بالنظر إلى التصريحات المتناقضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث كثيراً ما يعلن شيئاً، ثم يتراجع عنه أو حتى يعلن نقيضه في نفس اليوم، اعتبره الكثير من المتابعين شخصية متقلبة، ولعل هذا الوصف ينطبق كثيراً على علاقته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وبالنظر أيضاً إلى كون نتنياهو شخصية مخادعة، لا يأمن من يتعامل معه جانبه أبداً، ولعل خير دليل على ما نذهب إليه، هو أنه بعد ما كان بين الرجلين من انسجام طوال فترة ولاية ترامب الأولى ما بين عامي 2016 - 2020، انقلب الأمر إلى نقيضه، حين خسر ترامب انتخابات الإعادة أمام جو بايدن، وبعد قيام نتنياهو بتهنئة بايدن على فوزه، قبل أن يقر ترامب بهزيمته أمام منافسه، وهكذا ظل ترامب يكن البغضاء لنتنياهو أربع سنوات، إلى أن عاد مجدداً للبيت الأبيض.
إزاء تلك العودة، لم يجد نتنياهو بداً من التودد لسيد البيت الأبيض، فأرسل له صديقه المقرب رون ديرمر، والغريب أن ترامب ما أن دخل البيت الأبيض حتى نسي امتعاضه من نتنياهو لدرجة أنه كان أول من استقبله في البيت الأبيض، بل وفاجأه بهدية سياسية، حين أعلن عن نيته تهجير سكان قطاع غزة، وتحويلها إلى «ريفيرا شرق أوسط»، وتقلب ترامب لا يعني أنه رجل ساذج، رغم أن إعلاناته السياسية عادة ما تخرج كتغريدات عبر «تروث سوشيال» الموقع الذي أطلقه بعدما قام موقع انستغرام بحظره العام 2020، والمهم أن ترامب بعد أن تناسى بغضه لنتنياهو، لم يعد يقدم له الهدايا مجاناً، فهو في هذه الولاية.
ومع شعار «أميركا أولاً» الذي يجمع الجمهوريين كافة، يتبع سياسة يرى فيها المصلحة الأميركية أولاً، والتي لا تتناقض مع العلاقة الاستراتيجية بإسرائيل، لكنها لا تتطابق بالضرورة مع رغبات أو سياسات نتنياهو، خاصة أن نتنياهو واقع تحت تأثير الخوف من المساءلة القضائية، بما يجعله يتشبث بالحكم، وهذا التشبث بالحكم يضعه تحت رحمة اليمين المتطرف بزعامة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن بال أحد، هي أن ترامب في ولايته الثانية، شأنه شأن كل الرؤساء الأميركيين، يكون أقل تأثراً بمواقف الناخبين واستطلاعات الرأي العام، وذلك لأن الدستور لا يسمح له بالترشح لولاية ثالثة، وحتى نائبه في الغالب يدرك أن فرصته أضعف من أن يبقى في البيت الأبيض رئيساً بعد أن كان نائباً للرئيس، وذلك انسجاماً مع تداول السلطة الذي تسير عليه الولايات المتحدة منذ عقود خلت.
كذلك لا بد من النظر إلى ما فعله ترامب خلال ستة شهور مضت حتى الآن على عودته للبيت الأبيض، فإذا كان قد فاجأ نتنياهو مفاجأة سارة في لقائهما الأول بإعلانه حول غزة، إلا أنه صدمه في لقائهما التالي، بإعلانه الشروع في التفاوض مع إيران بهدف التوصل لاتفاق حول برنامجها النووي، ثم بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار المتبادل مع الحوثي اليمني، دون أن يشمل ذلك الاتفاق إسرائيل.
ثم كانت مواقف ترامب التي وضعت كل التطرف الإسرائيلي في جيبه الخلفية، ونقصد كلاً من بن غفير وسموتريتش ونتنياهو بالطبع، وذلك حين منحهم الضوء الأخضر لضرب المنشآت النووية الإيرانية، بل وأشاد بها بعد تنفيذها مباشرة، ثم بتوجيه ضربته الخاصة والخاطفة، والتي اعتبر بها بأنه قد تم طي تلك الصفحة، وأنه يجب إغلاق ملف الحروب في الشرق الأوسط، تمهيداً للدخول في مسار عقد الصفقات السياسية، وما تخلل كل ذلك من مكالمات كان بعضها متوتراً بينه وبين نتنياهو، بما يكشف تفاصيل التطابق والاختلاف بين الرجلين.
بتوجيه الضربات الإسرائيلية لمفاعلات إيران، ذلك ما لم يسمح به جو بايدن، وسمح به ترامب، بل وشارك فيه، يعتبر ترامب أن آخر فصول الحرب التي يخوضها اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ عامين بغرض تغيير وجه الشرق الأوسط قد انتهت، وأنه بات على بعد أيام من «جمع حصاد» تلك الحرب، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق خطة «أبراهام» بالمعنى الاستراتيجي، الذي لا يمكن أن يخضع أو يتطابق تماماً، مع حسابات نتنياهو، خاصة وهو في أسوأ حال شخصي، بخضوعه للاستجواب القضائي، وبما يجعله أسيراً لائتلاف يتحكم فيه بن غفير وسموتريتش.
لأجل هذا كان إعلان ترامب في «تروث سوشيال» عن ضرورة منح نتنياهو العفو القضائي، وهو هنا لا يهمه شخص نتنياهو، بقدر ما يهمه نتنياهو كرئيس حكومة بيده قرار إسرائيل الخاص بالحرب والسلم، يقول ذلك وهو يعتقد أن إخراج نتنياهو من قبضة القضاء، يحرره من أسر الوزيرين الفاشيين، وبالتالي يدخله في مساره السياسي، وهو مسار عقد الصفقات التجارية، والذي باتت أوساط المتابعين تتحدث عنه، وبما يشمل وقف الحرب على غزة، باعتبارها باتت الفصل الأخير لحرب السنتين، بعد أن كانت الفصل الأول، وصارت الآن الفصل الوحيد، تقريباً.
من الواضح أن العلاقة الاستراتيجية بين إسرائيل وأميركا وبصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض قد شهدت شداً وجذباً، ولكن لم ينقطع خيط تلك العلاقة أبداً، ويمكن توضيح ذلك بمقارنة علاقة إسرائيل بأوروبا وأستراليا وكندا، التي ميزت بين علاقاتها بإسرائيل الدولة الديمقراطية، التي يصفها الفاشيون الإسرائيليون بالدولة العميقة، وبين حكومة الإبادة الجماعية الحالية، والشد والجذب بين الطرفين، كان يظهر إسرائيل ونتنياهو وكأنهما هما من يقبض على مقود تلك العلاقة، فيما كان يظهر أحياناً بمستوى أقل بأن أميركا بجو بايدن أو بترامب هي من تقبض على مقود العلاقة.
لكن يبقى أن هناك هامشاً واسعاً جداً من تطابق المصالح بين الدولتين، بصرف النظر عما تنطوي عليه رؤوس المتطرفين من أمثال سموتريتش من طموحات وحتى أوهام تعتبر إسرائيل قوة عالمية، لا تحتاج حتى لدفع ثمن سياسي مقابل التطبيع مع السعودية، وهذا التطابق يمكن النظر له عبر ما يمكن أن يكون عليه الشرق الأوسط في اليوم التالي لوقف الحرب على غزة.
خلال الأشهر الماضية، كان المعنيون من وسطاء وغيرهم منخرطين في البحث عن اليوم التالي لوقف تلك الحرب، وإن كانت حماس ستخرج من المشهد، ومن يدير القطاع، وما إلى ذلك من تفاصيل، لكن بعد ضرب إيران، وإصرار ترامب على أن الضربة قد حققت تدمير مشروع إيران النووي، بما يعني إغلاق ملف الحرب، والتوجه فوراً إلى طاولة التفاوض التي تتسع لأكثر من عشر دول شرق أوسطية، وعين ترامب على التنافس مع الصين.
وقد حقق أهم منجز وهو الحصول على 5،1 تريليون دولار استثمارات خليجية في أميركا، ثم ها هو يحاول، بإصراره على التفاوض مع إيران، لتحقيق هدف آخر، غير تبديد مخاوف إسرائيل من خطر السلاح النووي، وهو ضم إيران نفسها لهذا الإطار السياسي/الاقتصادي، بمطالبته الجديدة لإيران بالخضوع لما يسميه النظام العالمي، لأنه يسعى إلى قطع الطريق بين الصين وأوروبا، أي طريق الحرير الجديد، وإيران بتوسطها الجغرافي بين الصين وأوروبا تعتبر مهمة للغاية.
إسرائيل بحكومتها، تلعب مع ترامب لعبة «القط والفأر»،
يدرك ترامب وتدرك أميركا أن زعامتها للنظام العالمي كانت قبل أن تحقق الصين انطلاقتها الاقتصادية، وأن بقاء تلك الزعامة مرهون بذلك التحدي، أما إسرائيل فدون إخراج بن غفير ستبقى عقبة في طريق هذا المشروع الأميركي، وبهذا فإن نتنياهو سيجد نفسه قريباً جداً بين ترامب من جهة وبن غفير وسموتريتش من جهة ثانية، ولعل إصرار إسرائيل على ملاحقة حزب الله في لبنان، وفي استمرار اختراق الأرض والسيادة السورية، دليل على محاولة الائتلاف الحاكم التشبث ببقاء اللحظة الحالية على حالها دونما نهاية، بل أكثر من ذلك وفي الوقت الذي بدأ فيه سموتريتش بوضع العصي في دواليب مخطط الشرق الأوسط الأميركي الجديد وليس الإسرائيلي، بالحديث عن عدم حاجة إسرائيل للتطبيع مع السعودية، خاصة مع دفع ثمن ذلك بدولة فلسطينية، ها هي إسرائيل تعلن شرطاً للتطبيع مع سورية، التي قد يعتبر التطبيع معها تمهيداً للدخول السعودي للمسار، وهو أن توافق مسبقاً على ضم إسرائيل للجولان المحتل ؟!
طبعاً هذا شرط يمكنه أن يتسبب في سقوط النظام السوري الحالي، بل وإطلاق حرب داخلية ضده، لكن إسرائيل بحكومتها، تلعب مع ترامب لعبة «القط والفأر»، ذلك أن ترامب سبق له وأن وافق في ولايته السابقة على قرار الضم الإسرائيلي للجولان، ولهذا من الصعب عليه أن يعترض على الشرط الإسرائيلي، كل ذلك يرسم صورة لما يمكن وصفه باليوم التالي لوقف الحرب، وهو بات لا يقتصر فقط على إدارة غزة، أما ترامب فإنه يفرض ما يريده على نتنياهو بما يعلنه من قبله دون أن يتفق معه عليه، وهو قد يعلن وقف الحرب على غزة كما أعلن وقف إطلاق النار مع إيران!
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب نتنياهو غزة غزة نتنياهو الهدنة ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة رياضة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البیت الأبیض الشرق الأوسط وقف الحرب أن ترامب بن غفیر
إقرأ أيضاً:
صحف عالمية: ترامب يريد إنهاء حرب غزة ويتجنب الضغط على نتنياهو
سلطت صحف ومواقع عالمية الضوء على حالة الانقسام في الجيش الإسرائيلي بسبب الحرب على قطاع غزة، وتحدثت عن الشكوك التي تثار حول مدى جدية الإدارة الأميركية في وقف هذه الحرب، بالإضافة إلى تداعيات الهجوم الإسرائيلي والأميركي على إيران.
وتناولت "التايمز" موضوع الانقسام الحاصل في صفوف منتسبي الجيش الإسرائيلي حول حرب غزة، واعتبرت أن المزاج في أوساط العسكريين وعائلاتهم تغيّر كثيرا مقارنة بالأيام الأولى للحرب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أغرب شروط للتأشيرة تفرضها بعض دول العالمlist 2 of 2لوموند: بعد سيندور الهند تجد نفسها معزولة على الساحة الدوليةend of listوتقول الصحيفة البريطانية إنه "في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023) تطوع الآلاف للقتال لكن بعد شهور طويلة من التقتيل وتحوّل العملية العسكرية إلى حرب استنزاف، تسرّبت الشكوك إلى النفوس وبدأ جنود الاحتياط يرفضون أوامر الالتحاق بالخدمة".
وفي صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قال أمير تيبون إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد إنهاء الحرب في غزة، لكنه في الوقت ذاته يتجنب الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المطلوب لـالمحكمة الجنائية الدولية) بل يدعمه في قضايا الفساد التي تطارده.
ويتابع الكاتب "يبرر ترامب ذلك بالحاجة لعدم عرقلة جهود الإفراج عن المحتجزين في غزة، غير أن هذا التوجه يثير تساؤلات حول جدية المساعي الأميركية لإنهاء الحرب، ويعكس تناقضا بين النيات والواقع".
تبعاتومن جهة أخرى، تناولت "وول ستريت جورنال" الجدل في الأوساط الأمنية الإسرائيلية والغربية حول تبعات قتل إسرائيل كبار العلماء النوويين الإيرانيين على طموحات طهران.
ونسبت الصحيفة الأميركية لباحثين وخبراء زعمهم أن إيران فقدت فعلا زبدة علمائها والماسكين بمفاتيح برنامجها النووي، لكن آخرين يرون أن طهران طوّرت نظاما يحمي مشروعها النووي حتى لو قُتل العلماء. وأشارت إلى وجود جيل جديد من العلماء يخفف من وقع ما حدث.
ومن جهة أخرى، ذكر موقع "ذا إنترسبت" أن مسؤولية الحرب الإسرائيلية والغارات الأميركية على إيران "تبدو للوهلة الأولى على عاتق نتنياهو والرئيس ترامب". غير أن "اللوم الحقيقي يجب أن يُوجَّه لإدارة الرئيس السابق جو بايدن التي رفضت العودة إلى اتفاق عام 2015".
إعلانويتابع الموقع الأميركي أن "الاكتفاء بلوم ترامب من شأنه أن يُبرِّئ بايدن الذي أهدر فرصة لتفادي الكابوس الذي عاشته المنطقة".
وفي موضوع السودان، نشرت "واشنطن بوست" الأميركية تحقيقا من قرية وسط السودان ينقل تحذيرات أطباء وعاملين بمجال الإغاثة الإنسانية من أن السودانيين، وخصوصا الأطفال، يموتون بكثرة جراء الحرب الأهلية والمجاعة وغياب الرعاية الصحية.
وذكر المتحدثون بالخصوص قرار واشنطن قطع المساعدات الدولية، وقالت الصحيفة إن القرار كان له تأثير عميق في كل العالم، لكن وقعه في السودان كان مميتا جدا.