للخلف در.. ماذا يجري داخل الفيفا بعد سنوات الإصلاح؟
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
رغم مرور نحو عقد من الزمان على صدور تقرير كان مخصصا لإنقاذ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" مما وصف بأنه "أزمة وجود"، فإن شهية الهيئات الناظمة للعبة للإصلاح بما فيها الفيفا نفسه "تضاءلت"، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
وكان التقرير الثري بمقترحات الإصلاح، الذي أعده العديد من الخبراء المطلعين على كرة القدم في ديسمبر عام 2015، أفضل فرصة للفيفا ليُظهر لشركائه التجاريين والمحققين الأميركيين ومليارات المشجعين من عشاق الساحرة المستديرة أنه يمكن الوثوق به مرة أخرى بعد واحدة من أكبر فضائح الفساد في تاريخ الرياضة.
وخلص التقرير، الذي كان أحد مؤلفيه هو رئيس الفيفا الحالي السويسري جياني إنفانتينو، إلى إجراء تغييرات ملموسة وثورية بالنسبة للفيفا، بما في ذلك الشفافية في كيفية التوصل إلى القرارات الكبرى، وحدود ولاية كبار القادة والقيود الجديدة على السلطة الرئاسية، وإلغاء اللجان الممولة بشكل جيد، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها نظام للكسب المؤسسي غير المشروع.
ومن أهم الاصلاحات التي تم اعتمادها، تحديد سنوات ولايات رئيس الفيفا والاعضاء بـ12 عاما (3 ولايات حسب النظام الحالي)، فضلا عن انشاء مجلس الفيفا بدلا من اللجنة التنفيذية حاليا لتكون مهمته وضع الاستراتيجية العامة وسياسات الاتحاد، على أن تتابع الأمانة العامة الخطوات التنفيذية والتجارية المطلوبة لتنفيذ هذه الاستراتيجية.
والجمعة المقبلة في بانكوك، سيطلب إنفانتينو من أعضاء الفيفا الموافقة على قائمة من التغييرات في النظام الأساسي، سيكون من شأنها أن تلغي المزيد من التغييرات التي تبناها ذات يوم، واستعادة الهياكل التنظيمية التي سعى إلى إزالتها سابقا.
ويقول المنتقدون إن ذلك من شأنه أن يبعد كرة القدم عن المبادئ السليمة للحكم الرشيد التي تبنتها وسط فضيحة فساد سابقة أطاحت برئيس الفيفا السابق، سيب بلاتر، بجانب عدد آخر من المسؤولين.
وقالت الهيئة الناظمة للعبة التي تتخذ من زيوريخ مقرا لها ردا على ذلك، إن "الفيفا لا يتفق مع هذا الرأي على الإطلاق".
وكثيرا ما يستشهد الفيفا، وكذلك إنفانتينو شخصيا، بتأييد قوي لإصلاحاته كلما أثيرت أسئلة بشأن النزاهة.
وبينما نادرا ما يجري إنفانتينو مقابلات صحفية، قال الفيفا ردا على أسئلة بشأن التراجع عن الإصلاحات، إن التغييرات التي تم إجراؤها منذ فضائح عام 2015 حولته "من مؤسسة سامة إلى هيئة إدارة محترمة وموثوقة وحديثة".
وأضاف أن هذا المحور لنموذج الحكم "تم الاعتراف به من قبل العديد من المنظمات الخارجية، بما في ذلك وزارة العدل الأميركية".
لكن المسؤولين الأميركيين قالوا الأسبوع الماضي إنهم لم يراجعوا قط قواعد الفيفا أو معايير الحوكمة، كما رفض مكتب المدعي العام، الذي رفع العديد من قضايا الفساد، الوقوف وراء التغييرات التي أجراها الاتحاد الدولي.
وقال المتحدث باسم مكتب المدعي العام الأميركي للمنطقة الشرقية من نيويورك، جون مارزولي، "لم يؤيد مكتبنا فعالية أي من جهود الإصلاح الحالية للفيفا".
ووصل السويسري إنفانتينو الى الرئاسة في فبراير 2016، وخلف مواطنه بلاتر الذي أوقفته لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد في ديسمبر 2015 عن مزاولة أي نشاط مرتبط بكرة القدم، في قضية أطاحت أيضا بمن كان خليفته المرجح، الفرنسي ميشال بلاتيني، الذي كان يرأس في حينه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
"اقتلاع التفاحات الفاسدة لا يكفي"وكان لدى الفيفا 26 لجنة دائمة عندما ضربته الفضائح. وأوصى تقرير عام 2015 بتقليص تلك اللجان إلى 9 "لتحسين الكفاءة"، فيما وصل عدد اللجان الحالية إلى 7 لجان فقط.
ولكن كجزء من تغييرات القواعد المقترحة التي يتم النظر فيها هذا الأسبوع في بانكوك، سيطلب إنفانتينو من الأعضاء الموافقة على زيادة اللجان خمسة أضعاف، إلى 35 لجنة، وكذلك الحصول على سلطة إنشاء لجان جديدة - وتعيين أعضاء - عندما يراها هو مناسبة.
وقال الفيفا إنه بحاجة إلى اللجان الإضافية لأنه وسع مهامه بشكل كبير، وأشار إلى أن الأدوار ستخلق المزيد من المناصب للنساء.
وأضافت أن بعض الاجتماعات ستعقد عن بعد. ولم يذكر كيف سيتم اختيار المعينين في اللجان.
وابتسم أحد المسؤولين الرياضيين، الذي يعمل في هيئة رياضية كبرى أخرى، ولكنه خدم في لجان الفيفا سابقا، عندما تم إخباره عن زيادة عدد اللجان.
وطلب المسؤول من صحيفة "نيويورك تايمز" عدم ذكر اسمه لأنه لا يزال على علاقة بالمنظمة، لكنه قال إنه يأمل أن يُعرض عليه منصب؛ لأن الامتيازات تشمل تقليديا الحصول على تذاكر كأس العالم الثمينة.
في مجلس إدارة الفيفا الرفيع مثلا، يتقاضى الأعضاء ما بين 250 إلى 350 ألف دولار سنويا مقابل وظيفة قد تتطلب حضور ما لا يقل عن 3 اجتماعات سنويا.
إنفانتينو نفسه تضاعف راتبه منذ توليه منصبه، ليصل إلى ما يقرب من 5 ملايين دولار، وأشرف مؤخرا على تعديل حدود المدة - الخاصة به - التي قد تسمح له بالبقاء في منصبه لمدة 15 عاما بدلا من 12 عاما التي ينص عليها النظام الأساسي للفيفا.
وعلى مستوى الاتحادات القارية، فإن وعود التغيير نحو الإصلاح تخفف. فالاتحاد الآسيوي سيصوت هذا الأسبوع لإلغاء القيود المفروضة على فترات الولاية، إذ سيسمح لرئيسه وأعضاء مجلس إدارته بالبقاء في مناصبهم إلى أجل غير مسمى.
وقال الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إن 4 من الاتحادات الأعضاء فيه طلبت التغيير.
وفي القارة العجوز، تمت الموافقة على محاولة رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للبقاء بعد فترة ولايته البالغة 12 عاما، لكنها أصبحت بلا معنى عندما قال إنه لن يترشح.
وقال إنه لم يكن يخطط لتمديد فترة ولايته، ولكنه أراد اختبار ولاء الأعضاء.
كما فشل اتحاد كرة القدم في أميركا الشمالية (الكونكاكاف) الذي كان على وشك الانهيار بسبب فضيحة الفساد عام 2015، في متابعة التغييرات الموعودة مثل توظيف أعضاء مجلس الإدارة المستقلين. ولم يرد اتحاد الكونكاكاف على طلب للتعليق.
وأشارت المراجعة الخارجية للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، التي تم التكليف بها بعد سيطرة الفيفا على المنظمة، إلى وجود عشرات الملايين من الدولارات من الأموال المختلسة.
وألقى ميغيل مادورو، أول رئيس لحوكمة الفيفا يعينه إنفانتينو بعد انتخابه، باللوم على ثقافة المنظمة في العودة إلى الطرق القديمة. وقال: "لا يكفي اقتلاع التفاحات الفاسدة إذا ظلت الأشجار التي أنتجتها في مكانها".
ووصف مادورو، الذي ترك منصبه عام 2017، التغييرات الأخيرة بأنها "تأكيد" لعملية جارية بشكل غير رسمي منذ سنوات.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: لکرة القدم عام 2015
إقرأ أيضاً:
صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
كارل بيلت -
«المال هو الذي يجعل العالم يستمر في الدوران»، هكذا تغنّي فتاة الاستعراض سالي بولز في مسرحية «كباريه»، المسرحية الموسيقية الشهيرة التي تدور أحداثها على خلفية انحطاط جمهورية فايمار. من المؤكد أن المال سيشكل مستقبل أوروبا، حيث يضطر القادة السياسيون في مختلف أنحاء القارة إلى اتخاذ قرارات مؤلمة حول كيفية تخصيص الأموال العامة في عالم متقلقل على نحو متزايد.
من المنتظر أن تعمل ثلاث أولويات عاجلة على إرهاق الموارد المالية العامة في أوروبا خلال السنوات القليلة المقبلة. الأولى -والأكثر وضوحا- هي الدفاع. الواقع أن القوة الدافعة نحو زيادة الإنفاق العسكري تتمثل في المقام الأول في الرغبة في الرد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المستمر لحلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد جعلت هذه الضغوط مجتمعة من تعزيز موقف أوروبا الدفاعي ضرورة استراتيجية.
الأولوية الثانية والأكثر إلحاحا هي دعم أوكرانيا في معركتها ضد روسيا. إذا انهارت دفاعات أوكرانيا، فمن المرجح أن تنفجر روسيا في نوبة هياج انتقامية. وضمان قدرة أوكرانيا على الاستمرار في الدفاع عن نفسها يتطلب أن تتجاوز الحكومات الأوروبية التزامات الإنفاق الدفاعي الحالية.
وأخيرا، هناك العملية المطولة المتمثلة في إعداد ميزانية الاتحاد الأوروبي القادمة المتعددة السنوات، والتي ستغطي الفترة من 2028 إلى 2034. وقد قدمت المفوضية الأوروبية اقتراحها بالفعل، لكن التحدي الحقيقي يكمن في المستقبل، حيث يتعين على البلدان الأعضاء والبرلمان الأوروبي إجراء مفاوضات داخلية قبل الاتفاق على الأرقام النهائية. يتضمن اقتراح المفوضية زيادة تمويل الأمن، والالتزامات العالمية، والقدرة التنافسية، فضلا عن تقديم دعم إضافي لأوكرانيا.
ورغم أن هذه الأولويات حظيت بتأييد واسع الانتشار، فإن إعادة تخصيص الموارد اللازمة لتمويلها كانت موضع جدال حاد. من المأمون أن نقول إن اللجنة تتجه نحو مواجهة سياسية مريرة قبل التوصل إلى الإجماع. على الرغم من حدة هذه المعارك المرتبطة بالميزانية، فإن الميزانية التي تقترحها المفوضية تبلغ 1.26% فقط من الدخل الوطني الإجمالي في بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين. وبينما تزيد هذه النسبة عن الحالية (1.13%)، فإن الزيادة الصافية متواضعة نسبيا بمجرد احتساب تكاليف خدمة الديون الناتجة عن فورة الاقتراض التي أعقبت جائحة كوفيد-19.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالدفاع، تصبح الأرقام أكثر أهمية بدرجة كبيرة. فقد تنامت ميزانيات الدفاع في مختلف أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة بنسبة الثلث تقريبا، حيث تنفق معظم الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي أو تقترب من هذا المعيار.
ولكن حتى هذا لم يعد كافيا. ففي قمة الناتو في يونيو في لاهاي، تعهد الأعضاء بإنفاق 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2035، مع تخصيص 1.5% إضافية للاستثمارات المرتبطة بالدفاع والأمن في عموم الأمر. ويبدو أن نسبة 1.5% الإضافية مصممة لاسترضاء ترامب، الذي دعا الحلفاء الأوروبيين مرارا وتكرارا إلى زيادة الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يعتمد جزء كبير من هذا الإنفاق الإضافي على المحاسبة الإبداعية بدلا من التمويل الجديد الحقيقي. كما يتطلب دعم أوكرانيا خلال الحرب وإعادة بناء البلاد في نهاية المطاف التزاما ماليا كبيرا. وبينما تتفاوت التقديرات، فإن مبلغ 100 مليار دولار سنويا، على سبيل المثال، سيعادل ما يزيد قليلا على 0.4% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مجتمعين -وهو مبلغ كبير ولكن ليس من السهل على الإطلاق إدارته.
عند مرحلة ما خلال فترة الميزانية 2028- 2035، سيكون من اللازم معالجة تكلفة إعادة بناء أوكرانيا. تشير تقديرات بعض الدراسات إلى أن تكلفة إعادة البناء قد تبلغ نحو 500 مليار دولار، وإن كان هذا الرقم يشمل المناطق التي قد تبقى تحت السيطرة الروسية في المستقبل المنظور. وسوف يعتمد قدر كبير من الأمر أيضا على ما إذا كانت الضمانات الأمنية، واحتمالات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، قد تعزز بيئة مواتية للاستثمار الخاص على نطاق ضخم.
بطبيعة الحال، قد تنشأ مطالب جديدة، وسوف يفرض هذا ضغطا إضافيا على موارد أوروبا المالية. على سبيل المثال، خفّضت عدة حكومات أوروبية بالفعل مساعدات التنمية أو حولت جزءا منها لدعم أوكرانيا. ورغم أن هذا قد يكون ردا ضروريا في الأمد القريب على الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن عواقبه في الأمد البعيد تظل غير واضحة. في الوقت الراهن، تلبي النرويج والسويد والدنمارك فقط هدف الأمم المتحدة المتمثل في تخصيص 0.7% من الدخل الوطني الإجمالي لمساعدات التنمية. وبعد التخفيضات الكبيرة التي أجرتها إدارة ترامب على المساعدات الخارجية وإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تنشأ حجة قوية لصالح تركيز أوروبا على شغل هذا الفراغ. فالعالم الأكثر يأسا سيكون أشد تقلبا وأقل أمنا، وهذا كفيل بجعل التنمية ضرورة استراتيجية وأخلاقية في آن واحد.
لن يكون الوفاء بكل هذه الالتزامات سهلا، وخاصة بالنسبة للحكومات التي تعاني بالفعل من ارتفاع العجز وارتفاع الدين العام. وتخميني أن دول شمال أوروبا ستصل إلى هدف الإنفاق الدفاعي وفقا لحلف الناتو بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2035، في حين ستفشل دول جنوب أوروبا -باستثناء اليونان- في الأرجح في تحقيقه.
مع توجه كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى الانتخابات بحلول عام 2027، من المرجح أن تظل الشهية السياسية لخفض الإنفاق اللازم لزيادة ميزانيات الدفاع محدودة. يتضح هذا الاتجاه بالفعل في توزيع المساعدات لأوكرانيا. في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، ساهمت دول الشمال الأوروبي بمبلغ 6.8 مليار دولار، وقدمت المملكة المتحدة 5.3 مليار دولار، وقدمت ألمانيا نحو 760 مليون دولار، بينما لم تقدم إسبانيا وإيطاليا سوى جزء بسيط من هذه المبالغ. من عجيب المفارقات هنا أن بلدان الاتحاد الأوروبي التي توصف غالبا بأنها «مقتصدة» هي ذاتها الراغبة بالفعل في تقديم التمويل اللازم لتعزيز أولويات الاتحاد المتفق عليها.
من ناحية أخرى، تفضّل الدول الأقل اقتصادا الدعوة إلى مزيد من الاقتراض، حتى برغم أن المجال المتاح لها للقيام بذلك بنفسها محدود. هذه التوترات تحرك الآن المعركة المحتدمة حول موارد أوروبا المالية. والتناقض صارخ بين موافقة الناتو السريعة على تعهدات الإنفاق الضخمة، وجدال الاتحاد الأوروبي حول مبالغ أصغر كثيرا. مهما كانت النتيجة، فإن المعركة المالية القادمة ستختبر مدى قدرة قادة أوروبا واستعدادهم لمواجهة التحديات الأمنية الخطيرة المقبلة.