التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. أداة لتطوير الفن أم لعنة تهدد عرش المبدعين؟
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق بيتر ميمي: الجرافيك جرى استخدامه من الحلقة الأولى لمسلسل الحشاشين وكان شريكا في إبهار الجمهورطارق الشناوي: الذكاء الاصطناعي يلاقي نفس الاتهامات كما حدث مع بدايات الكمبيوتر والإنترنت.. والإنسان يخشي المجهول دائمالوسي: العلم يخدم الفن ويزيد من متعة الجمهورأيمن سلامة: الذكاء الاصطناعي لا يمثل تهديداً للكاتب.
مع كل تطور تمر به البشرية، ومع كل شطحات لعقول العلماء في فلك الاستكشافات والاختراعات، تجد البعض يشعر بالراحة والامتنان لما وصلت إليه التكنولوجيا وآل إليه العلم، والبعض الآخر يشعر بالقلق والخوف على مستقبله بعد أن مسته لعنة التطوير وطالته أدوات العلم وبدائله.
ومع اتساع وسرعة التطوير المذهل في عالم التكنولوجيا والعلوم خلال السنوات الأخيرة، أصبح الإنسان بكل تخصصاته يخشي المستقبل، ووصل الأمر إلى وجود البديل عنه بين الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي، وغيرها من توحش العلوم والتطوير المستمر لبحار العلم التي يخشي البشر أن تغرقنا جميعاً دون أن نشعر.
ومن ضمن تلك القفزات العلمية، عالم الذكاء الاصطناعي، وما قد يؤثر على الوسط الفني وأهل الفن، حيث توجد العديد من البرامج التي قد تحل محل الكتاب بمجرد أن تحدد فكرة المسلسل، وما تريد أن يدور حوله فلك العمل، وبضغط أزرار الأمر الإلكتروني يستجيب لك العلم، وبعدد الحلقات التي تتمني.
وما بين؛ هل من الممكن أن تظهر القدرة على خلق شخصيات بخاصية الـai للظهور في الأعمال الفنية في المستقبل القريب، أم أن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا هما جناحا التطوير والراحة في السنوات المقبلة، كل تلك الاستفهامات يجيب عنها عدد من أهل الفن والنقاد والقانون في السطور التالية..
التكنولوجيا سهلت العملية الفنية
في البداية؛ قال المخرج بيتر ميمي إن التكنولوجيا سهلت كثيراً في العملية الفنية، وتعتبر عاملا هاما داخل منظومة العمل الفني، خاصةً في أعمال الأكشن والحروب، والمشاهد التى تحتاج طبيعة خاصة، ويساعد فى تطبيق كل تصور داخل خيال المخرج، وهو ما يعود بالنفع على العمل الفني.
وأضاف "ميمي"، أنه في مسلسل "الحشاشين" جرى استخدام الجرافيك منذ الحلقة الأولى من العمل، وجرى تصميم كل المعارك التي أبهرت الجمهور، عن طريق الجرافيك بشكل كامل، ومدينة أصفهان التي جرى تصوير الأحداث فيها بشكل كامل هي بالتكنولوجيا والجرافيك.
واستطرد المخرج بيتر ميمى، بأن التكنولوجيا تسهل على المخرج الكثير من إنجاز الأعمال، واستخدام التقنيات الحديثة يجعل العمل أفضل على مستوى الكفاءة في الشكل النهائي للمنتج المقدم للجمهور، وهو ما أكدت عليه مصر في السنوات الأخيرة، من خلال أعمال الإنتاج الضخم، وتجسيد قدرتها على مواكبة ركب التقدم باستخدام أحدث التقنيات والأدوات، وتوظيف التكنولوجيا بأفضل شكل.
على صعيد آخر؛ قالت المخرجة إيناس الدغيدي، إنها ترى التقدم التكنولوجي الهائل الذي يواكب صناعة السينما، خلال الفترات الأخيرة، سواء على مستوى الأدوات والمعدات الحديثة، أو حتى على مستوى استخدام التكنولوجيا كعنصر من عناصر العمل الفني في الوقت الحالي.
وأضافت "الدغيدي": أميل إلى المدرسة التقليدية، ربما لأنني من الجيل الذي تربي على تقديم الصورة بشكلها البسيط والطبيعة فى نقل المشاهد، أو لأنني بطبعي أحب إبراز التفاصيل بشكل أبسط، لا أعلم السبب.
واختتمت المخرجة إيناس الدغيدي حديثها بقولها: لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا واستخدامها داخل العمل الفني بشكل يخدم الأفكار الخاصة بالمخرج، هو أمر أضاف طعم مختلف وشكل جديد للجمهور، وهو ما يمثل إضافة في كل الأحوال على الصناعة بشكل عام.
في سياق متصل؛ قال الدكتور مدحت العدل، رئيس جمعية الملحنين والمؤلفين، إن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا تتطور بشكل سريع، وعلينا مواكبة تلك التطورات ومعرفة أبعادها بشكل جيد، والوقوف على ما يفيد الفن ويطوره، ويصل بنا إلى أفضل نتائج ترتقي بالعمل الفني.
وأضاف "العدل"، في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن الذكاء الاصطناعي لابد أن يجرى توظيفه بناءً على أسس تضمن عدم المساس بأي حقوق أدبية ومادية خاصه بأى صاحب حق، وتجربة إحياء أغاني لأى من الراحلين، لابد من أخذ الموافقات وإعطاء كل الحقوق المادية إلى الورثة، وهنا لا يوجد طرف مسه ضرر، وعلينا بعدها تقييم التجربة فنياً للحكم عليها.
وتابع الدكتور مدحت العدل، بأن الذكاء الاصطناعي الآن يجرى استخدامه في الأعمال الفنية أيضاً بخلاف الأغاني والموسيقي، وعلى سبيل المثال يجرى توظيفه بشكل يخدم العمل الفني فى السينما العالمية، مثلما يحدث مع الفنان العالمي ربيرت دي نيرو، للتوصل إلى تجسيد شخصيته وهو فى مراحل عمريه أصغر، ومثال آخر وهو الهولوجرام، أيضاً كان فى بداياته شيئ مضحك ولأنه تجربه جديده وغير متقنه في بادئ الأمر، ولكنه مع الوقت يجرى تطويره بشكل رائع حالياً، وأصبح معتادا.
وعلى صعيد موازي؛ قالت الفنانة لوسي، إن التكنولوجيا والعلم يخدمان الفن، ويسهلان الكثير من الصعاب، وتخرج معهما الأعمال الفنية بشكل أفضل، وكلما جرى استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة كلما كان العمل الفني أفضل.
وأضافت "لوسي"، فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن كل وقت وله أذان، التكنولوجيا الآن تفرق كثيرًا وخدمت الفن كثيرًا، من أدوات ومعدات وقدرة على اختيار أماكن، إلى جانب الخدع مع التكنولوجيا تختلف عن السابق كثيرا، وعلى سبيل المثال الفنان أحمد حلمي فى فيلم" كده رضا" جسد ٣ شخصيات في آن واحد، بمنتهي الإبداع ولولا استخدام التكنولوجيا لما اقتنعت بها، لذلك أرى أن العلم يساعد الفن كثيرًا، وليس العكس.
واختتمت الفنانة لوسي بأنه مع ثورة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أتوقع أن يتطور معها الفن وعملية إنتاج وإخراج الأعمال الفنية بشكل كبير، ونستطيع أن نقدم أعمال بالتكنولوجيا تبهر الجمهور وتزيد من متعة الفن.
من جهته؛ قال الناقد الفني طارق الشناوي، إن الذكاء الاصطناعي يمثل فزاعه للبعض، وحالة هلع للبعض الآخر، ولا يوجد أى مبرر لذلك، لأن التكنولوجيا هي أداه اخترعها الإنسان للوصول للراحة وتوفير الوقت والجهد، وأيضاً لتقديم كل شيء بشل أكثر دقه وجودة.
وأضاف "الشناوي"، في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن الذكاء الاصطناعي لا يهدد أي من المبدعين سواء على مستوى الكتابة أو التمثيل أو الاخراج، ولا يمثل أي تهديد لأى عنصر من عناصر العمل الفني، بل على العكس، هو سيعمل على تطويرها بشكل أفضل وأسرع.
وتابع الناقد الفني طارق الشناوي، بأن أي شيء في بداياته، يكون مجهولا لدى الكثير، والمجهول له رهبه وخوف، وذلك لعدم استيعابه فى البداية، وهو ما حدث مع اختراع "الكمبيوتر"، وما قيل عن تعض الكثير للجلوس فى منازلهم وانقرض بعض المهن، وما حدث عكس ذلك حيث طور هذا الجهاز العمل وأخرجه بشكل أسرع وأكثر جوده، تحت قيادة الإنسان، لأن التكنولوجيا لا تنافس الإنسان ولكن خلقت لمساعدته.
فى السياق نفسه؛ اعتبرت الناقدة الفنية فايزة هنداوي أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل تهديدا حالياً، لأى عنصر من عناصر العمل الفني حتى وقتنا الحالي.
وأضافت "هنداوي"، في تصريحات خاصة لـ"البوابة" أن العنصر البشري يختلف فى كل شيء عن استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأنه على مستوى الكتابة لا يمكن أن يخلق الفكرة من العدم، ولابد من أصل الفكرة وهو العنصر البشري، فهو الذي كلفه بكتابة فكرة ما، وهو ما يمثل فارقا كبيرا بين العنصر البشري المبدع، والعنصر الإلكتروني الذي ينفذ الأمر البشري.
وأكملت: أما على مستوى السرد، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستطيع بناء الشخصية الفنية وتفاصيلها، وربطها بالأحداث التي تقدم من خلال الدراما، وتوظيف كل التفاصيل لخدمة العمل الفني، هو فقط يملك جانب السرد، وهو لا يكفي فى الكتابة الفنية، وسيمثل حاجز كبير مع المتلقي من الجمهور، والشعور بالجمود مع الأحداث.
وتابعت "هنداوي"، بأن خلق شخصية إلكترونية للمشاركة في عمل فنى، ربما يحدث مع المستقبل والتقدم والتطوير الكبير فى جودة العالم الالكتروني، ولكن لن تلقي تلك التجربة قبول بشكل كبير، أو حتى تدخل فى منافسة، لأن العنصر البشري لا يقارن بالتكنولوجيا مهما حدث.
على الصعيد نفسه؛ أوضح الكاتب والسيناريست أيمن سلامة، أن الذكاء الاصطناعي لا يعتبر منافسا لأى كاتب في مجاله، مهما ظهرت العديد من البرامج التي تكتب نصا ومحتوى، لأن الذكاء الاصطناعي لا يخلق الحالة الإنسانية التي تصل المعني، وتدخل فى وجدان الجمهور، وهو ربما يكتب نص بحثي أو رسالة علمية، ولكن لا يستطيع أن يرسم تفاصيل إنسانية يعيش معها الجمهور.
وأضاف "سلامة"، في تصريحات خاصة ل "البوابة"، أن الكتابة البشرية بها المشاعر والأحاسيس، والكاتب ينقل التصور الناتج من الاحتكاك بشخصيات حقيقية ناتجة من معايشة معهم، وحتي إن كتب كتابة خيالية، لا تكون سوي من نتاج إبداعي خاص بالكاتب ويعتبر كبصمة اليد، وهو ما ينتقل بالتبعية للمشاهد الذى يعيش الحالة بشكل حقيقي، عكس الكتابة الإلكترونية المجردة من أي شعور انساني، مجرد استرسال ناتج من أمر إلكتروني.
واختتم الكاتب والسيناريست أيمن سلامة، بأن الذكاء الاصطناعي لا يقارن بمهمة الكاتب والسيناريست، فالأخير يدقق في المعني ويبحث عن الحالة الكتابية التي تصل إلى المشاهد، ويلامس الوجدان الإنساني، كل ذلك لا يمكن أن يتحقق في الكتابة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب بمجرد معرفة الجمهور أن العمل خارج العنصر البشري فهو أفقده الكثير من مشاعر التواصل الحقيقي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الجرافيك الواقع الحقيقي أن الذکاء الاصطناعی لا استخدام التکنولوجیا فی تصریحات خاصة تصریحات خاصة لـ أن التکنولوجیا الأعمال الفنیة العنصر البشری العمل الفنی على مستوى لا یمکن وهو ما ما حدث حدث مع
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.