقة بالغة الدلالة على عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بشأن أخلاقيات الحرب.
واعتبر غالبريث أن هذا الموقف من داخل إسرائيل يعكس تصدعا في رواية تل أبيب الرسمية، ويضيف ثقلا أخلاقيا لحملة الاتهامات الدولية الموجهة لها.
ورغم كل هذا الزخم، فلا تزال العدالة الدولية في موقع المتفرج، فمحكمة الجنايات الدولية، ورغم إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، فلم تتمكن من المضي قدما في تنفيذها.
ويعزو الحيلة هذا العجز إلى المظلة الأميركية التي تمنح نتنياهو الحصانة السياسية، بل وتدفع الكونغرس إلى تقنين العقوبات ضد القضاة أنفسهم، وهذا السلوك، وفق المحلل ذاته، يفضح مدى انحراف واشنطن عن مبادئ العدالة، ويجعل من إسرائيل "دولة فوق القانون" قادرة على ارتكاب الجرائم من دون محاسبة.
وفي حين تبدو الدعوات إلى محاسبة إسرائيل مجرد تكرار لمواقف إعلامية مألوفة، يعكس حديث غالبريث شيئا من الأمل، مستشهدا بتجربة يوغوسلافيا السابقة، إذ تمكنت العدالة الدولية من ملاحقة مجرمي الحرب رغم التشكيك الواسع حينها، لكنه يقر بأن الطريق طويل، وأن النيات وحدها لا تصنع العدالة.
كل ذلك يعيد طرح سؤال أساسي: هل المساعدات فعلا إنقاذ للمدنيين أم غطاء لإطالة أمد المجزرة؟ وتتضح الإجابة مع استمرار القتل اليومي في غزة، فكما يرى الشوبكي، فإن النخب الإسرائيلية الحاكمة لا تكترث لصورتها، بل تؤمن أن "أهداف الحرب" تبرر كل الوسائل، بما في ذلك إدارة المجاعة بحنكة سياسية.
إعلانوعليه، فإن "الدبلوماسية الإنسانية" لم تعد تعبيرا عن التزام أخلاقي أو قانوني، بل باتت أداة ناعمة في خدمة أجندة عسكرية تواصل سحق قطاع بأكمله، وفق ما خلص إليه محللون في حديثهم للجزيرة.