تخيل لو أن «النقود» هذا الاختراع لم يكن فى حياتك، وما زلت تتعامل بالتبادل سلعا وخدمات، فمثلا أن تعمل فى جريدة، ثم تنتظر أن تأخذ عددا من النسخ، وتبحث عن من يرغب فى قراءة الجريدة، لتأخذ منه ما ينتجه من خبز أو غير ذلك، وتخيل لو رغبتك لم تتفق مع رغبته، فستظل فى البحث حتى تتوافق هذه الرغبات.
أليس أعظم ما وصلت إليه المجتمعات البشرية هى النقود بشكلها الحالى، والتى ستجبرها التطور والذكاء الاصطناعى، على التغير خلال السنوات القادمة، لتصبح أرقاما فقط تحول بين أجهزة الموبايل، وهو ما يطلق عليه العملات المشفرة أو الرقمية، والتى ستفرض على المجتمعات قريبا.
وقد سهل التطور فى النقود من نظام المقايضة إلى استعمال النقود السلعية، فالنقود الورقية والمصرفية وأخيرا النقود الإلكترونية إلى تسهيل النشاط الاقتصادى، وحركة الأفراد والبضائع والاستثمار، وزاد من حركة الإنتاج والعمالة، وخلق فرص العمل، فسبحان الله الذى يقوم «وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ» سورة هود آية:٦
للنقود أهمية كبيرة فى الحياة الاقتصادية للمجتمعات الإنسانية كأداة للوفاء بقيمة المبادلات، ووحدة قياس للقيم، وكمخزن للثروة وإدارة لسداد المدفوعات الآجلة، وأدرك الإنسان منذ الحياة البدائية البسيطة لأهمية وجود أداة لتسهيل تبادل السلع والخدمات بين أفراد المجتمع، لهذا جاء التبادل، فلم تكن هناك مشكلة فى مبادلة 10 كيلو جرامات قمح برأس ماشية صغيرة، ولكن مع تطور الإنسان، وازدياد حركته فى أقطار الأرض كان لا بد من تطور النقود، فمع التطور الاقتصادى والاجتماعى للمجتمعات البشرية، وظهور عيوب المقايضة والتى أهمها أنها ليست مقياسا مناسبا ولا تعطى قيما للسلع والخدمات، وصعوبة التوفيق بين رغبات المتعاملين إلى جانب صعوبة التخزين، التنقل، وغيرها من العيوب، فظهرت العملة ولكن فى شكل شيء من الطبيعة مثل الريش والحفار، ثم الفضة والذهب، ثم الورق، إلى مرحلة المشفرة والرقمية والتى ستأتى ستأتى.
وهو ما يتطلب من البنك المركزى المصرى الاستعداد المسبق لهذه المرحلة، والكشف مبكرا عن الجنيه المصرى الرقمى، والتعامل به، ولا يجب أن ننتظر رد الفعل أو ما سيحدث فى العالم حتى نتطور ونتقدم، ولكن يجب أن نكون فاعلين فى هذا التحول الرقمى العالمى ودخول عصر الذكاء الاصطناعى بسرعة البرق، ودفع كل مؤسسات الدولة لدخول هذا العالم، وبالتبعية دفع كل الدولة لهذا التحول.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدكتور محمد عادل م الآخر الإختراع والذكاء الاصطناعي المجتمعات البشرية
إقرأ أيضاً:
اتحاد الجمباز يقتل المواهب
تعانى الرياضة منذ سنوات طويلة من أزمة حقيقية لا تتعلق بقلة المواهب، بل بسوء إدارتها. فالموهبة فى مصر تولد قوية، لكنها كثيرًا ما تموت مبكرًا بسبب المحسوبية، والوساطة، والعقلية التى ترفض الحلم الكبير. ولعل قصة لاعب الجمباز العالمى آدم أصيل هى المثال الأوضح والأكثر إيلامًا على ذلك.
اقتراب آدم أصيل من منصة التتويج فى الأولمبياد، ليس غريباً عن مصر، بل هو اللاعب المصرى عبدالرحمن مجدى الذى مثل مصر بين عامى 2011 و2017، وكان يحلم بأن يصبح بطلاً عالمياً وأولمبياً. لكن هذا الحلم قوبل بالاستهزاء داخل أروقة الاتحاد المصرى للجمباز، كما صرح بنفسه:
«كنت أقول للاتحاد المصرى للجمباز عايز أكون بطل عالمى أولمبى، كان الرد بيجيلى بهزار ويضحكوا عليا ويقولوا إحنا فين وهما فين».
هرب عبدالرحمن إلى تركيا فى عام 2017، بعد سنوات من الإحباط، وتم تجنيسه، بعد أن غير اسمه إلى عبدالرحمن الجمل، ثم فى 2021 إلى الاسم المعروف عالمياً اليوم بآدم أصيل، وهو شرط للحصول على الجنسية. وقال:
«لقد غيرت بلدى لأصبح شيئا مهما للغاية فى العالم. أريد أن يُعرف اسمى فى جميع أنحاء العالم».
ومنذ حصوله على الدعم الحقيقى، بدأت النتائج تتحدث. فاز فى 2022 بذهبية جهاز الحلق فى بطولة العالم بليفربول. وفى 2023 تُوج بذهبية الفردى العام، ليصبح بطل أبطال أوروبا فى الجمباز الفنى، إضافة إلى ذهبية جهاز الحلق فى البطولة نفسها. ولم يتوقف التألق، إذ حقق فضية جهاز الحلق فى بطولة العالم بإندونيسيا هذا العام، وكان قريبا من ميدالية أولمبية فى باريس.
المؤلم فى القصة أن ما حققه آدم أصيل لم يحققه معظم لاعبى مصر، الذين لم يحصل أى منهم على ميدالية بطولة عالم او حتى الوصول الى نهائيات الأجهزة فى بطولات العالم كأفضل ثمانية.
ومن المؤسف أن قصة آدم ليست استثناء، بل مرآة لواقع رياضى يطرد أحلامه بيده. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن إلى متى تظل الوساطة أهم من الموهبة؟ وإلى متى نكتفى بالاحتفال بالمشاركة، بينما يصنع الآخرون الأبطال؟
وللحديث بقية