زكريا الحسني

 

 

يقول تعالى: "إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم: 7)

‎وقوله: وإذ تأذن ربكم، أي: آذنكم وأعلمكم بوعده لكم ويحتمل أن يكون المعنى: وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه كما قال: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ" (الأعراف: 167)، ‎وقوله "لئن شكرتم لأزيدنكم" أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها ولئن كفرتم أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها.

وقد جاء في الحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيب.

والمقصود "لئن شكرتم لأزيدنكم" من نعمي، "ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم. والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى . وكفر النعمة ضد ذلك.

والشكر من أعظم العبادات والتي تعبر عن الامتنان تجاه خالقنا والتي نجسدها على هيئة عبادة وطقوس دينية وما أعظمها من عبادة حينما نستحضر قول الله تعال لأن شكرتم لأزيدنكم وحتى اتجاه كل من نرى منه إحسانا سوى كان لفظًا أو فعلًا وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

شكرًا ليست كلمة محصورة بمعنى واحد فهي تتعدى ذلك بكثير بل هي جيش جرار من المعاني العظيمة والمتجلية بالمثل العليا.

شكرًا لأنك الله، شكرًا لأنك أوجدتنا، شكرًا لأنك فهمتنا وعلمتنا، شكرًا يا أيها الإله العظيم، شكرًا بعدد حبات الرمال وبعدد سائر الأنفاس.

سألني أحدهم إلى أي مستوى بلغت من الشكر فقلت حتى على الألام أشكر الله فلولاها لم أبصر بعين الحقيقة ولم استيقظ من غفلتي وأرى الأمور على حقيقتها، فلولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى، فشكرًا يا الله على كل شيء منحتنا ووهبتنا إياه.

ومن المفاهيم الخاطئة فهمنا عن الشكر؛ فقبل فترة من الزمن كتبت منشورًا في أحد مواقع التواصل الاجتماعي والذي جاء بالمعنى الآتي: أن الإنسان يشكر الناس على إحسانهم وتعاونهم، فرد عليّ أحدهم معلقًا بأن الشكر لله وما دونه لا يستحق الشكر، فرددت عليه "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"؛ فالناس هم مخلوقات الله وهم جند من جنود الله يسيرهم كما يشاء، فلذلك ينبغي أن نشكره والشكر يعلمنا ويهذبنا ويحببنا للآخرين فضلًا عن أنفسنا نعيش حالة من الوئام والاطمئنان.

إن فلسفة الشكر عظيمة جدًا ولها أبعادها الجمالية والعرفانية، والتي لا تعد ولا تحصى؛ فعيشوا هذه المعاني واستشعروها في ذواتكم؛ لتتجلى في سائر حياتكم بالفن والذوق وسائر ما يطلق عليه جمال، والله هو الجمال المطلق.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية الآية الأولى من سورة (المنافقون): “إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”.
المنافقون هم تلك الفئة التي تتظاهر بالإيمان والتقوى والاخلاص للأمة، فيما هي حقيقة معادية لها، تظهر الإيمان وعلامات التدين تقية، فيما هي غير مؤمنة وتتمنى أن يعود الآخرون عن إيمانهم.
هؤلاء موجودون حصرا وتحديدا في الأمة الاسلامية التي تتبع منهج الله، ولا يوجدون في الأمم الأخرى، لأن مناهج أولئك زائغة أصلا عن منهج الله ولا يتبعونه، فلا حاجة لصدهم عنه.
سورة (المنافقون) هي من السور الكاشفة، فهي تكشف حقيقة هذه الفئة الخطيرة المحسوبة على المسلمين، وخطورتها أنهم يتخفون بصورة المؤمنين، فيما هم يضمرون العداوة لهم، وقلوبهم تقطر حقدا عليهم، لذلك فهم خطرون على المجتمع المسلم، لأنهم يبذلون قصارى جهدهم في الصد عن منهج الله وفي تخذيل المسلمين عن نصرة دينهم.
لذلك حذر تعالى في الآية الرابعة من خطورتهم لدرجة أنه اعتبرهم العدو الحقيقي للأمة: “هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ”.
صحيح أن مناسبة نزول هذه الآية كانت في منافقي المدينة، لكنها ككل السور القرآنية تعالج كل حالات النفاق لقادم الزمان، بدليل ورود أداة الشرط (إذا)، التي تفيد حتمية وقوع الأمر لكن من غير تحديد أوانه، ومع إمكانية تكراره مع توفر الفعل.
في هذه الآية جاء الله تعالى بفعل الشرط لكنه أغفل جوابه، فلم يكمل بالقول: اذا جاءك المنافقون فقل لهم كذا أو افعل بهم كذا، بل تركه مفتوحا، مما يدل على أن المراد هو أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتنبه فلا ينخدع بقولهم المعسول.
لكن لو كانت لمعالجة حالة ظرفية حدثت وانتهت، لكان اعلام رسول الله بالوحي كافيا لتنبيهه.
لذلك فلا شك أنه تعالى أنزل هذه السورة لتبقى تنبيها لكل الأمة عبر العصور، لأنه أنزل هذا القرآن منهاجا يتبعوه، ودليلا يهديهم.
لكن كيف نعرف المنافقين في هذا العصر؟.
لقد عرّفهم الله تعالى لنا بمواصفاتهم التالية:
1 – الكذب، فهم يقولون عكس ما يفعلون “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”، يدّعون انهم يحبون الاسلام ويريدون تخليصه ممن يستغلونه لأغراضهم، لكنهم في كل أفعالهم يصدون عنه، ويتحالفون مع من يعاديه، ويحاربون الدعاة لاتباعه منهجا يحتكم اليه.
2 – “ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ”، يقسمون أنهم مسلمون، متبعون لمنهج رسول الله، لكنهم فعليا متبعون لمنهج أعداء الله، ويطبقونه في منهج الحكم ويلتزمون بتعليماتهم ومقرراتهم المناقضة للشريعة.
3 – “وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ” فهم يخدعون الناس بمظهرهم المهيب، تحسبه وقار الحكمة والعقلانية، لكنه رداء خادع لمواطنيهم حتى ينالوا احترامهم، اذ هم فعليا أمام أعداء الله أذلاء منبطحون، ينفذون املاءاتهم بلا نقاش، وفي لقاءاتهم مع قيادات من يعلنون بكل صراحة عداءهم للمسلمين، لا يجرؤون على طرح أية فكرة لا ترضيهم، ومثال على ذلك قول “كارتر”: (في كل لقاءاتي مع الزعماء العرب، لم أسمع من أحد منهم أي حديث عن القدس، مع أنهم أمام شعوبهم يكثرون الحديث عنها).
4 – “وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ”، خطاباتهم رنانة، وأقوالهم إنشائية مبهرة للسامعين، لكنها ليست صادرة عن وجدانهم ولا هي نتاج عواطفهم ومشاعرهم، فكأنما هم أجهزة صماء لا علاقة لها بما تبثه وتصدره من أقوال.
5 – أما المواصفة الأبرز من بين كل صفاتهم، فهي الجبن: “يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ”، فتراهم يعيشون في حالة رعب دائم من احتمالية اغتيالهم أو الانقلاب على حكمهم، فلا يبيتون في مكان واحد ليلتين، ويغيروا على الدوام طرق مرورهم، ولا يمرون من طريق إلا بعد أن تقوم حراساتهم الخاصة بتمشيطه، ويتألف الموكب من عدة سيارات متشابهة للتمويه على أيها يكون فيه.
كما أنهم يرتعدون فرقا من العدو، فتراهم لا يبادرون بهجوم عليه، وإن كان الهجوم من قبله يأمرون بانسحاب قواتهم من قبل أن تبدأ المعركة، بذرائع واهية، كالقول بفقدان الغطاء الجوي، أو أن أمريكا تدعم العدو ونحن لسنا بقدرة مواجهتها.
هذه هي مواصفات المنافقين المعاصرة، قد أنبأنا الله بها في كتابه..فهل لنا حجة في التعامي عنها!؟.

مقالات ذات صلة مبتدأ وخبر 2025/05/07

مقالات مشابهة

  • الفرق بين الحمد والشكر.. تعرف عليه
  • الدكتورة إيناس العيسى ترفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينها نائبًا لوزير التعليم
  • وحي من الوحي
  • العبادة والقيادة
  • الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لـ جازان
  • الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان
  • عبد الله زار قائد الجيش
  • تأملات قرآنية
  • دعاء يوم عرفة 2025
  • كرايكتير عمر دفع الله