(اعتقدنا اننا بمواجهة 200 فرقة عادية ولكننا الآن أمام 360 فرقة.... ولكننا لو دمرنا اثنتي عشر فرقة منها لاستطاع الروس أن يأتوا بغيرها . فالزمن لصالحهم لقربهم من مصادرها , في حين اننا نبتعد عن مصادرنا أكثر فأكثر)
-مراسيم السلام
بينما كانت رحى الحرب العالمية الأولى ( 1914- 1918م) لا تزال تدور قامت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م , وسرعان ما أعلن الزعماء البلاشفة الجدد ما سمى بمراسيم السلام والتي تضمنت فضح الاتفاقيات السرية ومن بينها إتفاقية سايكس – بيكو 1916م , والتي أبرمتها حكومات الدول الاستعمارية الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا , والتي كانت حكومة روسيا القيصرية قد وافقت عليها في مقابل حصولها على المضائق التركية بعد هزيمة الدولة العثمانية , كما أعلنوا كذلك تنازلهم عن المعاهدات غير المتكافئة والامتيازات التي كانت قد فرضتها حكومة روسيا القيصرية على بلدان الشرق الأوسط المتاخمة للاتحاد السوفيتي ( تركيا - ايران ) .
وبالطبع فقد كان الهدف من وراء ذلك هو التشهير بالدول الغربية وفضح أهدافها الاستعمارية أمام الرأي العام العالمي .
وما بين الحربين قامت روسيا بدعم الحركات التحررية في الوطن العربي ضد الاستعمار الاوروبي وسياسيا اجرت العديد من مد جسور العلاقة الدبلوماسية ومنها اليمن فقد اعترفت موسكو بحكومة صنعاء في عام 1928م .
-حلم الرايخ الثالث
كان النظام النازي يعتاش على الغزو وهتلر يستدير من ضم اقاليم هنا إلى اقاليم هناك .
لقد اوحى له منطق جنون عظمته انه ما من دولة اوروبية أخرى ينبغي ان ترتدي قفاز التحدي لألمانيا وربما في العالم .
بهذه الوسيلة لا غيرها سيقضي على خصومه وسيقف رايخ الالف عام على اسس صلبة .
فكان الفوهرر الالماني مختلفا تماما عن سلفيه فريدريك وبسمارك في مشاريعه المجنونة للتسلط على العالم واستهانته المطلقة بكل العوائق التي تقف في طريق تنفيذ مخططه .
وهكذا انكب هتلر كشأن اليابانيين على محاولة تغيير النظام العالمي بأسرع ما يمكن بعد ان سكنت في نفسه هذه الاطماع الجنونية طويلة الامد .
فقد سارت الحوادث الأوروبية بسرعة نحو اشتعال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م) , بدأت بغزو اليابان لمنشوريا عام 1931م , وأقامت دولة مانشوكو وتاخمت بذلك سيبيريا السوفيتية من ناحية والصين من ناحية أخرى إلى جانب هجوم اليابان على الصين .
واختلال إيطاليا للحبشة عام 1935م وتوسيع الاحتلال الايطالي لليبيا على أمل إحياء الامبراطورية الرومانية ولكن بزعامة الحزب الفاشستى الذي كان على رأسه ( موسوليني ) .
فيما قامت المانيا الهتلرية النازية بخرق لمعاهدة فرساي لعام 1919م , بالتسلح الكبير مع احتلال أراضي الراين ثم ضم النسما إلى الرايخ عام 1938م , وبدأت تعمل على إنشاء المانيا العظمي باحتلال تشيكوسلوفاكيا.
هذا إلى جانب مساهمة كل من المانيا النازية وايطاليا الفاشية في إسقاط الجمهورية الاسبانية فقد تدخلت ايطاليا بأرسال 50 ألف جندي ايطالي في الحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939م) ,
-تسابق التسلح
لقد اغوى اعادة تسلح القوات المسلحة الالمانية بسرعة هائلة انهكت معها الاقتصاد الالماني فقام هتلر باللجوء الى الحرب من اجل تجاوز هذه المصاعب الاقتصادية فأتي له ضم النمسا بخمس فرق حربية ليستولي على 200 مليون دولار على شكل ذهب واحتياطيات من العملة الصعبة , ثم تشيكلوسلوفاكيا عام 1939م فاستولي الالمان على مناجم المعادن الكبيرة فضلا عن موجودات الذهب واموال البنك الوطني التشيكي وبحلول ابريل / مايو عام 1939م كان واضحا ان بولندا هي المحطة التالية لكن ذلك سوف تواجه فرنسا وبريطانيا اي الانغماس في حرب عالمية ستخلق تهديدا مهولا لاقتصاد المانيا الكبرى .
فلقد امتلك الجيش الميداني الالماني البالغ عدد افراده 2 مليون 75 ألف رجل في مطلع الحرب . فيما انتجت في عام 1937م من الطائرات 5606 طائرة .
ومع نشبوب ازمة منشوريا بغزو اليابان لها عام 1931م وارتقي هتلر العرش في المانيا عام 1933م , ازداد حجم الجيش الروسي فبلغ 940 ألف رجل عام 1934م و1,3 مليون عام 1935م .
وصنعت اعداد كبيرة من الدبابات والطائرات . وحاز الاتحاد السوفيتي في مطلع الثلاثينات ليس على تشكيلات دروع فحسب بل قوة مظلية كبيرة , بينما بقيت القوة البحرية صغيرة وغير فعالة ,
واقيمت صناعة طائرات عظيمة في اواخر العشرينات انتجت إلى حين معلوم عددا من الطائرات سنويا أكثر من انتاج باقي القوى مجتمعة فقد بلغ عددها عام 1939م , ما يقارب 10382 طائرة , وانتجت روسيا اعداد هائلة من الطائرات والدبابات في مطلع الثلاثينيات والواقع ان الاتحاد السوفيتي انتج بحلول عام 1932م اكثر من 3 آلاف دبابة وما يربوا على 2500 طائرة وهو اعلى رقم في العالم اطلاقا آنذاك .
-عملية بارباروسا
قبيل اشتعال الحرب العالمية الثانية ( 1939- 1945م) عقد الاتحاد السوفيتي معاهدة عدم اعتداء مع النظام النازي في المانيا في اغسطس 1939م , غير أن تبدل سير الحرب في أوروبا وقيام المانيا بإعلان الحرب على الاتحاد السوفيتي أدي إلى تحول السوفيت عن التحالف مع دول المحور إلى تحالفهم مع الحلفاء .
وفي مقابل ذلك طالب السوفيت بتعديل بنود إتفاقية ( مونترو) الخاصة بتنظيم الملاحة في المضائق التركية . ومن ناحية أخرى ونتيجة لتصاعد النفوذ الألماني في إيران إتفق السوفيت والبريطانيون عام 1941م على مهاجمة إيران من الشمال والجنوب حيث كانت إيران تمثل آنذاك معبرا لنقل الإمدادات إلى ألالمان في حربهم ضد السوفيت وبالفعل فقد نجح الغزو البريطاني - السوفيتي المشترك لإيران .
ان قرار هتلر بغزو روسيا في يونيو 1941م غير ابعاد الصراع والحرب فلو أرسل هتلر ربع القوات والطائرات المستخدمة في عملية بارباروسا لامكن له احتلال بريطانيا بعد سقوط فرنسا تحت سيطرته .
ان الامتداد الجغرافي الواسع لروسيا قد قلل من شت هجمات ضمن مناطق محددة من اجل الهيمنة على العدو ثم ان حرب الشتاء لم يعرها اخد اهتماما لان الافتراض كان ان الحرب ستنتهي في فضون ثلاثة اشهر .
بالرغم من ان أوامر ستالين بنشر القوات بشكل خاطئ في وجه الهجوم الالماني الوشيك قد اتاحت للألمان قتل وأسر ثلاثة ملايين روسي في الاشهر الاربعة الاولى من القتال .
لقد عانت روسيا من خسائر مرعبة في الرجال والمعدات وتخلت عن مليون ميل مربع من ارضها , بيد انها بقت حية لم تمت , وأمل الاستيلاء على موسكو او حتي القبض على ستالين نفسه فلن يؤدي إلى الاستسلام , بالنظر لاحتياجات البلد الضخمة .
فقد كانت هذه حربا لا حدود لها ولم يكن الرايخ الثالث متهيئا لها بشكل مناسب بالرغم من كل النجاحات الساحقة والبراعة العملياتية . -معركة الدبابات ففي مطلع اغسطس 1941م , كان عدد من المراقبين قد شعروا بدنو أجل روسيا كقوة عظمى دون ( هالدر) في يوميات اركان الحرب : ( أعتقدنا اننا بمواجهة 200 فرقة عادية ولكننا الآن أمام 360 فرقة غير مسلحة ومجهزة بمثلما عليه فرقنا , وقيادتها التكتيكية ضعيفة غالبا .... ولكننا لو دمرنا اثنتي عشر فرقة منها لاستطاع الروس أن يأتوا بغيرها .
فالزمن لصالحهم لقربهم من مصادرها , في حين اننا نبتعد عن مصادرنا أكثر فأكثر ) .
لقد اضحت مجموع الخسائر التي تكبدها العالم في الحرب العالمية الاولى رقما متواضعا حال مقارنتها مع ما أسفر عنه هذا القتال الجناعي الطاحن , إذ ادعى الالمان انهم قتلوا وجرحوا وأسروا في الاشهر الخمسة الاولى أكثر من ثلاثة ملايين روسي .
ومع ذلك امتلك الجيش الأحمر في اللحظة الحاسمة حين خطط ستالين وستافكا لأول هجوم مضاد حول موسكو 4,2 مليون رجل في جيوش الميدان , وبمعيتهم اعداد أكبر من الدبابات والطائرات .
ان ما امتلكه الجيش الأحمر من قوات بشرية لم تكن متمتعة بالخبرة العملية مثل خصمها الالماني سواء في البحر او في الجو . وحتي عند نهاية عام 1944م كان الروس يفقدون خمسة إلى ستة رجال مقابل كل الماني واحد .
واستطاعت ماكنة هتلر الحربية بمجرد انتهاء الشتاء (1941- 1942م) ان تستأنف هجماتها تجاه ستالينغراد لتتعرض لأطول حصار في تاريخ الحروب .
ومن ثم حاول الجيش النازي تارة ثانية بعد حصار ستالينغراد أن يجرب صيف 1943م , فسحب قواته المسلحة من اجل قيام فرق البانزر السبع عشرة بتطويق (كورسك) .
فدارت رحى اعظم معركة دبابات في تاريخ الحرب العالمية الثانية . وقاتل الجيش الاحمر بما لديه من فرق مدرعة بلغ عددها 34 فرقة مه 4 آلاف عجلة مقابل 2700 المانية .
ومع ان عدد الدبابات الروسية تقلص إلى النصف في غضون اسبوع واحد , فقد أفلحت في تحطيم الجزء الاكبر من جيش الدروع الهتلري وأضحت الآن مستعدة لشن الهجمات المقابلة الشرسة باتجاه برلين .
-مقاومة الروس
ان احتلال الالمان لموسكو في ديسمبر 1941م , كان مقدرا له أن يحطم مجهود روسيا الحربي ونظام ستالين ولكن أكان الشعب السوفيتي سيستسلم ومصيره الوحيد الابادة ولا تزال لديه احتياطات انتاجية وعسكرية وفيرة على بعد آلاف الأميال إلى الشرق .
فبالرغم من الخسائر الاقتصادية التي سببتها عملية بارباروسا إلا ان روسيا انتجت أربعة آلاف طائرة أكثر من المانيا سنة 1941م , وبأكثر من 10 آلاف طائرة سنة 1942م , فقد قدر الجنرال ( يودل ) في نوفمبر1943م أن 3,9 مليون الماني ومعهم 283 ألف جندي محوري حليفي كانوا يحاولون الوقوف بوجه 5,5 مليون روسي في الجبهة الشرقية .
وكان هذا حساب جبهة واحدة مقابل ثلاث جبهات المانية . وكان بوسع الجيش الأحمر بما يتمتع به من تفوق متزايد في اعداد الرجال والدبابات والمدفعية والطائرات ان يتحمل الخسائر بمعدل خمسة او ستة مقابل واحد .
وبقي يندفع إلى الأمام ضد الالمان الآخذين بالضعف . حتي أصبح التفوق السوفيتي بحلول عام 1945م في جبهتي أوكرانيا وروسيا البيضاء مطلقا ومرعبا متمثلا بامتلاكه خمسة أضعاف ما لدى خصمه من القوة البشرية , وخمسة أضعاف عدد دروعه وسبعة أضعاف أعداد مدفعيته ومع سبعة عشر ضعفا في القوة الجوية .
لقد حطم الجيش الاحمر ما مجموعة 506 فرقة المانية , وان 10 مليون من بين 13,6 مليون قتيل وأسير الماني لقوا حتفهم في الجبهة الشرقية وتوجيه فرق الجيش الاحمر نيرانها صوب برلين وفينا لتسقط برلين معقل هتلر الذي كان يحلم بالرايخ الثالث في أيدي الجيش الأحمر في نهاية الحرب وانهيار المشروع الالماني لفرض السيادة على ربوع اوروبا .
فلقد استسلمت المانيا بدون قيد او شرط في 7 مايو 1945م , واستسلمت اليابان بعد أن القت الطائرات الامريكية قنبلتين ذريتين على هيروشيما في 6 اغسطس وعلى نجازاكي في 9 أغسطس من نفس العام .
وفي 2 سبتمبر وقع مندوبو اليابان وثيقة الاستسلام على ظهر البارجة الامريكية ( ميسورى ) الراسية في خليج طوكيو. -تضحيات جسيمة كانت خسائر روسيا البشرية مروعة ذلك انها فقدت 7,5 مليون نسمة في صفوف القوات المسلحة , وما بين 6- 8 مليون مدني لقوا حتفهم على يد الالمان , اضافة إلى خسائر الحب الغير مباشرة التي نشأت عن تقليص حصص التموين والعمل الاجباري وزيادة ساعات العمل كثيرا ولذلك وكتحصيل حاصل مات ما يقارب 20- 25 مليون مواطن روسي قبل أوانهم في الاعوام (1941-1945م ) , ولما كان الرجال يشكلون معظم التضحيات ترك انعدام التوازن الجنسي تأثيره السلبي العميق على البنية الديمغرافية للبلد وخلف انخفاضا شديدا في نسبة المواليد .
أما التدمير المادي الذي لحق بالاجزاء الاوروبية نمن روسيا واوكرانيا وروسيا البيضاء التي احتلها الالمان فقط كان عصيا على التصور الاعتيادي .
فقد قتل 7 ملايين حصان من مجموع 11,6 مليون في الاقاليم المحتلة , وكذلك كان مصير 20 مليون خنزير من مجموع 23 مليونا . وتعرض للتدمير 137 ألف جرار زراعي , و49 ألف حاصدة دارسة .
واصابت الاضرار قطاع النقل بسبب اندثار 65 ألف كيلو متر من خطوط السكك الحديدية , مع فقدان أو تعطل 15800 مركبة , و428 ألف عربة نقل , اضافة إلى 4280 قارب نهري ونصف عدد جسور السكك الحديدية في الاقاليم المحتلة .
مع تلف 50% من مجمل الاقاليم السكنية وتهدم 1,2 مليون دار , فضلا عن تقوض 3,5 مليون دار في المناطق الريفية , واحيلت بيوت كثيرة إلى اشلاء , ودمرت بضعة آلاف من القري .
وعاش الناس في أنفاق تحت سطح الأرض .رغم التضحيات الجسيمة الا أن روسيا بجيشها الأحمر لم تنتصر فقط على نازية هتلر , بل انها حررت دول اوروبا بأسرها من سيادة المشروع النازي الالماني عليها . واليوم ومنذ اكثر من عامين تكافئ دول اوروبا وبالذات - فرنسا وبريطانيا - روسيا بدعمها للنازيين الجدد في أوكرانيا من خلال دعمهم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الاتحاد السوفیتی الحرب العالمیة الجیش الأحمر فی مطلع أکثر من
إقرأ أيضاً:
عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟
في الساعات الأولى من صباح الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، عندما تصاعد الدخان فوق سماء كييف وعبرت الدبابات الروسية الحدود، كان واضحا منذ اللحظات الأولى أن ثمة شيئا خطيرا سوف يتأثر به العالم كله. لم تكن تلك حربًا محدودة على إقليم متنازع عليه، بل كانت في جوهرها إعادة فتح حسابات الجغرافيا السياسية العالمية من قلب أوراسيا، حيث تتقاطع دائما أطماع القوى الكبرى، وتُختبر معادلات القوة.
مثلت الحرب اختبارا حاسما للنظام الدولي الذي وُلد على أنقاض الاتحاد السوفياتي. فمن جانب روسيا؛ لم تكن الحرب إلا محاولة لتصحيح ما تعتبره انكسارًا جيوسياسيًّا أصابها منذ نهاية الحرب الباردة، بعد فقدان مجالها الحيوي في شرق أوروبا. أما أوكرانيا، فتسعى للانفكاك النهائي من جاذبية المدار الروسي، وتحقيق حلم الانتماء الكامل إلى الغرب. وفي المنتصف، تقف الولايات المتحدة وأوروبا، أمام انقسام تاريخي حول تحديد الأولويات وتعريف الضرورات الأمنية لكل منهما.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ترامب والشرع.. ماذا تريد أميركا من سوريا؟list 2 of 2بعد اشتعال سماء السودان.. من ينتصر في حرب المسيرات؟end of listومنذ بداية الحرب؛ راهنت العديد من العواصم الغربية على أن مزيجًا من العقوبات الاقتصادية الصارمة، والدعم العسكري السخي لأوكرانيا، إلى جانب وحدة الموقف في حلف الناتو، سيكون كفيلًا بردع موسكو ودفعها إلى التراجع، أو على الأقل استنزاف قدراتها الإستراتيجية.
إعلانلكن مجريات الحرب، وما تبعها من تحولات ميدانية وسياسية، كشفت عن محدودية هذا الرهان، وأظهرت قصور الغرب عن تحقيق انتصار حاسم. وبعد أكثر من ثلاثة أعوام، أصبح واضحًا أن أسباب هذا الإخفاق لا تقتصر على العوامل العسكرية أو الميدانية، بل تعود إلى منظومة أعمق وأكثر تعقيدًا، تشمل الأبعاد الجيوسياسية والديموغرافية والإستراتيجية.
فرغم الضغوط المتواصلة، أظهرت روسيا قدرة ملحوظة على الصمود والمرونة في التكيف مع حرب طويلة الأمد، في حين واجه الغرب فجوة بين إمكاناته الهائلة وقدرته على تحويلها إلى نتائج ملموسة على الأرض. فما العوامل التي منعت الغرب من تحقيق الانتصار السريع على موسكو؟ ولماذا تدخل الحرب عامها الرابع وسط آمال محدودة في الوصول إلى اتفاقيات جزئية دون الوصول إلى اتفاق يحسم الأسباب الجذرية لاندلاع الحرب؟
بعد أكثر من ثلاثة أعوام من المواجهة الغربية لموسكو؛ تُسيطر روسيا الآن فعليًّا على ما يقارب 20٪ من الأراضي الأوكرانية، بما يشمل شبه جزيرة القرم التي ضمّتها عام 2014، وأغلب أراضي المناطق الأربع: لوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون، التي أعلنت موسكو ضمها بعد بدء الغزو في 2022.
هذه المكاسب الميدانية ترافقت مع تغيّر سياسي لافت، تجسّد في مقاربة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تتبنى سياسة أكثر براغماتية وأقل حدة، وتُجري مفاوضات مباشرة مع موسكو بهدف وقف الحرب، حتى وإن تطلّب الأمر الإبقاء على المناطق التي خسرتها أوكرانيا تحت السيطرة الروسية.
في بدايتها، بدت الحرب محاولة لاجتياح سريع من جانب روسيا، لكنها ما لبثت أن تحوّلت إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. وفي هذا النوع من الحروب، يصبح الانتصار مرهونا بعاملين رئيسيين: القدرة على القتال، وإرادة الاستمرار فيه، كما يقول المؤرخ الأميركي المتخصص في الشأن الروسي، ستيفن كوتكين.
ولا تُقاس القدرة على القتال بما تملكه الدولة من دبابات أو مقاتلات أو طائرات مسيّرة فحسب، بل بما تستطيع إنتاجه بشكل مستمر عبر مجمّعها الصناعي، وعدد خطوط إنتاجها، وعمال مصانعها، وتحالفاتها الخارجية.
وقد زادت روسيا ميزانيتها العسكرية إلى أكثر من 6٪ من ناتجها المحلي في 2024، بعد أن كانت 3.9٪، مما يُعد مؤشرًا واضحًا على نيتها مواصلة القتال. كما أمر الرئيس بوتين في سبتمبر/أيلول من العام نفسه بزيادة عدد الجيش بنحو 180 ألف جندي، ليصل إلى 1.5 مليون، وهي التوسعة الكبرى الثالثة له منذ بدء الحرب.
إعلانوعلى عكس الحالة الروسية، يعاني الجانب الأوكراني من هشاشة القدرة على القتال واستنزاف تدريجي في الإرادة القتالية، نظرًا إلى اعتماده المفرط على الإمدادات الغربية. فجُلّ العتاد العسكري الأوكراني مصدره الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهو ما يجعل قدرة كييف على مواصلة الحرب مرتبطة بشكل مباشر بإرادة الشركاء الغربيين ومدى التزامهم.
لكن هذه الدول، رغم كثافة الإمدادات، لم تُطوّر خطوط إنتاج جديدة كافية لتعويض ما ترسله إلى أوكرانيا. وكانت المخزونات الأوروبية في الأصل محدودة، في حين لا يزال إنتاج الذخائر، وخصوصًا المدفعية منها، يسير بوتيرة أبطأ من وتيرة الاستهلاك في جبهات القتال.
وفي مؤشرات واضحة على هذا الاستنزاف، لجأت الولايات المتحدة إلى استدانة ذخائر من كوريا الجنوبية، رغم القيود الدستورية التي تمنع سول من تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع. كما اضطرّت واشنطن إلى تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية محظورة في الدول الأوروبية، وسبق أن تحفّظت الولايات المتحدة نفسها على استخدامها.
كل ذلك يعكس هشاشة البنية العسكرية الذاتية لأوكرانيا، وعجزها عن مواكبة متطلبات الحرب دون دعم خارجي مباشر. كما يُبرز محدودية الإرادة الغربية في تحويل المعركة إلى مواجهة شاملة وطويلة الأمد، في ظل تزايد الضغط السياسي الداخلي في الغرب، وشعور الناخبين بالإرهاق المالي والعسكري من حرب لا أفق لنهايتها.
الجغرافيا تقاتل مع روسياتُعد روسيا أكبر دولة مساحة في العالم، بامتداد جغرافي يبلغ نحو 17 مليون كيلومتر مربع، مما يمنحها قدرة استثنائية على المناورة الإستراتيجية من أوروبا الشرقية إلى سواحل المحيط الهادي. وهي تتشارك حدودًا برية أو بحرية مع 16 دولة، بعضها من الحلفاء النوويين، وأبرزهم الصين، ثاني أقوى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، بحدود يصل طولها إلى 4200 كيلومتر، إضافة إلى كوريا الشمالية، ثم إيران التي لا تشترك مع روسيا بحدود برية، لكنها ترتبط بها جغرافيًّا عبر بحر قزوين، وهو امتداد إستراتيجي لا يقل أهمية عن الحدود البرية من الناحية اللوجستية.
إعلانومن ثم فلا يمكن إغفال الدور المحوري الذي أدته الجغرافيا في تعزيز قدرة روسيا على الصمود في وجه الحصار الغربي. فالدول المجاورة لها مباشرة، مثل الصين وكوريا الشمالية ومنغوليا، أو تلك التي ترتبط بها عبر حدود وسيطة، وفّرت لها دعمًا متنوعًا، سواء عبر الإمداد المباشر أو عبر توفير نقاط عبور إستراتيجية، بدوافع تتراوح بين المصالح الذاتية والعداء للغرب. هذا الامتداد الجغرافي الواسع، الذي يشمل قلب أوراسيا، يجعل من المستحيل عمليًّا فرض حصار شامل وفعّال على روسيا.
ورغم أن بعض هذه الدول ليست داعمة لروسيا بشكل كامل، فإن امتناعها عن المشاركة في العقوبات الغربية، واحتفاظها بعلاقات اقتصادية وتجارية مع موسكو، يجعلها فعليًّا "حليفة بحكم الجغرافيا"، وكان التجلي الأبرز لهذا العمق الجغرافي هو مشاركة كوريا الشمالية بأكثر من 10 آلاف مقاتل لإسناد الجيش الروسي في الدفاع عن كورسك.
منذ الأيام الأولى للحرب، خيّم شبح الخوف من التصعيد النووي على كل قرارات الغرب في معايرة الردود الممكنة على موسكو. وعلى الرغم من الإدانات والعقوبات والدعم العسكري الغربي الواسع لكييف، بقيت هناك "خطوط حمراء غير مرئية" تقيّد السلوك الغربي، لمنع وقوع الخطر النووي.
تمتلك روسيا ثاني أكبر ترسانة نووية في العالم، وأكثر من 6 آلاف رأس نووي. ومنذ بداية الحرب، لمّح الرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولون روس إلى إمكانية استخدام السلاح النووي في حال "تهديد وجودي". هذا التهديد، وإن لم يكن صريحا، أجبر صناع القرار في واشنطن وبروكسل على التعامل مع موسكو بوصفها قوة ذات "حواجز خطيرة".
وكانت النتيجة: لم تُستهدف المصانع، ولا المنشآت العسكرية العميقة، ولا البنية التحتية داخل روسيا، رغم أنها تمدّ على جبهات القتال. لم تواجه روسيا أي قصف عميق داخل أراضيها كما حصل مع ألمانيا النازية أو صربيا في الحروب السابقة، مما منحها حرية نقل السلاح والجنود بأمان داخل أراضيها، والإنتاج العسكري المستمر في مصانع بعيدة عن الجبهات.
إعلانفي المقابل، لم تتمتع أوكرانيا بهذا العمق الإستراتيجي، حيث كانت بنيتها التحتية هدفا مستمرا للقصف الروسي، مما وضعها في موقع دفاعي دائم.
وإجمالا يمكن القول بأن الخوف من الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع قوة نووية، قيّد خيارات الدول الغربية. فالولايات المتحدة والناتو كلاهما رفضا إقامة منطقة حظر جوي، أو إرسال قوات برية، أو تسليم أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى (في بداية الحرب) لضرب العمق الروسي. وحتى حين قدّمت واشنطن لكييف صواريخ طويلة المدى (ATACMS)، فرضت شروطا صارمة بأن لا تُستخدم داخل الأراضي الروسية.
ربما كان توقع التهديد النووي مبالغا فيه، لكن احتمال استخدامه ليس صفرا، ويبدو أن بوتين راهن على أن مجرد التهديد بالغموض النووي كاف لشل إرادة الغرب في بعض الاتجاهات، وقد نجح.
راهنت أوروبا والولايات المتحدة على "سلاح العقوبات" ليكون أداة فعالة تؤدي إلى تدمير الاقتصاد الروسي وإلحاق الهزيمة بموسكو، غير أن الواقع وأرقام الاقتصاد الروسي يرويان حكاية مختلفة تثبت فشلا واسعا لرهانات الغرب، وتكشف الكثير من مواطن الخلل في توظيف ذلك السلاح.
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، ورغم 16 حزمة من العقوبات الغربية، نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 4.1 بالمئة في عام 2024، مقارنة بـ 3.6 في المئة في العام السابق له، بعد أن وصل إلى حدود -1.3 في المئة عند بداية الحرب.
ورغم العقوبات الواسعة، نجحت روسيا في التحايل على القيود التجارية عبر بيع النفط بطرق غير رسمية، إلى جانب تصدير النيكل والبلاتين والغاز الطبيعي إلى دول مثل الصين والهند.
وسمحت هذه الإيرادات بتمويل المجهود الحربي وتعزيز الإنفاق الحكومي، رغم ارتفاع التضخم إلى 9.5 في المئة وفوائد الإقراض إلى 21 في المئة لكبح التضخم، كما ذكر تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية في فبراير/شباط 2025.
إعلانكما استمرت المصانع الروسية في الحصول على المواد الخام والتكنولوجيا اللازمة للإنتاج العسكري، مما مكّن الدولة من مواصلة الحرب دون أزمات مالية كبيرة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
في محاولة للحد من الأرباح الروسية من النفط، أعلنت مجموعة السبع أن شركات التأمين والسفن الغربية يمكن استخدامها فقط عند شحن النفط بسعر 60 دولارًا أو أقل. لذلك طورت روسيا شبكة جديدة من السفن من أجل الالتفاف حول القيود ومواصلة الشحن إلى الصين والهند، وفق شبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
وبحسب المجلس الأطلسي الذي يتتبع تأثير العقوبات، تنقل روسيا 71 بالمئة من صادراتها من النفط عبر "أسطول شبحي" يجري إخفاء أصول ملكيته. كما أظهرت بيانات "Windward" في سبتمبر/أيلول 2023 أن هناك 1400 سفينة اسُتخدمت لنقل النفط الروسي في تحدٍّ للعقوبات الغربية، والعديد منها يبحر دون تأمين.
وأشار المجلس الأطلسي أيضا إلى أن معظم البنوك الروسية مستمرة في الوصول إلى نظام سويفت (خدمة مراسلة تربط المؤسسات المالية حول العالم) بما يمكنها من إجراء المعاملات الدولية وتسوية المدفوعات العابرة للحدود.
التوجه الأميركي نحو الصين وأولويات أوروبية أخرىخلال العقد الماضي على الأقل؛ اعتُبر احتواء صعود الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والصراع المحتمل حول تايوان، أولويات قصوى للولايات المتحدة. ورغم أن واشنطن دعمت أوكرانيا بشكل واسع عسكريا واقتصاديا، فإن الصراع مع روسيا لم يكن أولوية إستراتيجية أميركية عليا، مقارنة بالملف الصيني، حيث تبرز الصين بمنزلة قوة التحدي الأولى للنظام الدولي بقيادة واشنطن.
وبخلاف كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان (ضمنيا)، ودول الناتو، فإن أوكرانيا لا ترتبط باتفاق دفاعي ملزم مع الولايات المتحدة. لذا فإن الدعم الأميركي لها، رغم أهميته، يظل محدودا بطبيعة المصالح الإستراتيجية الأميركية الأشمل، مما جعله أقرب إلى التضامن السياسي والمساعدات العسكرية المشروطة، وليس التزاما وجوديا.
إعلانوبصرف النظر عن القدرة الاقتصادية والعسكرية الأميركية الهائلة، فإن القيادة السياسية لا يمكنها خوض صراعات كبرى متعددة أو تمويلها في وقت واحد. التصعيد في تايوان، أو مواجهة مباشرة مع الصين، سيكون كل منهما أكثر تعقيدا وأهمية جيوسياسية من الحرب في أوكرانيا، أيا كانت نتائجها. وهذا ما يجعل صنّاع القرار الأميركيين يوازنون بين دعم أوكرانيا، وحشد الإمكانات لكبح نفوذ الصين.
ويبدو أن واشنطن أدركت مؤخرا أن استمرار الحرب الأوكرانية سيكون صراعا مفتوحا يستنزف طاقات الولايات المتحدة ويضعف قدرتها على التركيز على أولوياتها البعيدة المدى، ويُهدد بإيجاد حالة "إرهاق إستراتيجي" داخلي، سياسي وشعبي، قد تؤثر في التزامات واشنطن اتجاه تايوان أو تحالفاتها في آسيا.
وفضلا عن واشنطن؛ ظهرت في بعض الدول مثل ألمانيا، وفرنسا، وهنغاريا، وسلوفاكيا، قوى سياسية تشكك في جدوى استمرار دعم أوكرانيا، كما تصاعدت أصوات من تيارات يمينية وشعبوية تقول: "هذه ليست حربنا"، أو "لماذا نمنح أوكرانيا مليارات الدولارات بينما نعاني داخليًّا؟". وفي المقابل، تدعو دول أخرى، مثل دول البلطيق وبولندا، إلى هزيمة عسكرية واضحة لروسيا، معتبرة أن أية تسوية ستعطي روسيا فرصة لاستعادة نفوذها الإقليمي.
هذا التردد الإستراتيجي والانقسام حول تفسير الحرب وحدود الموقف المفترض، أظهر المعسكر الغربي مؤخرا بصورة المنشق الباحث عن مخرج، وهي صورة بكل الأحوال تغري بوتين في استمرار ممارسة الضغوط العسكرية، واستمرار الضغط على نقطة ضعف ترامب التي يدركها جيدا وهي أنه لا يريد هذه الحرب.
موسكو مستعدة لدفع الأثمان"بدون أوكرانيا، تتوقف روسيا عن أن تكون إمبراطورية"
مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي في مقال لفورين أفيرز عام 1994
بحسب بريجنسكي ومنظرين آخرين؛ كان استقلال أوكرانيا ضربة قاسية وجهت إلى صميم مكانة موسكو الإمبراطورية، ولا تزال النخبة الأمنية في موسكو منذ ذلك الحين تعتبر استقلال أوكرانيا وضعية شاذة تاريخيا وخطرا يهدد مكانة روسيا بوصفها قوة عظمى.
إعلانومن ثم؛ حين أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا بعد سنوات من بدء زحف الناتو شرقا منذ قمة بوخارست عام 2008 التي فتحت الباب لمناقشة انضمام جورجيا وأوكرانيا للحلف، كان بوتين يدرك أنه يقوم بإعادة تصحيح التاريخ وإيقاف تدهور مكانة الأمة الروسية، ويعني هذا أن سقفا عاليا من الخسائر يمكن تحمله في سبيل هذه المغامرة التاريخية.
على الصعيد الجيوستراتيجي، يرى الإستراتيجيون الروس أوكرانيا منطقة عازلة ضرورية لحماية العمق الروسي من أي اعتداء غربي محتمل. لقد عانت روسيا تاريخيًّا غزوات مدمرة جاءت عبر السهل الأوكراني -من حملة نابليون في القرن التاسع عشر إلى اجتياح هتلر في الحرب العالمية الثانية- ولذلك ترسَّخ في الوعي الإستراتيجي الروسي أن غياب السيطرة أو النفوذ في أوكرانيا يفتح الباب أمام تهديد وجودي لا يمكن تحمله أو التعايش معه.
ورغم أن حلف الناتو لم يكن يخطط فعليًّا لشن حرب على روسيا، فإن منطق الجغرافيا السياسية يفترض دائما التحسب للسيناريو الأسوأ. فبدون أوكرانيا في فلكها، تفقد روسيا عمقها الإستراتيجي، وتتراجع خطوط دفاعها إلى حدودها المباشرة بشكل خطير. في حال التحقت أوكرانيا بحلف الناتو، يمكن لصواريخ الحلف أن تُنْصَب على مسافة لا تزيد على 200 كيلومتر من سان بطرسبرغ.
وإلى جانب الهاجس الأمني، ثمة بُعد تاريخي وهوياتي يحكم نظرة موسكو لأوكرانيا. كثيرًا ما عبّر بوتين وغيره من كبار المسؤولين الروس عن اقتناع مفاده أن الروس والأوكرانيين "شعب واحد" تربطه جذور تاريخية ودينية عميقة، هذه الرؤية لا تعتبر أوكرانيا مجرد دولة جارة، بل تراها مكوّنًا جوهريًّا من "العالم الروسي"، وهي رؤية ثقافية وحضارية ترتكز على ثلاثة أعمدة: روسيا، وروسيا البيضاء، وأوكرانيا. وفق هذا المنظور، تُعتبر كييف مهد الحضارة السلافية الشرقية، حيث وُلدت "كييف روس" في القرن التاسع الميلادي، ويرى القوميون الروس أنها الجذر التاريخي للدولة الروسية الحديثة.
إعلانهذه الاعتبارات هي التي دفعت بريجنسكي وآخرين منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك أوروبا الشرقية إلى القول بأن بقاء أوكرانيا على الحياد ضرورة لمنع استفزاز روسيا، وأن أي محاولة لضم أوكرانيا للناتو ستمثل ضغوطا هائلة على الوعي القومي والإستراتيجي الروسي لن يمكنه تحملها. لكن لسبب غير مفهوم بدقة؛ وبعد سنوات طويلة من عقلنة محاولات تحجيم موسكو، غامرت الولايات المتحدة والناتو بتجاوز الخطوط الحمراء المستقرة في نظام ما بعد الحرب الباردة، وهي المغامرة التي لم تخرج منها بعد.