د. منال إمام تكتب: المرأة المصرية.. حارسة القيم ومصدر التوازن الأسري في زمن التحولات
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
تُمثّل الأسرة البنية التحتية الأخلاقية والوجدانية لأي مجتمع، فهي المدرسة الأولى التي يُبنى فيها الوعي، وتتكوَّن فيها الشخصية، وتتبلور فيها القيم والسلوكيات. في حضنها يتعلم الإنسان معنى الانتماء، ويكتسب أدوات التفاعل مع ذاته ومحيطه، ولهذا كان الحفاظ على تماسك الأسرة مرادفًا لصيانة استقرار المجتمع وتنميته.
وفي قلب هذه المنظومة، تقف المرأة المصرية شامخة بدورها المتجذر، لا كمجرد عنصر داخل الأسرة، بل كروح تنبض فيها الحياة، وعقل يرشدها، وضمير يقيها من الانهيار أمام العواصف الاجتماعية والثقافية.
منذ فجر الحضارات، أثبتت المرأة المصرية مكانتها الرفيعة. ففي مصر الفرعونية، لم تكن المرأة مجرد تابع، بل شريكة في الحكم والتعليم والتدبير، تُقدّر كأم وملهمة وزوجة ومعلمة. وعبر العصور الإسلامية، ازدادت مكانتها رسوخًا، فكانت نموذجًا للحكمة والصبر والتضحية، ومصدرًا لتربية الأجيال على الفضيلة والانتماء.
ومع تطوّر الزمن ودخول المجتمع المصري في معترك القرن الحادي والعشرين، بدأت الأسرة تواجه تحديات عميقة تمس جوهر القيم التي نشأت عليها، وكان للمرأة النصيب الأوفر من المواجهة والعبء.
عولمة القيم وتحدي الازدواجية
أدخلت العولمة أنماطًا ثقافية مستوردة قد لا تنسجم دائمًا مع الروح الأصيلة للأسرة المصرية. فتولد صراع صامت داخل الأبناء بين ما يُغرس فيهم داخل البيت من مبادئ، وما يواجهونه خارجه من مفاهيم مغايرة، مما خلق ازدواجية تربوية تهدد بتآكل القيم.
وسائل التواصل الاجتماعي: الاتصال الذي فرّق
رغم أن هذه الوسائل قرّبت المسافات، إلا أنها في كثير من الأحيان باعدت بين القلوب داخل الأسرة الواحدة. فقد أفرزت أنماطًا من العزلة الرقمية، وأعادت تشكيل العلاقات داخل البيت، ودفعت القيم الفردانية والاستهلاكية إلى الواجهة، على حساب التضامن الأسري والانتماء الجمعي.
التحديات الاقتصادية: عبء مزدوج على كاهل المرأة
أمام تزايد الضغوط الاقتصادية، اضطرت ملايين النساء إلى خوض سوق العمل، دون أن يُخفف عنهن عبء رعاية الأسرة. فوقعن في مأزق التوفيق بين العمل والبيت، وبين الذات والواجب، وهو ما أسهم أحيانًا في اهتزاز المنظومة الأسرية وارتفاع معدلات الطلاق، وتبدّل بعض المفاهيم المرتبطة بالزواج والأسرة.
المرأة المصرية... خط الدفاع الأخير عن القيم
وبرغم كل هذه التحديات، ورغم تعدد الأدوار لم تتخلَّ المرأة المصرية عن دورها. بل واجهت التغيرات بوعي متنامٍ، مستندة إلى إرث ثقافي عريق وتجربة تاريخية فريدة، متمسكة بجوهر هويتها الدينية والوطنية. فقد أثبتت أنها ليست مجرد متلقٍ للتغيرات، بل فاعل رئيسي قادر على تهذيبها وتكييفها بما يخدم استقرار الأسرة واستمرار نهضة المجتمع.
ولذا، فإن دعم المرأة المصرية وتمكينها ليس ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة وطنية. فتمكينها ثقافيًا واقتصاديًا هو تمكين للأسرة ذاتها، وللمجتمع بأسره. إنها الحارسة التي تحفظ التوازن بين الأصالة والتجديد، بين الروح والقانون، بين القلب والعقل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأسرة المرأة المصرية المرأة المصریة
إقرأ أيضاً:
المرأة العربية تعقد ورشة عمل إقليمية لمناقشة تطوير قوانين الأسرة
انطلقت صباح اليوم الجمعة الموافق 12 ديسمبر 2025 من العاصمة المغربية الرباط ورشة العمل الإقليمية حول: "تطوير قوانين الأسرة من منظور المساواة بين الجنسين في العالم العربي".
والتي تعقدها منظمة المرأة العربية بالتعاون مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمملكة المغربية وفي إطار الشراكة مع GIZ من خلال برنامج WOMENA .
تتواصل أعمال الورشة على مدار ثلاثة أيام في الفترة 12-14ديسمبر/كانون أول 2025 بمشاركة برلمانيات/ برلمانيين وخبراء/خبيرات قانونيين وقضاة، وممثلين/ممثلات عن مؤسسات حكومية ومدنية من مختلف الدول العربية.
وتوفر الورشة مساحة تفاعلية للنقاش وتبادل الخبرات بين المشاركين/المشاركات حول التجارب الوطنية في إصلاح قوانين الأسرة، وتعزيز القدرات على التحليل التشريعي وإعادة صياغة القوانين والدفاع عنها من منظور المساواة بين الجنسين، وصياغة مقترحات عملية للإصلاح وأجندات وطنية تعكس أولويات وتحديات محلية. كما تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي وتبادل الممارسات الجيدة في الإصلاح التشريعي.
وفي كلمتها الافتتاحية وجهت الدكتورة فاديا كيوان المديرة العامة للمنظمة خالص التحية والتقدير للمملكة المغربية، ولجميع الحضور، وأوضحت أن الورشة تستهدف النقاش وتبادل التجارب والخبرات العربية في مجال التشريعات المراعية للمساواة والعدالة، مؤكدة أن التعاون العربي العربي أمر هام وأساسي، لأن الدول العربية تنطلق من خلفية عربية واسلامية واحدة وتشترك في الثقافة والتاريخ وفي الواقع الاجتماعي الذي يؤثر فيه العديد من العوامل ومنها الحروب والنزاعات المسلحة والأزمات الطبيعية والاقتصادية وغيرها، لافتة إلى أن الإرادة السياسية في الدول العربية لها تاثير كبير على مجريات الأحداث وهنا أكدت أن جلالة الملك محمد السادس له الفضل الأكبر في الخطوات النوعية المتقدمة لصالح قضايا المرأة .
وقالت "نحن اليوم في رحاب المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس وفقه الله والذي يملك رؤية وإرادة لها تأثير كبير علي مجريات الأحداث بالمغرب" . وثمنت سيادتها التجربة المغربية الرائدة المتمثلة في مدونة الأسرة. معربة عن تطلعها لمخرجات الورشة من أفكار وتوصيات وما سيتم الإضاءة عليه من خبرات وتجارب تثري العمل الرامي لتحقيق العدالة والمساواة التشريعية لاسيما في قوانين الأسرة.
من جهتها رحبت / نعيمة ابن يحيى، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمغرب، والتي ألقت كلمتها بالنيابة عنها السيدة/ إنصاف الشراط مديرة المرأة بالوزارة، بكل الحضور من البرلمانيات والبرلمانيين، والخبيرات والخبراء والفاعلات والفاعلين المؤسساتيين والمدنيين من مختلف الدول العربية.
وأكدت أن الورشة تأتي في سياق عربي ودولي يتسم بتحولات عميقة، وبتزايد الحاجة إلى مراجعة التشريعات المرتبطة بالأسرة بما يضمن صون كرامة الإنسان، وترسيخ العدالة، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وأشارت سيادتها إلى أن موضوع الورشة يكتسي أهمية بالغة لأنه يمثل رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي. فالأسرة، باعتبارها الخلية الأولى للمجتمع، تحتاج إلى تشريعات عصرية ومنصفة، قادرة على مواكبة المستجدات المتسارعة، وضامنة لحقوق جميع أفرادها في إطار من المسؤولية المشتركة والاحترام المتبادل.
وذكرت أنه تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وتأييده لقضايا المرأة والأسرة، تم تنفيذ مشاريع إصلاحية كبرى، شكلت تحولا نوعيا في مسار تكريس حقوق المرأة وحماية الطفل وترسيخ مبدأ المساواة والإنصاف، واستهدفت الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول التي تجعل من تمكين المرأة وكرامتها محورا لسياساتها العمومية.
وأوضحت أن هذه الرؤية تجسدت في السياسات الحكومية التي انخرطت في تنزيل برامج متعددة الأبعاد، تنشد التمكين الاقتصادي للمرأة عبر دعم المقاولة النسائية، وتيسير ولوج النساء للتمويل، وتعزيز مشاركتهن في سوق الشغل، وتطوير الكفاءات والمهن الجديدة. كما عملت الحكومة على تقوية منظومة الحماية الاجتماعية، من خلال برامج وطنية واسعة تستهدف تحسين الظروف المعيشية للأسر، وتوسيع التغطية الاجتماعية لتشمل فئات واسعة من النساء والفتيات، بما يضمن لهن الحد الأدنى من الحماية والدعم.
وفي المجال الاجتماعي والحقوقي، تم إطلاق مبادرات نوعية للحد من العنف المبني على النوع الاجتماعي، وتعزيز ولوج النساء إلى العدالة، وتقوية الخدمات الاجتماعية الموجهة للنساء. كما تم تعزيز حضور المرأة في مراكز اتخاذ القرار، وتطوير الآليات المؤسساتية المكلفة بمتابعة قضايا المساواة والنهوض بحقوق المرأة،
ومن جهتها أعربت الدكتورة آنيت فونك مديرة المشاريع بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ، عن اعتزازها بالشراكة مع منظمة المرأة العربية .
وأوضحت أن مشروع (WoMENA)، هو مشروع تنفذه (GIZ) بالشراكة مع منظمة المرأة العربية (AWO) وبتمويل من الوزارة الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية بهدف تعزيز السياسات العادلة والمراعية للمساواة في مجالي السياسة والاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA).
وأشارت إلى أن النساء في المنطقة ما زلن يواجهن تحديات فريدة مثل العنف والقوانين التمييزية، خصوصًا في مجالات قانون الأسرة الذي ينظّم الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال. ويؤثر التمييز ضد النساء في هذه المجالات بشكل كبير على جوانب متعددة من حياتهن، بما في ذلك الوضع القانوني، والفرص الاقتصادية، والأدوار الاجتماعية.
واكدت سيادتها أن الورشة تمثل خطوة مهمة في الجهود الجماعية لتمكين النساء وتعزيز السياسات العادلة والشاملة بين الجنسين في المنطقة.
معربة عن تطلعها للاستماع إلى سائر الرؤى والأفكار التي سيطرحها الحضور من الخبراء والقانونيين من الجنسين.
هذا وتمثل الورشة منصة تفاعلية لتبادل الخبرات بين المشاركين/المشاركات حول قضايا النقاش التي تضم: نظرة عامة على واقع قوانين الأسرة في الدول العربية، وكذا تحليل القوانين وقياس أثرها من منظور المساواة بين الجنسين، وكيفية إعادة صياغة القوانين وفقا لهذا المنظور، واستراتيجيات مناصرة قوانين الأسرة، وكيف تحدث المناصرة فرقا في حياة النساء، والحملات الإعلامية المخصصة لمناصرة القوانين الجديدة، وأدوات البرلمانيين/البرلمانيات من أجل إنجاح عملية التغيير، والخطط الوطنية والتشبيك والتعاون في موضوع الإصلاحات التشريعية. وأخيرا رؤية حول الخطوات القادمة وآليات المتابعة.