لن أسامح نفسي أبدا.. أب عراقي يبكي طفلته المُتوفّية خلال عبور المانش
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
قال أب عراقي، توفّت طفلته حديثا: "لم أستطع حمايتها، لن أسامح نفسي أبدا، لكن البحر كان خياري الوحيد"، وذلك عقب أسبوع، قبل الفجر، وعلى نفس الجزء من الساحل الفرنسي جنوب كاليه، حيث بكى على الشاطئ ينوح الأمواج المتراجعة، ويضرب صدره ويشده، مستسلما للحزن والغضب والشعور بالذنب.
وأوضح أحمد الهاشمي (41 عاما) "كان ذلك الوقت مثل الموت نفسه، رأينا الناس يموتون، رأيت كيف كان هؤلاء الرجال يتصرفون؛ لم يهتموا بما كانوا يدوسون عليه، طفل أو رأس شخص ما، صغيرا كان أو كبيرا، بدأ الناس يختنقون".
وتابع أحمد، الذي وجد نفسه محصورا بإحكام داخل قارب مطاطي قابل للنفخ، وهو يصرخ طلبا للمساعدة، ويسمحوا له بالعبور بينهم ليقفز ويغوص إلى أسفل الماء لينقذ ابنته سارة البالغة من العمر سبع سنوات، من ظلام البحر الخانق الذي غرقت فيه.
وأضاف: "أردت فقط أن يتحرك الناس حتى أتمكن من سحب ابنتي"، فيما تحدّث عن شاب سوداني كان جزءا من مجموعة كبيرة قدمت وتزاحمت على متن القارب في اللحظة الأخيرة، قبل أن يتحرك القارب وينجرف بعيدا عن الشاطئ. لكن الشاب تجاهله في البداية ثم هدده.
وقال موقع "بي بي سي" عربية، في تقرير له: "رغم أن أحمد عراقي الجنسية، إلا أن ابنته لم تزر العراق قط؛ فقد ولدت في بلجيكا وأمضت معظم حياتها القصيرة في السويد"، مبرزا أنه "في المجمل، لقي خمسة أشخاص حتفهم في نفس الحادثة، كانوا ضحايا لما بدا وكأنه تدافع مؤلم وبطيء الحركة".
وتابع الموقع نفسه، الذي تحدّث عن الحادث، الذي حظي بتفاعل واسع على عدد من منصات التواصل الاجتماعي، أن أحمد هو ذلك الرجل الذي كان يصرخ طلبا للمساعدة، حيث ناشد من حوله بشدة إنقاذ حياة ابنته سارة. كما حوصرت زوجة أحمد، نور السعيد، وطفلاهما الآخران، رهف البالغة من العمر 13 عاما وحسام البالغ من العمر ثماني سنوات، في القارب، لكنهم كانوا لا يزالون قادرين على التنفس.
وأكد أحمد: "أنا عامل بناء، أنا قوي، لكنني لم أتمكن من إخراج ساقي؛ ولا عجب أن ابنتي الصغيرة لم تستطع ذلك أيضا؛ لقد كانت تحت أقدامنا"، مبرزا أن هذه المحاولة اعتبرت الرابعة للعائلة، من أجل العبور، منذ وصولهم إلى المنطقة قبل شهرين.
تجدر الإشارة إلى أن الشرطة، قبضت عليهم مرتين على الشاطئ بينما كانوا يحاولون جاهدين مواكبة المهاجرين الآخرين الذين يركضون نحو قارب المهربين.
وفي سياق متصل، قال أحمد إن "المهربين هذه المرة؛ الذين كانوا يتقاضون 1500 يورو عن كل شخص بالغ ونصف ذلك المبلغ عن كل طفل، وعدوه بأن 40 شخصا فقط، معظمهم من العراقيين، سوف يصعدون على متن قاربهم، لكنهم فوجئوا عندما ظهرت مجموعة أخرى من المهاجرين السودانيين على الشاطئ وأصرت على التكدس على متن القارب".
وتابع: "فجأة، انفجرت قنبلة غاز مسيل للدموع تابعة للشرطة بالقرب منهم، وبدأت سارة بالصراخ، بمجرد صعودهم إلى القارب، أبقى أحمد سارة على كتفيه لمدة دقيقة أو نحو ذلك، ثم أنزلها لمساعدة ابنته الأخرى، رهف، على الصعود على متن القارب، وكان ذلك عندما لم يتمكن من رؤية سارة التي كانت بجانبه".
وأوضح موقع "بي بي سي" عربي أنه "في وقت لاحق فقط، عندما وصل رجال الإنقاذ الفرنسيون إليهم في البحر وأنزلوا بعضا من أكثر من 100 شخص كانوا محشورين على متن القارب، تمكن أحمد أخيرا من الوصول إلى جثة ابنته" متابعا: "رأيت رأسها في زاوية القارب؛ كان لونها أزرق بالكامل، كانت ميتة عندما أخرجناها، ولم تكن تتنفس".
وبعد الحادث بأيام قليلة، عملت السلطات الفرنسية برعاية الأسرة، بينما كانوا ينتظرون دفن جثة سارة. فيما قال أحمد إنه كان على علم بأنه يواجه انتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي من أشخاص يتهمونه بتعريض عائلته لخطر غير ضروري.
وفي هذا السياق، قال أحمد "لن أسامح نفسي أبدا، لكن البحر كان خياري الوحيد. كل ما حدث كان رغماً عني، نفدت الخيارات المتاحة لي. يلومني الناس ويقولون: "كيف يمكنني المخاطرة ببناتي؟".
وأضاف "لقد قضيت 14 عاما في أوروبا لكنني رُفضت"، موضحا سنوات من المحاولات الفاشلة لتأمين الإقامة في الاتحاد الأوروبي بعد فراره من العراق عقب ما وصفه بتهديدات من الميليشيات هناك.
وبحسب ما ورد، قد رفضت بلجيكا منحه حق اللجوء بحجة أن البصرة، مسقط رأسه في العراق، مصنفة على أنها منطقة آمنة. وقال إن أطفاله أمضوا السنوات السبع الماضية في الإقامة مع أحد أقاربهم في السويد، لكنه أُبلغ مؤخرا بأنه سيتم ترحيلهم معه إلى العراق.
وفي رسالة فيديو أرسلتها إلى "بي بي سي" وصفت إيفا جونسون، وهي معلمة سارة في أوديفالا بالسويد، الطفلة البالغة من العمر سبع سنوات بأنها "لطيفة رائعة"، مضيفة: "كان لديها الكثير من الأصدقاء في المدرسة؛ وكانوا يلعبون معا طوال الوقت، وفي شباط/ فبراير، سمعنا أنه سوف يُرحّلون وأن ذلك سيحدث بسرعة، تلقينا إشعارا بذلك قبل يومين".
وإثر إعلامهم بوفاتها، تجمّع زملاء سارة في دائرة ووقفوا دقيقة صمت حزنا عليها، فيما قالت معلمتها "من المؤسف للغاية أن يحدث ذلك لعائلة لطيفة كهذه، لقد قمت بتعليم أطفال آخرين في تلك العائلة، وقد صدمت حقا من قرار الترحيل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية العراق العراق الطفلة سارة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على متن القارب من العمر
إقرأ أيضاً:
بين خيارين!
أن يضعك العدو بين خيارين لا ثالث لهما، سلوك إجرامي دأب عليه المجرمون والطغاة عبر التاريخ، مهما اختلفت عناوينهم ومسمياتهم وأزمنتهم وأمكنتهم، فالعدو لا يترك أي متنفس لخيار وسط فيه مساحة للسلام والأمن والاستقرار، ولا حتى المتبادل، ولا يقابل أي جهود ومساع ونوايا حسنة بخيار بين الخيارين، فخياراته دائما بين السلة والذلة، والكرماء الشرفاء الأخيار لا يقبلون الذلة ولا يساومون أبدا، وأشباه الرجال يقبلون فوراً بالذلة والعبودية والخنوع والاستلام.
يردد التاريخ ومعه الزمن هتاف الأسلاف الأباة الأحرار: «هيهات منا الذلة» بكل شموخ واعتزاز، وتعزفه أيقونة الحرية والسيادة والاستقلال نشيدا لا يقبل التنازلات والانبطاح، ويترجمه خلفهم بقبضاتهم وصيحاتهم ودمائهم وتضحياتهم وانتصاراتهم التي تعلو ولا يعلى عليها شيء أبداً، وفي مقدمتهم أمة «حزب الله» الأسياد، فخر الزمان، وعز الحاضر، وتاج الحرية.
من المعلوم، أن الاتكاء على الدولة اللبنانية والتلطي خلفها لحماية الوطن والشعب لا يجدي نفعاً، فما بالك بحكومة جاءت من الخارج في مهمة مفضوحة لتجريد لبنان من كرامته وحريته وسيادته واستقلاله، وسلبه مجده وعزه ونصره وتضحياته.
حزب الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية الذين قدموا عشرات آلاف الشهداء والجرحى وجمهورها الكريم العابر للطوائف والمذاهب والأحزاب والجماعات والعابر للبنان والمنطقة برمتها لن يسمحوا أبداً بتمرير قرار نزع السلاح المقاوم، وتسليم لبنان وأرضه وشعبه للعدو الإسرائيلي وأدواته، لأن ذلك يعني تسليم ما بقي من كرامة للعرب والمسلمين والمجاهدين والمقاومين والأحرار.
لذا يجب عدم التهادن في مواجهة هذه القرارات العدوانية حتى لا تتطور الأمور لتحركات مباغتة ومفاجئة بالانتشار الأمني المعادي في مناطق المقاومة، والتطور أكثر لمداهمتها على حين غرة، فقرار الزج بالجيش اللبناني والقوى الأمنية في مواجهة المقاومة وجمهورها جدي وعاجل، والدفع للسير بلبنان في ركاب التطبيع أكثر عجلة وجدية.
صحيح أن الجيش اللبناني ضعيف لا يستطيع الوقوف أمام الاحتلال الإسرائيلي، ولا حماية بلده وشعبه، لكن إذا ما حُرِّك الجيش والأمن في مواجهة الداخل اللبناني وضرب بعض طوائفه ومكوناته فسيتنمر ويتوحش، ويحظى بكل الدعم والإسناد، وسيغدواً بطلاً شجاعاً مقداماً مغواراً، وستعزف له أناشيد التمجيد والتبجيل من الرياض حتى واشنطن، ويصفق له ويطبل، ويهلل ويكبر، ويدعى له في كل المنابر بما فيها الحرمين الشريفين، وسينعت حينها بكل صفات الجهاد والمقاومة والتحرير والوطنية والعروبة، فينبغي التنبه من الاطمئنان لهذا المبرر والواقع المعهود، فالمعادلات والوقائع تتغير سريعا، وتحمل مفاجآت كبيرة.
كذلك إذا لم يحرك الشارع ويسبق إليه فستموت الديمقراطية والحرية، وتحظر التظاهرات، وتمنع التجمعات السلمية وتجرم، وتقام الحواجز في كل مكان، أو في أحسن الأحوال سيسبق أدوات الخارج لتحريكه في الاتجاه المعاكس لإبراز موقف شعبي داعم للقرار وضاغط في تنفيذه، ولإظهاره كمطلب وطني شعبي يقف الشعب خلفه ويصطف حوله، وليس مطلباً خارجياً، ولا إملاءات مفروضة من أحد.
بكل تأكيد، هناك جمهور كبير للمقاومة في كل المكونات والطوائف يرفض هذا القرار جملة وتفصيلا، ويأبى التفريط بالسيادة والكرامة، والانبطاح والتبعية، والتعبير الشعبي بالرفض المطلق للقرار وصانعيه سيهز أركان الداخل والخارج المتواطئ والعميل، ويسقط القرار وكل المتساوقين معه داخليا وخارجيا.
لا نحبّذ ترك الحبل على الغارب بما يوحي ويفيد أن هناك شبه فوضى وتفلت في البنية التنظيمية، بل يجب الحفاظ على هذا الجمهور القوي المقاوم حتى لا يشعر بالاستضعاف والخذلان والهوان، ويصاب باليأس والإحباط.
صحيح أن آمال وأطماع العدو كبيرة وأهدافه خطيرة، فهو إن لم ينجح في تنفيذ هذه القرارات سريعاً ومباشرة، يسعى لتحقيق أهدافها ومفعولاتها في إشعال فتيل الحرب والفتنة الداخلية والأهلية في لبنان، وضرب الدولة والجيش والطوائف والمكونات ببعضها البعض بما يفضي لتحقيق هذه الغايات والأهداف القذرة مستقبلاً.
وصحيح -أيضا- أن الوضع السياسي اللبناني مختلف عن غيره من البلدان العربية، فهو معقد ومتشابك ومحكوم بالتوافق، لكن ينبغي عدم التعويل على شيء من ذلك أبداً، فالتوجه قائم على قدم وساق لتجاوز كل التوافقات والميثاقيات والاتفاقيات والمرجعيات، وسيتم القفز على اتفاق الطائف، والدستور، والتوافق، والشراكة ما لم يكن هناك قوة رادعة توقف هذا التهور السريع.
والأكثر صحة -وهو ما ينبغي تيقنه والتعامل معه بجدية- أن وراء قرار نزع السلاح جهد وإرادة وعمل منظم ومخطط، وأنه مطروح للتنفيذ، وأنه ليس كلاماً في الهواء ولا حبراً على ورق، وأن قرار دفع الجيش وقوى الأمن وجماعات أخرى لنزع سلاح المقاومة والاشتباك معها جدّي وحاسم، لذا ينبغي التنبّه الجاد والعمل الدؤوب والتحرك العاجل لتفادي ما لا يمكن تفاديه فيما بعد بأكبر الخسائر.