ما يجعلني أعود إلى تلك الدراسة يرجع إلى لقاء نُشر على موقع https://www.aljarida.com/articles مع الفنان سعد الفرج تحدث فيه عن عزوف الجمهور الكويتي عن المسرحيات التي كانت تُقدم باللغة العربية الفصحى، ما جعل زكي طليمات في ذلك الوقت عام 1964م أن يغادر فرقة المسرح العربي التي عمل فيها سعد الفرج مشرفًا، والتوجه إلى تأسيس معهد الدراسات المسرحية.

أن تكون اللغة العربية الفصيحة من صفات المسرح الجّاد، فإنَّ النص المحليّ اللهجيّ يَكاد أن يكون في مسرحيات كَتبها سعد الفرج منفردًا، أو مشاركًا مع عبد الأمير التركي، فهي مسرحيات جدية جدًا وصفتها الأساسية «حديث الناس». من ميزات هذا الحديث ما نراه يتجلى في قدرة الفنان سعد الفرج في أثناء تأليفه لمسرحياته تركيزه على نبض الشارع، وعند لحظات تلّفظه بالحوار على الخشبة، معرفته متى يكفّ أو يتوقف.

لقد أشار سعد الفرج في بعض اللقاءات التي أجريت معه حول بعض أدواره، إلى حُسن التخلّص في الأداء، ويظهر ذلك من خلال التزامه بالنصّ واحترامه له، لذا فإن ما قدّمه في مسرحية (الكويت سنة 2000)، ومسرحية أخرى هي (حامي الديار- 1986م) هناك ما يجعلني أطمئن إلى أن المسرحية السياسية التي ألّفها سعد الفرج، لم تقتصر فحسب على تناولها أحاديث الناس في مجتمع مخملي آنذاك، أو «دَقها ناقوس الخطر في مجتمعات الخليج»، بل تكمن أهميتها أيضا، أنها أضحت واحدة من المعالم المهمة في تكوين مهارات سعد الفرج الأدائية.

في مسرحيته (الكويت سنة 2000) قدم سعد الفرج ميلاد ممثل يسعى إلى ابتكار أسلوب أو أداء معين غير محضَّر له في وقت سابق. وعطفا على تأكيد هذه النقطة؛ هذا ما حققه الفرج لاحقا في (درب الزلق) عندما قدم شخصية (سعد العاقول) بتلقائية وبساطة أقرب إلى الابتكار والإبداع، حيث استطاع بهما شق طريقه الخاص كممثل بارز لا يشق له غبار.

تُّعد مسرحية (الكويت سنة 2000) من المسرحيات القليلة التي كتبها مؤلفها على أساس فن الملهاة الهزلية. تنتسب المسرحية إلى خصائص دائرة التأثيل. سألزم نفسي باعتماد مصطلح التأثيل للدلالة على معنى الاكتساب. فمعجما اللغة العربية (لسان العرب المحيط لابن منظور، 1998م، والمنجد في اللغة والأعلام، 1998م) يذهبان إلى أن معنى «أثل مَاله: أصَّله، و تَأثَّل مَالًا: اكتسبه واتخذه وثمره. وكُّل شيء قديم مُؤصَّل أثيلٌ ومؤَثَّل ومتأثِّل. وأثَل المَالَ: زكَّاهُ، أنَماهُ. تأثَّل: تجمَّع والمَال: اكتسبه وثَمَّره».

وبالاستناد إلى كتاب (تكوين الممثل المسرحي في مجتمعات الخليج العربي: دراسة في سوسيولوجيا التكوين الفني للممثل- 2006م) للدكتور الراحل عبدالله إبراهيم غلوم، يُسجل المُؤلف إشارة تتصل بعنوان هذه القراءة، مفادها أن مجتمعات الخليج قد عرفت فن الارتجال والملهاة الهزلية التي عرفها المجتمع في الكويت على يد نموذجها المتفرّد الفنان (محمد النشمي)، حتى صار لها -كما يقول- أتباع كثيرون سواء في الكويت أو البحرين أو قطر، أو المملكة العربية السعودية. وفي موضع آخر يشير غلوم بالقول: إن الكويت والبحرين والسعودية قد سجلت الريادة / أو التأثيل في التوثيق للملهاة الهزلية.

يُعرّف العارفون بالنقد المسرحي الملهاة بأنها نوع من أنواع الكوميديا. وقد مرّ تعريفها في تاريخ الحضارة بإشكاليات عدة بحسب أنواعها المختلفة واتجاه مدارسها. كذلك التراجيكوميديا نالت نصيبها من حيث التأطير، فلا هي بالمأساة العُليا، ولا هي بالكوميدية الدُّنيا. ليس مبالغة القول إن فن التراجيكوميديا يجمع بين التناقض والتضاد، إنّها فنٌّ يقوم على تضمين الموقف الدرامي طاقة الجدّية وطاقة المُضحك في العقل والقلب معًا، مثلا، لنتأمل الحوار في مسرحية (حامي الديار- 1986م) الدائر ما بين الممثلين سعد الفرج، وجاسم النبهان، وعبدالإمام عبدالله، حول الأزمة الاقتصادية، نشاهد فيه كيفية المرونة التي يتنقل بها أداء سعد الفرج بين هاتين المنطقتين -الجدية والمُضحك- دون فقدان السيطرة في حرارة المشهد وجديته.

وإذا تأملنا الفقرة السابقة وعدنا مرة أخرى إلى مسرحية (الكويت سنة 2000م) ونظرنا إلى أدائه سنرى أن طاقة الملهاة الهزلية التي جرى استشفافها ورؤيتها في تلك المسرحية هي الطاقة الممتدة المتجددة في مسرحية (حامي الديار).

يُمكن القول، بمعنى ما، إن الإمكانية التي خلق بها سعد الفرج أسلوبه في أعمال لاحقة؛ كمسرحية (على هامان يا فرعون- 1977م) ومسرحية (حرم سعادة الوزير- 1978م) التي أعدها وقام بالتمثيل فيها، ومسرحيات أخرى ذات بعد سياسي شارك في كتابتها مع عبدالأمير التركي؛ كمسرحية (ممثل الشعب- 1980م)، من النوع الذي يستحث فيه الممثل البحث عن وضعيات التراجيكوميديا الغائرة بأداء حسّاس ومتميز جدًا.

اليوم، لدينا في رصيد الفنان القدير سعد الفرج العديد من المسرحيات والأعمال الفنية الخالدة، ففي المسرح على سبيل المثال لا الحصر هناك (26) مسرحية مثّل فيها، وهناك أيضا ما يقارب (16) مسرحية جمع فيها ما بين التأليف والإعداد، وفي كلّ مسرحية قدّمها واشترك في تمثيلها مع نجوم الصف الأول في الكويت، يضع الفرج بصمته الصوتية الخاصة، والأداء الجسدي الفنيّ المُقنع.

بالانتقال إلى مسار آخر من مسارات الفنان سعد الفرج، هناك محطات قدمها للسينما، فلديه تقريبا (3) أفلام، وفي التلفزيون قدم ما يفوق الأربعين عملا تلفزيونيا، ما بين تأليف القصة والسيناريو والحوار والتمثيل، وما تزال ملامحه وأداؤه المتميز في مسلسل (تورا بورا) الذي لا يَسهل تجاوزه ماثلة في قلب المشاهد؛ فقد ناقش المسلسل في سنة ظهوره وإنتاجه قضية التطرّف في الفكر والتشدد والديني، ومن الأعمال الأخرى التي يَحتاج الوقوف عندها إلى تريث في التحليل دوره الكبير في مسلسل (محمد علي رود) حيث يُثبت لنا سعد الفرج، قدرته الدرامية في تنوع الأداءات البينية -المأساة والكوميديا- ويَنسف بحنكته شخصية مُضحكة أضحكتنا في مسرحية ما، بمجرد نظرة ثاقبة من عينيه يقف فيها في أيّ مسلسل يُمثل فيه.

ففي الموسم الأول من مسلسل (محمد علي رود) يظهر سعد الفرج بشخصية التاجر (عبدالوهاب بن شملان) حيث اكتست ملامح وجهه المعجونة بتحولات السنين حصيلة كل الخبرة والمعايشة الفنية مع الشخصية، وظل ظهوره في المشاهد جميعها؛ سواء مع التجار ومهربي الذهب، أو مع أخته (فتوح) وابنته (نجلا)، وحبيبته في الماضي البعيد (سلطانة) ممثلا قديرا يَملأ المشهد، بجميع تعابير وجهه ولغة جسده.

ففي هذا المسلسل الذي يناقش فترة زمنية ضاربة في القدم، والمليئة بالقصص والحكايات، إلى جانب تناوله التحولات الديمغرافية والعلاقات الإنسانية والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة في مجتمعات الخليج، تضعنا شخصية التاجر الشرير (عبدالوهاب) في سيناريو مُحكم البناء أمام تحديات الممثل، فالأداء الناجح للممثل، لا يستند إلى الاكتفاء بحفظ الدّور الذي سيؤديه ولا إلى التلوّن في درجات الصوت فحسب؛ بل يُحسب النجاح كذلك، في قدرة الممثل وهو واقف أمام الكاميرا ليلفظ جملة حوارية تليق بموقف في الرثاء ما يجعل المتفرجين/ المتلقين/ المشاهدين، يشعرون بأن الجملة نقلتهم إلى مشاعر أخرى هي مزيج من رعب الحياة في الدراما.

والمتعة التي قدمها لنا سعد الفرج في أداء الشخصية، تتحرك في مساحات متداخلة، فهو العاشق المأسوف على عشقه، وهو الزوج الفاقد لزوجه، والأبُّ الحَنون والأخ الساند، والصديق الغادِر، وكذلك هو التاجر الذي يفقد مَكانته في سوق تتحرك سفنه ما بين الكويت والهند في زمن الأربعينيات، ما يجعلنا نتعاطف معه بالخوف عليه، أو نكره أسلوبه في إخفاء سّر الأم على ابنته، إلّا أنّه أيضًا، كان التاجر غير المتهاون في كبح وقاره في مَشاهد تستدعي منه عدم اللياقة، وإزاء كلّ مَشهد، كان يقف فيه يتلّفظ بحوارات هندية قصيرة، أو محلية كويتية، كان الشعور بالمتعة الرفيعة يزداد كثيرًا؛ لأن شيئا من الرهبة المغلّفة بالبساطة، تملأ المُشاهد بمفردات التقدير والإعجاب بخامة فنية نادرة جسّد لونّها باقتدار عالٍ سعد الفرج.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکویت سنة فی مسرحیة ما بین

إقرأ أيضاً:

المبعوث الأميركي يزور مركز المساعدات في رفح.. وحماس: مسرحية

 

زار المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، اليوم الجمعة، مركزًا للتحكم في المساعدات تديره ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات بتحويل تلك المراكز إلى بؤر للقتل بحق المدنيين المجوّعين، تحت إشراف أميركي-إسرائيلي مشترك.

وتأتي الزيارة بعد محادثات أجراها ويتكوف مساء أمس مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أسفرت، بحسب وسائل إعلام عبرية، عن اتفاق بين الجانبين حول ما سُمي "مبادئ الحل" في غزة، وتشمل وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى ونزع سلاح المقاومة، إلى جانب زيادة ما تصفه واشنطن بـ"المساعدات الإنسانية".

وذكرت قناة إسرائيلية أن قافلة المبعوث الأميركي وصلت إلى محور موراغ شمال رفح، حيث تفقد ويتكوف، برفقة السفير الأميركي لدى الاحتلال مايك هكابي، أحد مراكز توزيع الغذاء التي تديرها المؤسسة الأميركية المثيرة للجدل.

وتأتي الزيارة في ظل مجاعة متفاقمة جراء حرب التجويع التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة، والتي تسببت بمقتل المئات جوعًا أو برصاص القناصة عند نقاط توزيع المساعدات.

وتتهم منظمات دولية مؤسسة غزة الإنسانية بتحويل مراكزها إلى "مصائد موت"، إذ وثّقت تقارير ميدانية ارتكاب مجازر في محيط تلك المراكز التي تعمل بتنسيق مباشر مع جيش الاحتلال، ما أوقع مئات الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين الباحثين عن لقمة العيش.

من جهته، اعتبر المتحدث باسم تجمع عشائر غزة، حسني المغني، أن المساعدات التي تدخل القطاع "لا تصل إلى مستحقيها بل تُنهب وتُحوّل لخدمة أجندات سياسية"، مضيفًا أن تلك المساعدات "مغمسة بالدم، ولا يمكن قبولها تحت أي ظرف".

وشكك المغني في نوايا واشنطن، متسائلًا إن كان العالم يقبل بسقوط نحو 90 شهيدًا يوميًا في قطاع يُحاصر حتى في خبزه ومائه.

في الأثناء، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن زيارة ويتكوف تمثل "استعراضًا دعائيًا فاشلًا" للتهرب من المسؤولية الأميركية المباشرة عن الكارثة الإنسانية في غزة، وغطاء لمحاولة ترميم صورة واشنطن في ظل الغضب الشعبي والدولي المتزايد.

وأكدت الحركة استعدادها للعودة الفورية إلى المفاوضات بشرط إدخال المساعدات فورًا إلى جميع مناطق القطاع، وإنهاء المجاعة المتصاعدة التي وصفتها بـ"السلاح البديل" الذي يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق أهدافه.

وفي واشنطن، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن الرئيس دونالد ترامب بصدد الموافقة على خطة جديدة للمساعدات إلى غزة، دون أن تعترف الإدارة الأميركية حتى الآن بأن ما يجري هو مجاعة موثقة، رغم التقارير الأممية التي تشير إلى أن 2.4 مليون فلسطيني يعيشون على حافة الموت جوعًا.

ومنذ أن تولّت مؤسسة غزة الإنسانية الإشراف على توزيع المساعدات في مايو/أيار الماضي، استُشهد ما لا يقل عن 1660 فلسطينيًا، وأُصيب 8800 آخرون في محيط تلك النقاط، على يد جنود الاحتلال والمسلحين الأجانب الذين تقول تقارير إنهم يعملون ضمن تشكيلات أمنية خاصة لصالح المؤسسة.
 


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند المبعوث الأميركي يزور مركز المساعدات في رفح.. وحماس: "مسرحية" دولة أوروبية تطرد وزراء الاحتلال الإسرائيلي وتحظر دعمه عسكريًا اتفاق سري بين واشنطن وتل أبيب..ما مصير غزة؟ طريقة تحضير مسحوق الهوجيتشا بديل الماتشا الجديد أدعية أول جمعة من الشهر الجديد Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها
  • المبعوث الأميركي يزور مركز المساعدات في رفح.. وحماس: مسرحية
  • اليوم.. عرض مسرحية الفندق بالقومي للمسرح
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
  • عرض مسرحية «طوق» في مهرجان إدنبرة الدولي
  • الإجهاد الحراري.. جمال شعبان يحذر المواطنين من موجة الحر التي تضرب البلاد
  • برلمانية: مشروعات الطاقة المتجددة نقلة نوعية نحو سيادة الطاقة النظيفة في مصر
  • الوزراء: إنشاء محطتي طاقة رياح بقدرة 340 ميجاوات وطاقة شمسية بقدرة 160 ميجاوات
  • كندة علوش للراحل لطفي لبيب: وداعا صاحب الموهبه العظيمه والأدوار التي لا تنسي
  • بعد موجة الحر الشديد التي ضربت لبنان... كيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟