لجريدة عمان:
2025-05-28@01:12:02 GMT

قمة المنامة: ما أشبه الليلة بالبارحة!

تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT

يوم الخميس الماضي انفضت القمة العربية رقم 33 في المنامة، ببيانٍ باهت لم يختلف عن بيانات القمم السابقة، وكأنه «نسخ ولصق» فقط، رغم أنّ الأمة تمرّ بظروف صعبة، خاصةً ما تتعرض له غزة من إبادة، حيث «استنكر البيان الختامي..» و«دعا إلى.. وإلى.. وإلى..»، كما أدان بـ»أشد العبارات استمرارَ العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة والجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني، والانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني»، وكأنّ مجرد الإدانة «بأشدّ» العبارات سيوقف إسرائيل عند حدها، ومع ذلك لا أدري ما معنى «الإدانة بأشدِّ العبارات».

هل تُعقد القمم لكي يأتي كلّ أحد ليلقي كلمته فقط، وكأنّ المسألة «سوق عكاظ» مخصص لإلقاء الكلمات؟ لقد تشابهت كلّ الخطابات، وأجمعت على أنّ القمة تُعقد في «ظرف استثنائي»، دون أن يتطرّق أحدٌ إلى ما هو المطلوب إزاء هذا الظرف الاستثنائي. والغريب أنّ كلّ المتحدثين تناولوا في خطبهم مأساة غزة، وكأنهم إعلاميون يقدّمون معلومات لا يعلم بها أحد، لدرجة تناولِ أرقام الشهداء والمصابين، بل الأدهى من ذلك أن يتهم رئيس السلطة الفلسطينية حركة حماس «بتوفير ذرائع لإسرائيل كي تهاجم قطاع غزة»، وكأنّ إسرائيل لم تنكل بالفلسطينيين قبل ذلك في غزة والضفة الغربية والقدس، قتلًا وإرهابًا وتنكيلًا وتجويعًا، منذ أكثر من 76 عامًا.

الواقع يثبت أنّ الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، لا تأبه بهذه القمم، ولا تمثل لها شيئًا في قاموس حياتها اليومي، وأكاد أجزم أنّ السواد الأعظم من الناس لا يدرون بها ولا أين عُقدت ومن حضرها، وعمَّ تمخضت، ولعل ما يدل على عبثية هذه القمم أنّ البيانات تُعدّ مسبقًا من قبل سكرتارية جامعة الدول العربية، ولا يبقى إلا شكليات الحضور وإلقاء الكلمات، التي لا تخلو من مفارقات عجيبة وغريبة في الإلقاء.

سبق لي أن كتبتُ مقالًا بعنوان «جلالة السلطان المعظم.. والقمم العربية»، نُشر في الثالث من أبريل 2013م، في مجلة «الفلق» الإلكترونية، تناولتُ فيه ما تثيره وسائل الإعلام العربية عن عدم حضور السلطان الراحل للقمم العربية، وممّا ذكرتُ فيه، أنه عندما تولى مقاليد الحكم في عُمان كان مفعمًا بالأمل، فحضر القمة العربية التي عُقدت في الجزائر عام 1973م، واستمع إلى الكثير من الأقوال التي قيلت، لكنه -كما نقل عنه سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة «الحوادث» اللبنانية- فوجئ أنّ كلّ المداولات تدور في حلقة مفرغة، لذا طرح على الحضور سؤالًا محددًا هو: هل أنتم قادرون على محاربة إسرائيل؟ كانت الإجابة لا، ثم سألهم: هل لديكم خطة بديلة؟ كانت الإجابة أيضًا لا. هنا أدرك جلالته مبكرًا أنّ القادة العرب يضيّعون أوقاتهم سدى وألا فائدة تُرجى من هذه القمم. وأستطيع أن أقول: إنّ وجهة النظر تلك كانت صائبة، لأننا كمواطنين عاديين «نعلم تمامًا أنّ الــ24 قمة عربية التي عُقدت حتى الآن لم تحقق شيئًا أبدًا؛ بل هناك من القمم ما أصبحت شؤمًا على الوطن العربي؛ لأنها أعطت الشرعية لاحتلال العراق وليبيا وسوريا، وكان دور جامعة الدول العربية هو دور تنفيذ المخططات الأجنبية ضد الوطن العربي، فيما قضية العرب الأساسية وهي قضية فلسطين لم يجدّ فيها جديد، وعلى عكس ذلك فإنّ إسرائيل أصبحت أقوى وأطول ذراعًا، وأصبح المسجد الأقصى الذي تغنّى به البعض واستمد شرعيته من المتاجرة به كقضية، أصبح أقرب إلى الهدم».

في ظاهرة نادرة الحدوث، كشف العقيد الراحل معمر القذافي كواليس ما يجري في القمم العربية، وذلك يوم 17 أكتوبر عام 2000م عندما قرأ على الهواء مباشرة، البيان الختامي للقمة قبل انعقادها، حين استضافه الإعلامي فيصل القاسم في قناة الجزيرة، وقرأ القذافي من البيان مع بعض التعليقات: «أعرب القادة العرب عن بالغ استيائهم وإدانتهم لقيام إسرائيل بالتصعيد، هذه أول فقرة، يعني يعربون عن استيائهم وإدانتهم، زين؟ هذه بنبيعها في أيّ سوق؟ نصرفها فين؟ ويدين القادة العرب عدم استجابة إسرائيل لخيار السلام، زين هذه التصرفات شو بتعمل هذه؟ ويدين.. يتعين على إسرائيل أن تقبل الاعتراف العربي بوجودها في المنطقة بموقف واضح، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الأمم المتحدة، شو بيدري بها المواطن العربي لما يسمع الكلمة دي؟ ويحمّل القادة العرب إسرائيل وحدها مسؤولية هذا التوتر والعنف، ويطالبونها بالتوقف الفوري، يطالبونها..»، فهل تغيّر شيء من عام 2000 إلى عام 2024م؟ الجواب لم يتغير شيء، فقد مرّ ربع قرن وعملية النسخ واللصق مستمرة.

الذي يحدث في القمم العربية، هو أنّ بعض الدول تحاول أن تسيطر على القرار العربي بما تملك من مال، بغياب دور الدول العربية الأساسية الفاعلة؛ لذا فإنّ كلّ القمم تأتي هزيلة، ولا يجري الإعداد لها الإعداد الجيّد، ويحضر القادة وتُنقَل الجلسات على الهواء، في صورة أقرب إلى لقاء الغرباء، وهنا أعود لأقول: إنّ جلالة السلطان الراحل، كان قد انتبه إلى هذا الوضع منذ فترة مبكرة؛ ففي نوفمبر عام 1985 عقد مؤتمرًا صحفيًّا لوسائل الإعلام المحلية، تناول فيه العديد من القضايا، وممّا اقترح في ذلك اليوم لإنجاح القمم العربية، أن يلتقي القادة في جلسات ودية بعيدة عن الأضواء، كأن يلتقوا في حديقة ويناقشوا الموضوعات المطروحة بروح أخوية وبأريحية وتلقائية، وتدور عليهم فناجين الشاي والقهوة، بعد أن يكون قد سبقت هذا اللقاء جلسات تحضيرية لوزراء الخارجية ثم رؤساء الوزراء وهكذا، وهذا كفيلٌ بإنجاح أيِّ لقاء؛ لأنَّ الحكام العرب في هذه الحالة يكونون بعيدين عن الضغط الإعلامي، ويكونون أقرب في العلاقات الإنسانية مع بعضهم البعض، وهو اقتراح إذا لم يُأخَذ به فإنَّ القمم العربية ستستمر على ما هي عليه، وسيستمر التجاهل الشعبي لها حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا؛ فما شاهده في قمة الجزائر كان أرحم بكثير مما شاهده عامة الناس في القمم اللاحقة عبر الفضائيات.

إنّ أيَّ قمة تستمد شرعيتها مما تتخذه من قرارات تهمّ الناس ويعلقون عليها الآمال، بحيث يشعر المواطن العادي أنّ هناك من يمثله ويبحث له عن مستقبله، عكس ما يحصل الآن، إذ أنّ الشعوب العربية تتجاهل هذه القمم ولا تتفاعل مع بياناتها، باعتبارها كلامًا مكررًا لا جديد فيه، ووصل الشعور العام لدى المواطنين العرب إلى الخوف من انعقاد أيِّ قمة؛ لأنّ التجارب أثبتت أنّ هناك ضحية ما في الطريق بعد كلِّ قمة، ومن الجيد التذكير أنّ الشعب العربي تابع مظاهرات واعتصامات الجامعات العالمية وتفاعل معها وعلق عليها الآمال أكثر من القمة العربية، كما أنّ الشعب العربي يهتم كثيرًا ببيانات أبي عبيدة الناطق باسم كتائب القسام أكثر من اهتمامه ببيانات القمم العربية، وهذا يكفي.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القمم العربیة القادة العرب هذه القمم

إقرأ أيضاً:

الرفض الإستراتيجي.. فن القادة في عصر الأهداف المستحيلة

استوقفتني مؤخرًا مقالة قرأتها حول موضوع يهمّ كل من يعيش في بيئة عمل ديناميكية تتغير باستمرار، وتُلقى على كاهله مسؤوليات ضخمة قد تتجاوز حدود المعقول. المقالة تحدّثت عن مفهوم بالغ الأهمية في عالم الإدارة، وهو “الرفض الاستراتيجي”، ووجدت فيه ما يستحق أن يُشارك مع القارئ، لأننا جميعًا، بدرجات مختلفة، نعيش تحت وطأة مطالب تفوق طاقتنا، ونقف حائرين بين القبول الذي قد يهلكنا، والرفض الذي قد يُساء فهمه.
القصة التي افتُتحت بها المقالة تدور حول “جون”، وهو مدير تنفيذي في شركة تقنية ناشئة، وُضِع أمامه هدف ضخم لا يمكن تحقيقه: زيادة غير واقعية في المبيعات ضمن إطار زمني قصير، مع تنفيذ تحوّل شامل في نموذج العمل، وتحديثات تقنية كبرى، وإعادة هيكلة شاملة، بل وإلزام الموظفين بالعودة إلى المكاتب. تلك المهام، لو طُلبت من عدة فرق على مدار أعوام، لربما كانت ممكنة، لكن أن تُطلب دفعة واحدة من فريق واحد؟ فتلك وصفة حتمية للفشل أو الانهيار.
هنا تبرز المعضلة التي يواجهها كثير من المدراء: هل يقولون “نعم” على أمل إثبات الذات؟ أم يتحلّون بالشجاعة ليقولوا “لا”، ولكن بطريقة مدروسة ومبنية على معطيات واقعية؟ فالقول “نعم” قد يُرضي رؤساءهم على المدى القصير، لكنه يضعهم في دوامة من التوتر والضغط والفشل المحتمل. أما “الرفض الاستراتيجي”، فهو لا يعني الهروب من المسؤولية، بل هو ممارسة واعية للحفاظ على استدامة الأداء وحماية الفرق من الإنهاك.
الرفض الاستراتيجي لا يقوم على العاطفة أو التهوّر، بل على معادلة عقلانية تُوازن بين أهمية المهمة وإمكانية تنفيذها. فهناك مهام قد تبدو جذابة أو ضرورية، لكنها في الواقع تُهدد التوازن العام للمؤسسة. هنا يصبح الرفض هو القرار الحكيم. ويمكن التعبير عن هذا الرفض بلغة ذكية لا تُقلّل من أهمية المقترح، وإنما تُعيد توجيهه نحو ما هو أكثر جدوى. فبدلاً من أن يقول المدير: “لا يمكننا تنفيذ هذا”، يستطيع أن يقول: “يمكننا تنفيذه، ولكن بشرط تأجيل مشروع آخر أكثر أهمية، فهل توافقون؟”.
القادة الناجحون لا يخشون هذا النوع من المحادثات، لأنهم يعلمون أن وظيفتهم ليست تنفيذ كل ما يُطلب منهم، بل قيادة فريقهم نحو أفضل النتائج بأقل التكاليف البشرية والمادية الممكنة. وهم يدركون أن الرفض الذكي قد يكون أعظم أداة لحماية جودة العمل وسمعة المؤسسة، لا سيما عندما يكون مبنيًا على بيانات واضحة، وتحليل للموارد، وتقييم للأولويات.
بعض المؤسسات المتقدمة باتت تُدرج أدوات عملية لدعم هذا التوجه، مثل “مراجعات الفريق الأحمر” التي تختبر واقعية أي مشروع قبل اعتماده، أو جلسات “التحليل المسبق للفشل” التي تفترض أسوأ السيناريوهات لتجنّبها مسبقًا. والهدف من هذه الممارسات ليس تثبيط المبادرات، بل التأكد من أنها قابلة للتنفيذ دون استنزاف الفرق أو إضعاف الثقة الداخلية.
القيادة ليست في عدد المشاريع التي تُطلق، بل في نوعية القرارات التي تُتخذ. القائد القوي هو الذي يملك الشجاعة ليقول “لا” في الوقت المناسب، وبالطريقة الصحيحة، من أجل “نعم” أكثر فاعلية في المستقبل. إن التوازن بين الطموح والواقعية، وبين الحماس والانضباط، هو ما يصنع الفرق بين مدير منهك يلهث خلف إنجازات متفرقة، وقائد ملهم يعرف طريقه جيدًا نحو النجاح المتوازن.
‎لا يجب ان نخجل من استخدام كلمة “لا”، ليس كرفض عبثي، بل كأداة استراتيجية ترسم لنا خارطة أولويات واقعية، وتعيد للعقل مكانه الطبيعي في قيادة القرار. فبعض النجاحات تبدأ بكلمة: “لا”.

jebadr@

مقالات مشابهة

  • أحمد بن محمد يلتقي وزراء الإعلام العرب المشاركين في أعمال قمة الإعلام العربي 2025
  • إسرائيل تختبر الصمت العربي والأقصى في خطر
  • ذا هيل: هروب ترامب من اليمن أزعج إسرائيل والدول العربية المعتمدة على أمريكا
  • محللون: الموقف العربي شجع إسرائيل على ارتكاب كل هذه الجرائم
  • صنعاء هي القمة
  • رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: يجب منع إسرائيل من الاستمرار في تجاهل القانون الدولي والتصعيد في الأراضي الفلسطينية
  • لجنة حوكمة وسياسات الأمن السيبراني بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تناقش عدداً من المبادرات العربية في الأمن السيبراني
  • الرفض الإستراتيجي.. فن القادة في عصر الأهداف المستحيلة
  • نورة فطيس الأمين العام المؤسس للرابطة العربية للأمن السيبراني، خلال CAISEC’25: حماية الفضاء السيبراني العربي مسؤولية سيادية تتطلب ضميرًا رقميًا جماعيًا
  • العربية للتنمية الزراعية تنظم ورشة عمل لتطوير التعداد الزراعي العربي