هناك هوة عميقة من انعدام الثقة في الحركات والأحزاب الإسلاموية من قبل الشارع المنتفض وقواه السياسية، هوة ظلت تصرفات الإسلاميين تغذيها بإعلام بث الكراهية، وسياسات الأقصاء، والمغامرات الطائشة، والأخطاء الكارثية التي حاقت بالوطن. فهم الحاضنة السياسية لانقلاب الموز، وهم من أطلق الطلقة الأولى في الحرب التي قضت على الأخضر واليابس، وهم سبب وئد أي محاولة لوقفها.
لذا لا غرابة في أن يفقد الإسلاميون مصداقيتهم مهما غيروا جلودهم، وخرجوا في ثوب جديد رافضين ومنتقدين ممارساتهم السابقة، لا يجدوا القبول من القوى السياسية. والسبب في ذلك التمحور الحربائي المتذبذب حسبما تصب مصالحهم الذاتية الآنية، مثال موقفهم من موسى هلال ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، اليوم بطل، وغداً عميل، وخائن، وأجنبي، وبعد غدا بطل وكل من ينتقده خائن وعميل ... والشخص هو نفس الشخص وسلوكه وتصرفاته هي نفسها لم تتغير، اليوم تدخله الجنة وبعد غد تلقي به في الدرك الأسفل من النار.
لا شك أن عدم المبدئية، والأخطاء الكارثية، من تفريط في وحدة تراب الوطن، وصون كرامة الشعب، وبناء المليشيات وتسليحها ... وإدخال ممارسات لم تعرفها السياسة السودانية من قبل مثل التعذيب الوحشي وجرائم الاغتصاب في بيوت الأشباح، والزج بالشباب في أتون المحارق في حروبهم الجهادية الفاشلة، واستشراء الفساد والاستبداد وزعزعة أمن دول الجوار، ورعايتهم للإرهاب العالمي، مما جعل السودان يعيش في عزلة يغرد وحيداً كأفسد وأفشل دول العالم، تلك أسباب كافية لجعل كافة القِوَى السياسية التي قادت الحراك ضد حكمهم في فقدان الثقة فيهم. مما جعل المشهد السياسي السوداني، حدث ولا حرج، في وضع لا يحسد عليه فالقوتان السياسيتان الكبيرتان أصبح المسرح لا يسع كليهما، فلابد لاستمرار أحدهما القضاء على الآخر، ونفيه من الوجود تماما، فالتعايش السلمي ووطن يسع الجميع شعارات براقة لا مكان لها في إعراب الوضع السياسي السوداني الراهن.
المصيبة أن كلتا القوتان، تحالف الحرية والتغيير وتحالف التغيير الجذري في كفة، والإسلاميون في الكفة الأخرى، كليهما حاول وسعى لإقصاء الطرف الآخر، ونفيه، والقضاء عليه بمختلف السبل، وفشل، لكن ماذا يمكن أن يقال فمن لا يقرأ التاريخ محكوم عليه تكراره...
السؤال الملح والصعب هو هل يمكن أن يكون لنا وطن يسع الجميع، هل يمكن للقوى الثورية، التي أطاحت بدولة الفساد والاستبداد أن تقبل مشاركة الإسلامويين في الفترة الانتقالية للخروج من الأزمة الراهنة، ومن ثم استيعابهم ضمن مشروع وطني ديمقراطي يستلهم شعارات الثورة حرية سلام وعدالة؟
لكن قبل نتوجه بالسؤال للقوى الثورية المتشظية، ونطالبها بالرد، هناك عدة أسئلة لابد طرحها على الجماعات الإسلاموية. والإسلاموي لتعريف المصطلح كمفهوم مركب يعنى به الإيديولوجية والإسلام، أي كيان سياسي دنيوي داخل كيان عقائدي ديني مقدس.
قبل طرح أي سؤال، لابد من توضيح مسألة أساسية، وهي أنه لا يمكن أن نضع كل الإسلامويون في سلة واحدة.
ونحن حينما نشير هنا إلى الإسلامويين، نشير إلى الأحزاب السياسية التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين، بمختلف توجهاتها وتنوعها فمنها المتطرف التكفيري ومنا الإصلاحي الوسطي ومنها من يطالب بوقف الحرب ومحاسبة الذين أطلقوا شرارتها.
بالتأكيد هناك تنظيمات، في ذلك التيار الإسلاموي، لا يمكن بأي حال قبول مشاركتها في أي عملية ديمقراطية، لأنها كالمسخ الذي لا يقبل شريك إلا إن كان على شاكلته مثل تنظيم (دولة القانون والتنمية)، الذي يقوده المتشدد محمد علي الجزولي، الذي يمثل امتداداً لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". أو تنظيم المؤتمر الوطني الذي قاد البلاد للتهلكة والعزلة والتقسيم خلال العقود الماضية. وارتبط بالجرائم ضد الإنسانية والتصفيات العرقية. وكذلك جماعة منبر السلام العادل التي أسسها الراحل الطيب مصطفى لعنصريتها البغيضة. هؤلاء، في وجهة نظري، وهي وجهة نظر ربما تصيب أو تخطئ، لابد من التعامل معهم وفقاً لتشريعات حاسمة تحظر نشاطهم إلى الأبد كما فعلت الشقيقة مصر مع كافة التنظيمات الإسلاموية.
التيارات الإسلاموية التي نتوجه لها بحزمة الأسئلة أدناه، تلك التي انتقدت تجربة المؤتمر الوطني مثل "حركة الإصلاح الآن" التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، الذي انشق عن حزب المؤتمر الوطني في العام 2013 وشكل تنظيما منفصلا ينادي بالإصلاح والمحاسبة ويرفض القمع الذي مارسته السلطات ضد محتجين سلميين وقتها ما يحسب له. وكذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي أنشق عن المؤتمر الوطني في المفاصلة الشهيرة، وكان عضوا نشطاً في تحالف قوى الإجماع الوطني، مع الحزب الشيوعي بقيادة نقد، وحزب الأمة بقيادة الصادق.
كما إني أتوجه بذات الأسئلة إلى المفكرين الإسلاميين الذين انتقدوا تجربة الحكم السابق، ولهم إسهاماتهم في تطوير الفكر الفقهي والسياسي.
وإلى حزمة الأسئلة الجوهرية والت تعد الإجابة عليها مسألة ضرورية لإعادة بناء الثقة في لحمة السياسة السودانية.
1. هل يمكنهم (أي الإسلامويين) التماهي والتعايش والقبول بشعارات الثورة (حرية، سلام، وعدالة ... مدنية خيار الشعب).
2. هل يمكنهم أن يقبلوا، وفقاً لمبادئ العدالة والقانون، تفكيك نظامهم السابق، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة الذين ارتكبوا منهم جرائم في حق الشعب السوداني والإنسانية؟
3. هل يمكنهم القبول بتسريح مليشاتهم العسكرية، وتصفية وجودهم السياسي في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة، وإعادة هيكلة الجيش وبناءه على أسس مهنية بعقيدة وطنية تمثل السودان بتنوعه العرقي والجغرافي؟
4. إذا توافقنا في مشروع وطني على نظام الدولة المدنية العلمانية، هل يتقبل فكرهم مبدأ تداول السلطة حسب مفاهيم الحكم البرلماني؟
في الختام أقول للإسلامويين الأسوياء ما قاله سيد الخلق لأهل الكتاب "هلموا إلى كلمة سواء".
عاطف عبدالله
24/04/2024
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی هل یمکن
إقرأ أيضاً:
الأكثر تألقًا على السجادة الحمراء..مجوهرات لا يمكن شراؤها
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أضاءت الماسات المتلألئة والأحجار الكريمة السجادة الحمراء في حفل ميت غالا الذي اختُتم مؤخرًا، ومهرجان كان السينمائي الذي لا يزال مستمرًا حتى تاريخ 24 مايو/آيار، ببريقٍ استثنائي.
تظهر قلادة إيشا أمباني المصمّمة خصيصًا لها كشلال من الماس، حيث قُطع كل حجر منها ورُصع بإتقان.
استُلهمت هذه الجوهرة اللافتة، التي ارتدتها المليارديرة الهندية من تصميم "كارتييه" التاريخي، الذي صُمّم في ثلاثينيات القرن الماضي لمهراجا ديجفيجايسينجي من ناواناجار، وأُعيد إنتاجه لاحقًا لفيلم "أوشنز 8".
وقد ارتدى المغني والممثل الهندي ديلجيت دوسانجي قلادة فخمة، تُذكّر بالقلادة الاحتفالية المرصعة بألف قيراط من الماس، والتي صمّمتها "كارتييه" في عشرينيات القرن الماضي للمهراجا بوبيندر سينغ من باتيالا، والموجود حاليًا في متحف فيكتوريا وألبرت في العاصمة البريطانية لندن.
وعندما خطفت المغنية الأمريكية ليدي غاغا الأضواء في حفل أوسكار 2019 بوضع ماسة "تيفاني" الصفراء الأسطورية بوزن 128.54 قيراط، وهي الماسة ذاتها التي اشتهرت بها الممثلة البريطانية أودري هيبورن خلال جولة الترويج لفيلم "Breakfast at Tiffany’s" عام 1961، بدا الأمر كأنه إطلاق صافرة البداية لعصر جديد.
واعتُبرت ليدي غاغا ثالث شخص فقط يرتدي هذه الماسة التاريخية التي تتجاوز قيمتها 30 مليون دولار.
أصبحت موضة ارتداء القطع الأرشيفية على السجادة الحمراء أكثر بروزًا في حفل ميت غالا 2022، عندما ألهمت قاعدة اللباس التي حملت عنوان "الروعة الذهبية والربطة البيضاء" دار "كارتييه" لتزيين الممثلة البريطانية إيما كورين بأقراط ماسية من ثلاثينيات القرن الماضي، وتثبيت بروش زهرة قديم في شعر الممثلة الأمريكية مود أباتو، وتزيين نجمة "يوتيوب" الأمريكية إيما تشامبرلين بتاج ماس يعود لعام 1911، إلى جانب قلادة "تشوكر" يُعتقد أنها كانت مملوكة سابقًا لمهراجا باتيالا.
مع استمرار الزخم حول الأساليب القديمة والقطع الأرشيفية، بدأت دور المجوهرات الفاخرة بشكل متزايد في شراء إبداعاتها التاريخية من جديد، سواء من المزادات، أو هواة الجمع، أو تجار القطع القديمة، بهدف العمل على ترميمها بعناية فائقة، لتقوم أحيانًا بإعارتها لأبرز المشاهير العالميين من أجل الظهور بها على السجادة الحمراء.
في حفل البافتا في فبراير/شباط الماضي، تألقت المغنية والممثلة البريطانية سينثيا إريفو بمجوهرات زمردية عتيقة من "تيفاني"، في إشارة إلى اللون الأخضر لشخصيتها "إلفابا" في فيلم "Wicked".
أما في حفل الأوسكار بالشهر التالي، فقد استلمت الممثلة الأمريكية مايكي ماديسون أول تمثال ذهبي لها وهي ترتدي قلادة ماسية من "تيفاني" تعود لبداية القرن العشرين، بينما سارت الممثلة البريطانية فيليسيتي جونز، المرشحة عن دورها في فيلم "The Brutalist" على السجادة الحمراء بفستان فضي، زيّنته بطقم فاخر من "بوشرون"، يتضمّن سوارًا على طراز الآرت ديكو من عام 1927.
وقالت منسّقة الأزياء الهولندية نيكي ييتس، التي كانت خلف إطلالة جونز إنّ "استخدام المجوهرات التراثية من الأرشيف جذاب للغاية، ليس فقط لأنها تُعتبر قطعًا استثنائية من وجهة نظر الدار، بل أيضًا لأن الوصول إليها نادر جدًا. هذه الحصرية تساعدنا على صنع لحظة موضة حقيقية"، بحسب ما صرّحت به لـCNN عبر رسالة نصية.
ليست فقط لهواة الأرشفةفي حين تسعى بعض دور المجوهرات إلى حفظ القطع التاريخية وحمايتها، رأت الرئيسة التنفيذية لـ"بوشرون" هيلين بولي دوكين، أن أرشيف الدار لا يجب أن يُوضع في خزانة فقط، بل يجب أن يُقدَّر ويُرتدى في المناسبات، موضحة أنّ الإرث (أي القطع الأرشيفية غير المعروضة للبيع) حيًّا ويتنفس، وليس مجرد معروضات متحفية.
منذ تولّيها المنصب عام 2015، وسّعت بولي دوكين مجموعة "بوشرون" التراثية لتضمّ أكثر من 800 قطعة، حيث يتم اختيار مجموعة منها "دائمًا لتُعرض على منسّقي إطلالات المشاهير قبل المناسبات الكبرى.
وقد أشارت بولي دوكين إلى أن إعارة المجوهرات التراثية للسجادة الحمراء يمنح الدار ميزة تنافسية، لافتة إلى أن "رؤية هذه القطع تُرتدى من قِبل شخصيات عالمية تتمتع بحسّ عالٍ بالأناقة، رجالا كانوا أم نساء، هو وسيلة قوية لإظهار طابعها الخالد".
وأضافت أن "الانبهار الذي تُثيره هذه التصاميم التاريخية يصنع قصصًا ملهمة تتجاوز بكثير حدود الإعلانات التقليدية".
من جهته، قال آخيم بيرغ، وهو المستشار المستقل والشريك السابق في "ماكنزي" الذي كان يقود قسم الموضة والرفاهية، في حديث لـ CNN إنّ السجادة الحمراء تتمتع بتأثير مباشر على المبيعات أيضًا، وهي منصة بارزة تُظهر أن المجوهرات بمثابة استثمار ذكي.
قيمة مضافة للعلامات الحديثةليست فقط العلامات التجارية العريقة التي تعود لقرون مثل "كارتييه"، و"بوشرون"، و"تيفاني" هي التي تستثمر في أرشيفها وتروج له بنشاط، بل تفعل ذلك أيضًا علامات حديثة نسبياً مثل "بوميلاتو"، التي تأسست في عام 1967.
وقال المدير التنفيذي للتسويق والمنتجات في "بوميلاتو" بوريس باربوني: "الأرشيف مهم للعميل النهائي"، مشيرًا إلى أنه "من خلال النظر إلى الماضي، يمكن لعشاق المجوهرات فهم الرؤية الإبداعية للعلامة التجارية والرسائل وراء التصاميم بشكل أفضل وتقدير عمق قيمتها الفنية حقًا."
أمريكافرنسامشاهيرموضةنشر الجمعة، 23 مايو / أيار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.